الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكنْ بعيدًا عنها لو خرَجَ ماشيًا بعدَ سماعِهِ الأذانَ لم يُدرِكْها.
وأمَّا تقييدُ وجوبِ حضورِ الجُمُعةِ لِمَنْ هم في أطرافِ المدينةِ بخروجِهم إلى الصلاةِ وعَوْدَتِهم قبلَ مَغِيبِ الشمس، فلا يثبُتُ في ذلك شيءٌ، وقد جاء فيه مِن حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا:(الجُمُعَةُ عَلَى مَنْ آوَاهُ اللَّيْلُ إِلَى أَهْلِهِ)، رواهُ الترمذيُّ، وأنكَرَهُ أحمدُ جِدًّا (1)، ورُوِيَ نحوُه مِن مُرسَلِ أبي قِلَابةَ، وأنكَرَهُ حمادُ بن زيدٍ (2).
وفي الترمذيِّ؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يأمُرُ أهلَ قُبَاءَ بشهودِ الجُمُعةِ معه (3)، ولا يصحُّ؛ للجهالةِ فيه.
ومِن مُرسَلِ الزُّهْريِّ: أنَّهم كانوا يَشْهَدونَ الجُمُعةَ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِن ذي الحُلَيفَةِ؛ رواهُ ابنُ أبي شَيْبةَ (4)، ومراسيلُه ضعيفةٌ.
وقد جاءت أحاديثُ في تعيينِ مَن تجبُ عليه ومَن لا تجبُ، وليس في ذلك شيءٌ يثبُتُ، إلَّا أنَّ عملَ الصحابةِ والتابعينَ بيِّنٌ في ذلك ولو لم يصحَّ الخبرُ، وقد سُئِلَ أحمدُ بن حنبلٍ: على مَن تجبُ الجُمُعةُ؟ فلم يذكُرْ في ذلك شيئًا (5)، وعدمُ ذِكْرِهِ لشيءٍ في مِثلِ هذه المسألةِ المشهورةِ دليلٌ على عدمِ صحةِ الأحاديثِ التي تُسمِّي أهلَ الوجوبِ عندَهُ وغرابتِها.
حُكْمُ الجُمُعةِ للمسافرِ:
ولا تجبُ على المسافرِ ولو مَرَّ على قريةٍ يُصلِّي أهلُها الجُمُعةَ، فإِنْ
(1) أخرجه الترمذي (502).
(2)
ينظر: "تهذيب الكمال"(28/ 145 - 146)، و"البدر المنير"(4/ 593).
(3)
أخرجه الترمذي (501).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(5086).
(5)
"سنن الترمذي"(5086)
صلَّى معهم، صلَّاها بنيَّةِ الظُّهْرِ وشهِد الخُطْبةَ ودعوةَ المُسلِمينَ، وقد صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الجُمُعةَ ظهرًا وجمَعَ إليها العصرَ بعَرَفَةَ، ولم يكنِ الصحابةُ يُصلُّونَ الجُمُعةَ وهم مسافِرونَ، ولا كذلك فقهاءُ التابعينَ وخاصَّةً أهلَ الحجاز، وقد صحَّ عن عمرَ بنِ عبد العزيزِ أَنَّه كان مسافرًا فترَكَ شهودَ الجمعةِ وكان في البلد، ففي "مصنَّفِ ابنِ أبي شَيْبةَ"، عن أبي عبيدٍ مَوْلى سيمانَ بنِ عبد الملك، قال: خرَجَ عمرُ بن عبد العزيزِ مِن دَابِقٍ، وهو يومئذٍ أميرُ المؤمِنِينَ، فمَرَّ بحَلَبَ يومَ الجُمُعةَ، فقال لأميرِها: جَمِّعْ؛ فإنَّا سَفْرٌ (1).
وإنْ صلَّى المسافرُ مع المُقِيمِينَ الجُمُعةَ، ونَوَاها جُمُعةً، فليس له أنْ يَجمَعَ إليها العصرَ، وإنْ صلَّاها معهم، ونَوَاها ظهرًا، فله جمعُ العصرِ إليها.
ولا يصحُّ نهيٌ عن السَّفَرِ ضُحَا الجُمُعةِ، فيجوزُ السفرُ للمحتاجِ قبلَ الأذانِ؛ لأنَّه بالأذانِ يجبُ عليه السعيُ إلى الصلاة، وسعيُهُ إلى غيرِهِ مخالفٌ للآيةِ:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} ، ولا يصحُّ في النهي عن السفرِ ضُحَا الجمعةِ حديثٌ.
وأمَّا حديث ابنِ عمرَ مرفوعًا: (مَنْ سَافَرَ يَوْمَ الجُمُعَة، دَعَت عَلَيْهِ المَلَائِكةُ ألَّا يُصْحَبَ فِي سَفَرِهِ):
فقد أخرَجَهُ الدارقطنيُّ في "الأفرادِ"، وفيه ابنُ لَهِيعَةَ؛ وهو مُنْكَرٌ (2).
ورواهُ الخطيبُ البغداديُّ في كتابِه "الرُّواةِ عن مالكٍ"؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا: (مَنْ سَافَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، دَعَا عَلَيْهِ ملَكَاهُ)(3).
وفيه الحُسينُ بن علوانَ: كذابٌ، قاله يحيى وابنُ أبي حاتمٍ (4).
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصفه"(5105).
(2)
ينظر: "التلخيص الحبير"(2/ 66).
(3)
ينظر: "نيل الأوطار"(3/ 273).
(4)
"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (3/ 61).