الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الصافات
سورةُ الصافَّاتِ مكيَّةٌ بالإجماعِ؛ وبِمكِّيَّتِها قال ابنُ عبَّاسٍ (1)؛ وإنَّما الخلافُ في آياتٍ يسيرةٍ، وقد ذكَرَ اللَّهُ في هذه السورةِ عَظَمةَ الملائكةِ وأنَّهم ليسوا بناتٍ للَّه، وذكَرَ خَلْقَ الأفلاكِ، وحِفْظَ السماءِ مِن المَرَدَةِ، وذكَّر بالعاقبةِ ومرجعِ الناسِ إليه، وذكَر خصومةَ المُعانِدِينَ يومَ القيامةِ وتَلَاوُمَهُم وتحسُّرَهم، وذكَّر بالجحيمِ والنعيمِ وأنواعِه، وذكَرَ أساليبَ المُعانِدينَ المُنكِرِينَ للبعث، وذكَّر بعنادِ قومِ نوحٍ، وذكَرَ إبراهيمَ وحالَهُ مع ولدِه الذبيح، وقومَ موسى ولوطٍ ويونُسَ وغيرهم، وذكَر ضلالَ المشرِكِينَ فيما نسَبُوهُ إلى اللَّهِ مِن باطلٍ وافتراءٍ عليه.
* * *
* قال اللَّهُ تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141].
لمَّا كان يونُسُ في الفُلْكِ مع قوم واضطرَبَ البحرُ وماجَتِ الأمواجُ وخَشِيَ مَن على ظَهْرِ الفُلْكِ الهلاكَ، رأَوْا أنْ يَخرُجَ مِن ظَهرِهِ بعضُهم؛ لِيَخِفَّ وزنُهُ فلا يَغْرَقوا جميعًا، وكان الفُلْكُ مليئًا بالناسِ ومتاعِهم؛ كما قال تعالى:{إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [الصافات: 140]، فاقْتَرَعوا فخرَجَتْ على يونُسَ أنْ يَرْمِيَ نفسَهُ منه، وفي هذه الآيةِ مَعانٍ جليلةٌ:
منها: مشروعيَّةُ القُرْعَةِ عندَ الحاجةِ إليها؛ وقد تقدَّم الكلامُ عليها
(1) ينظر: "زاد المسير"(3/ 535)، و"تفسير القرطبي"(18/ 3)، و"الدر المنثور"(12/ 383).
وأدلَّتِها عندَ قولِهِ تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: 44]، وهاتانِ الآيتانِ أصلٌ في مشروعيَّةِ القُرْعةِ في القرآنِ؛ كما نصَّ على ذلك الشافعيُّ وغيرُه (1).
ومنها: ارتكابُ المَفْسَدةِ الدُّنْيا لدفعِ العُلْيا، وأنَّ الضررَ العامَّ أشَدُّ مِن الضررِ الخاصِّ.
ومنها: جوازُ الأخذِ بغَلَبةِ الظنِّ؛ فمَنْ كان في الفُلْكِ، وغلَبَ على ظنِّهم الهلاك، عَمِلُوا بذلك ولو بإزهاقِ نَفْسٍ.
ومنها: استواءُ نبيِّ اللَّهِ يونُسَ مع غيرِه في الحقوقِ وفي القضاءِ والحُكْمِ، فلم يَسْتَثْنِ نفسَهُ، ولم يَطلُبْ ذلك لِمَقَامِهِ ونُبُوَّتِه.
* * *