الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها: أنَّ أثرَ النظرِ على الرجالِ أشَدُّ مِن أثرِهِ على الشاءِ، وفتنةَ النساءِ للرِّجالِ أشَدُّ مِن فتنه الرجالِ للنساءِ، كما قال صلى الله عليه وسلم فى "الصحيحَيْنِ"(مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ)(1)، فناسَبَ تقديمَ أمرِهم بغضِّ البصرِ قبلَ أمرِ النساءِ.
ومنها: أنَّ الرجالَ أجسَرُ على مَدِّ البصرِ مِن النساءِ؛ فإنَّ الرجلَ إن كان ضعيفَ الإيمانِ مريضَ القلبِ فهو أجسَرُ على مدِّ البصرِ وإطالتِه، بخِلافِ نظرِ المرأةِ إلى الرجُلِ، فهي أضعَفُ؛ لِما جُبِلَت عليه مِن حياءٍ وضَعْفٍ وخوفٍ.
ومنها: أنَّ الرجالَ أجسَرُ على ما يَتْبَعُ البصرَ مِن تتبُّعِ الفاحشةِ، بخلافِ المرأةِ؛ فإنَّ الرجلَ قد يُتبعُ البصرَ مِن مَناهي الكلامِ كالفُحْشِ والتغزُّلِ ما لا تفعلُهُ المرأةُ؛ فإنَّها تُطلِقُ البصرَ وتتهيَّبُ الإقدامَ على ما وراءَهُ، وقد سمَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم نظرَ العينِ زِنَاها، وجعَلَ النظرَ أُولى خُطُواتِ الرجُلِ إلى الزِّنى؛ يَبدأُ به ثمَّ يتْبِعُهُ بكلامِ ثمَّ مشي القدَمِ والمسِّ؛ كما في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ:(كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَى، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ؛ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ)(2).
لا تلازُمَ بينَ غضِّ البصرِ وسُفُورِ النساءِ:
ولمَّا كان النهيُ عامًّا في الآيةِ: {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} ، دَلَّ على أنَّ المرادَ تحريمُ النظرِ إلى جميعِ العَوْراتِ ولو في غِيرِ النساءِ كالنظرِ إلى
(1) أخرجه البخاري (5096)، ومسلم (2740).
(2)
أخرجه البخاري (6243)، ومسلم (2657).
الأَمْرَدِ، وكذلك في النساءِ، فَنَظَرُهُنَّ بَعْضِهِنَّ إلى بعضٍ بشهوةٍ داخلٌ في هذا البابِ.
وأمَّا ما يحتجُّ به بعضُ أهلِ الأهواءِ على جوازِ سفورِ المرأةِ لأنَّ اللَّهَ أمَرَ الرجالَ بغضِّ البصرِ؛ لأنَّه لو لم يَكُنَّ كاشفاتٍ، لم يأمُرِ الرجالَ بغضِّ أبصارِهم، فهذا غلطٌ؛ وذلك لأنَّ اللَّهَ نَهَى عن نظرِ الرجلِ لا إلى موضعِ معيَّن مِن المرأةِ، وإنَّما نَهى نهيًا عامًّا لكلِّ ما يحرُمُ النظرُ إليه، وما لم يحرُمِ النظرُ إليه إذا كان فيه فِتْنةْ كنظرِهِ الى لِبَاسِها وشَخْصِها طُولًا وعَرْضًا، وكذلك في نظرِ الرجلِ إلى الرجلِ الذي مثِلُهُ يُفتَنُ به، فلو قيل بذلك، لجاز القولُ: إنَّ الرجالَ والنساءَ يجوزُ لهم كشفُ ما يشاؤونَ مِن أبدانِهم؛ لأنَّ اللَّهَ أمَرَ بغضِّ البصرِ، ولا يأمُرُ بغضِّ البصرِ إلَّا عن شيءٍ مكشوفِ السترِ، فلا تلازُمَ عندَ العلماءِ بينَ عَوْرةِ السَّتْرِ وعورةِ النَّظَرِ؛ فقد يأمُرُ اللَّه بغضِّ البصرِ عن شيءٍ أمَرَ بسَتْرِه؛ كسَتْرِ المرأةِ عن غيرِ مَحْرَمِها، وعورةِ الرجالِ عن الرجالِ، وقد يأمُرُ بغضِّ البصرِ عن شيءٍ لم يأمُرْ بسَتْرِه؛ كشاخصِ المرأةِ، وكما قد يُوجَدُ في بعضِ النفوسِ المريضةِ مِن ميلِ إلى بعضِ نسائِه مِن مَحَارِمِهِ، كأُختِهِ وعمَّتِهِ وخالتِهِ وبنتِه، فاللَّهُ أمَرَهُ بغضِّ بصرِهِ عمَّا يَفتِنُهُ منهنَّ ممَّا أجازَ لهُنَّ إظهارَهُ، ولا تناقُضَ ببنَ نصوص الكشفِ ونصوصِ النظرِ؛ فلكلٍّ جهتُهُ وموضعُهُ؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:(لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا المَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ المَرْأَةِ)؛ رواهُ مسلمٌ عن أبي سعيدٍ (1)؛ فنَهَى اللَّهُ الرجُلَ عن النظرِ إلى عورةِ الرجلِ، مع أمرهِ الرجلَ بسَتْرِ عورتِهِ؛ كما في الحديثِ عند أحمد وأهلِ السُّننِ:(احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِن زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ)(2)، فذاك حُكْمُ الناظرِ، وهذا حُكْمُ المنظورِ.
(1) أخرجه مسلم (338).
(2)
أخرجه احمد (5/ 3)، وأبو داود (4017)، والترمذي (2769)، والنسائي في "السنن الكبرى"(8923)، وابن ماجه (1920).