الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخَذْتُ مِنهُ وَهُوَ لا يَعْلَمُ؟ فَقَالَ: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَولَدَكِ بِالمَعْرُوفِ)(1).
الحالة السادسة: طالبُ الإعانةِ على صاحبِ مُنكَرٍ؛ فيجوزُ ذِكْرُ مُنكَرِه ولو كان مستترًا به ما دام يُضِرُّ لصاحِبِهِ ويخشى عليه مِن دوامِهِ عليه؛ فيجوزُ غِيبتُهُ حينئذٍ بشرطَيْنِ:
الأولُ: أن يذكُرَهُ عندَ مَن يرجو منه عونًا لإصلاحِ مُنْكَرِه؛ كمَن يَشرَبُ الخمرَ أو يبيعُ محرَّمًا؛ فلا حرَجَ مِن الاستشارةِ أو الاستعانةِ بمَن يَملِكُ العونَ والرأيَ فيه.
الثاني: أن يكونَ المُنكَرُ مستحِقًّا لطلبِ النُّصْحِ؛ كالمُنكَراتِ الكبيرةِ، ولا يكونَ مِن اللَّمَمِ الذي لا يتعدَّى غالبًا إلى غيرِه، ولا ما يَستَرُ به صاحبُهُ مِس عوارضِ المنكَراتِ التي لا يُدِيمُ عيها صاحبُها عادةً.
غِيبةُ الكافرِ:
ظاهرُ الآيةِ: أنَّها في عِيبةِ المؤمِنِ؛ وذلك أنَّ اللَّهَ خاطَبَ المؤمنينَ في الآيةِ، فقال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ، ثمَّ قال تعالى بعدُ:{وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} ، ومِثلُه في الحديثِ، قال صلى الله عليه وسلم:(ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ)؛ فالمؤمنُ مِن نَفْسِ المؤمِنِ وبعضٌ منه، بخلافِ الكافرِ، فليس منه، وعدمُ دخولِ الكافرِ في حُكمِ الغِيبةِ في الآيةِ لا يُجِيزُ بُهتانَهُ ولا الافتراءَ والبَغْيَ عليه؛ فهذا لا خلافَ في تحريمه، وأمَّا ذِكْرُهُ في حالِ غيابِهِ بما هو فيه ويَكْرَهُه، فإنْ كان حربيًّا، فلا خلافَ في جوازِ ذلك، وأمَّا إن كان ذميًّا ومعاهَدًا، فقد اختُلِفَ في ذِكْرِهِ بما يَكرَهُهُ وهو فيه، على قولَيْنِ:
الأولُ: قال بعضُهم بتحريمِ غِيبَةِ الذِّمِّيِّ؛ لأنَّ ذلك يُنفِّرُهُ مِن دفعِ الجزيةِ؛ ولهذا قال زكريَّا الأنصاريُّ والغزاليُّ؛ واستُدِلَّ على ذلك بما
(1) أخرجه البخاري (5364)، ومسلم (1714).
رواهُ ابنُ حِبَّانَ مرفوعًا: (مَنْ سَمَّعَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، دَخَلَ النَّارَ)(1)؛ يعني: سمَّعَهُ ما يُؤْذِيهِ ويَكرَهُهُ، وهذا لا دليلَ فيه؛ لأنَّ الغِيبةَ فيمَن لم بَسمَعْها، وإنْ سمِعها لم نكنْ غيبةً؛ وإنَّما أذًى، قد يحرُمُ وقد يجوزُ؛ بحسَبِ نوعِه وقدْرِه وأثرِه وكونِه حقًّا أو باطلًا.
الثاني: الجوازُ، وبه قال ابنُ المُنذِرِ؛ وذلك لأنَّ الكافرَ لا حُرمةَ له ولا دليلَ على تحريم غِيبتِه، وقد استدَلَّ على ذلك بعضُهم بحديثِ عائشةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ:(بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ)، فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَط إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ، قَالَت لَهُ عَائِشَةُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إلَيْهِ؟ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(يَا عَائِشَةُ، مَتَى عَهِدتِّنِي فَحَّاشًا؟ ! إنَّ شَرَّ النَّاسِ عندَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ: مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ)(2).
وقد جعَلَهُ بعضُ الأئمَّةِ أصلًا في جوازِ غِيبةِ الفاجرِ والكافرِ.
* * *
* قال اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
في هذه الآيةِ: فضلُ معرفةِ الأنسابِ، وبيانُ منفعتِها، وأنَّها لتعارُفِ الناسِ فيما بينَهُمْ، وتراحُمِهِمْ وتواصُلِهِمْ وتناصُرِهِمْ، وحينَما ذكَرَ اللَّهُ التعارُفَ، جعَلَ فوقَهُ الإيمانَ، وأنَّ معرِفةَ الإيمانِ والتواصُلَ به أعظَمُ مِن
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (4880)؛ من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري (6032)، ومسلم (2591).
التواصُلِ بالأنسابِ والأحسابِ؛ فجعَلَ مَرْتَبةَ الأنسابِ دونَ مَرْتَبةِ الإيمانِ.
ويُروى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: قال: (تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ؛ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي المَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ)؛ رواهُ أحمدُ والترمذيُّ عن أبي هريرةَ (1).
والأنسابُ بها يَتعارَفُ الناسُ ولا يَتنافَرُون؛ لكنْ لا ولاءَ ولا وَشِيجَةَ أعظَمُ مِن ولاءِ الإيمانِ ووَشِيجَتِه، ولا بَرَاءَ أعظَمُ مِن بَرَاءِ الكفرِ، والكافرُ بعيدٌ ولو قَرُبَ نَسَبًا، والمؤمِنُ قريبٌ ولو ابتعَدَ نسَبًا.
* * *
(1) أخرجه أحمد (2/ 374)، والترمذي (1979).