الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزينةِ"؛ يعني: أنَّ المذكُورِينَ هم المَحارِمُ، وهم المعنيُّونَ بقولِه قبلَ ذلك:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، وليس الأجانِبَ، فذُكِرُوا للبيانِ والإيضاحِ، والزوجُ له فضلٌ على الجميعِ وخَصوصِيَّةٌ؛ كما قاله ابنُ زيدٍ.
التدرُّجُ في فَرْضِ الحِجابِ:
يذهب بعضُ المفسِّرينَ: أنَّ الحِجابَ لم يُفرَض جُمْلةً واحدةً؛ وإنَّما جاء متدرجًا، فأوَّلُ ما نزَلَ وذُكِرَ فيه عمومُ المؤمناتِ: آياتُ النورِ، ثمَّ آياتُ سورةِ الأحزابِ، ومِن هؤلاء ابنُ جريرِ الطَّبَرِيُّ وأبو بكرٍ الجَصَّاصُ وابنُ تيميَّةَ وغيرهم، وهؤلاء يتَّفقونَ مع غيرِهم في الغايةِ والنهايةِ التي استقَرَّ عليها الحُكْمُ، وإنِ اختلَفوا مع غيرِهم في المراحلِ.
وكثيرٌ ممَّن ينظُرُ في كتُبِ المفسِّرينَ فينظُرُ في سورةِ النورِ فيَراهُم ينقُلونَ كلامَ السلفِ في الزينةِ الظاهرةِ بإجمالٍ، ثمَّ يُعلِّقُ أولئك الأئمَّةُ في سورةِ النورِ ويَنُصُّونَ على جوازِ كشفِ المرأةِ لوجهِها وكفَّيْها، ولو نظَروا في كلامِهم في سورةِ الأحزابِ، لَوَجَدوا أنَّهم يَمنَعونَ، وليس هذا اضطرابًا ولا قولَينِ؛ فالمؤلِّفُ واحدٌ، والكِتابُ واحدٌ؛ وإنَّما لأنَّهم يرَوْنَ تقدُّمَ آيةِ الحِجابِ مِن سورةِ النورِ على آيةِ الحِجابِ مِن سورةِ الأحزابِ، فيُفسِّرونَ كلَّ موضعٍ بحسَبِ ما فهِمُوهُ في موضعِهِ، ومَن جَهِلَ المتقدِّمَ والمتأخِّرَ مِن السُّوَرِ عندَ الأئمَّةِ، لم يَفهَمْ مَقاصدَ القرآنِ وأحكامَهُ عندَ المفسِّرينَ:
قال ابنُ جريرٍ الطبريُّ في سورةِ الأحزابِ: "لا يَتَشَبَّهْنَ بالإماءِ في لباسِهِنَّ إذا هُنَّ خَرَجْنَ مِن بيوتِهنَّ لحاجتِهنَّ، فكشَفْنَ شُعُورَهنَّ ووُجُوهَهنَّ، ولكنْ لِيُدْنِينَ عليهنَّ مِن جلابيبِهنَّ"(1)، وذكَرَ تفسيرَ السلفِ
(1)"تفسير الطبري"(19/ 181).
لتغطيةِ الوجهِ بالجلابيبِ، وهكذا فسَّر آيةَ القواعدِ في سورةِ الأحزابِ.
وقولُهُ هنا في سورةِ النورِ بأنَّ المرأةَ تُبدِي وجهَها يَحكي المرحلةَ الأولى مِن فَرْصِ الحِجابِ، وآيةُ الأحزابِ بعدَها.
وابنُ جريرٍ إمامٌ بصيرٌ ينقُلُ أقوالَ السلفِ في الموضعِ ويُبيِّنُه، ولو كانتِ الآيةُ في حُكْمٍ سابقٍ، ثمَّ تَبِعَتْهُ آياتٌ تَزِيدُ عليه في الحُكْمِ، فيذكُرُ عندَ كلِّ آياتٍ حُكْمَها، وهذا له نظائرُ كثيرةٌ في "تفسيرِه".
وهكذا الإمامُ الجصَّاصُ ذكَرَ معنى ما ذكَرَهُ ابنُ جريرٍ في آيةِ النورِ؛ لأنَّها سابقةٌ، ثمَّ في آيةِ الأحزابِ المتأخِّرةِ قال:"في هذه الآيةِ دَلَالةٌ على أن المرأةَ الشابَّةَ مأمورةٌ بسَتْرِ وجهِها عن الأجنبيِّينَ، وإظهارِ السَّتْرِ والعفافِ عندَ الخروجِ"(1).
وهكذا كثيرٌ مِن المفسِّرينَ؛ يُفسِّرونَ آيةَ النورِ على حالٍ سابقةٍ؛ كما جاء عن ابنِ جريرٍ، ثمَّ يَنُصُّونَ صراحةً على منعِ المرأةِ مِن كشفِ وجهِها عندَ آيةِ الآحزابِ، ومِن هؤلاء المفسِّرينَ: أبو الليثِ نَصْرٌ السَّمَرقَنديُّ الحَنَفيُّ في "تفسيرِه"(2)، وأبو عبدِ اللَّهِ بنُ أبي زَمَنِينَ (3)، والثعلبيُّ (4)، والْكِيَا الهرَّاسيُّ (5)، والزمخشريُّ (6)، والعِزُّ بنُ عبدِ السلام (7)، والبيضاويُّ (8)، والنَّسَفِيُّ (9)، وابنُ جُزَيٍّ (10)، والسُّيُوطيُّ (11)، والبِقَاعيُّ (12)، وأبو السعودِ (13) وغيرُهم.
(1)"أحكام القرآن" للجصاص (5/ 245).
(2)
"تفسير السمرقندي"(3/ 70).
(3)
"تفسير القرآن العزيز"(3/ 412).
(4)
"تفسير الثعلبي"(8/ 64).
(5)
"أحكام القرآن" للكيا الهراسي (4/ 350).
(6)
"تفسير الزمخشري"(3/ 569).
(7)
تفسير العز بن عبد السلام" (2/ 590).
(8)
"تفسير البيضاوي"(4/ 238).
(9)
"تفسير النسفي"(3/ 45).
(10)
"تفسير ابن جزي"(2/ 159).
(11)
"تفسير الجلالين"(ص 560).
(12)
"نظم الدرر"(6/ 135).
(13)
"تفسير أبى السعود"(7/ 115).