الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الحديد
سورةُ الحديدِ مدَنيَّةٌ، وقد قال ذلك ابنُ عبَّاسٍ وابنُ الزُّبَيْرِ (1)، وقد حَكَى الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ (2)، وقيل بمكيَّةِ بعضِها (3).
وتضمَّنَتِ السُّورةُ ذِكرَ آياتِ اللَّهِ وقُدْرتهِ وصُنْعِهِ في مخلوقاتِه، ونِعَمِهِ وأفضالِهِ على عِبادِه، والتحذيرَ مِن النِّفاقِ وأوصاف أهلِه، وحثًّا على تدبُّرِ القرآنِ والتفكُّرِ فيه، وحثًّا على الإنفاقِ، وذِكْرَ بعضِ أحوالِ السابِقِينَ للاعتبارِ.
* قال اللَّه تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)} [الحديد: 7].
أمَر اللَّه بالصَّدَقةِ والبَذْلِ؛ شكرًا لِما وهب اللَّهُ العبدَ مِن نِعَمِ الأرضِ وخيراتِها، وذِكْرُ اللَّهِ للاستخلافِ في الآيةِ: دليلٌ على أنَّ الصدَقةَ مِن أعظَمِ ما يُثبِّتُ النِّعَمَ، وتستقرُّ به الأُممُ.
وقد تقدَّم الكلامُ على فرضِ الزكاةِ فيما يخرُجُ مِن الأرضِ مِن المعادنِ والنِّفْطِ عندَ قولِهِ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267]، وزكاةِ عُرُوضِ التجارة عندَ قولِهِ تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ
(1)"الدر المنثور"(14/ 255).
(2)
"تفسير القرطبي"(20/ 235).
(3)
ينظر: "تفسير ابن عطية"(5/ 256)، و"زاد المسير"(4/ 232).
عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103]، وزكاةِ الثمارِ والحبوب عندَ قولِه تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141].
* * *
* قال اللَّهُ تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)} [الحديد: 25].
أمَرَ اللَّهُ تعالى بالعدلِ بين الناسِ، وبيَّن أنّه أنزَلَ الوحيَ لإصلاحِ الدِّينِ وإصلاح الدُّنيا؛ وذلك لأنَّ الدُّنيا لا تقومُ إلَّا بالعدلِ فيها، وهكذا الدولُ والأممُ لا تستقر إلَّا بالعدلِ.
وذِكْرُ اللَّهِ للحديدِ في سياقِ المِنَّةِ فيه، بعدَ ذِكْرِهِ للعدلِ والأمرِ به: إشارةٌ إلى أنَّ العدلَ لا يقوم إلَّا بقوةٍ وأَطْرٍ للنفوسِ عليه؛ حتى تَكْبَحَ شهواتِها وشُبُهاتِها عن الطمعِ والشُّحِّ؛ فلا تَسرِقَ ولا تَغتصِبَ ولا تَستأثِرَ؛ ولهذا شرَع اللَّه الحدودَ والعقوباتِ في ذلك.
ويُقامُ العدلُ بالحديدِ في موضعَيْنِ: في الجهادِ، وفي الحدودِ والعقوباتِ.
* * *