المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عدة الحامل من الطلاق والوفاة: - التفسير والبيان لأحكام القرآن - جـ ٤

[عبد العزيز الطريفي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الحجر

- ‌صلاةُ الكَرْبِ، وإذا حَزَبَ الأمرُ:

- ‌سورة النحل

- ‌الانتفاعُ مِن جُلُودِ المَيْتَةِ:

- ‌أنواعُ الانتفاعِ مِن الأنعامِ والدوابِّ:

- ‌لُحُومُ الخَيْلِ والحَمِرِ والبِغَالِ:

- ‌حُكْمُ الاستعاذةِ عندَ القِرَاءةِ:

- ‌صِيَغُ الاستعاذةِ:

- ‌سورة الإسراء

- ‌سورة الكهف

- ‌حُكْمُ اقتِناءِ الكَلْبِ للحِرَاسةِ وغيرِها:

- ‌مشروعيَّةُ الوَكَالةِ والنِّيَابةِ:

- ‌الصلاةُ على الجنازةِ في المَقْبَرةِ:

- ‌الاستثناءُ في اليمينِ:

- ‌سورة مريم

- ‌تسميةُ المولودِ ووقتُها:

- ‌أمرُ الأهلِ بالصلاةِ

- ‌سورة طه

- ‌العِلَّةُ مِن أمرِ موسى بخلعِ نعلَيْهِ:

- ‌الصلاةُ في النِّعَالِ، ودُخُولُ المساجدِ بها:

- ‌قضاءُ الفرائضِ الفائتةِ وترتيبُها:

- ‌هل للصَّلَاةِ الفائِتةِ أذانٌ وإقامةٌ

- ‌حُكْمُ قضاءِ النوافلِ:

- ‌استحبابُ اتِّخاذِ البِطَانةِ الصالحةِ والوزيرِ المُعِينِ:

- ‌سورة الأنبياء

- ‌الأحوالُ التي جاء الترخيصُ فيها بالكَذِبِ للمَصْلَحةِ:

- ‌سورة الحج

- ‌حُكْمُ بيعِ رِبَاعِ مَكَّةَ ودُورِها:

- ‌تفاضُلُ المَشْيِ والرُّكُوبِ في الحَجِّ:

- ‌الهَدْيُ والأُضْحِيَّةُ والأَكْلُ منها:

- ‌نقسيمُ الهَدْيِ والأُضْحِيَّةِ:

- ‌مَرَاتِبُ التمكينِ وشروطُهُ:

- ‌سورة المؤمنون

- ‌معنى الخشوعِ:

- ‌حُكْمُ الخشوعِ في الصلاةِ:

- ‌حُكْمُ الاستمناءِ:

- ‌دعاءُ نزولِ المَنْزلِ:

- ‌سورة النور

- ‌حَدُّ الزاني والزَّانِيَةِ:

- ‌فأمَّا البِكْرُ:

- ‌وأمَّا المُحْصَنُ:

- ‌حُكْمُ الجَلْدِ مع الرجمِ للمُحْصَنِ:

- ‌حُكْمُ التغريبِ:

- ‌شهودُ الجَلْدِ والرَّجْمِ:

- ‌حُكْمُ نكاحِ الزانيةِ وإنكاحِ الزاني:

- ‌القذفُ الصَّرِيحُ والكنايةُ:

- ‌قذفُ الحُرَّةِ والأَمَةِ والكافِرةِ:

- ‌شهادةُ القاذفِ بعد توبتِهِ:

- ‌سببُ نزولِ لِعانِ الزَّوْجَيْنِ:

- ‌مَرَاحِلُ قَذْف الزَّوْجِ لزوجتِهِ:

- ‌نَفْيُ الوَلَدِ باللِّعَانِ:

- ‌قَذْفُ الزوجةِ لزوجِها:

- ‌إشاعةُ الفاحشةِ وسَبَبُ عَدَمِ جعلِ الشريعةِ لها حَدًّا:

- ‌حُكْمُ الاستئذانِ عندَ دخولِ البيوتِ وصِفَتُهُ وعددُهُ:

- ‌السلامُ عندَ دخولِ البيوتِ وصفَتُهُ وعددُهُ:

- ‌الحِكمةُ مِن تقديمِ أمرِ الرِّجالِ على أمرِ النِّساءِ بغضِّ البصرِ:

- ‌لا تلازُمَ بينَ غضِّ البصرِ وسُفُورِ النساءِ:

- ‌حُكْمُ نَظَرِ الرَّجُلِ الى المرأةِ:

- ‌أنواعُ زِينَةِ المَرْأةِ:

- ‌التدرُّجُ في فَرْضِ الحِجابِ:

- ‌حُكْمُ تزويجِ الأَيَامَى:

- ‌تركُ الأسواقِ والبَيْعِ وقتَ الصلاةِ:

- ‌أمْرُ الناسِ وأهلِ الأسواقِ بالصلاةِ:

- ‌حِجابُ القواعدِ مِن النِّساءِ:

- ‌فضلُ الاجتماعِ على الطعامِ:

- ‌سورة الفرقان

- ‌هَجَرُ القرآنِ وأنواعُه:

- ‌وهجرُ القرآنِ على مَراتِبَ وأنواعٍ ثلاثةٍ:

- ‌أَدْنَى الزمنِ الذي يُشرَعُ فيه خَتْمُ القرآنِ وأَعْلاه:

- ‌نِسْيانُ القرآنِ:

- ‌النوعُ الثاني من الهجرِ: هجرُ تدبُّرِ مَعانيهِ وأحكامِه:

- ‌النوعُ الثالثُ: هجرُ العملِ بما فيه مِن أوامرَ وأحكامِ:

- ‌سورة الشعراء

- ‌انتصارُ المظلومِ مِن ظالمِه وأحوالُه:

- ‌سورة النمل

- ‌حُكْمُ الضحكِ في الصلاةِ والتبسُّمِ:

- ‌حُكْمُ تأديبِ الحيوانِ وتعذيبِه:

- ‌وِلَايةُ المرأةِ:

- ‌البَداءةُ بالبَسْمَلَةِ والفَرْق بينَها وبينَ الحَمْدَلَةِ:

- ‌حُكْمُ قَبُولِ الهديَّةِ التي يُرادُ منها صَرْفٌ عن الحقِّ:

- ‌سورة القصص

- ‌حِفْظُ الأسرارِ وإفشاؤُها:

- ‌عَرْضُ البناتِ لتزويجِهِنَّ:

- ‌سورة العنكبوت

- ‌سورة الروم

- ‌فَرَحُ المؤمنينَ بهزيمةِ أحَدِ العَدُوَّيْنِ على الآخَرِ:

- ‌رِهانُ أبي بَكْرٍ بِمَكَّةَ، والرِّهَانُ في إظهارِ الحقِّ:

- ‌أحكامُ العِوَضِ (السَّبَقِ) واشتراطُ المحلِّلِ في الرِّهانِ:

- ‌القَيْلُولَةُ في نصفِ النهارِ:

- ‌وقد ذكَر اللَّهُ القيلولةَ في مواضعَ:

- ‌إهداءُ الهديَّةِ رجاءَ الثوابِ عليها:

- ‌سورة لقمان

- ‌الغِناءُ والمَعَازِفُ والفَرْقُ بينَهما:

- ‌سورة السجدة

- ‌حُكْمُ التسبيحِ في السُّجُودِ والرُّكُوعِ:

- ‌سورة الأحزاب

- ‌أُمَّهَاتُ المؤمنينَ ومَقامُهُنَّ:

- ‌أنواعُ أفعالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌عمومُ أصلِ الخِطَابِ بالحِجَابِ وخَصُوصيَّةُ نساءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الصلاةُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم: معناها، وحُكْمُها:

- ‌سورة سبأ

- ‌الاستعانةُ بالجنِّ:

- ‌حُكْمُ التماثيلِ وصُوَرِ ذواتِ الأرواحِ:

- ‌سورة فاطر

- ‌سورة يس

- ‌سورة الصافات

- ‌سورة ص

- ‌سورة غافر

- ‌سورة فصلت

- ‌سورة الشورى

- ‌الشُّورَى وفضلُها وشيءٌ مِن أحكامِها:

- ‌سورة الزخرف

- ‌لُبْسُ الصبيِّ والرجُلِ للحُلِيِّ:

- ‌سورة الأحقاف

- ‌أكثَرُ الحملِ والرَّضَاعِ وأقَلُّهُ:

- ‌سورة محمد

- ‌حُكْمُ أَسْرَى المشرِكِينَ:

- ‌سورة الفتح

- ‌حُكْمُ تترُّسِ المشرِكِينَ بالمُسلِمِينَ:

- ‌سورة الحجرات

- ‌تعظيمُ أقوالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه:

- ‌الفَرْقُ بينَ البُغَاةِ والخَوَارجِ:

- ‌الكِبْرُ واحتقارُ سببٌ للفِتَنِ بينَهم:

- ‌التعويضُ عن الضررِ المعنويِّ:

- ‌الأحوالُ التي تجوزُ فيها الغِيبَةُ:

- ‌غِيبةُ الكافرِ:

- ‌سورة ق

- ‌سورة الذاريات

- ‌سورة الطور

- ‌سورة النجم

- ‌سورة القمر

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة الواقعة

- ‌الطهارةُ عندَ القراءةِ ومَسِّ المُصْحَفِ:

- ‌سورة الحديد

- ‌سورة المجادلة

- ‌ألفاظُ الظِّهارِ المُتَّفَقُ والمُختلَفُ فيها:

- ‌كفارةُ الظِّهارِ:

- ‌أنواعُ النَّجوَى المنهيِّ عنها:

- ‌ما يُستحَبُّ للداخِلِ إلى المَجالِسِ:

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌الإحسانُ إلى الكافرِ بالهديَّةِ وقَبولُ شفاعتِه:

- ‌إسلامُ الزوجَيْنِ أو أحدِهما:

- ‌سورة الجمعة

- ‌مَن تجبُ عليه الجُمُعةُ:

- ‌حُكْمُ الجُمُعةِ للمسافرِ:

- ‌العَدَدُ الذي تَنعقِدُ به الجُمُعةُ:

- ‌قيامُ الخطيبِ في الخُطْبةِ:

- ‌سورة الطلاق

- ‌طلاقُ السُّنَّة وطلاقُ البِدْعةِ:

- ‌السُّكْنَى للمطلَّقةِ:

- ‌السُّكْنى للمُطلَّقةِ المَبْتُوتةِ:

- ‌الإشهادُ على إرجاعِ المطلَّقةِ:

- ‌عِدَّةُ الحاملِ مِن الطلاقِ والوفاةِ:

- ‌سورة التحريم

- ‌تحريمُ الحلالِ لا يجعلُهُ حرامًا:

- ‌تحريمُ الحلالِ يمينٌ وكَفَّارتُه:

- ‌سورة القلم

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة المزمل

- ‌سورة المدثر

- ‌سورة القيامة

- ‌حُكْمُ الرُّقْيَةِ:

- ‌حُكْمُ التداوي مِن المرضِ:

- ‌سورة الإنسان

- ‌سورة عبس

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطففين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة الماعون

- ‌التلازُمُ بينَ الرِّياءِ وتأخيرِ وقتِ الصلاةِ:

- ‌تاركُ الصلاةِ وحُكْمُهُ:

- ‌حُكْمُ العاريَّةِ وحَبْسٍ ما يُعِينُ المحتاجَ:

- ‌سورة الكوثر

- ‌حُكْمُ الأُضْحِيةِ ووقتُها:

- ‌سورة النصر

- ‌سورتا المعوِّذَتَيْنِ

الفصل: ‌عدة الحامل من الطلاق والوفاة:

‌عِدَّةُ الحاملِ مِن الطلاقِ والوفاةِ:

وأمَّا عِدَّةُ الحاملِ، فلا تخلو: إمَّا أن تكونَ عِدَّةَ وفاةٍ، أو عِدَّةَ طلاقٍ:

أمَّا عِدَّةُ الحاملِ التي طُلِّقتْ عندَ استبانةِ حَمْلِها، فعِدَّتُها أنْ تَضَعَ ولدَها؛ وهذا في قولِ عامَّةِ السلفِ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك؛ حكاهُ ابنُ جريرٍ (1).

وأمَّا عِدَّةُ الحاملِ مِن وفاةِ زوجِها، فعلى حالَيْنِ:

الأُولى: حاملٌ بَقِيَ مِن وَضْعِها فوقَ أربعةِ أشهُرٍ وعشرٍ؛ تخرُجُ مِن عِدَّتِها بوَضْعِ حَملِها بلا خلافٍ.

الثانيةُ: حاملٌ وأجَلُ وَضعِ حَمْلِها دونَ أربعةِ أشهُرٍ وعشرٍ؛ فعامَّةُ الفقهاءِ مِن السلفِ والخلفِ: على أنَّها تخرُجُ مِن عِدَّةِ وفاتِها بوَضْعِ حَمْلِها ولو وضَعَتِ الحَمْلَ بعدَ الوفاةِ بساعةٍ؛ لقولِه تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} .

وبهذا قَضى عمرُ وعثمانُ وزيدٌ وابنُ مسعودٍ وابنُ عبَّاسٍ وأبو هريرةَ، وقد رَوَى البخاريُّ، عن أبي سَلَمةَ؛ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابنِ عَبَّاسٍ وأبو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ: أَفْتِنِي فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ بَعْدَ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرُ الأَجَلَيْنِ، قُلْتُ أَنَا:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ، قَالَ أبو هُرَيْرَةَ: أنَا مَعَ ابنِ أَخِي -يَعْنِي: أَبَا سَلَمَةَ- فَأَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ غُلَامَهُ كُرَيْبًا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا، فَقَالَتْ: قُتِلَ زَوْجُ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ وَهِيَ حُبْلَى، فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَخُطِبَتْ، فَأَنْكَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ أَبُو السَّنَابِلِ فِيمَنْ خَطَبَهَا (2).

(1)"تفسير الطبري"(23/ 54).

(2)

أخرجه البخاري (4909).

ص: 2162

ورَوَى علقمةُ بنُ قيسٍ؛ أنَّ عبدَ اللَّهِ بنَ مسعودٍ قال: مَن شاءَ لَاعَنْتُهُ، ما نزَلَتْ:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} إلَّا بعدَ آيةِ المتوفَّى عنها زوجُها، قال: وإذا وضَعَتِ المُتوفَّى عنها زوجُها، فقد حَلَّتْ؛ يُريدُ بآيةِ المتوفَّى عنها زوجُها:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234](1).

وقد تقدَّم الكلامُ على هذه المسألةِ، وعمومِ عِدَّةِ المتوفَّى عنها زوجُها، في سورةِ البقرةِ عندَ قولِهِ تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [234].

* * *

* قال اللَّه تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6].

أمَر اللَّهُ بسُكْنى المطلَّقةِ، وأنَّه لا يجوزُ إخراجُها حتى تخرُجَ مِن عِدَّتِها، فتَسْتَبِينَ أمْرَها، وإذا أمَرَ اللَّهُ بإسكْانِ المطلَّقةِ في عِدَّتِها، فوجوبُ السُّكْنى على الزوجِ للزوجةِ مطلَقًا واجبٌ متعيِّنٌ، وهو أَولى.

وقولُه تعالى: {مِنْ وُجْدِكُمْ} أَسْكِنُوهُنَّ بحسَبِ قُدْرَتِكم وما تَجِدُونَهُ مِن قوةٍ واستطاعةٍ، وقد جعَلَ اللَّهُ السُّكْنى بحسَبِ قدرةِ الزوجِ، لا بحسَبِ حاجةِ الزوجةِ؛ حتى لا يُضِرَّ بنفسِهِ وولدِه.

وقولُهُ تعالى: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} : لا تَفْعَلوا شيئًا مِن الضِّيقِ والحَرَجِ الذي يَدفَعُهُنَّ إلى تركِ حَقِّهِنَّ مِن السُّكْنى؛ هربًا مِن الأذى؛

(1) أخرجه الطبري في "تفسيره"(23/ 54)، والنسائي في "السنن الكبرى"(5686).

ص: 2163

فتكونوا أخرَجتُمُوهُنَّ ولو لم تَنطِقوا بذلك، بل هو أشَدُّ؛ فقد جمعتُم سَيِّئَتَيْنِ، وهما: سيئةُ الأذى، وسيئةُ الإخراجِ.

وقولُه تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} : ذكَر اللَّهُ الحاملَ وخَصَّها بالذِّكْرِ هنا؛ لأنَّ أجَلَها قد يطولُ، فرُبَّما يَستثقِلُ بعضُ الأزواجِ سُكْناها ونفقتَها تسعةَ أو ثمانيةَ أشهُرٍ إنْ كان طلاقُها بدايةَ حَمْلِها، فأمَرَ اللَّهُ بالإنفاقِ عليها وإسكانِها حتى تَضَعَ حَمْلَها.

وقولُه تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} يدُلُّ هذا على أنَّ المرأةَ إنْ كانتْ في عِصْمةِ زوجِها لا تَستحِقُّ أُجْرةَ الرَّضَاعِ؛ وإنَّما لها النفقةُ الكافيةُ، ولكنْ إنْ كانتْ مطلَّقةً، فيجبُ على الزوجِ إعطاؤُها نفقةَ الرَّضَاعِ؛ لانقطاعِ نففتِها الخاصَّةِ بها، والولدُ شِرْكٌ بينَ أَبَوَيْهِ؛ فكما تستحقُّ زيادةَ النفقةِ لأجلِهِ وهي في عِصْمَتِه، فإنَّها تستحقُّ ذلك القَدْرَ بعدَ طلاقِها منه وخروجِها مِن العِدَّةِ.

وقد حمَلَ بعضُ السلفِ وجماعةٌ مِن العلماءِ هذه الآيةَ: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ} على الحاملِ المطلَّقةِ البائنِ؛ وذلك لأنَّ الرَّجْعيَّةَ زوجةٌ، فالنفقةُ عليها كسائرِ النفقةِ على الرَّجْعيَّاتِ سواءٌ كانتْ حاملًا أو غيرَ حاملٍ؛ وبهذا قال ابنُ عبَّاسٍ (1).

وقولُه تعالى: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} ، فيه: وجوبُ التناصُحِ بينَ الزوجَيْنِ حتى بعدَ الطلاقِ، وأن يكونَ بينَهما العدلُ لا الشُّحُّ والأَثَرَةُ والطمعُ، وفي هذا تطهيرٌ لقلوبِ الزوجَيْنِ مِن الانتصارِ للنَّفْسِ والانتقامِ مِن الآخَرِ لِما سلَفَ مِن سُوءِ عِشْرَةٍ.

وقولُه تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} ؛ يعني: لم تَتوافَقُوا على أمرِ الرَّضَاعِ أو أُجْرَتِه، فيجبُ كِفايتُه بمُرضِعةٍ أُخرى، وهذه الآيةُ في

(1)"تفسير الطبري"(23/ 62).

ص: 2164

إرضاعِ الأمِّ المطلَّقةِ، وقد تقدَّم في البقرةِ آيةُ الرَّضَاعِ عامَّةً، وقد تقدَّم الكلامُ على الرَّضاعِ وأحكامِهِ عندَ قولِه تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233].

* * *

* قال اللَّه تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7].

أمَرَ اللَّهُ الوالدَ أنْ يُنفِقَ على ولدِهِ مِن زوجتِهِ المطلَّقةِ، وذلك ما يَقتضيهِ السياقُ؛ لاتِّصالِهِ بما سبَقَ، ولم يَجعَلِ اللَّهُ ذلك على العُسْرِ، بل باليُسْرِ وبحسَبِ الطاقةِ.

* * *

ص: 2165