الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد جاء أنَّ هذه الآيةَ نزَلَتْ في تطليقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لحَفْصَةَ، فأمَرَهُ اللَّهُ بإرجاعِها، فقيل له: رَاجِعْهَا؛ فإنَّها صوَّامةٌ قوَّامةٌ (1).
وقد ثبَت في "الصحيحَيْنِ"، عن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ؛ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ:(لِيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا؛ فَتِلْكَ العِدَّةُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عز وجل (2).
وقد بيَّن اللَّهُ قبلَ ذلك في سورةِ البقرةِ عِدَّةَ المطلَّقةِ الحائضِ عندَ قولِه تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [228].
طلاقُ السُّنَّة وطلاقُ البِدْعةِ:
قولُه تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} .
للطَّلاقِ عِدَّةٌ وموضعٌ يُنزَلُ فيها، وليس للزَّوْجِ أن يتكلَّمَ بالطلاقِ بهواهُ وفي الوقتِ الذي يشاءُ هو؛ فقد جعَلَ اللَّهُ للطلاقِ موضعًا، وموضعُهُ أنْ يُطلِّقَها في طُهْرٍ لم يُجامِعْها فيه، أو يُطلِّقَها حاملًا قد اتَّضَحَ حَمْلُها.
وقد قال ابنُ مسعودٍ (3)، وابنُ عبَّاسٍ (4)، وابنُ عمرَ (5)؛ في قولِه تعالى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} : إنَّه في طُهْرٍ مِن غيرِ جِماعٍ؛ وبه قال عطاءٌ ومجاهدٌ والحسنُ وعِكْرِمةُ وميمونُ بنُ مِهْرَانَ (6).
وكلُّ طلاقٍ لم يُوافِقِ السُّنَّةَ، فهو طلاقٌ بدْعيٌّ، أمَّا السُّنيُّ فتقدَّم، وأمَّا الطلاقُ البِدْعيُّ:
(1)"تفسير الطبري"(23/ 30)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(10/ 3359).
(2)
أخرجه البخاري (4908)، ومسلم (1471).
(3)
"تفسير الطبري"(23/ 23).
(4)
"تفسير الطبري"(23/ 29).
(5)
"تفسير الطبري"(23/ 28)، وتفسير ابن كثير" (8/ 143).
(6)
"تفسير الطبري"(23/ 25 - 27)، و"تفسير ابن كثير"(8/ 143).
فهو تطليقُ الزوجةِ في حَيْضِها أو نِفَاسِها، أو في طُهْرٍ قد جامَعَها فيه، أو يُطلِّقُها في زمنِ عِدَّتِها مِن تطليقةٍ سابقةٍ، أو يُطلِّقُها أكثَرَ مِن طلقةٍ مرةً واحدةً.
وأمَّا الصغيرةُ والآيسةُ التي لا تَحِيضُ، فلا طلاقَ بدْعيًّا يتعلَّقُ بحَيضِها ونِفاسِها؛ وإنَّما البِدْعيُّ يتعلَّقُ بتطليقِها في زمنِ عِدَّتِها مِن طلقةٍ سابقةٍ، أو تطليقِها بأكثَرَ مِن واحدةٍ مرةً واحدةً.
ومِن الأئمَّةِ كالشافعيِّ: مَن لم يَجعَلْ مجرَّدَ الطلاقِ ثلاثًا بِدْعةً ما دام طلاقُها في طُهْرٍ لم يُجامِعْها فيه؛ فاعتبَر الزمانَ ولم يَعتبرِ العَدَدَ، ولكنْ أمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنَ عمرَ أن يُراجِعَها، ثمَّ إنَّ اللَّهَ تعالى قال بعدُ:{لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} ، والأمرُ: الرَّجْعةُ، وهذا يدُلُّ على أنَّ المرادَ بقولِه:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} طلاقُ الرَّجْعةِ، وهو الأصلُ، والثلاثُ على قولِهِ لا رجعةَ فيها، وقد أخَذَ بعمومِ الآيةِ:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ، فوسَّعَ في عددِ الطَّلَقاتِ ما دام في العِدَّةِ، وقد تقدَّم الكلامُ على الطلاقِ الثلاثِ بلفظٍ واحدٍ أو مجلِسٍ واحدٍ عندَ قولِهِ تعالى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229].
وقولُه تعالى: {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} أمَرَ اللَّهُ بضبطِ العِدَّةِ؛ لأنَّ ذلك يتعلَّقُ به حقوقٌ واستحلالُ فُرُوجٍ وتحريمُها، ومِن ذلك الميراثُ؛ فلو مات أحدُ الزوجَيْنِ في آخِرِ يَوْمٍ مِن عِدَّةِ طلاقِ الرَّجْعةِ ولم تخرُجْ منها، فإنَّهما يَتوارَثانِ، وتعتدُّ الزوجةُ لوفاةِ زوجِها، وبضبطِ العِدَّةِ تُحفَظُ الأرحامُ مِن أن يكونَ فيها نُطْفةٌ لزوجٍ سابقٍ، فتتزوَّجُ غيرَهُ فيَنتسِبُ الولدُ إلى غيرِ أبيه، وكلُّ خِطْبةٍ لزوجةٍ في عِدَّةِ طلاقِها فهي محرَّمةٌ؛ لأنَّها في عِصْمةِ زوجِها واحتمالِ رَجْعتِها إليه، فضلًا عى حُرْمةِ وطءِ غيرِ زوجِها لها -ولو كان بعقدٍ- في أثناءِ العِدَّةِ.