الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة يس
سورةُ يس مكيَّةٌ، وقد حكَى الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ مِن العلماءِ؛ وبهذا قال ابنُ عبَّاسٍ وعائشةُ وقتادةُ، وقيلَ بمدنيَّتِها، وهو قولٌ شاذٌّ، إلَّا آياتٍ يسيرةً هي موضعُ نظرٍ بينَ القَوْلِ بمكيَّتِها والقولِ بمدنيَّتِها (1).
وقد بيَّن اللَّهُ فيها نِعْمةَ القرآنِ وما فيه مِن فصلِ القولِ والهدايةِ والرَّشادِ لطالِبِه، ومهمةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وحقيقةَ رسالتِه، والتذكيرَ بآياتِه الكونيَّةِ وخَلْقِ الإنسانِ وضَعْفِه، وأحوالَ بعضِ المُعانِدينَ لرُسُلِهِمْ مِن السابِقِين، والتذكيرَ بالآخِرةِ وفَجْأَتِها، ووعيدَ اللَّهِ للظالمِين.
* * *
* قال اللَّهُ تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} [يس: 48 - 50].
ذكَرَ اللَّهُ تعالى أَمْرَ قيامِ الساعةِ، واستعجالَ المشرِكِينَ لها، وبيَّن أنَّها صيحةٌ واحدةٌ مُفاجِئةٌ تَبْغَتُهُمْ وهم في خِصَامِهم ونِزَاعِهم غافلونَ عنها، وهذه الصيحةُ هي نفخةُ الصَّعْقِ، وبيَّن اللَّهُ أنَّ نهايتَهم لا تجعلُهُمْ
(1) ينظر: "تفسير ابن عطية"(4/ 445)، و"زاد المسير"(3/ 516)، و"تفسير القرطبي"(17/ 403)، و"الدر المنثور"(12/ 311).
يتمكَّنونَ مِن الوصيَّةِ لأحدٍ، ولا الرجوعِ إلى أهلِهم، فتأخُذُهُمْ في أماكنِهم.
وفي هذه الآيةِ: عِظَمُ الوصيَّةِ للأحياءِ، وخاصَّةً فيما يَنفَعُ الميِّتَ بعدَ مَوْتِهِ والحيَّ بعدَهم في حياتِه، وقد تقدَّم الكلامُ على حُكْمِ الوصيَّةِ وأحكامِها عندَ قولِه تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)} [البقرة: 180]، وقولِه تعالى:{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 181]، وقولِه تعالى:{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء: 9].
* * *
* قال اللَّهُ تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} [يس: 71 - 73].
أرشَدَ اللَّهُ إلى النظرِ والاعتبارِ في مخلوقاتِه، ومنها الأنعامُ التي يتملَّكُونَها، وهي أقرَبُ إليهم مِن غيرِها مِن خَلْقِ اللَّهِ، فسَخَّرَها اللَّهُ مُذلَّلةً لهم؛ لِتَنْفَعَهم بركوبٍ وأكلٍ وشُرْبٍ وغيرِ ذلك، وقد تقدَّمَ الكلامُ على أحكامِ ركوبِ الدوابِّ عندَ قولِهِ تعالى:{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 7 - 8].
* * *