الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الطور
سورةُ الطُّورِ سورةٌ مكيَّةٌ؛ كما قالهُ ابن عبَّاسٍ وابنُ الزُّبَيْرِ (1)، ومِن العلماءِ مَن نَصَّ على الإجماعِ على ذلك (2)، وفي السورةِ ذِكْرٌ لآياتِ اللَّهِ وبديعِ مخلوقاتِهِ السماويَّةِ والأرضيَّةِ، وتذكيرٌ بما بعدَ المَوْتِ للمُعانِدِينَ والمؤمِنِينَ، وذِكرٌ لأقوالِ بعضِ المُعانِدينَ وأحوالِهم الذين استَكْبَروا عن قَبُولِ الوحيِ.
* * *
* قال اللَّهُ تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 48 - 49].
أمَرَ اللَّهُ نبيَّه بالصبرِ على حُكْمِ اللَّهِ وأمرِهِ بالامتثالِ له ، وعلى ما يَسمَعُهُ مِن الكفارِ والإعراضِ عنه، وقد بيَّن اللَّهُ مِنَّتَهُ علي عبدِهِ أنَّه مُصطفِيهِ مِن بينِ خَلْقِه، وحافظُهُ وحامِيهِ مِن فتنةِ أعدائِه.
وقولُه تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} حُمِلَ معنى القيامِ في هذه الآيةِ على مَعانٍ:
منها: أنَّه حُمِلَ على ذِكْرِ اللَّهِ وتسبيحِهِ عندَ القيامِ إلى الصلاةِ؛ وهذا
(1)"الدر المنثور"(13/ 677).
(2)
"تفسير ابن عطية"(5/ 185)، و"زاد المسير"(4/ 175)، و"تفسير القرطبي"(19/ 511).
قولُ الضحَّاكِ والربيعِ وعبدِ الرحمنِ بنِ زيدٍ (1).
ومنها: أنَّه حُمِلَ على القيامِ مِن النومِ؛ وبهذا قال أبو الجَوْزَاءِ (2) وابنُ جربرٍ الطبريُّ (3)، وعلى هذا فمعناهُ ذِكَرُ الاستيقاظِ أو عندَ الانتباهِ والتَّعَارِّ على الفِراشِ في الليلِ، ومِن ذلك ما في "المسنَدِ" والبخاريِّ؛ مِن حديثِ عُبَادةَ بنِ الصامتِ، عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ قال:(مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ. لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلَّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ للَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي -أَوْ قَالَ: ثُمَّ دَعَا- اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ عَزَمَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صلَّى، تُقُبِّلَتْ صَلَاتُهُ)(4).
ومنها: أنَّه حُمِلَ على القيامِ مِن المَجْلسِ؛ وبهذا قال مجاهِدٌ وأبو الأحوصِ وعطاءُ بنُ أبي رباحٍ (5)، وذلك في معنى كفَّارةِ المَجلِسِ، فتُختَمُ المَجالِسُ بالذِّكْرِ والحمدِ، وقد تقدَّم الكلامُ على الذِّكْرِ في ختام المَجْلِسِ عندَ قولِهِ تعالى:{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)} [يونس: 10].
وقولُه تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} فسَّرَهُ ابنُ عبَّاسٍ وقتادةُ بأنَّه الركعتانِ قبلَ صلاةِ الفجرِ (6)، وذلك بعدَ ذَهَابِ الليلِ وإدبارِ نجومِه، وإقبالِ الفجرِ وضَوْئِه، وذِكْرُ اللَّهِ لها في كتابِهِ دليلٌ على فضلِها، وهىِ أعظَمُ السُّننِ الرواتبِ فضلًا، وأشَدُّها تعاهُدًا مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم عليها؛ كما
(1)"تفسير ابن كثير"(7/ 438، 439).
(2)
"تفسير ابن كثير"(7/ 439).
(3)
"تفسير الطبري"(21/ 606).
(4)
أخرجه أحمد (5/ 313)، والبخاري (1154).
(5)
"تفسير ابن كثير"(7/ 439).
(6)
"تفسير الطبري"(21/ 608).
في "الصحيحَيْنِ"، عن عائشةَ رضي الله عنها؛ قالتْ:"لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَي الفَجْرِ"(1).
وقد جاء في "صحيحِ مسلمٍ"، عنه صلى الله عليه وسلم؛ أنَّه قال:(رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)(2).
ومنهم: مَن حمَلَ المعنى في التسبيحِ إدبارَ النجومِ على صلاةِ الفجرِ؛ وهو قولُ الضحَّاكِ وابنِ زيدٍ، ورجَّحَه ابنُ جريرٍ (3).
وقد تقدَّم الكلامُ على الاهتداءِ بالنجومِ لمعرِفةِ الصلاةِ والعبادةِ، عندَ قولِهِ تعالى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 97].
* * *
(1) أخرجه البخاري (1169)، ومسلم (724).
(2)
أخرجه مسلم (725)؛ من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
"تفسير الطبري"(21/ 609).