الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه وعلى أهلِهِ وولدِه، وأثرُهُ على الزوجةِ وما تَستقبِلُهُ مِن أمرِها ونسَبِ ولدِها عظيمٌ، وقذفُ الأَبعدِينَ بعضِهم بعضًا قد يقعُ كُرْهًا وانتقامًا، ولا يتضرَّرُ القاذفُ، بل يتضرَّرُ المقذوفُ، ولكنَّ الزوجَيْنِ يتضرَّرانِ جميعًا، فجعَلَ اللَّهُ لقذفِ الزوجِ لزوجتِهِ حُكْمًا خاصًّا يختلِفُ عن أحوالِ القذفِ الأُخرى.
سببُ نزولِ لِعانِ الزَّوْجَيْنِ:
ويَظهرُ أنَّ سببَ نزولِ هذه الآيةِ كان في هِلَالِ بنِ أُمَيَّةَ وزوجتِهِ، واتَّهَمَ بها شَرِيكَ بنَ سَحْمَاءَ، ومثلُهُ وقَعَ مع عُوَيْمِرٍ العَجْلَانِيِّ وزوجتِه، وكِلا الحديثَيْنِ في "الصحيحَيْنِ"، وفيهما جميعًا: أنَّ اللَّهَ أنزَلَ فيهما؛ ففي قصةِ هلالٍ وزوجتِهِ، قال ابنُ عبَّاسٍ -وهو راوي الخبرِ-:"فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}، فقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} "(1)، وفي قصةِ عُوَيمِرٍ وزوجتِه، قال سهل بن سعدٍ راوي الخبرِ: إِنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعُوَيمِرٍ: (قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ)(2).
أمَّا حديثُ ابنِ عبَّاسٍ، فقد رواهُ البخاريُّ عنه: أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(البَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ البَيِّنَةَ؟ ! فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:(البَيِّنَةَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ)، فَقَالَ هِلَالٌ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، إِنِّي لَصَادِقٌ، فَلَيُنزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الحَدِّ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} ، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ:{إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} ، فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَرْسَلَ إلَيْهَا، فَجَاءَ هِلَالٌ فَشَهِدَ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أحَدَكُمَا كَاذِبٌ،
(1) سيأتي تخريجه.
(2)
سيأتي تخريجه.
فَهَل مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ )، ثُمَّ قَامَت فَشَهِدَت، فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا، وَقَالُوا. إِنَّهَا مُوجِبَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ، ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ اليَوْمِ، فَمَضَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(أَبْصِرُوهَا؛ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ العَيْنَيْنِ، سَابِغَ الأَلْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ)، فَجَاءَت بهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ)(1).
وأمَّا حديثُ سهلِ بنِ سعدٍ، فرواهُ الشيخانِ عنه؛ أَنَّ عُوَيْمِرًا العَجْلَانِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِمُ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتَهِ رَجُلًا، أَيَقتُلُهُ فَتَقتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَن ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسأَلَ عَاصِمٌ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَسَائِلَ وَعَابَهَا، حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ الَى أَهْلِهِ، جَاءَ عُوَيْمِرٌ، فَقَالَ: يَا عَاصِمُ، مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ عَاصِمٌ: لَم تَأْتِنِي بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَسأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا، فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسْطَ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا)، قَالَ سَهْلٌ: فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا فَرَغَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (2).
وشرَعَ اللَّهُ لِعانَ الزوجَيْنِ لأمرَيْنِ:
(1) أخرجه البخاري (4747).
(2)
أخرجه البخاري (5259)، ومسلم (1492).
الأولُ: إذا قذَفَ الزوجُ زوجتَهُ بالزِّنى، ولم يأتِ بالشهودِ الأربعةِ على قولِه، فإنَّه يُلاعِنُ لِيَدْرَأَ الحدَّ عن نفسِه.
والثاني: أن يُرِيدَ نفيَ الولدِ الذي وضَعَتْهُ زوجتُهُ عنه.
وقد اختلَفَ الفقهاءُ في اشتراطِ تقييدِ قذفِ الزوجِ لزوجتِهِ بمُشاهدتِهِ لها على الفاحشةِ على قولَيْنِ:
فذهب مالكٌ: إلى اشتراطِ تقييدِ رؤيتِهِ لها على الفاحشةِ؛ وذلك لظاهِرِ قصةِ هلالِ بنِ أُميَّةَ مع زوجتِهِ، وقصةِ عُوَيمِرٍ العَجْلانيِّ مع زوجتِه.
والذي عليه جمهورُ الفقهاءِ: عدمُ اشتراطِ هذا القيدِ، ولا يَلزَمُ أن يكونَ الزوجُ مُقِرًّا برؤيتِهِ لزِنَى زوجتِهِ حتى يُقبَلَ منه اللِّعانُ؛ لأنَّه قد يُلاعِنُ لنفي الولدِ، فيَرَى أنَّه ليس بولدِه، كأنْ يَدَّعِيَ أنَّه لم يَطَأْ زوجتَهُ مطلَقًا؛ لمرَضٍ، أو ضَعْفٍ وعجزٍ، أو هجرٍ، أو غيابٍ بسجنٍ، أو هجرةٍ ونفيٍ عنها، فحمَلَتْ ولم يرَ زوجتَهُ على الزِّنى، لكنَّه أراد نفيَ الولدِ، فيُلاعِنُهَا على قذفِهِ لها؛ لأنَّه لا يقعُ حملٌ إلَّا بوَطْءٍ، والوطءُ: إمَّا مِن نِكَاحٍ، وإمَّا مِن سِفاحٍ.
وقد اختُلِفَ في آيةِ اللِّعانِ وكونِها مخصِّصةً لآيةِ القذفِ أم مؤسِّسةً لحُكْمٍ جديدٍ:
فذهَب جماعةٌ: إلى أنَّ آيةَ القذفِ عامَّةٌ لكلِّ فاذفٍ ولو كان زوجًا لزوجتِه، ثمَّ خصَّصَ اللَّهُ قذفَ الزوجِ لزوجتِه بآيةِ اللِّعانِ.
ومنهم: مَن قال: إنَّ آيةَ القذفِ نزَلَتْ ولم يدخُلْ فيها الزوجانِ ابتداءً، فقذفُ الزوجِ لزوجتِه له حُكْمُهُ بآيتِه.
وذهَب آخَرونَ: إلى أنَّ آيةَ اللِّعانِ مخصِّصةٌ لآيةِ القذفِ، وأنَّ آيةَ القذفِ يدخُلُ فيها الزوجانِ قبلَ نزولِ اللِّعانِ المخصِّصِ لهما؛ وذلك لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لهلالِ بنِ أميَّةَ:(البَيِّنَةَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ)، فقال هلالٌ: