الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* قال تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30].
اشتكى النبيُّ صلى الله عليه وسلم لربِّه مِن هَجْرِ قومِه للقرآنِ، وعدمِ أخذِهم له، مع كونِهِ كلامَ ربِّهم الذي خلَقَهم.
هَجَرُ القرآنِ وأنواعُه:
وهجرُ القرآنِ هو تركُهُ وعدمُ الاعتبارِ به قراءةً وتدبُّرًا وعملًا، وأعظَمُ مِن ذلك إذا تَبِعَ هجرَ القرآنِ عُدْوانٌ عليه بوصفِهِ بالسِّحْرِ والخُرَافةِ، أو إهانتِهِ بتمزيفِهِ ورميِه، وهكذا كانتْ تَفْعَلُ قريشٍ؛ حيثُ هجَروه وكفَروا به، وقالوا فيه الباطلَ؛ ليَصُدُّوا الناسَ عنه، فهم قد زادُوا على مجرَّدِ تركِه في أنفُسِهم قولَ الباطلِ فيه؛ ليترُكَهُ غيرُهم فيَصُدُّوا الناسَ عنه؛ كما قال تعالى عنهم:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26].
وفي قولِه تعالى: {اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} ؛ قال مجاهدٌ: يقولونَ: هو سِحْرٌ (1)، وقال النخَعيُّ: قالوا فيه غيرَ الحقِّ (2)، وقال ابنُ زيدٍ: لا يُريدونَ أنْ يَسْمَعوه (3).
وهجرُ القرآنِ على مَراتِبَ وأنواعٍ ثلاثةٍ:
النوعُ الأولُ: هجرُ قراءتِه وتلاوتِه:
وتُشرَعُ قراءةُ القرآنِ لمَن يَحْفَظُه ومَن لا يَحْفَظُه، والقرآنُ شديدُ
(1)"تفسير الطبري"(17/ 443)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(8/ 2687).
(2)
"تفسير الطبري"(17/ 443)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(8/ 2688).
(3)
"تفسير الطبري"(17/ 444)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(8/ 2688).
التفلُّتِ أكثَرَ مِن غيرِه مِن الكلامِ، وقد جعَلَ اللَّهُ فيه خَصلتَيْنِ مُتقابلتَيْنِ؛ أنَّ مَن أقبَلَ على القرآنِ أقبَلَ عليه، ومَن أدبَرَ عنه أدبَرَ عنه:
فالأُولى: أنَّ اللَّهَ جعَل حِفْظَهُ أسهَلَ مِن غيرِه لمَنْ حَسُنَت نيَّتُه وسَلِمَ قصدُه؛ وقد قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17].
والثانيةُ: أنَّ نِسيانَه أسرَعُ مِن غيرِه مِن الكلامِ المحفوظِ.
فقد جعَل اللَّهُ إقبالَهُ سهلًا يسيرًا لقاصدِه، وإدبارَهُ سريعًا عن المُعرِضِ عنه؛ فلا يَبقى فى قلبِ مَن زهِد فيه ورغِب عنه؛ كما قال صلى الله عليه وسلم (بِئْسَمَا لِأَحَدِهِم يَقُولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ، اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ؛ فَلَهُوَ أَشدُّ تَفَصِّيَّا من صُدُورِ الرِّجَالِ، مِنَ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا)؛ رواهُ الشيخانِ مِن حديثِ ابنِ مسعودٍ (1).
وفي الصحيحينِ أيضًا، عن أبي موسى الأشعريِّ مرفوعًا:"تَعَاهَدُوا هَذَا القُرآنَ؛ فَوَالَّذي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَهُوَ أشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإِبِلِ فِي عُقُلِهَا"(2).
ولمَّا كانتِ المَعاصي مِن الإعراضِ عنه ولو إعراضَ عملٍ، فإنَّ القرآنُ يُعرضُ عن صاحِبِه بمقدارِ هجرِه للعملِ به؛ كما روى ابنُ أبي شَيْبةَ، عن الضَّحاكِ؛ قال: مَا تَعَلَّمَ رَجُلٌ القُرآنَ ثُمَّ نَسِبَهُ إِلَّا بِذَنبٍ؛ ثمَّ قرأ الضَّحَّاكُ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30]، ثمَّ قال الضَّحَّاكُ: وَأَيُّ مُصيبَةٍ أَعْظَمُ مِن نِسْيَانِ القُرْآنِ؟ ! (3).
ومَن قرَأ القرآنَ لنفسِه، فلا يجبُ عليه أن يَسمَعَه مِن غيرِه، لكنْ يُستحَبُّ له ذلك ويُسَنُّ؛ لأنَّ للأُذُنِ حقًّا كما أنَّ للِّسانِ والقلبِ حقًّا، وقد
(1) أخرجه البخاري (5032)، ومسلم (790).
(2)
أخرجه البخاري (5033)، ومسلم (791).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(29996).