الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بشِركِهم، وقد تقدَّم الكلامُ على تزويجِ المُسلِمةِ المُشركَ عندَ قولِه تعالى:{وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221].
إسلامُ الزوجَيْنِ أو أحدِهما:
إذا أسلَمَ الزوجانِ جميعًا في وقتٍ واحدٍ، فيَمْضي نكاحُهما السابقُ بلا خلافٍ، وإنْ تقدَّم أحدُهما الآخَرَ، لكنْ كان إسلامُهما في زمنِ العِدَّةِ، فيَمضي زواجُهما بعقدِهما السابقِ بلا شهودٍ ولا صداقٍ عندَ أكثرِ العلماءِ؛ وهو قولُ الشافعيِّ وأحمدَ والأوزاعيِّ، وذلك لِما رَوَى مالكٌ في "الموطَّأِ": أنَّ زوجةَ صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ أسلَمَتْ قبلَ زوجِها بنحوِ شهرٍ، ثمَّ أسلَمَ زَوْجُها، فلم يُفرِّقِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينَهما (1).
وقد أسلَمَتْ أمُّ حَكِيمِ بنتُ الحارثِ بنِ هشامٍ، ولم يُسلِمْ زوجُها عِكْرِمةُ بنُ أبي جهلٍ، ثمَّ أسلَمَ بعدُ، فرَدَّهما النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولم يُذكَرْ عقدٌ (2).
ولم يكنِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولا أصحابُهُ يَطْلُبونَ ممَّن يدخُلُ الإسلامَ مِن الأزواجِ تجديدَ عَقْدِهما مع إسلامِهما، وإنْ أسلَمَ أحدُهما، وبَقِيَ الآخَرُ مشرِكًا، فهما أجنبيَّانِ عن بعضِهما؛ لا يَحِلُّ استمتاعُ بعضِهما ببعضٍ، إلَّا إنْ أسلَمَ الزوجُ وبقِيَتِ الزوجةُ كتابيَّةً أو نصرانيَّةً، فيَبقى الزواجُ صحيحًا؛ لصحةِ زواجِ المسلمِ مِن الكتابيَّة خاصَّةً.
وقد اختلَفَ العلماءُ في اشتراطِ العَقْدِ الجديدِ لعودةِ أحدِ الزوجَيْنِ إلى الآخَرِ بعدَ انقضاءِ العِدَّةِ على تأخُّرِ إسلامٍ، على أقوالٍ عِدَّةٍ، أَشهرُها:
الأولُ -وهو قولُ أكثرِ الفقهاءِ-: أنَّها إنِ انتهَتْ، خرَجَتْ مِن
(1) أخرجه مالك في "الموطأ"(2/ 543).
(2)
أخرجه مالك في "الموطأ"(2/ 545).
عِصْمَتِه، ويُشتَرطُ أن يكونَ ذلك في زمنِ عِدَّتِها؛ فإنَّ للمُسلِمةِ مِن الزوجِ الكافرِ عِدَّةً كعِدَّةِ المطلَّقةِ، فالمطلَّقةُ تَبْدَأُ عِدَّتُها مِن طلاقِ زوجِها، والزوجةُ تَبدأُ عِدَّتُها بإسلامِها.
الثاني: ذهَبَ بعضُ الأئمَّةِ: إلى أنَّ إسلامَ أحدِ الزوجَيْنِ وتأخُّرَ الآخَرِ لا يَلزَمُ معه عودتُهما بعقدٍ جديدٍ مهما طالتِ المُدَّةُ، ما لم تتزوَّجِ المرأةُ بعدَ زوجِها ثمَّ تُطلَّقْ، وقد رَجَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنتَهُ زينبَ إلى زوجِها أبي العاصِ بنِ الربيعِ بنكاحِها الأولِ (1)، وبينَ إسلامِهما سِنُونَ؛ فقد تَبِعَها بإسلامِهِ سنةَ ثمانٍ.
واحتَجَّ به أحمدُ؛ قيل له: أليس يُروى أنَّه ردَّها بنكاحٍ مستأنَفٍ؟ قال: ليس له أصلٌ (2).
ويكثُرُ في الصدرِ الأولِ إسلامُ أحدِ الزوجَيْنِ وتأخُّرُ الآخَرِ، ولم يثبُتْ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بعقدٍ جديدٍ.
وأمَّا ما رواهُ عمرُو بنُ شُعَيْبٍ، عن أبيهِ، عن جدِّه مرفوعًا:(أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ ابْنَتَهُ عَلَى أَبِي العَاصِ بِمَهْرٍ جَدِيدٍ ونِكَاحٍ جَدِيدٍ)، فقد أعَلَّه أحمدُ والبخاريُّ والترمذيُّ (3).
وقد صحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ: أنَّ النكاحَ باقٍ ما لم تتزوَّجْ بعدَ انقضاءِ عِدَّتِها؛ كما روى البخاريُّ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ قال: كَانَ المُشْرِكُونَ عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالمُؤْمِنِينَ: كَانُوا مُشْرِكِي أَهْلِ حَرْبٍ؛ يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ، وَمُشْرِكِي أَهْلِ عَهْدٍ؛ لا يُقَاتِلُهُمْ ولا يُقَاتِلُونَهُ، وَكَانَ إِذَا هَاجَرَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الحَرْبِ، لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، فَإِذَا
(1) أخرجه أحمد (1/ 217)، وأبو داود (2240)، والترمذي (1143)، وابن ماجه (2009).
(2)
"المغني" لابن قدامة (10/ 10).
(3)
"مسند أحمد"(2/ 207)، و"سنن الترمذي"(1142)، و"السنن الكبرى" للبيهقي (7/ 188).
طَهُرَتْ، حَلَّ لَهَا النِّكَاحُ، فَإِنْ هَاجَرَ زَوْجُهَا -يعني: أسلَمَ وهاجَرَ- قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ، رُدَّتْ إلَيْهِ (1).
وهذا قولُ عمرَ بنِ الخطَّابِ والنَّخَعِيِّ وجماعةٍ، وقد روى محمدُ بنُ سِيرينَ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ يَزيدَ الخَطْمِيِّ: أنَّ نصرانيًّا أسلَمَتِ امرأتُهُ، فخيَّرها عمرُ بنُ الخطابِ: إنْ شاءتْ فارقَتْهُ، وإنْ شاءَتْ أقامَتْ عليه (2).
ويَذهَبُ بعضُ العلماءِ: إلى أنَّ إسلامَ أحدِ الزوجَيْنِ وتأخُّرَ الآخَرِ يَفسَخُ النكاحَ ولو كان تأخُّرُه يسيرًا، وهذا لم يَقُلْ به -فيما أعلَمُ- أحدٌ مِن الصحابةِ، ولا أحدٌ مِن متقدِّمي فقهاءِ الحجازِ، وهم العمدةُ في الفتوى في مِثلِ هذه الأبوابِ.
ويَفهَم بعضُ المعاصرينَ ما يُروَى في ذلك عن عمرَ وعليٍّ في الزوجةِ التي أسلَمَتْ عن زوجٍ كافرٍ: أنَّ زَوْجَها أَمْلَكُ ببُضْعِها (3)، وأنَّه أحَقُّ بها ما لم تخرُجْ مِن مِصْرِها (4) - وحملوا ذلك على أنَّه يَحِلُّ له وطؤُها وهو كافرٌ.
وهذا غلطٌ وتحميلٌ لقولِهما ما لا يَحتمِلُه، ولا يَحِلُّ وطءُ المُشرِكِ للمُسلِمةِ، ومرادُهما: أنَّه أَولى بها مِن غيرِهِ إنْ أرادَها بعدَ إسلامِه، ويَبقى على عقدِه الأولِ ما لم تتزوَّجْ بعدَ عِدَّتِها، ولم يكنِ الصحابةُ يبحثونَ مسألةَ وطءِ الكافرِ لمسلِمةٍ، ولكنْ لمَّا بَعُدَتِ الأفهامُ عن مقاصدِهم ورَقَّ الدِّينُ، حَمَلَ هؤلاءِ كثيرًا مِن محتمِلاتِ ألفاظِهم على غيرِ مُرادِهم.
وقولُه تعالى: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} ؛ يعني: أزواجَهُنَّ المشرِكينَ يُرسِلُ
(1) أخرجه البخاري (5286).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(10083) و (12660)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(18309).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(18307) عن عليٍّ.
(4)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(10084) و (12661) عن عليٍّ.
المُسلِمونَ إليهم مُهُورَهمُ التي سلَّموها لأزواجِهم، وهذا مِن عدلِ الإسلامِ في الوفاءِ بما عليه الصلحُ، فلمَّا استثنى اللَّهُ النساءَ مِن التسليمِ وهُنَّ في شروطِه، لم يُسقِطْ حقَّهم في المالِ بذلك.
وقولُه: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ، فيه: جوازُ نكاحِ المُهاجِراتِ اللاتي أزواجُهُنَّ مشركونَ بعدَ إعطائِهنَّ مهورَهُنَّ، وقد تقدَّم في صدرِ سورةِ النِّسَاءِ الكلامُ على الصَّدَاقِ عندَ قولِهِ تعالى:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [4].
وقولُه تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} ، فيه: تحريمُ نكاحِ المسلِمِ للمُشرِكةِ، وقد تقدَّم ذلك في سورةِ البقرةِ عندَ قولِهِ تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [221]، وتقدَّم الكلامُ على حِلِّ النكاحِ مِن الكتابيَّةِ خاصَّةً، عندَ قولِهِ تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5].
وقولُه تعالى: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} فيه المُماثَلةُ؛ فكما أنَّ المُهورَ تُدفَعُ للمُشرِكِينَ، فكذلك يُدفَعُ للمؤمِنِينَ مهورُ نسائِهِمْ عندَ لَحَاقِهِنَّ بأهلِهِنَّ مِن المشرِكِين.
وفي قولِه تعالى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} جوازُ إعطاءِ المؤمنِ الذي لَحِقَتْ زوجتُهُ بأهلِها المشرِكِينَ مِن مهورِ أزواجِ المشرِكِينَ اللاتي هاجَرْنَ، فبدلًا مِن إرسالِ المَهْرِ للمُشرِكِ، يُعطَى المسلِمُ الذي رجَعَتْ زوجتُهُ مِن مهورِهم.
وقال بعضُهم: إنَّ العقابَ في قولِه: {فَعَاقَبْتُمْ} ؛ يعني: غَنِمْتُمْ مِن المشرِكِينَ مالًا، فأصبتُمْ منهم عُقْبَى، فيُعطى المسلمُ مهرَ زوجتِهِ الخارجةِ
ممَّا أصابُوهُ منهم؛ رُوِيَ هذا عن ابنِ عبَّاسٍ ومسروقٍ والزُّهْريِّ وجماعةٍ (1).
* * *
كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُبايعُ النِّساءَ كما يُبايعُ الرِّجالَ، وكان يُشْرِكُهُنَّ مع الرِّجالِ ببعضِ ألفاظِ البَيعْةِ، وكان يَخُصُّهُنَّ ببعضِ الألفاظِ التي تتعلَّقُ بهنَّ، مع اشتراكِ الجنسَيْنِ في عامَّةِ المحرَّماتِ؛ ولكنَّه قد يَغلِبُ على جنسٍ الوقوعُ في محرَّمِ ويضعُفُ عندَ الآخَر، فأمَرَ اللَّهُ نبيَّه أنْ يُبايعَ النساءَ على عدمِ السرقةِ والزِّنى، وعدمِ قتلِ الأولادِ مِن إملاقٍ أو مِن حياءٍ، ومَنْعِهِنَّ مِن كلِّ بُهْتانٍ ظاهرٍ وخفيٍّ.
وكانتْ عادةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه يُصافِحُ مَنْ بايَعَهُ، إلَّا أنَّه لم يُصافِحِ النساءَ، ولم يَجْعَلْ رجلًا يُصافِحُهُنَّ عنه.
وقد ذكَرَ بعضُهم أنَّه صافَحَهُنَّ بحائلٍ، وبعضُهُمْ ذكَرَ أنَّه أَوكَلَ المصافحةَ لِعُمَرَ، وهدا منكَرٌ ليس له أصلٌ، وقد كان يقولُ صلى الله عليه وسلم:(إِنِّي لا أُصَافِحُ النِّسَاءَ)(2).
وقد رَوَى البخاريُّ، أنَّ عائشةَ زوجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أخبَرَتْ: أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنَ المُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الآيَةِ
(1)"تفسير الطبري"(22/ 591 - 593)، و"تفسير ابن كثير"(8/ 95).
(2)
أخرجه أحمد (6/ 357)، والنسائي (4181)، وابن ماجه (2874).
بقَوْلِ اللَّهِ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} ، إلى قولِه:{غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنَ المُؤْمِنَاتِ، قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(قَدْ بَايَعْتُكِ) كَلَامًا، ولا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي المُبَايَعَةِ، مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ:(قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكِ)(1).
وقد كان يُبايِعُهُنَّ على الفضيلةِ والحياءِ، ويَنهاهُنَّ عن ضدِّ ذلك، وهذا داخلٌ في قولِه تعالى:{وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} ، وقد رَوَى عمرُو بنُ أبي سَلَمةَ، عن زُهَيْرِ بنِ محمدٍ؛ في قولِ اللَّهِ:{وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} ؛ قال: لا يَخْلُو الرجلُ بامرأةٍ (2).
وقال قتادةُ في قولِه: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} ؛ قال: لا يُحَدِّثْنَ رجلًا (3).
* * *
(1) أخرجه البخاري (4891).
(2)
"تفسير الطبري"(22/ 601).
(3)
"تفسير الطبري"(22/ 597).