المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌سورة الحجر

- ‌صلاةُ الكَرْبِ، وإذا حَزَبَ الأمرُ:

- ‌سورة النحل

- ‌الانتفاعُ مِن جُلُودِ المَيْتَةِ:

- ‌أنواعُ الانتفاعِ مِن الأنعامِ والدوابِّ:

- ‌لُحُومُ الخَيْلِ والحَمِرِ والبِغَالِ:

- ‌حُكْمُ الاستعاذةِ عندَ القِرَاءةِ:

- ‌صِيَغُ الاستعاذةِ:

- ‌سورة الإسراء

- ‌سورة الكهف

- ‌حُكْمُ اقتِناءِ الكَلْبِ للحِرَاسةِ وغيرِها:

- ‌مشروعيَّةُ الوَكَالةِ والنِّيَابةِ:

- ‌الصلاةُ على الجنازةِ في المَقْبَرةِ:

- ‌الاستثناءُ في اليمينِ:

- ‌سورة مريم

- ‌تسميةُ المولودِ ووقتُها:

- ‌أمرُ الأهلِ بالصلاةِ

- ‌سورة طه

- ‌العِلَّةُ مِن أمرِ موسى بخلعِ نعلَيْهِ:

- ‌الصلاةُ في النِّعَالِ، ودُخُولُ المساجدِ بها:

- ‌قضاءُ الفرائضِ الفائتةِ وترتيبُها:

- ‌هل للصَّلَاةِ الفائِتةِ أذانٌ وإقامةٌ

- ‌حُكْمُ قضاءِ النوافلِ:

- ‌استحبابُ اتِّخاذِ البِطَانةِ الصالحةِ والوزيرِ المُعِينِ:

- ‌سورة الأنبياء

- ‌الأحوالُ التي جاء الترخيصُ فيها بالكَذِبِ للمَصْلَحةِ:

- ‌سورة الحج

- ‌حُكْمُ بيعِ رِبَاعِ مَكَّةَ ودُورِها:

- ‌تفاضُلُ المَشْيِ والرُّكُوبِ في الحَجِّ:

- ‌الهَدْيُ والأُضْحِيَّةُ والأَكْلُ منها:

- ‌نقسيمُ الهَدْيِ والأُضْحِيَّةِ:

- ‌مَرَاتِبُ التمكينِ وشروطُهُ:

- ‌سورة المؤمنون

- ‌معنى الخشوعِ:

- ‌حُكْمُ الخشوعِ في الصلاةِ:

- ‌حُكْمُ الاستمناءِ:

- ‌دعاءُ نزولِ المَنْزلِ:

- ‌سورة النور

- ‌حَدُّ الزاني والزَّانِيَةِ:

- ‌فأمَّا البِكْرُ:

- ‌وأمَّا المُحْصَنُ:

- ‌حُكْمُ الجَلْدِ مع الرجمِ للمُحْصَنِ:

- ‌حُكْمُ التغريبِ:

- ‌شهودُ الجَلْدِ والرَّجْمِ:

- ‌حُكْمُ نكاحِ الزانيةِ وإنكاحِ الزاني:

- ‌القذفُ الصَّرِيحُ والكنايةُ:

- ‌قذفُ الحُرَّةِ والأَمَةِ والكافِرةِ:

- ‌شهادةُ القاذفِ بعد توبتِهِ:

- ‌سببُ نزولِ لِعانِ الزَّوْجَيْنِ:

- ‌مَرَاحِلُ قَذْف الزَّوْجِ لزوجتِهِ:

- ‌نَفْيُ الوَلَدِ باللِّعَانِ:

- ‌قَذْفُ الزوجةِ لزوجِها:

- ‌إشاعةُ الفاحشةِ وسَبَبُ عَدَمِ جعلِ الشريعةِ لها حَدًّا:

- ‌حُكْمُ الاستئذانِ عندَ دخولِ البيوتِ وصِفَتُهُ وعددُهُ:

- ‌السلامُ عندَ دخولِ البيوتِ وصفَتُهُ وعددُهُ:

- ‌الحِكمةُ مِن تقديمِ أمرِ الرِّجالِ على أمرِ النِّساءِ بغضِّ البصرِ:

- ‌لا تلازُمَ بينَ غضِّ البصرِ وسُفُورِ النساءِ:

- ‌حُكْمُ نَظَرِ الرَّجُلِ الى المرأةِ:

- ‌أنواعُ زِينَةِ المَرْأةِ:

- ‌التدرُّجُ في فَرْضِ الحِجابِ:

- ‌حُكْمُ تزويجِ الأَيَامَى:

- ‌تركُ الأسواقِ والبَيْعِ وقتَ الصلاةِ:

- ‌أمْرُ الناسِ وأهلِ الأسواقِ بالصلاةِ:

- ‌حِجابُ القواعدِ مِن النِّساءِ:

- ‌فضلُ الاجتماعِ على الطعامِ:

- ‌سورة الفرقان

- ‌هَجَرُ القرآنِ وأنواعُه:

- ‌وهجرُ القرآنِ على مَراتِبَ وأنواعٍ ثلاثةٍ:

- ‌أَدْنَى الزمنِ الذي يُشرَعُ فيه خَتْمُ القرآنِ وأَعْلاه:

- ‌نِسْيانُ القرآنِ:

- ‌النوعُ الثاني من الهجرِ: هجرُ تدبُّرِ مَعانيهِ وأحكامِه:

- ‌النوعُ الثالثُ: هجرُ العملِ بما فيه مِن أوامرَ وأحكامِ:

- ‌سورة الشعراء

- ‌انتصارُ المظلومِ مِن ظالمِه وأحوالُه:

- ‌سورة النمل

- ‌حُكْمُ الضحكِ في الصلاةِ والتبسُّمِ:

- ‌حُكْمُ تأديبِ الحيوانِ وتعذيبِه:

- ‌وِلَايةُ المرأةِ:

- ‌البَداءةُ بالبَسْمَلَةِ والفَرْق بينَها وبينَ الحَمْدَلَةِ:

- ‌حُكْمُ قَبُولِ الهديَّةِ التي يُرادُ منها صَرْفٌ عن الحقِّ:

- ‌سورة القصص

- ‌حِفْظُ الأسرارِ وإفشاؤُها:

- ‌عَرْضُ البناتِ لتزويجِهِنَّ:

- ‌سورة العنكبوت

- ‌سورة الروم

- ‌فَرَحُ المؤمنينَ بهزيمةِ أحَدِ العَدُوَّيْنِ على الآخَرِ:

- ‌رِهانُ أبي بَكْرٍ بِمَكَّةَ، والرِّهَانُ في إظهارِ الحقِّ:

- ‌أحكامُ العِوَضِ (السَّبَقِ) واشتراطُ المحلِّلِ في الرِّهانِ:

- ‌القَيْلُولَةُ في نصفِ النهارِ:

- ‌وقد ذكَر اللَّهُ القيلولةَ في مواضعَ:

- ‌إهداءُ الهديَّةِ رجاءَ الثوابِ عليها:

- ‌سورة لقمان

- ‌الغِناءُ والمَعَازِفُ والفَرْقُ بينَهما:

- ‌سورة السجدة

- ‌حُكْمُ التسبيحِ في السُّجُودِ والرُّكُوعِ:

- ‌سورة الأحزاب

- ‌أُمَّهَاتُ المؤمنينَ ومَقامُهُنَّ:

- ‌أنواعُ أفعالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌عمومُ أصلِ الخِطَابِ بالحِجَابِ وخَصُوصيَّةُ نساءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الصلاةُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم: معناها، وحُكْمُها:

- ‌سورة سبأ

- ‌الاستعانةُ بالجنِّ:

- ‌حُكْمُ التماثيلِ وصُوَرِ ذواتِ الأرواحِ:

- ‌سورة فاطر

- ‌سورة يس

- ‌سورة الصافات

- ‌سورة ص

- ‌سورة غافر

- ‌سورة فصلت

- ‌سورة الشورى

- ‌الشُّورَى وفضلُها وشيءٌ مِن أحكامِها:

- ‌سورة الزخرف

- ‌لُبْسُ الصبيِّ والرجُلِ للحُلِيِّ:

- ‌سورة الأحقاف

- ‌أكثَرُ الحملِ والرَّضَاعِ وأقَلُّهُ:

- ‌سورة محمد

- ‌حُكْمُ أَسْرَى المشرِكِينَ:

- ‌سورة الفتح

- ‌حُكْمُ تترُّسِ المشرِكِينَ بالمُسلِمِينَ:

- ‌سورة الحجرات

- ‌تعظيمُ أقوالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه:

- ‌الفَرْقُ بينَ البُغَاةِ والخَوَارجِ:

- ‌الكِبْرُ واحتقارُ سببٌ للفِتَنِ بينَهم:

- ‌التعويضُ عن الضررِ المعنويِّ:

- ‌الأحوالُ التي تجوزُ فيها الغِيبَةُ:

- ‌غِيبةُ الكافرِ:

- ‌سورة ق

- ‌سورة الذاريات

- ‌سورة الطور

- ‌سورة النجم

- ‌سورة القمر

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة الواقعة

- ‌الطهارةُ عندَ القراءةِ ومَسِّ المُصْحَفِ:

- ‌سورة الحديد

- ‌سورة المجادلة

- ‌ألفاظُ الظِّهارِ المُتَّفَقُ والمُختلَفُ فيها:

- ‌كفارةُ الظِّهارِ:

- ‌أنواعُ النَّجوَى المنهيِّ عنها:

- ‌ما يُستحَبُّ للداخِلِ إلى المَجالِسِ:

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌الإحسانُ إلى الكافرِ بالهديَّةِ وقَبولُ شفاعتِه:

- ‌إسلامُ الزوجَيْنِ أو أحدِهما:

- ‌سورة الجمعة

- ‌مَن تجبُ عليه الجُمُعةُ:

- ‌حُكْمُ الجُمُعةِ للمسافرِ:

- ‌العَدَدُ الذي تَنعقِدُ به الجُمُعةُ:

- ‌قيامُ الخطيبِ في الخُطْبةِ:

- ‌سورة الطلاق

- ‌طلاقُ السُّنَّة وطلاقُ البِدْعةِ:

- ‌السُّكْنَى للمطلَّقةِ:

- ‌السُّكْنى للمُطلَّقةِ المَبْتُوتةِ:

- ‌الإشهادُ على إرجاعِ المطلَّقةِ:

- ‌عِدَّةُ الحاملِ مِن الطلاقِ والوفاةِ:

- ‌سورة التحريم

- ‌تحريمُ الحلالِ لا يجعلُهُ حرامًا:

- ‌تحريمُ الحلالِ يمينٌ وكَفَّارتُه:

- ‌سورة القلم

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة المزمل

- ‌سورة المدثر

- ‌سورة القيامة

- ‌حُكْمُ الرُّقْيَةِ:

- ‌حُكْمُ التداوي مِن المرضِ:

- ‌سورة الإنسان

- ‌سورة عبس

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطففين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة الماعون

- ‌التلازُمُ بينَ الرِّياءِ وتأخيرِ وقتِ الصلاةِ:

- ‌تاركُ الصلاةِ وحُكْمُهُ:

- ‌حُكْمُ العاريَّةِ وحَبْسٍ ما يُعِينُ المحتاجَ:

- ‌سورة الكوثر

- ‌حُكْمُ الأُضْحِيةِ ووقتُها:

- ‌سورة النصر

- ‌سورتا المعوِّذَتَيْنِ

الفصل: ‌أمر الأهل بالصلاة

* قال تعالى: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 55].

في الآيةِ ذكَرَ اللَّهُ فضلَ إسماعلَ، وأنَّه كان يأمُرُ أهلَه بالصلاةِ والزكاة، وكان عندَ ربِّه مَرْضِيًّا لذلك الفعلِ مه وغيرِه، و‌

‌أمرُ الأهلِ بالصلاةِ

والزكاةِ مهمةُ الأنبياءِ والأولياءِ والصالِحِين، وقد أمَرَ اللَّه نبيَّه بذلك في قولِهِ:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132].

أَمْرُ الأهلِ بالصلاةِ:

وهو تكليفٌ لجميعِ المُسلِمِينَ أن يتعاهَدوا أهلَهُمْ بأعظَمِ الأركانِ بعدَ الشهادتَيْنِ؛ وذلك أنَّ أَولى الناسِ بالنُّصْحِ الأَقْرَبُونَ، وأَولى الأَقْربِينَ أهلُ البيت، وقد قال اللَّهُ تعالى:{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]، فأولُ ما يجبُ على الإنسانِ خلاصُ نفسِهِ ونجاتُها، ثمَّ خلاصُ أهلِه ونجاتُهم، ثمَّ نجاةُ الأَقرَبِين؛ كما قال تعالى لنبيِّه:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، فأمَرَه بالأقربينَ قبلَ الأَبْعَدِينَ.

وقولُه تعالى: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ} : أهلُ الرجُلِ: زوجتُهُ وأولادُهُ؛ فقد قال اللَّه عن إبراهيمَ: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ} [الذاريات: 26]، وقال عن موسى:{فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} [طه: 10]؛ يعني: زوجتَهُ، وقد ذكَرَ اللَّهُ أهلَ لُوطٍ ثمَّ استثنَى زوجتَهُ منهم، فقال:{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ} [الأعراف: 83]؛ يعني: لمَّا كانتْ زوجتُهُ مِن أهلِه، استثناها لكفرِها، ومِثلُهُ قولُ نوحٍ:{إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45]، فقال تعالى:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46]، فأَقَرَّه على كونِهِ مِن أهلِه نَسَبًا، وأخرَجَهُ منهم لِكُفْرِه.

ويُطلَقُ الأهلُ على مَن تأهَّلَ في البيتِ واشترَكَ في سُكْناه، ومِن

ص: 1728

ذلك قولُهُ تعالى عن رُكَّابِ السفينةِ: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} [الكهف: 71]، ومِن ذلك قولُهُ تعالى:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} [يوسف: 26]؛ يعني: مِن أهلِ بيتِها، ومِثلُهُ قولُهُ تعالى:{لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ} [يوسف: 62].

وكان السلفُ يَتعاهَدونَ كلَّ أهلِ بيوتِهم بالصلاةِ والزكاةِ واستصلاحِ أمرِهم ولو كانوا خَدَمًا وجَوَارِيَ وعبيدًا، وقد روى الببهقىُّ؛ مِن حديثِ عاصمٍ؛ قال: جاء رجلٌ إلى الحسَنِ، فقال له: يا أبا سعيدٍ، إنَّ لي جاريةً حسَنةً الصوتِ، لو عَلَّمْتُها الغناءَ لعلِّي آخُذُ بها مِن مالِ هؤلاءِ، قال الحسَنُ: إنَّ إسماعيلَ كان يأمُرُ أهلَهُ بالصلاةِ والزكاةِ، وكان عندَ ربِّه مَرضِيًّا، فأعاد عليه الرجُلُ القولَ ثلاثَ مرَّاتٍ، كلَّ ذلك يقولُ له الحسَنُ: إنَّ إسماعلَ كان يأمُرُ أهلَهُ بالصلاةِ والزكاةِ (1).

وقد أمَرَ اللَّهُ بأمرِ الأولادِ بالصلاةِ وتعاهُدِهم عليها، ويجبُ ذلك على الوليِّ عندَ تمييزِ الولدِ بالكلامِ أمرًا، وضَرْبًا غيرَ مبرِّحٍ عندَ العِصْيانِ عندَ العاشرةِ؛ كما في قولِهِ صلى الله عليه وسلم:(مُرُوا أوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجِعِ)(2).

وظاهرُ الحديثِ: أنَّ الولدَ لا يؤمَرُ بها قبلَ السابعةِ، ولا يُضرَبُ قبلَ العاشرةِ، ولكن قبلَ السابعةِ يُعرضُ له:(لو صَلَّيتَ معنا، وماذا ترى بالصلاةِ مع الناسِ؟ )، وهذا لي حالِ قُرْبِهِ مِن التمييزِ، ولا يؤتى به إلى مواضعِ الصلاةِ وصفوف المُصلِّينَ إنْ كان يقطعُها ويُذهِبُ خشوعَهُمْ ببكائِهِ ولَعِبِه.

(1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 226).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 187)، وأبو داود (495).

ص: 1729

ويُستحَبُّ تعاهُدُ الأهلِ بصلاةِ النافِلةِ، وخاصَّةَ الزَّوْجةَ؛ فقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتعاهَدُ أهلَهُ وَيُوقِظُ أهلَهُ لصلاةِ الوِتْرِ، وكان يحُثُّ الناسَ على ذلك، ففي "السُّننِ"؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ وأبي سعيدِ؛ قال صلى الله عليه وسلم:(إِذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّبَا أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا، كُتِبَا فِي الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَاتِ)(1).

وفيها أيضًا عن أبي هريرةَ؛ قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قامَ مِنَ الَّليْلِ فَصَلَّى، وَأْيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ أَبَتْ، نَضَحَ فِي وَجْهِهَا المَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، وَأَيْقَظَتْ زَوجَهَا، فَإِنْ أَبَى، نَضَحَتْ فِي وَجهِهِ المَاءَ)(2).

* * *

* قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)} [مريم: 59].

ذكَرَ اللَّهُ الأنبياءَ ومَن اتَّبَعَهُمْ ممَّن اقتفَى أثرَهُم، وذكَر مَنْ خَلْفَهم ممَّن مالوا وحادُوا عن الصراطِ المستقيم، وأولُ وصفِ سوءٍ لهم ذكَرَهم به: أنَّهم: {أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} ، فقرَنَ اللَّهُ إضاعةَ الصلواتِ باتِّباعِ الشهواتِ؛ لأن الصلاةَ لا يُضِيعهُا إِلَّا غارِقٌ في الشهوةِ، يستمتِعُ بالعاجلِ فيَصرِفُهُ عن الآجِلِ.

وقد كان السلف يَعُدُّونَ كلَّ شَهْوةٍ صارفةٍ عن الطاعةِ هي مِن هذا البابِ؛ وذلك أنَّ ثَمَّةَ تلازُمًا بينَ الشهواتِ وتركِ الصلاةِ؛ فكلَّما زادَتِ

(1) أخرجه أبو داود (1309)، والنسائي في "السنن الكبرى"(1312)، وابن ماجه (1335).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 250)، وأبو داود (1308)، والنسائي (1610)، وابن ماجه (1336).

ص: 1730

الشهواتُ، نقَصَتِ الصلاةُ، وقد رَوَى البيهقيُّ في "الشُّعَبِ"؛ مِن حديثِ محمدِ بنِ عمرٍو، عن محمدِ بنِ المُنكدِرِ؛ عن عبدِ اللَّهِ بنِ عامرِ بنِ ربيعةَ، قال:"اغْتَسَلْتُ أَنَا وَآخَرُ، فَرَآنَا عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ وَأَحَدُنَا يَنْظُرُ إِلَى صَاحِبِهِ، قَالَ: إِنِّي لأَخْشَى أَنْ يَكُونَا مِنَ الخَلْفِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عز وجل: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} "(1).

ولا يكونُ تركُ الصلاةِ بالكليَّةِ والانغماسُ في الشهواتِ في الأُمَمِ إلَّا مع بُعْدِ عهدٍ بالنبوَّةِ، فتُطمَسُ معالمُها، ويَقِلُّ المُصلِحونَ فيها، وقد صحَّ عن مجاهدٍ أنَّ ذلك يكونُ في آخِرِ الزمانِ؛ كما رواهُ ابنُ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهدٍ؛ قال في قولِه:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ} : "عندَ قيامِ السَّاعةِ وذَهَابِ صَالِحي أمَّةِ مُحَّمدٍ صلى الله عليه وسلم يَنْزُو بعضُهم على بعضٍ في الأَزِقَّةِ"(2).

وقد حمَلَ بعضُ السلفِ الأضاعةَ في هذه الآيةِ على كفرِ تاركِ الصلاةِ؛ حيثُ حمَلَ الإضاعةَ على التركِ؛ لقربةِ الغَيِّ الذي لا يكونُ مِثلُهُ إلَّا لكافرٍ؛ كما جاء عن ابنِ مسعودٍ في قولِه: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} ؛ قال: "الغَيُّ نهرٌّ حَمِيمٍ في النارِ يُقذَفُ فيه الذين يَتَّبِعُونَ الشهواتِ"(3).

وقد حمَل بعضُ السلفِ الإضاعةَ في الآيةِ على تأخيرِها عن وقتِها؛ كما قال بذلك القاسمُ بنُ مُخيمرةَ؛ قال في قوله: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ} : "إنَّما أضاعوا المواقيتَ، ولو كان تركًا، كان كفرًا"(4).

(1) أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"(7401).

(2)

"تفسير الطبري"(15/ 570).

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(7/ 2413)، والبيهقي في "البعث والنشور"(471).

(4)

"تفسير الطبري"(15/ 567)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(7/ 2412).

ص: 1731

وقد اتَّفَقَ السلفُ على كفرِ تاركِ الصلاةِ؛ وإنَّما خلافُهُمْ في كونِهِ كفرًا مُخرِجًا مِن الملَّةِ، أو كفرًا أصغَرَ.

وقد ذهب أحمدُ في المشهورِ عنه -وهو قولٌ للشافعيِّ- إلى كفرِ تاركِها؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّركِ وَالكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ)(1)، ويأتي تفصيلُ القولِ في تاركِ الصلاةِ عندَ قولِهِ تعالى:{الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} [الماعون: 5].

* * *

(1) أخرجه مسلم (82).

ص: 1732