الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد جعَلَ اللَّهُ مِن خصائصِ اسمِ يحيى أنَّه لم يُسبَقْ مِن قبلُ.
تسميةُ المولودِ ووقتُها:
وقد جاءتْ مشروعيَّةُ التسميةِ اليومِ السابع؛ كما جاء مِن حديثِ عمرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيهِ، عن جدِّه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم-أَمَرَ بِتَسْمَيَةِ المَوْلُودِ يَومَ سَابِعِهِ، وَوَضْعِ الأذَى عَنْهُ، وَالعَقِّ"؛ أخرَجَهُ الترمذيُّ (1)، وعندَ أحمد وأهلِ "السنن" نحوُهُ مِن حديثِ سَمُرَةَ (2)، وجاء مِن حديثِ ابنِ عبَّاسٍ (3) وغيرِه.
وقد سمَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولدَهُ إبراهيمَ في اليومِ الذي وُلدَ فيه؛ كما جاء في مسلمٍ؛ من حديثِ أنسٍ مرفوعًا؛ قال: (وُلدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ، فَسَمَّيْتُهُ باسْمِ أَبِي إبرَاهِيمَ)(4)، وفي "الصحيحَيْنِ":"إنَّه وُلِدَ لأبي موسى ولدٌ، فأَتى به النبيَّ صلى الله عليه وسلم فحنَّكَهُ وسمَّاه إبراهيمَ"(5)، وفيهما مِن حديثِ سهلِ بنِ سعيدٍ:"أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سمَّى المُنذِرَ بنَ أبي أُسَيْدٍ حينَ ولادتِه"(6).
وفي الآيةِ: التسميةُ قبلَ الولادة، وفي حديثِ أنسٍ وأبي موسى وسهلِ بنِ سعدٍ التسميةُ يومَ الولادة، وفي حديثِ ابنِ العاصِ وسمُرةَ التسميةُ يومَ السابعِ؛ وكلٌّ ذلك جائزٌ، ولكنِ اختلَفَ العلماءُ في الأفضلِ على أقوالٍ:
فمنهم مَن قال: إنَّ التسميةَ في اليومِ السابعِ أفضَلُ؛ وبهذا قال جمهورُ العلماءِ؛ كمالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ.
(1) أخرجه الترمذي (2832).
(2)
أخرجه أحمد (5/ 7)، وأبو داود (2838)، والترمذي (1522)، والنسائي (4220)، وابن ماجه (3165).
(3)
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"(558).
(4)
أخرجه مسلم (2315).
(5)
أخرجه البخاري (5467)، ومسلم (2145).
(6)
أخرجه البخاري (6191)، ومسلم (2149).
ومنهم مَن قال: إنَّ التسميةَ في اليومِ الأولِ أفضلُ؛ وبهذا قال جماعةٌ مِن الفقهاءِ مِن المالكيَّةِ؛ وهو وجهٌ في مذهبِ أحمدَ.
ومَن نظَرَ في الأحاديثِ في التسميةِ عندَ الولادة، وجَدها أصَحَّ مِن التسميةِ في اليومِ السابعِ؛ كما قاله البيهقيُّ (1).
ومنهم مَن قال: إنَّه إنْ أرادَ أن يَعُقَّ عنه فيُسمِّيهِ مع عقيقتِهِ في السابعِ، ومَن لم يُرِدْ أن يَعُقَّ فيُسمِّيهِ أولَ يومٍ؛ وإلي هذا مالَ البخاريُّ، حيثُ بوَّبَ في كتابِه "الصحيحِ":(بابُ تسميةِ المولودِ غداةَ يُولَدُ لِمَن لم يَعُق)(2)، وقد سمَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولدَه إبراهيم يومَ وُلدَ، وأمَّا الحسنُ والحُسَيْنُ، فسمَّاهُما يومَ السابعِ؛ كما في حديثِ عائشةَ؛ حيثُ قالتْ:"عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ يَوْمَ السَّابِعِ وَسَمَّاهُمَا"؛ رواهُ ابنُ حِبَّانَ وغيرُهُ (3).
والآيةُ دالَّةٌ على جوازِ التسميةِ قبلَ الولادةِ؛ وذلك متوقِّفٌ على معجزةٍ؛ فلا يَعلَمُ الجنينَ ونوعَهُ قبلَ تكوُّنِهِ إلَّا اللَّهُ: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان: 34]، وهي في سياقِ البُشْرى وتأكيدِها، ومُقتضى التأكيدِ وتمامُ البشرى والنعيمِ التعجيلُ بالتسميةِ؛ لضمانِ تحقُّقِ المقصودِ وتمامِه.
وأمَّا التكنِّي، فبابُهُ واسعٌ؛ لأنَّ الكُنْيةَ لا يُقصَدُ بها مولودٌ بعَيْنِه؛ فقد يتكنَّى الرجُلُ ولا ولَدَ له، وقد يتكنَّى بذَكَرٍ وولدُه أُنثى، وقد يتكنَّى بأُنثى وولدُهُ ذكَرٌ، بخلافِ التسميةِ؛ فهي متعيَّنةٌ لولدٍ بعَيْنِه.
* * *
(1)"السنن الكبرى" البيهقي (9/ 305)، و"فتح الباري" لابن حجر (9/ 589).
(2)
"صحيح البخاري"(7/ 83).
(3)
أخرجه ابن حبان في "صحيحه"(5311)، والحاكم في "المستدرك"(4/ 237)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 299).
* قال تعالى: {قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} [مريم: 23].
في هذه الآيةِ: أنَّ مريمَ تمنَّتْ أن تكونَ قد ماتتْ قبلَ نزولِ ما نزَلَ بها، ولم تَتَمَنَّ الموتَ بعدَ نزولِ ما حَلَّ بها، بل سلَّمَتْ لأمرِ اللَّهِ وخَضَعَتْ له، وقد تقدَّم الكلامُ على تمنِّي الموتِ وأحوالِهِ عندَ قولِهِ تعالى:{تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101].
* * *
* قال تعالى: {يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: 28].
ذكَّرَ قومُ مريمَ مريمَ بسيرةِ أهلِها وفضلِهم وعَفَافِهم وطُهْرِهم، وأنَّ سِيرَتَها لا بنبغي أن تخرُجَ عنها، وقد استَنْكَروا أن يكونَ بيتُ العفافِ يخرُجُ منه أمرٌ استنكَروه؛ فبيَّنَ اللَّهُ لهم بإنطاقِ عيسى معجِزةً له ولها.
وفي هذه الآيةِ: جوازُ استعمالِ وازعِ الطَّبْعِ لاستنكارِ المُنكَرِ ولو كان وازعُ الطبعِ وحدَهُ، عندَ رؤيةِ مَن يَرَى عليه عملَ سَوْءٍ أو قولَ مُنكَرٍ، فيُنكِرُ عليه ذلك تذكيرًا له بأهلِهِ وخُلُقِهِ وقومِه وقبيلتِه.
والنهيُ عن المُنكَرِ يُخفَّفُ فيه، بخلافِ الأمرِ بالعبادةِ؛ فلا يجوزُ الأمرُ بالتعبُّدِ للَّهِ بوازعِ الطبعِ مجرَّدًا، ما لم يكنْ تابِعًا لوازعِ الشَّرْعِ؛ حتى لا يمتثِلَ الناسُ العباداتِ تقليدًا ورِياءً وسُمْعةً، فيقَعُوا في الشِّرْكِ؛ حيثُ لم يُخلِصوا في عَمَلِهم للَّهِ.
وقد تقدَّم الكلامُ على وازعِ الطَّبْعِ والشَّرْعِ والفرقِ بينَهما عندَ قولِهِ تعالى: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف: 23].
* * *
* قال تعالى: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31].
في هذه الآيةِ: أنَّ الصلاةَ واجِبةٌ على العاقلِ ما دام حيًّا، ولو لم يكنْ قادرًا ببدَنِهِ لمرضِ؛ ككَسْرٍ أو شَلَلٍ، أو ضعفٍ؛ كهُزَالٍ وكِبَرِ سِنٍّ، أو عجزٍ بتقييدِ يدَيْهِ ورِجلَيْهِ، وقد تقدَّم الكلامُ على ذلك عندَ قولِهِ تعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103].
* * *
* قال تعالى: {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 47].
السلامُ في الآيةِ مِن المُسالَمةِ والأَمَانِ، وتتضمَّنُ الاعتِزالَ والمُفارَقةَ، وقد فَهِمَ بعضُهم منها جوازَ بَذْلِ السلامِ للكفارِ، وليس كذلك، بل هو الأمانُ لأَبِيهِ؛ كما قالهُ ابنُ جريرٍ (1) وغيرُه.
وأمَّا الاستغفارُ، فقد بدَأَهُ إبراهيمُ ثَمَّ ترَكَهُ، لمَّا تبيَّن له إصرارُه؛ كما قال تعالى:{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 114]، وقد قال تعالى للنبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم والمؤمِنِينَ:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113].
وقد تقدَّم الكلامُ على حُكْمِ تحيَّةِ الكافرِ عندَ قولِهِ تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَو رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 86].
* * *