الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإشارةُ إلى ذلك في قولِهِ في القصصِ: {قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} [29]، وقولِه في الحُجُراتِ:{لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ} [11].
* * *
* قال تعالى: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)} [طه: 12].
أمَرَ اللَّهُ نبيَّه موسى بخَلعِ نَعْلَيْهِ حينَما أنَبَأَهُ بأنَّه بمكانٍ مقدِّسٍ معظَّمٍ، وفي هذا تشريفُ الأماكنِ المعظَّمةِ وتطهيرُها، واستحبابُ الإتيانِ أليها بما حَسُنَ مِن اللِّباسِ وطابَ مِن الرائحةِ، وقد تقدَّمَ الكلامُ على قصدِ المساجدِ بالزِّينةِ عندَ قولهِ تعالى:{يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} [الأعراف: 31].
العِلَّةُ مِن أمرِ موسى بخلعِ نعلَيْهِ:
وقد اختُلِفَ في سببِ أمرِ اللَّهِ موسي بَنَزْعِ نعلَيْهِ خاصَّةً؛ مع وضوحِ أنَّ هذا الموضعَ مكانٌ مقدَّسٌ معظَّمٌ:
فقيل: إنَّ النِّعَالَ كانتْ مِن جِلْدِ مَيْتهٍ، ولا يثبُتُ ذلك؛ وذلك أنَّهم أخَذُوهُ ممَّا روى التِّرْمِذيُّ (1)؛ مِن حديثِ ابنِ مسعودٍ مرفوعًا:"كانَ عَلَى مُوسَى يَوْمَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ كِسَاءُ صُوفٍ، وَجُبَّةُ صُوفٍ، وَكُمَّةُ صُوفٍ، وَسَرَاوِيلُ صُوفٍ، وَكَانَتْ نَعْلَاهُ مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ"، وقد أعَلَّ الحديثَ غيرُ واحدٍ مِن العلماءِ؛ كالترمذيِّ وغيرِه.
وبعضُهم جعَل ذلك للاستحبابِ؛ أيْ: عندَ حضورِ الأماكنِ
(1) أخرجه الترمذي (1734).
المعظَّمةِ ولقاءِ العُظَماءِ يُستحَبُّ نَزْعُ النِّعَالِ، وإنْ صحَّ ذلك فيُمْكِنُ تخصيصُهُ بمَن قَبْلَنا؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ثبَتَ عنه الصلاةُ في النِّعَالِ، ودخولُ المسجدِ بها، بل دخَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم البيتَ الحرامَ ببَعِيرِه، وفعَلَ مِثْلَهُ جماعةٌ مِن أصحابِهِ وأزواجِه، وطافُوا حولَ البِيتِ عليه، وليستْ أقدامُ البهائمِ بأطهَرَ من أقدامِ بَني آدمَ، فضلًا عن الأنبياءِ.
وقد وقَفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عندَ المَقامِ بنعلَيْهِ؛ كما رواه أحمدُ؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ (1)، وطاف ابن الزُّبَيْرِ بنعلَيْهِ؛ كما رواهُ الفاكهيُّ (2).
وظاهرُ قولِه تعالى بعدَ الأمرِ بخَلْعِ النِّعالِ: {إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ} : أنَّ العلةَ مِن خَلْعِ النِّعالِ هو قُدْسِيَّةُ المكانِ وخَصُوصِيَّتُه، ويتَّفقُ العلماءُ على أنَّ قدسيَّةَ المسجدِ الحرامِ ومسجدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أعظَمُ مِن قدسيَّةِ الوادِي المقدَّسِ طُوًى.
ولكنْ يَحتمِلُ أن العلةَ في ذلك هي أنَّ لذلك المكانِ مِن القُدْسِيَّةِ التي جعَلَها اللَّهُ فيه عندَ قدومِ موسى وسماعِ كلامِ اللَّهِ بلا واسطةٍ في الأرضِ: ما ليس في غيرِه، ثمَّ رُفِعَ ذلك القَدْرُ مِن القُدْسِيِّةِ بانتهاءِ ذلك؛ وذلك أن اللَّهَ كلَمَ موسى في الأرصِ بلا واسطةٍ، ولم يُسبَق موسى بأحدٍ مِن الأنبياءِ أنْ كَلَّمَهُ اللَّهُ كذلك، وأمَّا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم فقد كَلَّمَهُ اللَّهُ بلا واسطةٍ، ولكنْ في السماءِ، لا فى الأرضِ.
ويَحتمِلُ أن يكونَ الأمرُ بذلك مِن جنسِ أمرِ جبريلَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بنَزْعِ نعلَيْهِ؛ لأنَّه كان فيهما قذَرٌ، وذلك كما جاء في حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ؛ قال: بينَما النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِأصْحَابِهِ إذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ القَوْمُ، أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(1) أخرجه أحمد (2/ 422).
(2)
أخرجه الفاكهي في "أخبار مكة"(580).