الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الماعون
سورةُ المَاعُونِ سورةٌ مكيَّةٌ، ومِن العلماءِ مَن حَكَى اتِّفاقَهم على ذلك، ولكن ثَمَّةَ قولٌ لبعضِ المفسِّرينَ: بأنَّها مدَنيَّةٌ، ويُنسَبُ إلى ابنِ عبَّاسٍ وقتادةَ وغيرِهما، ولابنِ عبَّاسٍ قولٌ آخَرُ بمكيَّتِها (1).
وفيها: أمرٌ بالبَذْلِ وتطهيرِ النَّفْسِ مِن الشُّحُّ، وأمرٌ بالعبادةِ، وتحذيرٌ مِن النِّفاقِ وشُعَبِهِ ومُراءاةِ الناسِ، وتلازُمُ الرِّياءِ والشُّحِّ ظاهرٌ؛ فكلاهما مِن علاماتِ النِّفاقِ.
* قال اللَّه تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4 - 5].
توعَّد اللَّهُ الغافلِينَ عن الصلاةِ المتكاسِلينَ عنها بالوعيدِ الشديدِ، وهذه الآيةُ فيمَن يصلِّي؛ لأنَّ اللَّهَ قال:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} ؛ يعني: أنَّهم يُصَلُّونَ لكنَّهم يَتكاسَلونَ وَيغْفلونَ عنها حتى يؤخِّروها عن وقتِها؛ وهذا ظاهرُ قولِه تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} فبيَّن أنَّهم ساهونَ عنها، وليسوا تاركينَ لها، ولا أنَّهم ساهونَ فيها فقطْ؛ لأنَّ السَّهْوَ عنها هو غفلةٌ عن أصلِ الصلاةِ، والسهوُ فيها هو عدمُ الخشوعِ فيها؛ ولهذا قالا عطاءُ بنُ دِيَنارٍ: "الحمدُ للَّهِ الذي قال: {هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} ، ولم
(1) ينظر: "تفسير ابن عطية"(5/ 527)، و"زاد المسير"(4/ 495)، و"تفسير القرطبي"(22/ 509).
يقُلْ: في صلاتِهم ساهونَ" (1).
لأنَّ ذَهَابَ بعضِ الخشوعِ لا يكادُ يَسلَمُ منه أحدٌ، وقد سأَلَ مُصعبُ بنُ سعدٍ سعدًا، فقال:{هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} : أهو ما يحدِّثُ به أحدُنا نفسَهُ في صلاتِه؟ قال: لا؛ ولكنَّ السهوَ أن يُؤخِّرَها عن وقتِها (2).
وقد تقدَّم الكلامُ على الخشوعِ وحُكْمِهِ في أولِ سورةِ المؤمنونَ.
وحمَلَ هذه الآيةَ على تأخيرِ الصلاةِ عن وقتِها، لا تركِها بالكليَّةِ: جماعةٌ مِن السلفِ؛ كسعدٍ وابنِ عبَّاسٍ والشعبيِّ، ومسروقٍ (3).
ومِن السلفِ: مَن حمَلَها على التركِ، وهذا قولٌ لابنِ عبَّاسٍ رواهُ عنه عليُّ بن أبي طَلْحةَ، ولكنَّ ابنَ عبَّاسٍ قيَّد التَّرْكَ بتركِ المنافِقِ سِرًّا ويَفعَلُها علانيَةً، فقال:"فهم المُنافِقونَ؛ كانوا يُراؤُونَ الناسَ بصَلَاتِهم إذا حضَرُوا، ويترُكُونَها إذا غابُوا، وَيَمنَعُونَهُمُ العَارِيَّةَ بُغضًا لهم، وهو الماعونُ"(4).
وبهذا المعنى قال جماعةٌ؛ كمجاهِدٍ والضحَّاكِ وغيرِهما (5).
وهذا المعنى صحيحٌ، ولا يخرُجُ عن القولِ السابقِ له، لأنَّ المنافِقَ إمَّا أن يكونَ نفاقُهُ أكَبَرَ؛ فيَتْرُكَ الصلاةَ المفروضةَ في السِّرِّ بالكليَّةِ، ويُنشِئَها رِياءً وعلانيَةً للناسِ، وإمَّا أن يكونَ نفاقُهُ ليس بأكبَرَ؛ فيَجذِبَهُ الإيمانُ عن التَّرْكِ، ويَجعلَهُ نفاقُهُ يَتراخَى عن وقتِها، وهو بينَ مَدِّ النِّفاقِ وجَزْرِ الإيمانِ للوقتِ، ومِن هذا ما ثبَتَ في مسلمٍ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(1)"تفسير الطبري"(24/ 664).
(2)
"تفسير الطبري"(24/ 660).
(3)
"تفسير الطبري"(24/ 660).
(4)
"تفسير الطبري"(24/ 661)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(10/ 3468).
(5)
"تفسير الطبري"(24/ 662 و 665)، و"تفسير القرطبي"(22/ 511).