الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الحربِ يُضرَبُ بما يُفنِيهِ، ويُقدَّمُ القتلُ على الأَسْرِ؛ حتى يتحقَّقَ الإثخانُ فيهم، فإذا تمَّ الإثخانُ فيهم وتحقَّقَ تنكيلُهم، يُقدَّمُ الأَسْرُ، وهذه الآيةُ نظيرُ قولِهِ تعالى:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)} [الأنفال: 67]، وقد تقدَّم فيها الكلامُ على تقديمِ القتلِ على الأَسْرِ في بدايةِ القتالِ والحِكْمةِ مِن ذلك، وكذلك تقدَّم حُكْمُ ضربِ العدوِّ كيفما اتَّفَقَ وإصابتِهِ في أيِّ موضعٍ، عندَ قولِهِ تعالى:{فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12].
حُكْمُ أَسْرَى المشرِكِينَ:
في قولِه تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} التخييرُ في التعامُلِ مع الأَسْرَى: إمَّا بالمَنِّ عليهم وإطلاقِهِمْ تأليفًا لهم ولقومِهم، وإمَّا بمُفاداتِهم بأَسْرَى المُسلِمِينَ أو بالمالِ.
وقد اختُلِفَ في نَسْخِ هذه الآيةِ:
فمنهم: مَن قال: بأنَّها منسوخةٌ بقولِه تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]؛ وبه قال قتادةُ (1)، والحَكَمُ (2)، ويُروى النسخ عن أبي عبَّاسٍ؛ رواهُ عنه العَوْفِيُّ (3)، وقد خالَفَه عليُّ بنْ أبي طلحةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ بعدمِ النَّسْخِ، وأنَّ الإمامَ مخيَّرٌ (4)؛ وهو أصحُّ.
وأكثرُ العلماءِ على عدم النَّسْخِ، وبه قال مِن السلفِ عطاءٌ والحسنُ وعمرُ بن عبدِ العزيزِ وغيرُهم (5).
وقد اختلَفَ العلماء في أَسْرَى المشركينَ بينَ التخييرِ بينَ القتلِ والمَنِّ والفِداءِ، وبينَ تقديم واحدٍ منها على الآخَرِ، على أقوالٍ:
(1)"تفسير الطبري"(21/ 184).
(2)
"تفسير القرطبي"(19/ 245).
(3)
"تفسير الطبري"(21/ 185).
(4)
"تفسير ابن أبي حاتم"(5/ 1732).
(5)
ينظر: "تفسير الطبري"(21/ 185 - 186)، و"تفسير القرطبي"(19/ 246).
قالت طائفةٌ: إنَّه مخيَّرٌ بينَ المَنِّ والفِدَاءِ، وليبس له القتلُ؛ أخذًا مِن ظاهرِ الآية، وأنَّ اللَّهَ خيَّرَ بينَهما، ولم يُخيِّرْهُ بالقتلِ؛ وصحَّ هذا عن عطاءِ بنِ أبي رَبَاحٍ والحَسَنِ (1)، ورأَوْا أنَّ الأسيرَ لا يُقتَلُ إلَّا في الحربِ.
وقال بعضُهم: إنَّه يجبُ فيهم القتلُ، وإنَّ التخييرَ منسوخٌ على ما تقدَّمَ حكايتُه، وممَّن قال بهذا القولِ مَن جعَلَ الآيةَ خاصَّةً بأهلِ الأوثانِ؛ فلا يُفادَوْنَ ولا يُمَنُّ عليهم؛ وفيه نظرٌ.
ومنهم مَنِ استثنى المرأةَ؛ لأنَّها لا تُقتَل، فيجوزُ الفِداءُ بها.
وبقتلِ الأُسارَى قال أبو حنيفةَ؛ حتى لا يعُودوا لقتالِ المُسلِمِينَ.
وقال جمهورُ الفقهاءِ: بأنَّه مخيَّرٌ بينَ القتلِ والمَنِّ والفِدَاءِ والاسترقاقِ، وهذا الأرجحُ، فقد قتَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أقوامًا مِن أَسْرَى الكافرينَ؛ ففي بَدْرِ قتَلَ النضرَ بنَ الحارث، وعُقْبةَ بنَ أبي مُعَيطٍ، وقد روى البخاريُّ ومسلمٌ أنَّ ثُمَامَةَ بنَ أُثَالٍ قال لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حينَ قال له:"مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ ": "إِن تَقْتُلْ تَقتُل ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِن كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ، فَسَل تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ"(2).
وإنَّما لم يُذكَرِ القتلُ في الآيةِ؛ لظهورِه، وقد كان سابقًا مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في مواضعَ مِن الأَسْرَى، والحاجةُ ماسَّةٌ لبيانِ الحقِّ بالفِدَاءِ أو المَنِّ، وقد قتَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَسْرَى في بدر، وقتَلَ رجالَ بني قُرَيْظةَ، وهذا العملُ المشتهِرُ لو كان منسوخًا، لنُسِخَ بنصٍّ واضحٍ بيِّنٍ؛ لأنَّه ليس بالأمرِ الهيِّنِ، ولَتَجَلَّى في عملِ الصحابةِ.
وبالتخييرِ بينَ القتلِ والمَنِّ والفِدَاءِ والرِّقِّ قال جمهورُ الأئمَّةِ، وهو
(1)"تفسير الطبري"(21/ 185 - 186).
(2)
أخرجه البخاري (4372)، ومسلم (1764).
الصحيحُ عن ابنِ عبَّاسٍ، وجاء عن ابنِ عمرَ والشوري والأوزاعيِّ، وهو مذهب مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ، وهو قولٌ لأبي حنيفةَ حكاهُ عنه الطحاويُّ.
وقد رَوَى عليُّ بن أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ في قولِهِ تعالى:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67]، قال: ذلك يومَ بَدْرٍ والمُسْلِمونَ يَوْمَئِذٍ قليلٌ، فلمَّا كَثُرُوا واشتَدَّ سُلْطَانُهم، أنزَلَ اللَّهُ تعالى بعدَ هذا في الأُسَارَى:{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} ، فجعَلَ اللَّهُ النبيَّ والمؤمنين في الأُسَارَى بالخِيَارِ: إنْ شاؤوا قَتَلُوهم، وإنْ شاؤوا استعبَدُوهم، وإن شاؤوا فادَوْهم (1).
وقد حكى الجصَّاصُ الاتفاقَ على جوازِ قتلِ الأسيرِ (2)، والصوابُ: أنَّه المذهبُ الصحيحُ لعامَّتِهم.
وقد تقدَّم الكلامُ على مسألةِ فَكَاكِ أَسْرَى المُسلِمِينَ ومُفاداتِهم بأَسْرَى الكفار، وحُكْمِ فَكاكِ أَسْرَى المُسلِمِينَ بهم وبالمال، عندَ قولِهِ تعالى:{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 273]، وقولِه تعالى:{وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} [النساء: 75].
وتقدَّم الكلامُ في التعامُلِ مع الأسيرِ وتعذيبِهِ عندَ قولِهِ تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 14].
* * *
(1)"تفسير الطبري"(11/ 272)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(5/ 1732).
(2)
"أحكام القرآن" للجصاص (5/ 269).
* قال اللَّهُ تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)} [محمد: 22].
ذكَرَ اللَّهُ أنْ لو تولَّى المؤمنون عن شريعةِ اللَّه، ومنها الجهادُ، وأنَّ تَوَلِّيهم سيكونُ سببًا للفسادِ في الأرضِ كما كان الناسُ في الجاهليَّةِ، وفي هذا بيانُ أنَّ الجهادَ إنَّما شرَعَهُ اللَّهُ لحربِ الفسادِ في الأرضِ وإعلاءِ كلمةِ الحقِّ، وأنَّ عقوبةَ تَرْكِهِ تمزيقُ الأُممِ وتقاتُلُها، وذلك أنَّ الناسَ إنْ لم يُقاتِلُوا بالحقِّ الباطلَ، اقتتَلَ الحقُّ فيما بينَهُ حتى يُمزَّقَ، ثمَّ يَخلُفُهُ الباطلُ، ويَقتتِلُ الباطلُ فيما بينَهُ حتى يُمزَّقَ، ثمَّ يَخلُفُهُ الحقُّ، فيَدُور البشرُ في دائرةِ الفسادِ والإفسادِ، فيَدفَعُ اللَّهُ الفسادَ كلَّه بالجهادِ.
وفي قَرْنِ اللَّهِ لقطيعةِ الأرحام مع الإفسادِ في الأرضِ إشارةٌ إلى أنَّ الرحِمَ إنْ قُطِعَتْ، فسَدَتِ الأُمَمُ؛ لأنَّ الأرحامَ ووَصْلَها يعني اجتماعَ الناسِ؛ وذلك يَحفَظُ في النفوسِ الحياءَ وفطْرتَها الصحيحةَ، ولكنْ إنْ تمزَّقتْ، ذهبَ الحياءُ، وضَعُفَتِ الفِطْرةُ، وفعَلَتِ الحرامَ بلا خشيةٍ مِن اللَّهِ ولا حياءٍ مِن الناسِ؛ ولهذا شدَّدَ اللَّهُ في أمر الرَّحِمِ وعَظَّمَ شأنَها، وقد روى الشيخانِ؛ مِنْ حديثِ أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:(خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ، قَامَتِ الرَّحِمُ فَأَخَذَت بِحَقْوِ الرَّحْمَن، فَقَالَ لَهُ: مَهْ؟ قَالَت: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَة، قَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَك، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ، قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَذَاكِ)، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} (1).
(1) أخرجه البخاري (4830)، ومسلم (2554).
وقد تقدَّم الكلامُ على صِلةِ الأرحامِ عندَ قولِه تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
* * *
* قال اللَّهُ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)} [محمد: 33].
أمَرَ اللَّه المؤمنينَ بحِفْظِ أعمالِهم الصالحةِ وحَسَنَاتِهم، وألَّا يَنقُضُوها بعملٍ سَيِّئٍ؛ سواءٌ كان كفرًا يُحبِطُ العملَ كلَّه، أو كان كبيرةً تُحبِطُ الحَسَنات، فإنَّه لا خلافَ عندَ السلفِ: أنَّ الحسناتِ تُذهِبُ السيِّئاتِ؛ وذلك لقولِهِ تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، ولِمَا تواتَرَ في السُّنَّةِ، وإنَّما خلافُ أهلِ السُّنَّةِ في إحباطِ السِّيئاتِ للحسناتِ؛ والدليلُ يعضُدُ ثبوتَ ذلك؛ وبه قال الحسنُ، والزُّهْريُّ (1)، وقتادةُ، وقد حمَلَ بعضُ السلفِ قولَه تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} على هذا النوع، كما صحَّ عن قتادةَ أنَّه قال في قولِهِ:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} : مَن استطاعَ منكم ألَّا يُبْطِلَ عملًا صالحًا عَمِلَهُ بعمل سيِّئٍ، فلْيَفْعَل، ولا قوةَ إلَّا باللَّهِ! فإنَّ الخيرَ يَنسَخُ الشرَّ، وإنَّ الشرَّ يَنسَخ الخيرَ، وإنَّ مِلاكَ الأعمالِ خواتيمُها (2).
وقد تقدَّم الكلامُ على أنواعِ إحباطِ العملِ الصالحِ استطرادًا عندَ قولِه تعالى مِن سورةِ الكهفِ: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)} [18].
وتقدَّم الكلامُ على إحباطِ الرِّدَّةِ للعملِ الصالحِ عندَ قولِه تعالى:
(1) ينظر: "تفسير القرطبي"(19/ 287).
(2)
"تفسير الطبري"(21/ 226).
* * *
* قال اللَّهُ تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)} [محمد: 35].
نَهَى اللَّهُ المؤمنينَ عن أسبابِ الهَوَانِ والصَّغَارِ، ومِن ذلك أن يَطْلُبوا السَّلْمَ مع الكافِرِينَ رمنَ قُوَّتِهم وقُدْرتِهم وتمكُّنِهم؛ فإنَّ الكافرينَ وإنْ أظهَروا اللِّينَ والمودَّةَ، فهم يَطْوُونَ في نفوسِهم المَكْرَ والخديعةَ والتربُّصَ؛ فنَهى اللَّه عن مُسالَمَتِهم زمنَ قوةِ المُسلِميِنَ وتمكُّنِهم؛ فإنَّ دوامَ المُسالَمةِ تَدفَعُ المُسلِمينَ إلى مُخالَطَتهم والقَرَارِ بينَ ظَهرَانَيْهِمْ والإعجابِ بهم.
وقد تقدَّم الكلامُ على أحكامِ السَّلْم والهُدْنةِ وحدودِها وآثارِها عندَ قولِهِ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)} [البقرة: 208]، وقولِهِ تعالى:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)} [الأنفال: 61]، وقولِهِ تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ} [النساء: 97].
وقد تقدَّم الكلامُ على مَراتب الأعداء في القتالِ، والتدرُّجِ في ذلك، والنظرِ إلى الأسبابِ الشرعيَّةِ والكونيَّةِ، والفرقِ بينَ عقيدةِ الوَلَاءِ والبَراءِ وسياسةِ الاستعداءِ، عندَ قولِهِ تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} [النساء: 77].
* * *
* قال اللَّهُ تعالى: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)} [محمد: 38].
عظَّم اللَّهُ منزلةَ النفقةِ في سبيلِه، وحذَّر مِن البخلِ عندَ حاجةِ المُسلِمينَ إلى ذلك، وخاصَّة عندَ حاجتِهم للجهادِ في سبيلِ اللَّهِ وصدِّ عدوِّه، وقد بيَّن اللَّه أنَّ تَرْكَ النفقةِ عندَ قيامِ مُوجِبِها هلاكٌ للمُمْسِكِين، ومَحْقُ بَرَكةٍ للقادرِين، وسمَّى اللَّهُ المحذِّرينَ مِن الإنفاقِ، الداعِينَ للإمساكِ: بالمُنافِقينَ؛ كما في سورةِ (المُنافِقونَ) وغيرِها.
وقد تقدَّم الكلامُ على النفقةِ في سبيلِ اللَّهِ وحُكْمِها عندَ قيامِ موجبِها عندَ قولهِ تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} [البقرة: 195].
* * *