المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌سورة الحجر

- ‌صلاةُ الكَرْبِ، وإذا حَزَبَ الأمرُ:

- ‌سورة النحل

- ‌الانتفاعُ مِن جُلُودِ المَيْتَةِ:

- ‌أنواعُ الانتفاعِ مِن الأنعامِ والدوابِّ:

- ‌لُحُومُ الخَيْلِ والحَمِرِ والبِغَالِ:

- ‌حُكْمُ الاستعاذةِ عندَ القِرَاءةِ:

- ‌صِيَغُ الاستعاذةِ:

- ‌سورة الإسراء

- ‌سورة الكهف

- ‌حُكْمُ اقتِناءِ الكَلْبِ للحِرَاسةِ وغيرِها:

- ‌مشروعيَّةُ الوَكَالةِ والنِّيَابةِ:

- ‌الصلاةُ على الجنازةِ في المَقْبَرةِ:

- ‌الاستثناءُ في اليمينِ:

- ‌سورة مريم

- ‌تسميةُ المولودِ ووقتُها:

- ‌أمرُ الأهلِ بالصلاةِ

- ‌سورة طه

- ‌العِلَّةُ مِن أمرِ موسى بخلعِ نعلَيْهِ:

- ‌الصلاةُ في النِّعَالِ، ودُخُولُ المساجدِ بها:

- ‌قضاءُ الفرائضِ الفائتةِ وترتيبُها:

- ‌هل للصَّلَاةِ الفائِتةِ أذانٌ وإقامةٌ

- ‌حُكْمُ قضاءِ النوافلِ:

- ‌استحبابُ اتِّخاذِ البِطَانةِ الصالحةِ والوزيرِ المُعِينِ:

- ‌سورة الأنبياء

- ‌الأحوالُ التي جاء الترخيصُ فيها بالكَذِبِ للمَصْلَحةِ:

- ‌سورة الحج

- ‌حُكْمُ بيعِ رِبَاعِ مَكَّةَ ودُورِها:

- ‌تفاضُلُ المَشْيِ والرُّكُوبِ في الحَجِّ:

- ‌الهَدْيُ والأُضْحِيَّةُ والأَكْلُ منها:

- ‌نقسيمُ الهَدْيِ والأُضْحِيَّةِ:

- ‌مَرَاتِبُ التمكينِ وشروطُهُ:

- ‌سورة المؤمنون

- ‌معنى الخشوعِ:

- ‌حُكْمُ الخشوعِ في الصلاةِ:

- ‌حُكْمُ الاستمناءِ:

- ‌دعاءُ نزولِ المَنْزلِ:

- ‌سورة النور

- ‌حَدُّ الزاني والزَّانِيَةِ:

- ‌فأمَّا البِكْرُ:

- ‌وأمَّا المُحْصَنُ:

- ‌حُكْمُ الجَلْدِ مع الرجمِ للمُحْصَنِ:

- ‌حُكْمُ التغريبِ:

- ‌شهودُ الجَلْدِ والرَّجْمِ:

- ‌حُكْمُ نكاحِ الزانيةِ وإنكاحِ الزاني:

- ‌القذفُ الصَّرِيحُ والكنايةُ:

- ‌قذفُ الحُرَّةِ والأَمَةِ والكافِرةِ:

- ‌شهادةُ القاذفِ بعد توبتِهِ:

- ‌سببُ نزولِ لِعانِ الزَّوْجَيْنِ:

- ‌مَرَاحِلُ قَذْف الزَّوْجِ لزوجتِهِ:

- ‌نَفْيُ الوَلَدِ باللِّعَانِ:

- ‌قَذْفُ الزوجةِ لزوجِها:

- ‌إشاعةُ الفاحشةِ وسَبَبُ عَدَمِ جعلِ الشريعةِ لها حَدًّا:

- ‌حُكْمُ الاستئذانِ عندَ دخولِ البيوتِ وصِفَتُهُ وعددُهُ:

- ‌السلامُ عندَ دخولِ البيوتِ وصفَتُهُ وعددُهُ:

- ‌الحِكمةُ مِن تقديمِ أمرِ الرِّجالِ على أمرِ النِّساءِ بغضِّ البصرِ:

- ‌لا تلازُمَ بينَ غضِّ البصرِ وسُفُورِ النساءِ:

- ‌حُكْمُ نَظَرِ الرَّجُلِ الى المرأةِ:

- ‌أنواعُ زِينَةِ المَرْأةِ:

- ‌التدرُّجُ في فَرْضِ الحِجابِ:

- ‌حُكْمُ تزويجِ الأَيَامَى:

- ‌تركُ الأسواقِ والبَيْعِ وقتَ الصلاةِ:

- ‌أمْرُ الناسِ وأهلِ الأسواقِ بالصلاةِ:

- ‌حِجابُ القواعدِ مِن النِّساءِ:

- ‌فضلُ الاجتماعِ على الطعامِ:

- ‌سورة الفرقان

- ‌هَجَرُ القرآنِ وأنواعُه:

- ‌وهجرُ القرآنِ على مَراتِبَ وأنواعٍ ثلاثةٍ:

- ‌أَدْنَى الزمنِ الذي يُشرَعُ فيه خَتْمُ القرآنِ وأَعْلاه:

- ‌نِسْيانُ القرآنِ:

- ‌النوعُ الثاني من الهجرِ: هجرُ تدبُّرِ مَعانيهِ وأحكامِه:

- ‌النوعُ الثالثُ: هجرُ العملِ بما فيه مِن أوامرَ وأحكامِ:

- ‌سورة الشعراء

- ‌انتصارُ المظلومِ مِن ظالمِه وأحوالُه:

- ‌سورة النمل

- ‌حُكْمُ الضحكِ في الصلاةِ والتبسُّمِ:

- ‌حُكْمُ تأديبِ الحيوانِ وتعذيبِه:

- ‌وِلَايةُ المرأةِ:

- ‌البَداءةُ بالبَسْمَلَةِ والفَرْق بينَها وبينَ الحَمْدَلَةِ:

- ‌حُكْمُ قَبُولِ الهديَّةِ التي يُرادُ منها صَرْفٌ عن الحقِّ:

- ‌سورة القصص

- ‌حِفْظُ الأسرارِ وإفشاؤُها:

- ‌عَرْضُ البناتِ لتزويجِهِنَّ:

- ‌سورة العنكبوت

- ‌سورة الروم

- ‌فَرَحُ المؤمنينَ بهزيمةِ أحَدِ العَدُوَّيْنِ على الآخَرِ:

- ‌رِهانُ أبي بَكْرٍ بِمَكَّةَ، والرِّهَانُ في إظهارِ الحقِّ:

- ‌أحكامُ العِوَضِ (السَّبَقِ) واشتراطُ المحلِّلِ في الرِّهانِ:

- ‌القَيْلُولَةُ في نصفِ النهارِ:

- ‌وقد ذكَر اللَّهُ القيلولةَ في مواضعَ:

- ‌إهداءُ الهديَّةِ رجاءَ الثوابِ عليها:

- ‌سورة لقمان

- ‌الغِناءُ والمَعَازِفُ والفَرْقُ بينَهما:

- ‌سورة السجدة

- ‌حُكْمُ التسبيحِ في السُّجُودِ والرُّكُوعِ:

- ‌سورة الأحزاب

- ‌أُمَّهَاتُ المؤمنينَ ومَقامُهُنَّ:

- ‌أنواعُ أفعالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌عمومُ أصلِ الخِطَابِ بالحِجَابِ وخَصُوصيَّةُ نساءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الصلاةُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم: معناها، وحُكْمُها:

- ‌سورة سبأ

- ‌الاستعانةُ بالجنِّ:

- ‌حُكْمُ التماثيلِ وصُوَرِ ذواتِ الأرواحِ:

- ‌سورة فاطر

- ‌سورة يس

- ‌سورة الصافات

- ‌سورة ص

- ‌سورة غافر

- ‌سورة فصلت

- ‌سورة الشورى

- ‌الشُّورَى وفضلُها وشيءٌ مِن أحكامِها:

- ‌سورة الزخرف

- ‌لُبْسُ الصبيِّ والرجُلِ للحُلِيِّ:

- ‌سورة الأحقاف

- ‌أكثَرُ الحملِ والرَّضَاعِ وأقَلُّهُ:

- ‌سورة محمد

- ‌حُكْمُ أَسْرَى المشرِكِينَ:

- ‌سورة الفتح

- ‌حُكْمُ تترُّسِ المشرِكِينَ بالمُسلِمِينَ:

- ‌سورة الحجرات

- ‌تعظيمُ أقوالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه:

- ‌الفَرْقُ بينَ البُغَاةِ والخَوَارجِ:

- ‌الكِبْرُ واحتقارُ سببٌ للفِتَنِ بينَهم:

- ‌التعويضُ عن الضررِ المعنويِّ:

- ‌الأحوالُ التي تجوزُ فيها الغِيبَةُ:

- ‌غِيبةُ الكافرِ:

- ‌سورة ق

- ‌سورة الذاريات

- ‌سورة الطور

- ‌سورة النجم

- ‌سورة القمر

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة الواقعة

- ‌الطهارةُ عندَ القراءةِ ومَسِّ المُصْحَفِ:

- ‌سورة الحديد

- ‌سورة المجادلة

- ‌ألفاظُ الظِّهارِ المُتَّفَقُ والمُختلَفُ فيها:

- ‌كفارةُ الظِّهارِ:

- ‌أنواعُ النَّجوَى المنهيِّ عنها:

- ‌ما يُستحَبُّ للداخِلِ إلى المَجالِسِ:

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌الإحسانُ إلى الكافرِ بالهديَّةِ وقَبولُ شفاعتِه:

- ‌إسلامُ الزوجَيْنِ أو أحدِهما:

- ‌سورة الجمعة

- ‌مَن تجبُ عليه الجُمُعةُ:

- ‌حُكْمُ الجُمُعةِ للمسافرِ:

- ‌العَدَدُ الذي تَنعقِدُ به الجُمُعةُ:

- ‌قيامُ الخطيبِ في الخُطْبةِ:

- ‌سورة الطلاق

- ‌طلاقُ السُّنَّة وطلاقُ البِدْعةِ:

- ‌السُّكْنَى للمطلَّقةِ:

- ‌السُّكْنى للمُطلَّقةِ المَبْتُوتةِ:

- ‌الإشهادُ على إرجاعِ المطلَّقةِ:

- ‌عِدَّةُ الحاملِ مِن الطلاقِ والوفاةِ:

- ‌سورة التحريم

- ‌تحريمُ الحلالِ لا يجعلُهُ حرامًا:

- ‌تحريمُ الحلالِ يمينٌ وكَفَّارتُه:

- ‌سورة القلم

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة المزمل

- ‌سورة المدثر

- ‌سورة القيامة

- ‌حُكْمُ الرُّقْيَةِ:

- ‌حُكْمُ التداوي مِن المرضِ:

- ‌سورة الإنسان

- ‌سورة عبس

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطففين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة الماعون

- ‌التلازُمُ بينَ الرِّياءِ وتأخيرِ وقتِ الصلاةِ:

- ‌تاركُ الصلاةِ وحُكْمُهُ:

- ‌حُكْمُ العاريَّةِ وحَبْسٍ ما يُعِينُ المحتاجَ:

- ‌سورة الكوثر

- ‌حُكْمُ الأُضْحِيةِ ووقتُها:

- ‌سورة النصر

- ‌سورتا المعوِّذَتَيْنِ

الفصل: ‌حكم أسرى المشركين:

في الحربِ يُضرَبُ بما يُفنِيهِ، ويُقدَّمُ القتلُ على الأَسْرِ؛ حتى يتحقَّقَ الإثخانُ فيهم، فإذا تمَّ الإثخانُ فيهم وتحقَّقَ تنكيلُهم، يُقدَّمُ الأَسْرُ، وهذه الآيةُ نظيرُ قولِهِ تعالى:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)} [الأنفال: 67]، وقد تقدَّم فيها الكلامُ على تقديمِ القتلِ على الأَسْرِ في بدايةِ القتالِ والحِكْمةِ مِن ذلك، وكذلك تقدَّم حُكْمُ ضربِ العدوِّ كيفما اتَّفَقَ وإصابتِهِ في أيِّ موضعٍ، عندَ قولِهِ تعالى:{فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12].

‌حُكْمُ أَسْرَى المشرِكِينَ:

في قولِه تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} التخييرُ في التعامُلِ مع الأَسْرَى: إمَّا بالمَنِّ عليهم وإطلاقِهِمْ تأليفًا لهم ولقومِهم، وإمَّا بمُفاداتِهم بأَسْرَى المُسلِمِينَ أو بالمالِ.

وقد اختُلِفَ في نَسْخِ هذه الآيةِ:

فمنهم: مَن قال: بأنَّها منسوخةٌ بقولِه تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]؛ وبه قال قتادةُ (1)، والحَكَمُ (2)، ويُروى النسخ عن أبي عبَّاسٍ؛ رواهُ عنه العَوْفِيُّ (3)، وقد خالَفَه عليُّ بنْ أبي طلحةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ بعدمِ النَّسْخِ، وأنَّ الإمامَ مخيَّرٌ (4)؛ وهو أصحُّ.

وأكثرُ العلماءِ على عدم النَّسْخِ، وبه قال مِن السلفِ عطاءٌ والحسنُ وعمرُ بن عبدِ العزيزِ وغيرُهم (5).

وقد اختلَفَ العلماء في أَسْرَى المشركينَ بينَ التخييرِ بينَ القتلِ والمَنِّ والفِداءِ، وبينَ تقديم واحدٍ منها على الآخَرِ، على أقوالٍ:

(1)"تفسير الطبري"(21/ 184).

(2)

"تفسير القرطبي"(19/ 245).

(3)

"تفسير الطبري"(21/ 185).

(4)

"تفسير ابن أبي حاتم"(5/ 1732).

(5)

ينظر: "تفسير الطبري"(21/ 185 - 186)، و"تفسير القرطبي"(19/ 246).

ص: 2044

قالت طائفةٌ: إنَّه مخيَّرٌ بينَ المَنِّ والفِدَاءِ، وليبس له القتلُ؛ أخذًا مِن ظاهرِ الآية، وأنَّ اللَّهَ خيَّرَ بينَهما، ولم يُخيِّرْهُ بالقتلِ؛ وصحَّ هذا عن عطاءِ بنِ أبي رَبَاحٍ والحَسَنِ (1)، ورأَوْا أنَّ الأسيرَ لا يُقتَلُ إلَّا في الحربِ.

وقال بعضُهم: إنَّه يجبُ فيهم القتلُ، وإنَّ التخييرَ منسوخٌ على ما تقدَّمَ حكايتُه، وممَّن قال بهذا القولِ مَن جعَلَ الآيةَ خاصَّةً بأهلِ الأوثانِ؛ فلا يُفادَوْنَ ولا يُمَنُّ عليهم؛ وفيه نظرٌ.

ومنهم مَنِ استثنى المرأةَ؛ لأنَّها لا تُقتَل، فيجوزُ الفِداءُ بها.

وبقتلِ الأُسارَى قال أبو حنيفةَ؛ حتى لا يعُودوا لقتالِ المُسلِمِينَ.

وقال جمهورُ الفقهاءِ: بأنَّه مخيَّرٌ بينَ القتلِ والمَنِّ والفِدَاءِ والاسترقاقِ، وهذا الأرجحُ، فقد قتَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أقوامًا مِن أَسْرَى الكافرينَ؛ ففي بَدْرِ قتَلَ النضرَ بنَ الحارث، وعُقْبةَ بنَ أبي مُعَيطٍ، وقد روى البخاريُّ ومسلمٌ أنَّ ثُمَامَةَ بنَ أُثَالٍ قال لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حينَ قال له:"مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ ": "إِن تَقْتُلْ تَقتُل ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِن كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ، فَسَل تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ"(2).

وإنَّما لم يُذكَرِ القتلُ في الآيةِ؛ لظهورِه، وقد كان سابقًا مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في مواضعَ مِن الأَسْرَى، والحاجةُ ماسَّةٌ لبيانِ الحقِّ بالفِدَاءِ أو المَنِّ، وقد قتَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَسْرَى في بدر، وقتَلَ رجالَ بني قُرَيْظةَ، وهذا العملُ المشتهِرُ لو كان منسوخًا، لنُسِخَ بنصٍّ واضحٍ بيِّنٍ؛ لأنَّه ليس بالأمرِ الهيِّنِ، ولَتَجَلَّى في عملِ الصحابةِ.

وبالتخييرِ بينَ القتلِ والمَنِّ والفِدَاءِ والرِّقِّ قال جمهورُ الأئمَّةِ، وهو

(1)"تفسير الطبري"(21/ 185 - 186).

(2)

أخرجه البخاري (4372)، ومسلم (1764).

ص: 2045

الصحيحُ عن ابنِ عبَّاسٍ، وجاء عن ابنِ عمرَ والشوري والأوزاعيِّ، وهو مذهب مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ، وهو قولٌ لأبي حنيفةَ حكاهُ عنه الطحاويُّ.

وقد رَوَى عليُّ بن أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ في قولِهِ تعالى:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67]، قال: ذلك يومَ بَدْرٍ والمُسْلِمونَ يَوْمَئِذٍ قليلٌ، فلمَّا كَثُرُوا واشتَدَّ سُلْطَانُهم، أنزَلَ اللَّهُ تعالى بعدَ هذا في الأُسَارَى:{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} ، فجعَلَ اللَّهُ النبيَّ والمؤمنين في الأُسَارَى بالخِيَارِ: إنْ شاؤوا قَتَلُوهم، وإنْ شاؤوا استعبَدُوهم، وإن شاؤوا فادَوْهم (1).

وقد حكى الجصَّاصُ الاتفاقَ على جوازِ قتلِ الأسيرِ (2)، والصوابُ: أنَّه المذهبُ الصحيحُ لعامَّتِهم.

وقد تقدَّم الكلامُ على مسألةِ فَكَاكِ أَسْرَى المُسلِمِينَ ومُفاداتِهم بأَسْرَى الكفار، وحُكْمِ فَكاكِ أَسْرَى المُسلِمِينَ بهم وبالمال، عندَ قولِهِ تعالى:{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 273]، وقولِه تعالى:{وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} [النساء: 75].

وتقدَّم الكلامُ في التعامُلِ مع الأسيرِ وتعذيبِهِ عندَ قولِهِ تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 14].

* * *

(1)"تفسير الطبري"(11/ 272)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(5/ 1732).

(2)

"أحكام القرآن" للجصاص (5/ 269).

ص: 2046

* قال اللَّهُ تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)} [محمد: 22].

ذكَرَ اللَّهُ أنْ لو تولَّى المؤمنون عن شريعةِ اللَّه، ومنها الجهادُ، وأنَّ تَوَلِّيهم سيكونُ سببًا للفسادِ في الأرضِ كما كان الناسُ في الجاهليَّةِ، وفي هذا بيانُ أنَّ الجهادَ إنَّما شرَعَهُ اللَّهُ لحربِ الفسادِ في الأرضِ وإعلاءِ كلمةِ الحقِّ، وأنَّ عقوبةَ تَرْكِهِ تمزيقُ الأُممِ وتقاتُلُها، وذلك أنَّ الناسَ إنْ لم يُقاتِلُوا بالحقِّ الباطلَ، اقتتَلَ الحقُّ فيما بينَهُ حتى يُمزَّقَ، ثمَّ يَخلُفُهُ الباطلُ، ويَقتتِلُ الباطلُ فيما بينَهُ حتى يُمزَّقَ، ثمَّ يَخلُفُهُ الحقُّ، فيَدُور البشرُ في دائرةِ الفسادِ والإفسادِ، فيَدفَعُ اللَّهُ الفسادَ كلَّه بالجهادِ.

وفي قَرْنِ اللَّهِ لقطيعةِ الأرحام مع الإفسادِ في الأرضِ إشارةٌ إلى أنَّ الرحِمَ إنْ قُطِعَتْ، فسَدَتِ الأُمَمُ؛ لأنَّ الأرحامَ ووَصْلَها يعني اجتماعَ الناسِ؛ وذلك يَحفَظُ في النفوسِ الحياءَ وفطْرتَها الصحيحةَ، ولكنْ إنْ تمزَّقتْ، ذهبَ الحياءُ، وضَعُفَتِ الفِطْرةُ، وفعَلَتِ الحرامَ بلا خشيةٍ مِن اللَّهِ ولا حياءٍ مِن الناسِ؛ ولهذا شدَّدَ اللَّهُ في أمر الرَّحِمِ وعَظَّمَ شأنَها، وقد روى الشيخانِ؛ مِنْ حديثِ أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:(خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ، قَامَتِ الرَّحِمُ فَأَخَذَت بِحَقْوِ الرَّحْمَن، فَقَالَ لَهُ: مَهْ؟ قَالَت: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَة، قَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَك، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ، قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَذَاكِ)، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} (1).

(1) أخرجه البخاري (4830)، ومسلم (2554).

ص: 2047

وقد تقدَّم الكلامُ على صِلةِ الأرحامِ عندَ قولِه تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

* * *

* قال اللَّهُ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)} [محمد: 33].

أمَرَ اللَّه المؤمنينَ بحِفْظِ أعمالِهم الصالحةِ وحَسَنَاتِهم، وألَّا يَنقُضُوها بعملٍ سَيِّئٍ؛ سواءٌ كان كفرًا يُحبِطُ العملَ كلَّه، أو كان كبيرةً تُحبِطُ الحَسَنات، فإنَّه لا خلافَ عندَ السلفِ: أنَّ الحسناتِ تُذهِبُ السيِّئاتِ؛ وذلك لقولِهِ تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، ولِمَا تواتَرَ في السُّنَّةِ، وإنَّما خلافُ أهلِ السُّنَّةِ في إحباطِ السِّيئاتِ للحسناتِ؛ والدليلُ يعضُدُ ثبوتَ ذلك؛ وبه قال الحسنُ، والزُّهْريُّ (1)، وقتادةُ، وقد حمَلَ بعضُ السلفِ قولَه تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} على هذا النوع، كما صحَّ عن قتادةَ أنَّه قال في قولِهِ:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} : مَن استطاعَ منكم ألَّا يُبْطِلَ عملًا صالحًا عَمِلَهُ بعمل سيِّئٍ، فلْيَفْعَل، ولا قوةَ إلَّا باللَّهِ! فإنَّ الخيرَ يَنسَخُ الشرَّ، وإنَّ الشرَّ يَنسَخ الخيرَ، وإنَّ مِلاكَ الأعمالِ خواتيمُها (2).

وقد تقدَّم الكلامُ على أنواعِ إحباطِ العملِ الصالحِ استطرادًا عندَ قولِه تعالى مِن سورةِ الكهفِ: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)} [18].

وتقدَّم الكلامُ على إحباطِ الرِّدَّةِ للعملِ الصالحِ عندَ قولِه تعالى:

(1) ينظر: "تفسير القرطبي"(19/ 287).

(2)

"تفسير الطبري"(21/ 226).

ص: 2048

{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)} [البقرة: 217].

* * *

* قال اللَّهُ تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)} [محمد: 35].

نَهَى اللَّهُ المؤمنينَ عن أسبابِ الهَوَانِ والصَّغَارِ، ومِن ذلك أن يَطْلُبوا السَّلْمَ مع الكافِرِينَ رمنَ قُوَّتِهم وقُدْرتِهم وتمكُّنِهم؛ فإنَّ الكافرينَ وإنْ أظهَروا اللِّينَ والمودَّةَ، فهم يَطْوُونَ في نفوسِهم المَكْرَ والخديعةَ والتربُّصَ؛ فنَهى اللَّه عن مُسالَمَتِهم زمنَ قوةِ المُسلِميِنَ وتمكُّنِهم؛ فإنَّ دوامَ المُسالَمةِ تَدفَعُ المُسلِمينَ إلى مُخالَطَتهم والقَرَارِ بينَ ظَهرَانَيْهِمْ والإعجابِ بهم.

وقد تقدَّم الكلامُ على أحكامِ السَّلْم والهُدْنةِ وحدودِها وآثارِها عندَ قولِهِ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)} [البقرة: 208]، وقولِهِ تعالى:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)} [الأنفال: 61]، وقولِهِ تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ} [النساء: 97].

وقد تقدَّم الكلامُ على مَراتب الأعداء في القتالِ، والتدرُّجِ في ذلك، والنظرِ إلى الأسبابِ الشرعيَّةِ والكونيَّةِ، والفرقِ بينَ عقيدةِ الوَلَاءِ والبَراءِ وسياسةِ الاستعداءِ، عندَ قولِهِ تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} [النساء: 77].

* * *

ص: 2049

* قال اللَّهُ تعالى: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)} [محمد: 38].

عظَّم اللَّهُ منزلةَ النفقةِ في سبيلِه، وحذَّر مِن البخلِ عندَ حاجةِ المُسلِمينَ إلى ذلك، وخاصَّة عندَ حاجتِهم للجهادِ في سبيلِ اللَّهِ وصدِّ عدوِّه، وقد بيَّن اللَّه أنَّ تَرْكَ النفقةِ عندَ قيامِ مُوجِبِها هلاكٌ للمُمْسِكِين، ومَحْقُ بَرَكةٍ للقادرِين، وسمَّى اللَّهُ المحذِّرينَ مِن الإنفاقِ، الداعِينَ للإمساكِ: بالمُنافِقينَ؛ كما في سورةِ (المُنافِقونَ) وغيرِها.

وقد تقدَّم الكلامُ على النفقةِ في سبيلِ اللَّهِ وحُكْمِها عندَ قيامِ موجبِها عندَ قولهِ تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} [البقرة: 195].

* * *

ص: 2050