الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة النجم
سورةُ النَّجْمِ سورةٌ مكيَّةٌ؛ كما قاله ابنُ عبَّاسٍ وغيرُه (1)، وقد نصَّ غيرُ واحدٍ على الإجماعِ على ذلك (2)، وقد وعَظ اللَّهُ وذكَّر، ورهَّب ورغَّب كفارَ قريشٍ، وبيَّن اللَّهُ صِدْقَ نبيِّه وإعجازَ كلامِه، وكيف نزولُ وحيِهِ، وفَضْلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وصِدْقَه، وذكَر بعضَ ضلالِ وكفرِ المشرِكِينَ وعِنادَهم، وصفاتِ المؤمنينَ والمُعانِدِينَ، وحالَ الناسِ في الحسابِ، والعذابَ والنعيمَ، وآياتِ اللَّهِ وإعجازَه، وحالَ بعضِ الأُمَمِ الغابِرةِ المُعانِدةِ، وما آلَ بهم عنادُهُمْ إليه.
* * *
* قال اللَّهُ تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)} [النجم: 32].
ذكَر اللَّهُ مِن صفاتِ المؤمِنِينَ الصادِقِينَ: خشيةَ اللَّهِ، ومُفارَقةَ السيِّئاتِ، واجتنابَ أسبابِ غضبِه، وتعظيمَه، ومفارقةَ الذنوبِ صغيرِها وكبيرِها؛ تعظيمًا للَّهِ، مِن غيرِ تفريقٍ بينَ صغيرةٍ وكبيرةٍ؛ لأنَّهم ينظُرونَ إلى عِظَمِ مَن يُعصَى، ولا ينظُرونَ إلى صِغَرِ المعاصي.
(1)"الدر المنثور"(14/ 5).
(2)
"تفسير ابن عطية"(5/ 195)، و"زاد المسير"(4/ 183).
وقولُه تعالى: {كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} ، فيه: دليل على التفريقِ بينَ الذنوبِ كبيرِها وصغيرِها، وأنَّها على مَراتِبَ وليستْ على مرتبةٍ واحدةٍ، وقد تقدَّم الكلامُ على ذلك وتفصيلُهُ وبيانُ موقفِ السلفِ منه، عندَ قولِهِ تعالى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)} [النساء: 31].
* * *
* قال اللَّهُ تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} [النجم: 39].
بيَّن اللَّهُ أنَّ الإنسانَ لا يُثابُ إلَّا على مَا كسَبتْهُ يمينُه، وسَعَى إليه بنفسِه؛ وذلك للحثِّ على المبادَرةِ وعدمِ الاعتمادِ على ثوابٍ يأتيهِ مِن غيرِ كَسْبِه؛ فيَنْدَمُ على تفريطِهِ وتسويفِه، وَيُستثنى مِن هذه الآيةِ ما خَصَّهُ الدليلُ؛ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:(إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ، انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صدَقَةٍ جَارِيةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)(1).
وقد تقدَّم الكلامُ على مسألةِ إهداءِ الثوابِ وأُجُورِ القُرَبِ للمَيِّتِ عندَ قولِهِ تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164].
* * *
* قال اللَّهُ تعالى: {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61)} [النجم: 61].
ذكَر اللَّهُ لَهْوَ كُفَّارِ قريشٍ عن سماعِ الوحي، ورُوِيَ عن بعضِ السلفِ: أنَّ معنى السُّمُودِ هنا هو الغِناءُ، والمرادُ: الانشغالُ بالغناءِ عن كلامِ اللَّهِ؛ رواهُ عِكْرِمةُ عن ابنِ عبَّاسٍ قولَه: {سَامِدُونَ} قال: هو الغناءُ؛
(1) أخرجه مسلم (1631)؛ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
كانوا إذا سَمِعوا القرآنَ تَغَنَّوْا ولَعِبوا، وهي لُغةُ أهلِ اليمنِ؛ قال اليَمَانيُّ: اسْمُدْ؛ رواهُ ابن جريرٍ (1).
ولا يُوجَدُ قومٌ يُعرِضونَ عن اللَّهِ إلَّا وكان مِن أعظَمِ أسبابِ إعراضِهم: فُشُوُّ الغِناءِ واللَّهْوِ، وقد تقدَّم الكلامُ على الغِناءِ عندَ قولِهِ تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)} [لقمان: 6].
* * *
(1)"تفسير الطبري"(22/ 97).