المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

واختلَفُوا فيما إذا جعلَ زوجتَهُ كأُختِه، فقال: أنتِ عليَّ كظَهْرِ - التفسير والبيان لأحكام القرآن - جـ ٤

[عبد العزيز الطريفي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الحجر

- ‌صلاةُ الكَرْبِ، وإذا حَزَبَ الأمرُ:

- ‌سورة النحل

- ‌الانتفاعُ مِن جُلُودِ المَيْتَةِ:

- ‌أنواعُ الانتفاعِ مِن الأنعامِ والدوابِّ:

- ‌لُحُومُ الخَيْلِ والحَمِرِ والبِغَالِ:

- ‌حُكْمُ الاستعاذةِ عندَ القِرَاءةِ:

- ‌صِيَغُ الاستعاذةِ:

- ‌سورة الإسراء

- ‌سورة الكهف

- ‌حُكْمُ اقتِناءِ الكَلْبِ للحِرَاسةِ وغيرِها:

- ‌مشروعيَّةُ الوَكَالةِ والنِّيَابةِ:

- ‌الصلاةُ على الجنازةِ في المَقْبَرةِ:

- ‌الاستثناءُ في اليمينِ:

- ‌سورة مريم

- ‌تسميةُ المولودِ ووقتُها:

- ‌أمرُ الأهلِ بالصلاةِ

- ‌سورة طه

- ‌العِلَّةُ مِن أمرِ موسى بخلعِ نعلَيْهِ:

- ‌الصلاةُ في النِّعَالِ، ودُخُولُ المساجدِ بها:

- ‌قضاءُ الفرائضِ الفائتةِ وترتيبُها:

- ‌هل للصَّلَاةِ الفائِتةِ أذانٌ وإقامةٌ

- ‌حُكْمُ قضاءِ النوافلِ:

- ‌استحبابُ اتِّخاذِ البِطَانةِ الصالحةِ والوزيرِ المُعِينِ:

- ‌سورة الأنبياء

- ‌الأحوالُ التي جاء الترخيصُ فيها بالكَذِبِ للمَصْلَحةِ:

- ‌سورة الحج

- ‌حُكْمُ بيعِ رِبَاعِ مَكَّةَ ودُورِها:

- ‌تفاضُلُ المَشْيِ والرُّكُوبِ في الحَجِّ:

- ‌الهَدْيُ والأُضْحِيَّةُ والأَكْلُ منها:

- ‌نقسيمُ الهَدْيِ والأُضْحِيَّةِ:

- ‌مَرَاتِبُ التمكينِ وشروطُهُ:

- ‌سورة المؤمنون

- ‌معنى الخشوعِ:

- ‌حُكْمُ الخشوعِ في الصلاةِ:

- ‌حُكْمُ الاستمناءِ:

- ‌دعاءُ نزولِ المَنْزلِ:

- ‌سورة النور

- ‌حَدُّ الزاني والزَّانِيَةِ:

- ‌فأمَّا البِكْرُ:

- ‌وأمَّا المُحْصَنُ:

- ‌حُكْمُ الجَلْدِ مع الرجمِ للمُحْصَنِ:

- ‌حُكْمُ التغريبِ:

- ‌شهودُ الجَلْدِ والرَّجْمِ:

- ‌حُكْمُ نكاحِ الزانيةِ وإنكاحِ الزاني:

- ‌القذفُ الصَّرِيحُ والكنايةُ:

- ‌قذفُ الحُرَّةِ والأَمَةِ والكافِرةِ:

- ‌شهادةُ القاذفِ بعد توبتِهِ:

- ‌سببُ نزولِ لِعانِ الزَّوْجَيْنِ:

- ‌مَرَاحِلُ قَذْف الزَّوْجِ لزوجتِهِ:

- ‌نَفْيُ الوَلَدِ باللِّعَانِ:

- ‌قَذْفُ الزوجةِ لزوجِها:

- ‌إشاعةُ الفاحشةِ وسَبَبُ عَدَمِ جعلِ الشريعةِ لها حَدًّا:

- ‌حُكْمُ الاستئذانِ عندَ دخولِ البيوتِ وصِفَتُهُ وعددُهُ:

- ‌السلامُ عندَ دخولِ البيوتِ وصفَتُهُ وعددُهُ:

- ‌الحِكمةُ مِن تقديمِ أمرِ الرِّجالِ على أمرِ النِّساءِ بغضِّ البصرِ:

- ‌لا تلازُمَ بينَ غضِّ البصرِ وسُفُورِ النساءِ:

- ‌حُكْمُ نَظَرِ الرَّجُلِ الى المرأةِ:

- ‌أنواعُ زِينَةِ المَرْأةِ:

- ‌التدرُّجُ في فَرْضِ الحِجابِ:

- ‌حُكْمُ تزويجِ الأَيَامَى:

- ‌تركُ الأسواقِ والبَيْعِ وقتَ الصلاةِ:

- ‌أمْرُ الناسِ وأهلِ الأسواقِ بالصلاةِ:

- ‌حِجابُ القواعدِ مِن النِّساءِ:

- ‌فضلُ الاجتماعِ على الطعامِ:

- ‌سورة الفرقان

- ‌هَجَرُ القرآنِ وأنواعُه:

- ‌وهجرُ القرآنِ على مَراتِبَ وأنواعٍ ثلاثةٍ:

- ‌أَدْنَى الزمنِ الذي يُشرَعُ فيه خَتْمُ القرآنِ وأَعْلاه:

- ‌نِسْيانُ القرآنِ:

- ‌النوعُ الثاني من الهجرِ: هجرُ تدبُّرِ مَعانيهِ وأحكامِه:

- ‌النوعُ الثالثُ: هجرُ العملِ بما فيه مِن أوامرَ وأحكامِ:

- ‌سورة الشعراء

- ‌انتصارُ المظلومِ مِن ظالمِه وأحوالُه:

- ‌سورة النمل

- ‌حُكْمُ الضحكِ في الصلاةِ والتبسُّمِ:

- ‌حُكْمُ تأديبِ الحيوانِ وتعذيبِه:

- ‌وِلَايةُ المرأةِ:

- ‌البَداءةُ بالبَسْمَلَةِ والفَرْق بينَها وبينَ الحَمْدَلَةِ:

- ‌حُكْمُ قَبُولِ الهديَّةِ التي يُرادُ منها صَرْفٌ عن الحقِّ:

- ‌سورة القصص

- ‌حِفْظُ الأسرارِ وإفشاؤُها:

- ‌عَرْضُ البناتِ لتزويجِهِنَّ:

- ‌سورة العنكبوت

- ‌سورة الروم

- ‌فَرَحُ المؤمنينَ بهزيمةِ أحَدِ العَدُوَّيْنِ على الآخَرِ:

- ‌رِهانُ أبي بَكْرٍ بِمَكَّةَ، والرِّهَانُ في إظهارِ الحقِّ:

- ‌أحكامُ العِوَضِ (السَّبَقِ) واشتراطُ المحلِّلِ في الرِّهانِ:

- ‌القَيْلُولَةُ في نصفِ النهارِ:

- ‌وقد ذكَر اللَّهُ القيلولةَ في مواضعَ:

- ‌إهداءُ الهديَّةِ رجاءَ الثوابِ عليها:

- ‌سورة لقمان

- ‌الغِناءُ والمَعَازِفُ والفَرْقُ بينَهما:

- ‌سورة السجدة

- ‌حُكْمُ التسبيحِ في السُّجُودِ والرُّكُوعِ:

- ‌سورة الأحزاب

- ‌أُمَّهَاتُ المؤمنينَ ومَقامُهُنَّ:

- ‌أنواعُ أفعالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌عمومُ أصلِ الخِطَابِ بالحِجَابِ وخَصُوصيَّةُ نساءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الصلاةُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم: معناها، وحُكْمُها:

- ‌سورة سبأ

- ‌الاستعانةُ بالجنِّ:

- ‌حُكْمُ التماثيلِ وصُوَرِ ذواتِ الأرواحِ:

- ‌سورة فاطر

- ‌سورة يس

- ‌سورة الصافات

- ‌سورة ص

- ‌سورة غافر

- ‌سورة فصلت

- ‌سورة الشورى

- ‌الشُّورَى وفضلُها وشيءٌ مِن أحكامِها:

- ‌سورة الزخرف

- ‌لُبْسُ الصبيِّ والرجُلِ للحُلِيِّ:

- ‌سورة الأحقاف

- ‌أكثَرُ الحملِ والرَّضَاعِ وأقَلُّهُ:

- ‌سورة محمد

- ‌حُكْمُ أَسْرَى المشرِكِينَ:

- ‌سورة الفتح

- ‌حُكْمُ تترُّسِ المشرِكِينَ بالمُسلِمِينَ:

- ‌سورة الحجرات

- ‌تعظيمُ أقوالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه:

- ‌الفَرْقُ بينَ البُغَاةِ والخَوَارجِ:

- ‌الكِبْرُ واحتقارُ سببٌ للفِتَنِ بينَهم:

- ‌التعويضُ عن الضررِ المعنويِّ:

- ‌الأحوالُ التي تجوزُ فيها الغِيبَةُ:

- ‌غِيبةُ الكافرِ:

- ‌سورة ق

- ‌سورة الذاريات

- ‌سورة الطور

- ‌سورة النجم

- ‌سورة القمر

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة الواقعة

- ‌الطهارةُ عندَ القراءةِ ومَسِّ المُصْحَفِ:

- ‌سورة الحديد

- ‌سورة المجادلة

- ‌ألفاظُ الظِّهارِ المُتَّفَقُ والمُختلَفُ فيها:

- ‌كفارةُ الظِّهارِ:

- ‌أنواعُ النَّجوَى المنهيِّ عنها:

- ‌ما يُستحَبُّ للداخِلِ إلى المَجالِسِ:

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌الإحسانُ إلى الكافرِ بالهديَّةِ وقَبولُ شفاعتِه:

- ‌إسلامُ الزوجَيْنِ أو أحدِهما:

- ‌سورة الجمعة

- ‌مَن تجبُ عليه الجُمُعةُ:

- ‌حُكْمُ الجُمُعةِ للمسافرِ:

- ‌العَدَدُ الذي تَنعقِدُ به الجُمُعةُ:

- ‌قيامُ الخطيبِ في الخُطْبةِ:

- ‌سورة الطلاق

- ‌طلاقُ السُّنَّة وطلاقُ البِدْعةِ:

- ‌السُّكْنَى للمطلَّقةِ:

- ‌السُّكْنى للمُطلَّقةِ المَبْتُوتةِ:

- ‌الإشهادُ على إرجاعِ المطلَّقةِ:

- ‌عِدَّةُ الحاملِ مِن الطلاقِ والوفاةِ:

- ‌سورة التحريم

- ‌تحريمُ الحلالِ لا يجعلُهُ حرامًا:

- ‌تحريمُ الحلالِ يمينٌ وكَفَّارتُه:

- ‌سورة القلم

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة المزمل

- ‌سورة المدثر

- ‌سورة القيامة

- ‌حُكْمُ الرُّقْيَةِ:

- ‌حُكْمُ التداوي مِن المرضِ:

- ‌سورة الإنسان

- ‌سورة عبس

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطففين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة الماعون

- ‌التلازُمُ بينَ الرِّياءِ وتأخيرِ وقتِ الصلاةِ:

- ‌تاركُ الصلاةِ وحُكْمُهُ:

- ‌حُكْمُ العاريَّةِ وحَبْسٍ ما يُعِينُ المحتاجَ:

- ‌سورة الكوثر

- ‌حُكْمُ الأُضْحِيةِ ووقتُها:

- ‌سورة النصر

- ‌سورتا المعوِّذَتَيْنِ

الفصل: واختلَفُوا فيما إذا جعلَ زوجتَهُ كأُختِه، فقال: أنتِ عليَّ كظَهْرِ

واختلَفُوا فيما إذا جعلَ زوجتَهُ كأُختِه، فقال: أنتِ عليَّ كظَهْرِ أُختي أو عمَّتي أو خالتي، وغيرِها مِن المَحَارِمِ.

والذي عليه جمهورُ العلماءِ؛ أنَّ ذلك كلَّه ظِهارٌ؛ وهو الصوابُ؛ لأنَّ الشريعةَ إنَّما حرَّمَتِ الظِّهارَ الملفوظَ في زمانِهم لِعلَّتِه، لا لمجرَّدِ ألفاظِه؛ فلا فرقَ بين ظَهْرِ الأمِّ وبطنِها؛ بل لو قال: فَرْجُها، لكان أغلَظَ مِن بطنِها، لأنَّ العلةَ فيه أظهَرُ وأصرَحُ، وكذلك أيضًا فالعلةُ في جميعِ المَحَارِمِ سواءٌ كانتِ ابنتهُ أو أختَهُ أو عمَّتَهُ أو خالتَهُ.

ولا يصحُّ مُظاهَرةُ المرأةِ لزوجِها، كأنْ تقولَ:(أنتَ عليَّ كأبي وأخي)؛ باتِّفاقِ الأئمَّةِ الأربعةِ؛ لأنَّ الظِّهارَ يُرادُ منه المفارَقةُ والطلاقُ، والعصمةُ بيدِ الرجُلِ لا بيدِ المرأةِ.

وليس في مُظاهَرتِها كفارة ظِهارٍ ولا يمينٍ، على الصحيحِ.

ومِن العلماءِ: مَن جعَلَ ظِهارَها مِن زوجِها يمينًا عليها يجبُ عليها فيها الكفارةُ، وقد أوجبَ الكفارةَ عليها كفارةَ يمينٍ: الأوزاعيُّ (1).

‌كفارةُ الظِّهارِ:

قولُه تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} : في العَودِ المذكورِ في الآيةِ خلافٌ عندَ السلفِ ومَنْ بعدَهم مِن الفقهاءِ، على أقوالٍ:

منهم مَن قال: إنَّ المرادَ بالعَوْدِ هو العودةُ إلى المُظاهَرةِ بعدَ تحريمِها، فحمَلُوا العَوْدَ على الظِّهارِ؛ وهذا رُوِيَ عن مجاهِدٍ (2) وطاوسٍ (3)، وروايةٌ عن أبي حنيفةَ، ولازمُ هذا القولِ: أنَّ كفارةَ الظِّهارِ تجبُ بمجرَّدِ المُظاهَرةِ ولو رَغِبَ الزوجُ في مُفارَقةِ زوجِته بلا رجعةٍ.

(1) ينظر: "الاستذكار"(17/ 127)، و"تفسير القرطبي"(20/ 289).

(2)

"تفسير البغوى"(8/ 51).

(3)

"الدر المنثور"(14/ 309).

ص: 2115

ومنهم مَن قال: إنَّ العَودَ هو تَكْرارُ الظِّهارِ أكثَرَ مِن مرةٍ، فجعَلُوا التَّكْرارَ عَوْدًا؛ وهذا قولُ داودَ (1)؛ وفيه نظرٌ؛ لأنَّ التَّكرارَ إنَّما هو تأكيدٌ لا عَوْدٌ.

ومنهم مَن قال: إنَّ المرادَ بالعَوْدِ هو العودةُ إلى الزوجةِ والرغبةُ في إبقائِها في عِصْمَتِهِ وعدمِ مُفارَقتِها؛ وهذا الأرجحُ، وهو قولُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ، وبه قال جماعةٌ مِن السلفِ؛ كأبي العاليةِ وسعيدِ بنِ جُبَيْرِ والحسنِ وقتادةَ (2)، ولازمُهُ: أنَّ الزوجَ إنْ ظاهَرَ وأَمضى ظِهَارَهُ وفارَقَها، فلا شيءَ عليه.

ولكنَّ منهم: مَن قيَّد العَودَ بالوطءِ كمالكٍ، ومنهم: مَن وسَّعَهُ وجعَلَهُ إرادةَ الوطءِ والإبقاءَ بالعِصْمةِ ولو مِن غيرِ وطءٍ، والأخيرُ أظهَرُ؛ وهو قولٌ لأبي حنيفةَ وأحمدَ، وظاهرُ كلامِ الشافعيِّ.

وأمَّا الظِّهارُ المؤقَّتُ؛ كأنْ يقولَ: أنتِ عليَّ كأُمِّي شهرًا كاملًا، فيُعتبَرُ فيه التوقيتُ في قولِ جمهورِ العلماءِ؛ فمَن فارَقَ زوجتَهُ مدةَ توقيتِه، فظِهارُهُ يَنتهي بتوقيتِهِ، وتسقُطُ عنه الكفارةُ؛ وهو مذهب الحنفيَّةِ والحنابلةِ والشافعيةِ في القولِ الأظهَرِ، ولا يكونُ المُظاهِرُ عائدًا إلَّا بالوطءِ في المُدَّةِ.

وذهَبَ المالكيَّةُ وبعضُ الشافعيَّةِ في غيرِ الأظهَرِ: إلى أنَّ الظِّهارَ لا يصحُّ فيه التوقيتُ، فإنْ قيَّدَهُ بوقتٍ، تأبَّدَ كالطلاقِ، ويَصيرُ مظاهِرًا أبدًا؛ لوجود سببِ الكفارةِ.

ومنهم: مَن جعَلَ الظِّهارَ المؤقَّتَ لَغْوًا، فلم يُرتِّبْ عليه شيئًا، وهو قولٌ لبعضِ الشافعيَّةِ؛ وفيه نظرٌ.

(1)"تفسير القرطبي"(20/ 294 - 295).

(2)

ينظر: "تفسير ابن كثير"(8/ 39 - 40).

ص: 2116

وحُمِلَتِ اللامُ في قولِه: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} على معنى (في)؛ وذلك نحوُ قولهِ تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47]؛ يعني: "فيه"، وقوله:{لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 187]؛ يعني: في وقتها.

وكفارةُ الظِّهارِ كما في الآيةِ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} ، والكفارةُ على الترتيبِ المذكورِ بلا خلافٍ.

ولا يجوزُ له قُرْبُ زوجتِهِ بجِمَاعٍ قبلَ تكفيرِه؛ وذلك لقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} ، وصحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ أنَّ المَسَّ الجِمَاعُ (1)، وبه قال عطاءٌ والزُّهريُّ وقتادةُ ومُقاتِلُ بن حَيَّانَ (2)، وهو قولُ أحمدَ والشافعيِّ.

وذهبَ جمهورُ العلماءِ: إلى أنَّ المسَّ هو المباشَرةُ ولو دُونَ الفَرْجِ، وهو قولُ مالكٍ وأبي حنيفةَ والشافعيِّ في قولٍ له، وقد قال الزُّهْريُّ:"ليس له أنْ يُقبِّلَها ولا يَمَسَّها حتى يُكفِّرَ"(3).

وقد جعَلَ مالكٌ النظرَ إلها بتلذُّذٍ في حُكْمِ المسِّ.

ومَن مَسَّ امرأتَهُ بعدَ ظِهارهِ منها وقَبلَ كفَّارته، فلا يُسقِطُ مسُّهُ وجوبَ الكفارةِ عليه، وهو بفعلِهِ ذلك آثِمٌ يجب عليه التوبةُ، وقد رَوَى أهلُ السُّننِ؛ مِن حديثِ عِكْرِمةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ أنَّ رجلًا قال: يا رَسولَ اللَّهِ، إِنِّي ظَاهَرتُ مِنِ امْرَأَتِي، فَوَقَعْتُ قَبلَ أَنْ أَكَفِّرَ؟ قَالَ:(وَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟ )، قَالَ: رَأَيْتُ خَلخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ،

(1)"تفسير الطبري"(22/ 461).

(2)

"تفسير ابن كثير"(8/ 40).

(3)

"تفسير ابن كثير"(8/ 40).

ص: 2117

فَقَالَ: (لَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ عز وجل (1).

والصوابُ إرسالُهُ عن عِكْرِمةَ (2).

وذهَبَ بعضُهم: إلى أنَّ على مَنْ مَسَّ قبلَ الكفارةِ كفارتَيْنِ.

والصحيحُ: أنَّ عليه كفَّارةً واحدةً؛ وهو قولُ الأئمَّةِ الأربعةِ، وقد روَى سليمانُ بنُ يَسَارٍ، عن سلَمةَ بنِ صَخْرٍ البَياضِيِّ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فِي المُظَاهِرِ يوَاقِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، قَالَ:(كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ)(3).

* * *

* قال اللَّهُ تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المجادلة: 8 - 10].

كان اليهودُ إن مَرَّ بهم مسلِمٌ تناجَوْا؛ حتى يظُنَّ المسلِمُ أنَّهم يَقصِدُونَهُ ويَأتمِرونَ عليه لِيَحْزَنَ ويَخشى، وقد كانوا يُحَيُّونَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بغيرِ تحيَّةِ الإسلامِ، فيقولونَ:(السَّامُ عليكَ)؛ ليُوهِمُوهُ بأنَّهم يُسلِّمونَ عليه، وهم يدْعُونَ عليه بالموتِ.

وفي "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ عائشةَ رضي الله عنها؛ أنَّ اليَهُودَ دَخَلُوا عَلَى

(1) أخرجه الترمذي (1199)، والنسائي (3457)، وابن ماجه (2065).

(2)

أخرجه أبو داود (2221، 2222)، والنسائي (3458، 3459).

(3)

أخرجه الترمذي (1198)، وابن ماجه (2064).

ص: 2118