المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم اقتناء الكلب للحراسة وغيرها: - التفسير والبيان لأحكام القرآن - جـ ٤

[عبد العزيز الطريفي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الحجر

- ‌صلاةُ الكَرْبِ، وإذا حَزَبَ الأمرُ:

- ‌سورة النحل

- ‌الانتفاعُ مِن جُلُودِ المَيْتَةِ:

- ‌أنواعُ الانتفاعِ مِن الأنعامِ والدوابِّ:

- ‌لُحُومُ الخَيْلِ والحَمِرِ والبِغَالِ:

- ‌حُكْمُ الاستعاذةِ عندَ القِرَاءةِ:

- ‌صِيَغُ الاستعاذةِ:

- ‌سورة الإسراء

- ‌سورة الكهف

- ‌حُكْمُ اقتِناءِ الكَلْبِ للحِرَاسةِ وغيرِها:

- ‌مشروعيَّةُ الوَكَالةِ والنِّيَابةِ:

- ‌الصلاةُ على الجنازةِ في المَقْبَرةِ:

- ‌الاستثناءُ في اليمينِ:

- ‌سورة مريم

- ‌تسميةُ المولودِ ووقتُها:

- ‌أمرُ الأهلِ بالصلاةِ

- ‌سورة طه

- ‌العِلَّةُ مِن أمرِ موسى بخلعِ نعلَيْهِ:

- ‌الصلاةُ في النِّعَالِ، ودُخُولُ المساجدِ بها:

- ‌قضاءُ الفرائضِ الفائتةِ وترتيبُها:

- ‌هل للصَّلَاةِ الفائِتةِ أذانٌ وإقامةٌ

- ‌حُكْمُ قضاءِ النوافلِ:

- ‌استحبابُ اتِّخاذِ البِطَانةِ الصالحةِ والوزيرِ المُعِينِ:

- ‌سورة الأنبياء

- ‌الأحوالُ التي جاء الترخيصُ فيها بالكَذِبِ للمَصْلَحةِ:

- ‌سورة الحج

- ‌حُكْمُ بيعِ رِبَاعِ مَكَّةَ ودُورِها:

- ‌تفاضُلُ المَشْيِ والرُّكُوبِ في الحَجِّ:

- ‌الهَدْيُ والأُضْحِيَّةُ والأَكْلُ منها:

- ‌نقسيمُ الهَدْيِ والأُضْحِيَّةِ:

- ‌مَرَاتِبُ التمكينِ وشروطُهُ:

- ‌سورة المؤمنون

- ‌معنى الخشوعِ:

- ‌حُكْمُ الخشوعِ في الصلاةِ:

- ‌حُكْمُ الاستمناءِ:

- ‌دعاءُ نزولِ المَنْزلِ:

- ‌سورة النور

- ‌حَدُّ الزاني والزَّانِيَةِ:

- ‌فأمَّا البِكْرُ:

- ‌وأمَّا المُحْصَنُ:

- ‌حُكْمُ الجَلْدِ مع الرجمِ للمُحْصَنِ:

- ‌حُكْمُ التغريبِ:

- ‌شهودُ الجَلْدِ والرَّجْمِ:

- ‌حُكْمُ نكاحِ الزانيةِ وإنكاحِ الزاني:

- ‌القذفُ الصَّرِيحُ والكنايةُ:

- ‌قذفُ الحُرَّةِ والأَمَةِ والكافِرةِ:

- ‌شهادةُ القاذفِ بعد توبتِهِ:

- ‌سببُ نزولِ لِعانِ الزَّوْجَيْنِ:

- ‌مَرَاحِلُ قَذْف الزَّوْجِ لزوجتِهِ:

- ‌نَفْيُ الوَلَدِ باللِّعَانِ:

- ‌قَذْفُ الزوجةِ لزوجِها:

- ‌إشاعةُ الفاحشةِ وسَبَبُ عَدَمِ جعلِ الشريعةِ لها حَدًّا:

- ‌حُكْمُ الاستئذانِ عندَ دخولِ البيوتِ وصِفَتُهُ وعددُهُ:

- ‌السلامُ عندَ دخولِ البيوتِ وصفَتُهُ وعددُهُ:

- ‌الحِكمةُ مِن تقديمِ أمرِ الرِّجالِ على أمرِ النِّساءِ بغضِّ البصرِ:

- ‌لا تلازُمَ بينَ غضِّ البصرِ وسُفُورِ النساءِ:

- ‌حُكْمُ نَظَرِ الرَّجُلِ الى المرأةِ:

- ‌أنواعُ زِينَةِ المَرْأةِ:

- ‌التدرُّجُ في فَرْضِ الحِجابِ:

- ‌حُكْمُ تزويجِ الأَيَامَى:

- ‌تركُ الأسواقِ والبَيْعِ وقتَ الصلاةِ:

- ‌أمْرُ الناسِ وأهلِ الأسواقِ بالصلاةِ:

- ‌حِجابُ القواعدِ مِن النِّساءِ:

- ‌فضلُ الاجتماعِ على الطعامِ:

- ‌سورة الفرقان

- ‌هَجَرُ القرآنِ وأنواعُه:

- ‌وهجرُ القرآنِ على مَراتِبَ وأنواعٍ ثلاثةٍ:

- ‌أَدْنَى الزمنِ الذي يُشرَعُ فيه خَتْمُ القرآنِ وأَعْلاه:

- ‌نِسْيانُ القرآنِ:

- ‌النوعُ الثاني من الهجرِ: هجرُ تدبُّرِ مَعانيهِ وأحكامِه:

- ‌النوعُ الثالثُ: هجرُ العملِ بما فيه مِن أوامرَ وأحكامِ:

- ‌سورة الشعراء

- ‌انتصارُ المظلومِ مِن ظالمِه وأحوالُه:

- ‌سورة النمل

- ‌حُكْمُ الضحكِ في الصلاةِ والتبسُّمِ:

- ‌حُكْمُ تأديبِ الحيوانِ وتعذيبِه:

- ‌وِلَايةُ المرأةِ:

- ‌البَداءةُ بالبَسْمَلَةِ والفَرْق بينَها وبينَ الحَمْدَلَةِ:

- ‌حُكْمُ قَبُولِ الهديَّةِ التي يُرادُ منها صَرْفٌ عن الحقِّ:

- ‌سورة القصص

- ‌حِفْظُ الأسرارِ وإفشاؤُها:

- ‌عَرْضُ البناتِ لتزويجِهِنَّ:

- ‌سورة العنكبوت

- ‌سورة الروم

- ‌فَرَحُ المؤمنينَ بهزيمةِ أحَدِ العَدُوَّيْنِ على الآخَرِ:

- ‌رِهانُ أبي بَكْرٍ بِمَكَّةَ، والرِّهَانُ في إظهارِ الحقِّ:

- ‌أحكامُ العِوَضِ (السَّبَقِ) واشتراطُ المحلِّلِ في الرِّهانِ:

- ‌القَيْلُولَةُ في نصفِ النهارِ:

- ‌وقد ذكَر اللَّهُ القيلولةَ في مواضعَ:

- ‌إهداءُ الهديَّةِ رجاءَ الثوابِ عليها:

- ‌سورة لقمان

- ‌الغِناءُ والمَعَازِفُ والفَرْقُ بينَهما:

- ‌سورة السجدة

- ‌حُكْمُ التسبيحِ في السُّجُودِ والرُّكُوعِ:

- ‌سورة الأحزاب

- ‌أُمَّهَاتُ المؤمنينَ ومَقامُهُنَّ:

- ‌أنواعُ أفعالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌عمومُ أصلِ الخِطَابِ بالحِجَابِ وخَصُوصيَّةُ نساءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الصلاةُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم: معناها، وحُكْمُها:

- ‌سورة سبأ

- ‌الاستعانةُ بالجنِّ:

- ‌حُكْمُ التماثيلِ وصُوَرِ ذواتِ الأرواحِ:

- ‌سورة فاطر

- ‌سورة يس

- ‌سورة الصافات

- ‌سورة ص

- ‌سورة غافر

- ‌سورة فصلت

- ‌سورة الشورى

- ‌الشُّورَى وفضلُها وشيءٌ مِن أحكامِها:

- ‌سورة الزخرف

- ‌لُبْسُ الصبيِّ والرجُلِ للحُلِيِّ:

- ‌سورة الأحقاف

- ‌أكثَرُ الحملِ والرَّضَاعِ وأقَلُّهُ:

- ‌سورة محمد

- ‌حُكْمُ أَسْرَى المشرِكِينَ:

- ‌سورة الفتح

- ‌حُكْمُ تترُّسِ المشرِكِينَ بالمُسلِمِينَ:

- ‌سورة الحجرات

- ‌تعظيمُ أقوالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه:

- ‌الفَرْقُ بينَ البُغَاةِ والخَوَارجِ:

- ‌الكِبْرُ واحتقارُ سببٌ للفِتَنِ بينَهم:

- ‌التعويضُ عن الضررِ المعنويِّ:

- ‌الأحوالُ التي تجوزُ فيها الغِيبَةُ:

- ‌غِيبةُ الكافرِ:

- ‌سورة ق

- ‌سورة الذاريات

- ‌سورة الطور

- ‌سورة النجم

- ‌سورة القمر

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة الواقعة

- ‌الطهارةُ عندَ القراءةِ ومَسِّ المُصْحَفِ:

- ‌سورة الحديد

- ‌سورة المجادلة

- ‌ألفاظُ الظِّهارِ المُتَّفَقُ والمُختلَفُ فيها:

- ‌كفارةُ الظِّهارِ:

- ‌أنواعُ النَّجوَى المنهيِّ عنها:

- ‌ما يُستحَبُّ للداخِلِ إلى المَجالِسِ:

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌الإحسانُ إلى الكافرِ بالهديَّةِ وقَبولُ شفاعتِه:

- ‌إسلامُ الزوجَيْنِ أو أحدِهما:

- ‌سورة الجمعة

- ‌مَن تجبُ عليه الجُمُعةُ:

- ‌حُكْمُ الجُمُعةِ للمسافرِ:

- ‌العَدَدُ الذي تَنعقِدُ به الجُمُعةُ:

- ‌قيامُ الخطيبِ في الخُطْبةِ:

- ‌سورة الطلاق

- ‌طلاقُ السُّنَّة وطلاقُ البِدْعةِ:

- ‌السُّكْنَى للمطلَّقةِ:

- ‌السُّكْنى للمُطلَّقةِ المَبْتُوتةِ:

- ‌الإشهادُ على إرجاعِ المطلَّقةِ:

- ‌عِدَّةُ الحاملِ مِن الطلاقِ والوفاةِ:

- ‌سورة التحريم

- ‌تحريمُ الحلالِ لا يجعلُهُ حرامًا:

- ‌تحريمُ الحلالِ يمينٌ وكَفَّارتُه:

- ‌سورة القلم

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة المزمل

- ‌سورة المدثر

- ‌سورة القيامة

- ‌حُكْمُ الرُّقْيَةِ:

- ‌حُكْمُ التداوي مِن المرضِ:

- ‌سورة الإنسان

- ‌سورة عبس

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطففين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة الماعون

- ‌التلازُمُ بينَ الرِّياءِ وتأخيرِ وقتِ الصلاةِ:

- ‌تاركُ الصلاةِ وحُكْمُهُ:

- ‌حُكْمُ العاريَّةِ وحَبْسٍ ما يُعِينُ المحتاجَ:

- ‌سورة الكوثر

- ‌حُكْمُ الأُضْحِيةِ ووقتُها:

- ‌سورة النصر

- ‌سورتا المعوِّذَتَيْنِ

الفصل: ‌حكم اقتناء الكلب للحراسة وغيرها:

{وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} ؛ أي: كَلْبُهم الذي كان معهم مِن قَبْلُ، لا كلبُ غيرهم، وقد عَدَّهُ معهم لكونِهِ منهم، فلو لم يكنْ مُصاحبًا لهم قبلَ دخولِهم الكهفَ، لم يَذكُرْهُ في العَدَدِ معهم، وذلك في قولِهِ تعالى بعدُ:{ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف: 22]، وقال:{خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف: 22]، وقال:{سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف: 22].

ومن القرائن كذلك قولُه تعالى: {بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} ؛ يعني: في فِنَاءِ الكهفِ في صورةِ الحارسِ لهم لِيُهَيِّبَهم، وفي ذلك قال تعالى، {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا}؛ يعني: منهم ومِن كلبِهم؛ لأنَّه معدودٌ فيهم.

‌حُكْمُ اقتِناءِ الكَلْبِ للحِرَاسةِ وغيرِها:

وقد ثبَتَ في الشريعةِ: أنَّ الأصلَ في اقتناءِ الكلبِ المنعُ؛ وذلك لِمَا ثبَتَ في "الصحيحَيْنِ"، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه؛ قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا، إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ قَالَ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ، انْتَقَصَ مِن أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ)(1).

وفي "الصحيحَيْنِ"؛ من حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا تَدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ)(2).

وامتناعُ الملائكةِ عن الدخولِ دليلٌ على دخولِ الشياطِينِ وحضورِها؛ وهذا دليلٌ على عدمِ جوازِ دخولِها بلا حاجةٍ، وأكثرُ العلماءِ على التحريمِ.

ومِن العلماءِ -كابنِ عبدِ البَرِّ (3) - مَن حمَلَ الحديثَ على الكراهةِ؛

(1) أخرجه البخاري (2322)، ومسلم (1575).

(2)

أخرجه البخاري (3225)، ومسلم (2106).

(3)

"التمهيد"(14/ 221).

ص: 1697

لأنَّ الحديثَ يُفيدُ نُقْصانَ الأجرِ، ونُقصانُ الأجرِ لا يَلزمُ منه ارتكابُ المحرَّمِ، ولو كان يَحمِلُ الإثمَ، لكان ذِكْرُ الإثمِ أَولى مِن ذِكْرِ نُقْصانِ الأجرِ.

والأظهَرُ التحريمُ؛ لأنَّه لا تُحبَطُ أعمالٌ بمِثْل هذا القَدْرِ الدائمِ وهو قِيرَاطٌ إلَّا عن إثمٍ، والأصلُ أنَّه لا يُحبِطُ الحَسَناتِ إلَّا السيِّئاتُ، والأُجورُ تَنقُصُ لسببَيْنِ:

الأولُ: تنقُصُ بسببٍ في العملِ الصالحِ أو لازمٍ لها؛ كعَدَمِ الخشوعِ في الصلاةِ؛ فإنَّه يَنقُصُ الأجرَ؛ فلا يُقبَلُ منها إلَّا رُبُعُها أو ثُلُثُها؛ كما لي حديثِ عمَّارٍ (1)، وكذلك المَنُّ الذي يَتَبَعُ الصَّدَقةَ؛ فقد قال تعالى:{لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264]، فهذا يُحبِطُ أجرَها، ولا يَلزَمُ إلحاقُ وِزْرٍ بصاحِبِها.

الثاني: تَنقُصُ الأجورُ بسببٍ خارجٍ عن العملِ وغيرِ لازِمٍ له، كإحباطِ الجهادِ بالرِّبا، وإحباطِ أجورِ بعضِ الأعمالِ باقتناءِ الكلبِ كما هنا، فإذا انفَكَّ السببُّ الناقصُ لأجرِ العملِ عن العمل، ولم يكنْ لازمًا له، فهذه أمَارةٌ على كونِهِ محرَّمًا.

وأمَّا القولُ بأنَّ ذِكْرَ الإثمِ أَولى مِن ذِكْرِ نُقصانِ الأجر، فهذا ليس بلازِمٍ؛ فلا أعظَمَ مِن الشِّرْكِ وقد ذكَرَ اللَّه إحباطَهُ للعملِ.

وإذا كان اللَّهُ يُحبِطُ السيِّئاتِ بالحسناتِ، فرحمتُهُ سبَقَتْ غضَبَهُ، فلا يُحبِطُ الحسناتِ بالسيِّئاتِ إلَّا بما هو أعظَمُ مِن إحباطِ الحسنةِ للسيِّئةِ.

والقِيراطُ غبرُ محدودِ القَدْرِ، ولا ينبغي حملُهُ على قِيراطِ شهودِ الجنازةِ واتِّباعِها وأنَّه كجَبَلِ أُحُدٍ؛ فرحمةُ اللَّهِ أعظَمُ مِن ذلك، وإنَّما المرادُ قَدْرٌ مقدَّرٌ ونصيبٌ محدَّدٌ يُؤخَذُ منه كلَّ يومٍ.

(1) أخرجه أحمد (4/ 321)، وأبو داود (796)، والنسائي في "السنن الكبرى"(615).

ص: 1698

وإنَّما ذكَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إحباطَ الأجرِ؛ للترهيبِ منه وبيانِ خطورتِه، وإذا اقترَنَ بعدمِ دخولِ الملائكة ولزومِ ذلك لدخولِ الشياطينِ، كان القولُ قويًّا في التحريمِ.

وظاهرُ الآيةِ: أنَّ الكلبَ في قولِهِ: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} كلبُ حراسةٍ لهم، وقد اختلَفَ العلماءُ في اقتناءِ كلبِ الحراسةِ الذي يَحمي به الرجُلُ نفسَهُ من لِصٍّ أو مُعْتدٍ أو مِن حيوانٍ مفترِسٍ.

وأمَّا الكلابُ التي تُقتني للمرافَقةِ والمصاحَبةِ والأُنْسِ والمداعَبةِ ويَحْمِيها صاحبُها أكثَرَ من أنْ تَحْمِيَهُ هي، فهي محرَّمةٌ، ولا ينبغي أن يكونَ في ذلك خلافٌ؛ لظاهِرِ الدليلِ.

وأمَّا كلابُ الحراسةِ التي تَحمي هي صاحِبَها أكثَرَ ممَّا يَحمِيها هو، فقد اختلَفَ العلماءُ في ذلك على قولَيْنِ:

القولُ الأولُ: قال بعضُ العلماءِ: بتحريمِ اقتناءِ كلِّ كلبٍ غيرِ ما استثناهُ الدليلُ، على خلافٍ عندَهم في عددِ ما استثناهُ، بسببِ اختلافِ الرِّوايات في ذلك؛ فعن ابنِ عمرَ أنَّه لم يُرخِّصْ إلَّا بكلبِ الصيدِ والماشيةِ، ولم يُرخِّصْ بكلبِ الزرعِ.

وأكثَرُ ما استثنَاهُ الفقهاءُ من الكلاب المحرَّمة ثلاثةُ أنواعٍ، وهي: الصيدُ والماشيةُ والزرعُ؛ لحديثِ أبي هريرةَ (1)، وعبدِ اللَّه بنِ مُغَفَّلٍ (2)، ولبعضِ الرِّوايات في حديثِ ابنِ عمرَ (3).

القولُ الثاني: قالوا بالجوازِ، وأنَّ كلَّ ما قامت فيه حاجةٌ مساوِيةٌ أو أشَدُّ من الحاجةِ لكلبِ الصيدِ والزرعِ والماشيةِ، فإنَّه يأخُذُ حُكْمَه؛ وذلك أنَّ حاجةَ الإنسانِ في حراسةِ أهلِهِ ونفسِهِ أَوْلى مِن حراسةِ ماشيتِهِ

(1) سبق تخريجه.

(2)

أخرجه مسلم (1573).

(3)

أخرجه مسلم (1574).

ص: 1699

وزَرْعِه، وإنَّما ذكَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الماشيةَ والزرعَ والصيدَ؛ لأنَّها الغالِبةُ في الاستعمالِ، وقد يُوجَدُ في الناس مِثْلُها بحسَبِ تغيُّرِ الأحوالِ واختلافِ البُلْدانِ.

ومِن القرائنِ على ذلك: أنَّه ليس كلُّ الأحاديثِ تذكُرُ الأنواعَ الثلاثةَ المأذونَ بها، وهي الصيدُ والزرعُ والماشيةُ؛ ففي بعضِها ذكَرَ اثنَيْن؛ كما في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ ابنِ عمرَ؛ قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا، إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِيًا، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ)(1)، فذكَرَ كلبَ الصيدِ والماشيةِ، ولم يذكُرِ الزرعَ؛ كما في حديثِ أبي هريرةَ السابقِ، وفي روايةٍ لمسلمٍ؛ مِن حديثِ ابنِ عمرَ ذكَرَ الثلاثةَ (2)، وفي روايةٍ في حديثِ أبي هريرةَ في "الصحيحَيْنِ"؛ قال:(إلَّا كَلْبَ حَرْثٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ)(3)، ولم يذكُرْ كلبَ الصيدِ؛ وهذا يدُلُّ على أنَّ المقصودَ التمثيلُ بالحاجاتِ لا الحصرُ.

ويدخُلُ في الحاجاتِ من اقتناءِ الكلبِ: الكلابُ المدرَّبةُ على معرِفةِ المُسْكِراتِ والمخدِّرات واكتشافِ المتفجِّراتِ؛ فإنَّ نوعًا مِن الكلابِ يُدرَّبُ على إطعامِهِ أو تشميمِهِ نوعًا من الموادِّ المسكِرةِ والمخدِّرةِ أو فيها متفجِّراتٌ؛ حتى يعتادَهُ، ثمَّ يُدمِنُ عليه، فإذا وجَدَ رائحتَهُ، نبَحَ واتَّجَهَ إليه، وهذا أعظَمُ حاجةً مِن كلبِ الزرعِ والماشيةِ والصيدِ، وفيه تحقيقُ مصالحَ عامَّةٍ عظيمةٍ، بخلافِ الصيدِ والزرعِ والماشيةِ، فهي مَصالِحُ خاصَّةٌ لا عامَّةٌ، ولا خلافَ أنَّ المصالحَ العامَّةَ مقدَّمةٌ على المصالحِ الخاصَّةِ.

(1) أخرجه البخاري (5482)، ومسلم (1574).

(2)

أخرجه مسلم (1574)(56).

(3)

أخرجه البخاري (3324)، ومسلم (1575)(59).

ص: 1700

وكلُّ ما أُمِرَ بقتلِهِ في الشرعِ، فلا يجوزُ اقتناؤُهُ ولا يدخُلُ في الاستثناءِ؛ وذلك كالكلبِ الأَسْودِ البهيمِ؛ فقد جاء الأمرُ بقتلِه، وما أُمِرَ بقتلِهِ لا يدخُلُ في الرُّخْصةِ، قال أحمدُ بنُ حنبلٍ:"ما أعلَمُ أحدًا يُرخِّصُ في أكلِ ما قَتَل الكلبُ الأسودُ من الصيدِ"(1).

وبهذا قال غيرُ واحدٍ مِن السلفِ؛ كقتادةَ والحسنِ البصريِّ وإبراهيمَ النخَعيِّ وإسحاقَ.

وقد أمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقتلِ ثلاثةٍ من الكلابِ:

- الأسودُ البهيمُ؛ وذلك كما جاء في "المسند" و"السُّننِ"؛ مِن حديثِ عبد اللَّه بن مغفَّلٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ قال:(لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ، لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا؛ فَاقْتُلُوا مِنْهَا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ)(2).

- وأمَرَ بقتلِ ذي النُّقطتَيْنِ البيضاوَيْنِ؛ كما في مسلمٍ، عن جابرِ بنِ عبد اللَّهِ رضي الله عنه؛ قال: أمَرَنا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلَابِ، حَتَّى إِنَّ المَرْأَةَ تَقْدَمُ من الْبَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَنَقْتُلُهُ، ثُمَّ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِهَا، وَقَالَ:(عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ؛ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ)(3).

- وأمَرَ بقتلِ الكلبِ العَقُورِ، وهو ما فيه سُعَارٌ وعُدْوانٌ على الناسِ بالهجومِ عليهم وعَضِّهم وتمزيقِ ثيابِهم وقَتْلِ مَوَاشِيهِم؛ وذلك لِما ثبَتَ في "الصحيحَيْنِ"، عن عائشةَ رضي الله عنها؛ قالتْ: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (خَمْسٌ فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ فِي الحِلِّ والْحَرَمِ: الْحيَّةُ، وَالْغُرَابُ الأَبْقَعُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحُدَيَّا)(4).

(1)"المغني"(13/ 267).

(2)

أخرجه أحمد (4/ 85)، وأبو داود (2845)، والترمذي (1486)، والنسائي (4280)، وابن ماجه (3205).

(3)

أخرجه مسلم (1572).

(4)

أخرجه البخاري (1829)، ومسلم (1198).

ص: 1701

ومَن جازَ له اقتناءُ الكلبِ لحاجةٍ، فلا يجوزُ له أن يتعدَّى حاجتَهُ؛ فمَن اتَّخَذَهُ للزرعِ أو الماشيةِ أو الصيدِ، فلا يجوزُ له أن يتَّخِذَهُ في غيرِ موضعِه؛ كمَنْ يصطحِبُ كلبَ الماشيةِ في سَفَرٍ لا ماشيةَ فيه، أو يصطحِبُ كلبَ صيدٍ في السُّوقِ والطُّرُقاتِ التي لا صَيْدَ فيها؛ وذلك لِمَا روى أبو هريرةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:(لَا تَصَحَبُ المَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلَا جَرَسٌ)(1).

* * *

* قال تعالى: {قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)} [الكهف: 19].

قام أهلُ الكهفِ بإرسالِ واحدٍ منهم بما معهم من دراهمَ ليشترِيَ مِن المدينةِ زادًا طيِّبًا، وأن يكون ذلك مع حذرٍ وتلطُّفٍ؛ لأنَّهم يَذْكُرونَ قومَهم على كفرٍ فيَخشَوْنَ منهم؛ ولذا قالوا:{وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ} [الكهف: 19 - 20].

وقد استجاب هؤلاء الفتيةُ للحقِّ؛ وإن كان شيوخُ المدينةِ وكبارُهم لم يُؤمِنوا، مع أنَّ الكبارَ أكملُ عقولًا ولكنَّهم أشَدُّ عنادًا وأنَفَةً؛ ولهذا يُقبِلُ الفِتْيانُ على الحقِّ أسرَعَ وأشَدَّ من الشيوخِ، وهذا مع أكثرِ الأنبياءِ، وقد قال اللَّه عمَّن آمَنَ مع موسى:{فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ} [يونس: 83]؛ يعني: فِتْيَانَهم.

(1) أخرجه مسلم (2113).

ص: 1702