الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والنحرِ، لأنَّهما يكونانِ مشروعَيْنِ في يومِ النحرِ، وهو عيدُ الأَضْحَى؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:(مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَنَسَكَ نُسُكَنَا، فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ، وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ المصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ، ولا نُسُكَ لَهُ)(1).
ويُرْوَى عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ: أنَّ المرادَ بالنحرِ رفعُ اليدَيْنِ في الصلاةِ؛ وهو مُنكَرٌ، يَرويهِ مُقاتِل بنُ حَيَّانَ، عن الأصْبَغِ بنِ نُبَاتَةَ، عنه؛ أخرَجَه ابنُ أبي حاتمٍ (2).
ويُروى عنه: أنَّه قَبْضُ اليمينِ على الشِّمَالِ في الصلاةِ (3)؛ ولا يصحُّ.
حُكْمُ الأُضْحِيةِ ووقتُها:
وقولُه تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ، يتضمَّنُ أحكامًا في النَّحْرِ، منها: ذِكْرًا للَّهِ والتسميةُ عندَ ذَبْحِ بهيمةِ الأنعامِ، ومنها: مسألةُ وجوبِ الأُضْحِيَّةِ، ومنها: تقديمُ صلاةِ العيدِ على ذبحِ الأُضْحِيَّةِ:
فأمَّا التسميةُ عندَ الذبحِ والنحرِ: فهذا قد تقدَّم الكلامُ عليه عندَ قولِه تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} [الأنعام: 118]، وقولِه:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]، وتقدَّم الكلامُ على التسميةِ عندَ إرسالِ الصيدِ عندَ قولِه:{وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4].
وأمَّا حُكْمُ الأُضْحِيَّةِ: فهو مختلَفٌ فيه عندَ الأئمَّةِ، والأرجحُ عدمُ الوجوبِ؛ وهو قولُ جمهورِ العلماءِ، خلافًا لأبي حنيفةَ والأوزاعيِّ وقولِ لمالكٍ بوجوبِها، ولم يكنِ الخلفاءُ الراشدونَ يُوجِبونَها كأبي بكرٍ وعمرَ،
(1) أخرجه البخاري (955).
(2)
"تفسير ابن أبي حاتم"(10/ 3470).
(3)
"تفسير الطبري"(24/ 690).
وقولِ جماعةٍ مِن الصحابةِ؛ كابنِ عمرَ وبلالٍ وأبي مسعودٍ البَدْرِيِّ، وأئمَّةِ التابعينَ؛ كابنِ المسيَّبِ وعلقمةَ.
ولا يثبُتُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم نصٌّ صريحٌ على وجوبِ الأُضْحِيَّةِ، ولا نهيٌ صريحٌ مؤكَّدٌ عن تركِها، وأمْثَلُ ما يَحتجُّ به مَن يقولُ بوجوبِها: ما رواهُ ابنُ ماجَهْ؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا: (مَنْ كَانَ لَهُ سعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ، فلا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا)(1)، وهو حديثٌ يَرويهِ عبدُ اللَّهِ بنُ عيَّاشٍ القِتْبَانِيُّ، عن الأعرجِ، عن أبي هريرةَ مرفوعًا، وابنُ عيَّاشٍ مختلَفٌ فيه، وهو ضعيفُ الحديثِ؛ قاله أبو داودَ والنَّسَائيُّ وغيرُهما (2)، وفي الحديثِ اختلافٌ في الرفعِ والوقفِ، وقد أنكَرَ أحمدُ رَفْعَه، وقال:"هذا حديثٌ مُنكَرٌ"(3).
وقد كان أبو بكرٍ وعمرُ يَتْرُكانِ الأُضْحِيَّةَ؛ خشيةَ المشقَّةِ على الناسِ فيظُنُّونَها سُنَّةً، كما قال أبو سَرِيحَةَ حُذَيفةُ بن أسِيدٍ:"رأيتُ أبا بكرٍ وعمرَ وما يُضَحِّيَانِ"؛ رواهُ عبدُ الرَّزاقِ (4).
وروى عبد اللَّه بنُ أحمد في "علله"(5)، عن حُذَيْفَةَ بنِ أَسِيدٍ؛ قال: لقد رأيتُ أبا بكرِ وعمرَ وما يُضَحِّيَانِ عن أهلِهما؛ خشية أنْ يُستَنَّ بهما.
ورَوَى الخطيبُ في "المتَّفِقِ"، عن العلاءِ بنِ هلالٍ؛ أنَّ رجلًا سأَل
(1) أخرجه أحمد (2/ 321)، وابن ماجه (3123).
(2)
"تهذيب الكمال"(15/ 411).
(3)
ينظر: "تنقيح التحقيق"؛ للذهبي (2/ 62)، و"الفروسية" لابن القيم (ص 261)، و"تفسير ابن كثير"(5/ 432).
(4)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(8139).
(5)
"العلل ومعرفة الرجال" لأحمد، رواية ابنه عبد اللَّه (3/ 337).
ابنَ عمر عن الأُضْحِيَّةِ؟ فقال ابنُ عمرَ: أيَحسَبُها حَتْمًا؟ لا، ولكنَّها حسَنةٌ (1).
وأمَّا ما رواهُ الشيخانِ؛ مِن حديثِ جُنْدُبِ بنِ سُفْيانَ البَجَليِّ؛ قال: ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُضْحِيَّةً ذَاتَ يَوْمٍ، فَإِذَا أُنَاسٌ قَدْ ذَبَحُوا ضَحَايَاهُمْ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، رَآهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُمْ قَدْ ذَبَحُوا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ:(مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ حَتَّى صَلَّيْنَا، فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ" (2).
فهذا تشريعُ توقيتٍ، والمواقيتُ تكونُ في السُّننِ، كما تكونُ في الواجباتِ، وما جاء توقيتُه، فليس لأحدٍ تقديمُهُ ولا تأخيرُهُ عما وُقِّتَ فيه؛ كتشريع الوِتْرِ آخِرَ صلاةِ الليلِ في قولِه صلى الله عليه وسلم:(اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيلِ وِتْرًا)(3)، وذلك أنَّ التوقيتَ للعبادةِ حُكْمٌ غيرُ حُكْمِ العبادةِ في نفسِها.
وأمَّا وقتُ الأُضْحِيَّةِ: فلا يختلفُ العلماءُ في أنَّ الأُضْحِيَّةَ تُشرَعُ بعدَ صلاةِ العيدِ، وأنَّ ذَبْحَها قبلَ ذلك ليس وقتًا لها؛ كما جاء عن البَرَاءِ؛ أنَّه قال: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ؛ قَالَ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ؛ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ)، فَقَامَ خَالِي أبو بُرْدَةَ بنُ نِيَارٍ، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ؟ قَالَ: (اجْعَلْهَا مَكَانَهَا -أَوْ قَالَ:
(1)"المتفق والمفترق" للخطيب البغدادي (3/ 1737).
(2)
أخرجه البخاري (5500)، ومسلم (1960).
(3)
أخرجه البخاري (998)، ومسلم (751).
اذْبَحْهَا- وَلَنْ تَجْزِيَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ)؛ رواهُ الشيخانِ (1)، وكذلك قولُه صلى الله عليه وسلم في حديثِ جُنْدُبٍ السابقِ:(مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى)(2).
ومِثلُه عندَهما مِن حديثِ أنسٍ (3).
* * *
(1) أخرجه البخاري (968)، ومسلم (1961).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
أخرجه البخاري (954)، ومسلم (10/ 1962).