الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالجهادِ الكبيرِ، ولا حقِّ الجهادِ، مع عظَمَتِهِ وفضلِه وجلالةِ قَدْرِه، فإنْ جاز الرِّهَانُ في إظهارِ الحقِّ بالسِّنانِ في النَّصْلِ والخُفِّ والحافرِ، ففي المناظَرةِ والمُحاجَجةِ مِثلُهُ أو آكَدُ منه، ولا يكونُ هذا بابًا يدخُلُ منه المُتسابِقونَ في فضولِ العلمِ التي لا تُحِقُّ الحقَّ في الناسِ، فلم يكنِ الفقهاءُ يُدخِلونَ هذا النوعَ فيما أجازُوهُ من فِعْلِ أبي بكرٍ رضي الله عنه.
وأمَّا ما جاء في حديثِ البَرَاءِ في رِهَانِ أبي بكرٍ مع قريشٍ عندَ ابنِ أبي حاتمٍ؛ أنَّه قال في المالِ: فجاء به أبو بكرِ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:(هَذَا السُّحْتُ، تَصَدَّقْ بِهِ)(1)، وما أخرَجَ أبو يَعْلَى في حديثِ البراءِ أيضًا؛ قال فيه: فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (هَذَا لِلنَّجَائِبِ)(2)، وكأنَّه جعَلَ المالَ للحيوانِ لا يأكُلُهُ الإنسانُ-: فحديثُ البَرَاءِ تفرَّدَ به مؤمَّلُ بنُ إسماعيلَ؛ وفي حفظِهِ وهَمٌ وغَلَطٌ.
وأمَّا ما رواة ابنُ خُزَيمةَ في "التوحيدِ"، في حديثِ نِيَارِ ينِ مُكْرَمٍ في رِهانِ أبي بكرٍ، وفيه:"وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِي الرِّهَانِ مَا نَزَلَ"(3)، فحديثُ نِيَارِ تفرَّدَ به ابنُ أبي الزِّنادِ، عن أبيه، عن عروةَ بنِ الزُّبَيْرِ، عن نِيَارٍ؛ به، ثمَّ هو ليس مِن كلامِ نِيَارٍ؛ وإنَّما مِن كلامِ بعضِ الرُّواةِ عنه.
أحكامُ العِوَضِ (السَّبَقِ) واشتراطُ المحلِّلِ في الرِّهانِ:
لا يختلِفُ الفقهاءُ في جوازِ أخذِ المالِ في الرِّهَانِ والمسابَقَةِ إنْ كان المالُ مبذولًا مِن بيتِ المالِ، أو مِن مالِ الإمامِ أو نائبِه، وقد حكى الإجماعَ الزركشيُّ (4) وغيرُه، وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يفعلُ ذلك؛ كما ثبَت مِن
(1)"تفسير ابن أبي حاتم"(9/ 3086).
(2)
"إتحاف الخيرة" البوصري (5781)، و"المطالب العالية" لابن حجر (3680).
(3)
"التوحيد"؛ لابن خزيمة (1/ 405).
(4)
"شرح الزركشي على الخرقي"(4/ 321).
حديثِ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ: "أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبَّقَ بالْخَيْلِ وَرَاهَنَ"؛ أخرَجَهُ أحمدُ (1)، وفي روايةٍ عندَه:"وَأَعْطَى السَّابِقَ"(2).
وأمَّا إنْ كان العِوَضُ مبذولًا مِن مالِ عامَّةِ الناسِ مِن غيرِ المتسابقِينَ، فعامَّةُ العلماءِ على جوازِه، وحُكِيَ عن مالكٍ المنعُ؛ لأنَّه مِن خصائصِ الإمامِ؛ لتعلُّقِهِ بالجهادِ؛ حكاهُ ابن قُدَامَةَ (3)، والمشهورُ عن مالكٍ والذي يَحْكِيهِ أصحابُه: جوازُ ذلك، وحكى جماعةٌ مِن فقهاءِ المالكيَّةِ الاتِّفاقَ على جوازِ ذلك.
وأمَّا إنْ كان العِوَضُ (السَّبَقُ) من أحدِ المتسابقِينَ المشاركِينَ؛ فإنْ سبَقَ هو، أَبْقَى مالَهُ له، وإنْ لم يَسبِقْ، أَعْطاهُ لِمَنْ سبَقَه منهم، فهذا قد جوَّزَهُ جمهورُ الفقهاءِ، وقد قال مالكٌ: لا يُعجِبُني، ثمَّ قال: لا بأسَ به (4)، وكأنَّه رأى تَرْكَهُ تورُّعًا مع عدمِ القولِ بعدمِ جوازِه، وحكى ابنُ قدامةَ عنه روايةً بالمنعِ (5).
ويَرى كثيرٌ مِن الفقهاءِ مِن أصحابِ مالكٍ: جوازَ ذلك بشرطِ ألَّا يعودَ السَّبَقُ إلى صاحبِه في حالةِ سَبْقِهِ هو؛ وإنَّما يَدفعُهُ لغيرِه ممَّن شهِدَ السِّباقَ إنْ كان السباقُ بينَ اثنَيْنِ، وإنْ كان المتسابِقونَ جماعةً وسبَقَ هو، جعَلَ العِوَضَ (السَّبَقَ) للمتسابِقِ الذي بعدَه، وقد حكى ابنُ عبدِ البَرِّ ذلك عن ربيعةَ ومالكٍ والأوزاعيِّ: أنَّ الأشياءَ المسبَّقَ بها لا تَرجِعُ الى المسبَّقِ بها (6).
وقد عَدَّ القاضي عبدُ الوهَّابِ ذلك قياسًا على حالِ الإمامِ؛ فإنَّه يُخرِجُ المالَ ولا يَرجِعُ إليه، وهو تعليلٌ ليس بالقويِّ؛ فالإمامُ لا يُشارِكُ
(1) أخرجه أحمد (2/ 67).
(2)
أخرجه أحمد (2/ 91).
(3)
"المغني"(13/ 408).
(4)
"الكافي في فقه أهل المدينة"(1/ 490).
(5)
"المغني"(13/ 408).
(6)
"الاستذكار"(14/ 310).
المُتسابِقِينَ سباقَهم في الأغلبِ، ولو شارَكَهُمَ، لكان له حقٌّ كحقِّهم عندَ فوزِه، إلَّا إنْ كان مَنْ قال بهذا القولِ أَجْرَى العِوَضَ مجرى الهبةِ التي لا يجوزُ أن يَرجعَ فيها صاحبُها، وإن كان كذلك، فهو وهَبَها هبةً مشروطةً بالغَلَبةِ والفَوْزِ، وقد يتحقَّقُ وقد يَنتفي فيه وفي غيرِه، والجِعَالةُ يجوزُ فيها أنْ يبذُلَ الشخصُ مالًا لمَن يأتيهِ بضَالَّتِهِ، ثمَّ يُشارِكَهم البحثَ عنها؛ فإنْ وجَدَها هو، بَقِيَ له مالُه، وان وحَدَها غيرُه، أعطاهُ إيَّاه.
وعامَّةُ الفقهاءِ على جوازِ أن يكونَ السَّبَقُ مِن أحدِ المُتسابِقِينَ أو مِن بعضِهم، وأمَّا إنْ كان مِن جميعِهم، ففي المسألةِ خلافٌ عندَهم، والجمهورُ على المنعِ مِن ذلك وحُرْمتِه؛ لدخولِه في القِمَارِ، ما لم يدخُلْ محلِّلٌ بينَهم لا يَدفعُ عِوَضًا، فيُجِيزونَه.
ويُريدُ الفقهاءُ بالمحلِّلِ: أنَّه المتسابقُ الذي يُساوِي بقيةَ المتسابِقِينَ في السِّباقِ، لكنَّه لا يبذُلُ عِوَضًا لمَن سبَقَه، ويأخُذُ العوضَ إذا سبَقَ هو، وسمَّاهُ الفقهاءُ محلِّلًا؛ لأنَّه يُحلِّلُ للسابقِ أخذَ المالِ، فإنَّ المحلِّلَ يَجعلُ العَقدَ حلالًا، ويُخرِجُه عن كونِه قِمَارًا؛ وذلك أنَّ القِمَارَ: أنْ يكونَ المتسابِقُونَ متردِّدينَ بينَ الغُنْمِ والغُرْمِ، وأمَّا المحلِّلُ، فإمَّا غانمٌ، وإمَّا سالمٌ ليس بغارمٍ، وله لا يكونُ العقدُ قِمارًا، ويُسمَّى المحلِّلُ عندَ بعضِ الفقهاءِ: الدخيلَ أو المُحِلَّ أو الميسِّرَ، وللفقهاءِ في دخولِ المحلِّلِ أقوالٌ ثلاثةٌ:
الأولُ: دخولُ المحلِّلِ، وأنَّه لا يصحُّ العَقْدُ إلَّا به؛ وإليه ذهَبَ جمهورُ العلماءِ، وعليه مذهبُ الحنفيَّةِ والشافعيَّةِ والحنابلةِ، وهو أحدُ قولَيْ مالكٍ، واشترَطُوا لدخولِه: ألَّا يَدْفَعَ مِن مالِه شيئًا، وأنْ يُساويَهما فيُكافئَ فرسُهُ فرسَيْهما، أو بعيرُهُ بعيرَهما، أو رميُهُ رميَهما، فلا يكونُ دخولُه صوريًّا، وأن يأخُذَ المالَ إنْ سبَقَ هو مِن بينِهم؛ واستدَلُّوا على
دخولِ المحلِّلِ بما جاء عندَ أحمدَ وأبي داودَ؛ مِن حديثِ سعيدِ بنِ المسيَّبِ، عن أبي هريرةَ؛ قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَن أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُو لَا يَأْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يَسْبِقَ، فَهُو قِمَارٌ)(1).
وقد رواهُ مالكٌ في "الموطَّأِ"، فوقَفَهُ مِن حديثِ يحيى بنِ سعيدٍ؛ أنَّه سمِع سعيدَ بنَ المسيَّبِ يقولُ:"لَيْسَ بِرِهَانِ الْخَيْلِ بَأْسٌ إِذَا دَخَلَ فِيهَا مُحَلِّلٌ، فَإِنْ سَبَقَ أَخَذَ السَّبَقَ، وَإِنْ سُبِقَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ"(2).
الثاني: كراهةُ دخولِ المحلِّلِ؛ وإلى هذا ذهَبَ بعضُ الحنابلةِ المحقِّقينَ؛ كابنِ تيميَّةَ وابنِ القيِّمِ؛ وذلك أنَّهم يرَوْنَ البَذْلَ مِن الجميعِ غيرَ جائزٍ أصلًا، وإدخالُهُ نوعُ تحايُلٍ عندَ مَن يحرِّمُهُ، ويرَوْنَ أنَّ المنعَ مِن السَّبَقِ بمحلِّلٍ وغيرِ محلِّلٍ أولى بالأخذِ مِن القولِ بتحريمِهِ ثمَّ تحليلِهِ بالمحلِّلِ.
الثالثُ: لا يجوزُ إدخالُ المحلِّلِ؛ وله قال جماعةٌ مِن الفقهاءِ المالكيَّةِ، وهو معتمَدُ المذهبِ عندَهم، وقد أنكَرَ مالكٌ العملَ بقولِ سعيدِ بنِ المسيَّب بالعملِ بالمحلِّلِ، ولا يجوزُ عندَ مالكٍ أنْ يَجعلَ المتسابقانِ سبَقَينِ يُخرِجُ كلُّ واحدٍ منهما سَبَقًا مِن قَبَلِ نفسِهِ على أنَّ مَن سبَقَ منهما، أحرَزَ سبَقَهُ وأخَذَ سبَقَ صاحبِه، وقد قال مالكٌ:"لا يجبُ المحلِّلُ في الخيلِ، ولا نأخُذُ فيه بقولِ سعيدٍ"(3).
والفرق بينَ مَن قال بالكراهةِ ومَنْ قال بعدمِ الجوازِ: أنَّ مَن قال بالكراهةِ يَرى أنَّ دخولَهُ لا يؤثِّرُ في الحِلِّ، ومَن يرى عدمَ الجوازِ رأَى دخولَه لا يؤثِّرُ في التحريمِ.
(1) أخرجه أحمد (2/ 505)، وأبو داود (2579)، وابن ماجه (2876).
(2)
أخرجه مالك في "الموطأ"(2/ 468).
(3)
"تفسير القرطبي"(11/ 285).
ولمالكٍ في دخولِ المحلِّلِ قولٌ بجوازِه يُوافِقُ فيه قولَ ابنِ المسيَّبِ إلَّا أنَّه خلافُ المشهورِ عنه.
وعلَّلَ بعضُ المالكيَّةِ عدمَ جوازِ دخولِ المحلِّلِ بأنَّ الشرعَ منَعَ في بابِ المعاوضةِ مِن اجتماعِ العِوَضَيْنِ لشخصٍ واحدٍ لم يَبذُلْ، ويُحرَمُ منه الباقونَ الباذِلُون، وذلك في مُعاوَضاتِ البيعِ والإجارةِ والشُّفْعةِ؛ ففي البيعِ يكونُ الثمنُ والمثمَّنُ -وهو السلعةُ- مقسَّمَيْنِ بينَ البائعِ والمشترِي الذي انتقَلَ إليه المثمَّنُ، وهو المَبِيعُ.
وحديثُ أبي هريرةَ السابقُ في المحلِّلِ لا يثبُتُ رفعُهُ؛ فقد رفَعَهُ سفيانُ بنُ حُسَيْنٍ، عن الزُّهْريِّ، عن سعيدٍ، عن أبي هريرةَ مرفوعًا، وسفيانُ يَهِمُ في حديثِ الزُّهْريِّ؛ كما أشار إلى هذا أحمدُ (1)، وابنُ مَعِينٍ (2)، والنَّسائيُّ (3).
وأصحابُ الزُّهْريِّ الكِبارُ لا يَرفَعُونَهُ بل يَقْطَعونَه؛ كمَعْمَرِ بنِ راشدٍ، وعُقَيْلِ بنِ خالدٍ، وشُعَيْبِ بنِ أبي حَمْزةَ، واللَّيتِ بنِ سعدٍ، وغيرِهم (4)، ثمَّ إنَّ تراكيبَ الحديثِ لا تُشبِهُ كلامَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا الغالبَ مِن كلامِ الصحابةِ؛ وإنَّما تُشبِهُ فُتْيَا التابعِين.
وقد رجَّح الحُفَّاظُ القطعَ كأبي حاتمٍ؛ قال أبو حاتم في المرفوعِ: "هذا خطأٌ، لم يَعْمَلْ سفيانُ بنُ حُسَيْنٍ شيئًا، لا يُشبِهُ أنْ يكونَ عن النبيِّ، وأحسنُ أحوالِهِ أن يكونَ عن سعيدِ بنِ المسيَّب مِن قولِه"(5).
ونسَبَ بعضُهم إلى الدارقطنيِّ أنَّ الرفعَ محفوظٌ، وفيه نظرٌ؛ فإنَّه لم يُرِدْ ذلك في "عِلَلِه"؛ وإنَّما أرادَ أنَّ روايةَ سعيدِ بنِ بَشِيرٍ عن قتادةَ عن
(1)"العلل ومعرفة الرجال" لأحمد، رواية المروذي وغيره (28).
(2)
"تاريخ ابن معين"، رواية الدارمي (ص 44).
(3)
"السنن الكبرى" للنسائي (3280).
(4)
ينظر: "الفروسية" لابن القيم (ص 229 - 238).
(5)
"علل الحديث" لابن أبي حاتم (5/ 675).
ابنِ المسيَّبِ لهذا الحديثِ وَهَمٌ، وأنَّه عن الزُّهْريِّ عن ابنِ المسيَّبِ، فهو يرجِّحُ بينَ وجهَيْنِ مرجوحَيْنِ جميعًا، لا بينَ وجهٍ مرجوحٍ ضعيفٍ وبينَ وجهٍ راجحٍ صحيحٍ (1).
وجاء في المحلِّلِ مِن حديثِ ابنِ عمرَ مرفوعًا (2)، وفيه عاصمُ بنُ عمرَ، متكلَّمٌ فيه؛ قال البخاري: مُنكَرُ الحديثِ (3).
* * *
* قال تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 17 - 18].
في هذه الآيةِ: فضلُ الصلاةِ على مواقيتِها؛ فقد ذكَرَ اللَّهُ في هذه الآيةِ مواقيتَ الصلاةِ جميعَها، وقد جاءَ عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنه؛ أنَّه قال: الصلواتُ الخمسُ في القرآنِ، فقيل له: أينَ؟ فقال: قال اللَّه تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} : صلاةُ المغربِ والعِشاءِ، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ}: صلاةُ الفجرِ، {وَعَشِيًّا}: العصرُ، {وَحِينَ تُظْهِرُونَ}: الظُّهرُ (4).
وبنحوِه رُوِيَ عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ والضحَّاكِ (5).
وسأَل نافعُ بنُ الأَزْرَقِ ابنَ عبَّاسٍ، فقال له: هل تَجِدُ ميقاتَ الصلواتِ الخَمْسِ في كتابِ اللَّهِ؟ قال: نَعَمْ؛ {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} : المغربُ، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ}: الفجرُ، {وَعَشِيًّا}: العصرُ،
(1)"علل الدارقطني"(1692).
(2)
أخرجه ابن حبان في "صحيحه"(4689).
(3)
"التاريخ الكبير" للبخاري (6/ 478/ ترجمة 3042).
(4)
"تفسير الطبري"(18/ 474)، و"تفسير القرطبي"(16/ 408).
(5)
"تفسير القرطبي"(16/ 409).
{وَحِينَ تُظْهِرُونَ} : الظُّهْرُ، قال:{وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} [النور: 58](1).
وصحَّ عن قتادةَ وابنِ زيدٍ أنَّهما جعَلَاها دليلًا على أربعةِ مواقيتَ، هي: المغربُ والفجرُ والعصرُ والظُّهْرُ (2).
وقد تقدَّم الكلامُ على المواقيتِ الواردةِ في القرآنِ عندَ قولِهِ تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114].
وتقدَّم الكلامُ على أذكارِ الصباحِ والمساءِ وفضلِها وحدِّها عندَ قولِهِ تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الأعراف: 205].
* * *
* قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
فيه: إظهارُ مِنَّةِ اللَّهِ أنْ خلَقَ الأزواجَ مِن الأنفُسِ، وجعَلَها تسكُنُ وتَمِيلُ وترتاحُ وتأنَسُ إليها، فلا تَستوحِشُ منها لو كانتْ مِن غيرِ جنسِها، وجعَلَ في ذلك بينَ الزوجَيْنِ مَوَدَّةً ورحمةً لا تكونُ بينَ اثنَيْنِ، ولا يَسبِقُها ويعظُمُ عليها إلَّا مودَّةُ الإيمانِ ومحبَّتُه.
وذِكْرُ اللَّهِ للسُّكُونِ في قوله: {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} فيه إشارةٌ إلى السَّكَنِ؛ لأنَّ الإنسانَ لا يتحقَّقُ له معنى سكون النَّفْسِ إلى زوجهِ إلَّا بِسَكَنٍ يَجْمَعُهما، ويخلو بها فيه، ولمَّا ذكَرَ اللَّهُ أعظَمَ الغاياتِ مِن
(1)"تفسير الطبري"(18/ 474).
(2)
"تفسير الطبري"(18/ 475).