الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورُوِيَ نحوُهُ عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ وقتادةَ (1).
فضلُ الاجتماعِ على الطعامِ:
وقد جاء استحبابُ الأكلِ جماعةٌ في أحاديثَ وآثارٍ؛ وذلك لِمَا في جَمعِ الناسِ على الطعامِ مِن بَرَكةِ الإطعامِ، والدُّعَاءِ، وذِكرِ اللَّهِ عليه، وحَمْدِهِ على تلك النِّعْمةِ، وما فيه مِن الإكرامِ والإحسانِ إلى الآكِلِ ولو كان غنيًّا.
وفي "المسنَدِ"، و"السُّنَنِ"؛ أنَّ رجلًا قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ؟ ! قال (لَعَلَّكُمْ تَأْكُلُون مُتَفَرِّقِينَ؟ )، قالُوا: نَعَمْ، قالَ:(فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ" (2).
ويُروى عندَ ابنِ ماجَهْ؛ مِن حديثِ عُمَرَ، عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ أنَّه قال:(كُلُوا جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، فَإِنَّ الْبَرَكَةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ)(3).
ويُروى من حديثِ جابرٍ مرفوعًا: (إِنَّ أَحَبَّ الطَّعَام إِلَى اللَّهِ مَا كَثُرَتْ عَلَيْهِ الأَيْدِي)؛ رواهُ أبو يَعْلَى (4) وغيرُهُ.
قولُه تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ، فيه: مشروعيَّةُ بَذْلِ السلامِ والتحيَّةِ عندَ دخولِ البيوتِ والأماكنِ ولو لم تكنْ دُورًا مملوكةً، وقد صحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ والنَّخَعيِّ حملُ قولِه تعالى:{فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا} على المساجدِ (5).
(1)"تفسير ابن أبي حاتم"(8/ 2649).
(2)
أخرجه أحمد (3/ 501)، وأبو داود (3764)، وابن ماجه (3286).
(3)
أخرجه ابن ماجه (3287).
(4)
أخرجه أبو يعلى في "مسنده"(2045)، والطبراني في "الأوسط"(7317).
(5)
"تفسير الطبري"(17/ 381).
وصحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ عمومُ البيوتِ (1).
ويُستحَبُّ ذلك حتى في دخولِ الرجُلِ بيتَهُ، فيُسلِّمُ على مَنْ فيه مِن زوجِهِ وولدِهِ وخادمِهِ وعبدِهِ وأَمَتِه، بل لو لم يكن فيه أحدٌ؛ لوجودِ الملائكةِ، وفيه إيناسٌ وإذهابٌ للوَحْشةِ حتى في باذلِ السلامِ، والبيوتُ مُنَكَّرةٌ في الآيةِ:{بُيُوتًا} ؛ لتشملَ كلَّ مَسْكَنٍ.
وقولُه تعالى: {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} ؛ كقولِهِ تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]؛ فالمرادُ المُسْلِمونَ، فهو دليلٌ على أنَّ السلامَ خاصٌّ بالمؤمِنينَ على ما تقدَّمَ بيانُهُ؛ وذلك أنَّ الكافرَ ليس مِن أنفُسِهم، ولكنْ لهم أنْ يُحَيُّوهُ بغيرِ تحيَّةِ الإسلامِ؛ لأنَّ تحيَّةَ الإسلامِ السلامُ، وهي مِن عندِ اللَّهِ مباركةٌ طيِّبةٌ، وتلك لا تكونُ لكافرٍ.
وقد تقدَّمَ الكلامُ على أحكامِ التحيَّةِ وحُكْمِها عندَ قولِهِ تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} [النساء: 86].
* * *
فيه: تعظيمُ أمرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وطاعتِه، وبمقدارِ الإيمانِ به يكونُ الامتثالُ له، وهذه الآيةُ وإن كان نزولُها خاصًّا، فهي عامَّةٌ في كلِّ أمرٍ.
(1)"تفسير ابن أبي حاتم"(8/ 2650).
وقولُه تعالى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} هو في كلِّ أمرٍ يَلزَمُ فيه اجتماعُ الناسِ وشهودُهُمْ؛ كالجهادِ، والجُمُعةِ، والعيدَيْنِ.
ودليلُ الخِطَابِ مِن الآيةِ يُجِيزُ الذَّهَابَ مِن غيرِ استئذانٍ في غيرِ الأمرِ الجامعِ؛ كالتقاءِ الناسِ جماعاتٍ في الأسواقِ والولائمِ ونحوِها مِن الأمورِ التي الأصلُ في الانصرافِ منها: عدمُ الإذنِ.
* * *
كان الناسُ يَتجوَّزونَ في مُناداةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم باسمِهِ أو كُنيتِهِ؛ كما يَفْعَلُونَ بأنفُسِهم، فنَهَاهُمُ اللَّهُ عن ذلك، وأمَرَهُمْ بدُعائِهِ بأوصافِ الإجلالِ والتكريمِ؛ كقولِهم: يا رسولَ اللَّهِ، أو يا نبيَّ اللَّهِ، أو يا أيُّها النبيُّ؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى وهو الخالقُ المعبودُ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم مخلوقُهُ وعبدُهُ: يقولُ له في ندائِه: "يا أيُّها النبيُّ".
وناسبَتْ هذه الآيةُ ما قبلَها أنَّ اللَّهَ أمَرَ في الآيةِ السابقةِ أنْ يَستأذِنُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم عندَ ذَهَابِهم مِن عندِهِ في الأمورِ الجامِعةِ، فكان مناسِبًا تعليمُهُمْ أسلوبَ النِّداءِ عندَ الاستئذانِ والخطابِ.
وقد جاء عن ابنِ عبَّاسٍ ومجاهِدٍ وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ: "أنَّ الناسَ كانوا يقولونَ: يا محمَّدُ، يا أبا القاسمِ، فنَهاهُم اللَّهُ عن ذلك"(1).
قولُه تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} : المرادُ به
(1)"تفسير ابن أبي حاتم"(8/ 2655).
الذين يَنسحِبُونَ مُتسلِّلِينَ مُسْتَخْفِينَ عن الأعيُنِ مُخالِفينَ أمرَ اللَّهِ بطاعةِ نبيِّه، وهذا نَزَلَ في المُنافِقِينَ الذي يُحبُّونَ المُخالَفَةَ ولا يُرِيدونَ أن يَرَاهُم أحدٌ عليها، ولا يَفعلُونَ الطاعةَ إلَّا إنْ رآهُم الناسُ؛ تَظاهَرُوا بها وتصنَّعُوها ولو كانوا يَكْرَهُونَها.
وقولُه تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، فيه: أنَّه بمقدارِ المُخالَفةِ لأمرِ رسولِ اللَّه تكونُ الفتنةُ، ولا يَدفَعُ الفتنةَ عن الناسِ إلَّا اتِّباعُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
* * *