الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة النصر
سورةُ النصرِ سورةٌ مدَنيَّةٌ باتِّفاقِهم، وقد حَكَى الإجماعَ على ذلك خَلْقٌ مِن الأئمَّةِ (1)، وهي في بيانِ البُشْرى بالفتحِ على نبيِّه وتمكينِه وعلوِّ شأنِه وأمرِه، ونَعْي نفسِه له بعدَ التمكينِ له، فأشعَرَهُ اللَّهُ بدُنُوِّ أجَلِهِ وقُرْبِهِ مِن فترةِ تمكينِهِ ونصرِه.
* قال اللَّه تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3].
لمَّا مكَّنَ اللَّهُ لنبيِّه وأعلَمَهُ بقُرْبِ نصرِه وفتحِه، نَعَى إليه قُرْبَ أَجَلِه، حيثُ أمَرَهُ بالإكثارِ مِن التعبُّدِ للَّهِ بالصلاةِ والتسبيحِ والاستغفارِ، وفي هذا: أنَّه يُشرَعُ الإكثارُ مِن التعبُّدِ في كل حِينٍ وخاصَّةَ عندَ دنوِّ الأجَلِ والشعورِ به؛ ليُختمَ للعبدِ على ذلك، وقد روى مسلمٌ؛ مِن حديثِ عائشةَ؛ قالتْ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكثِرُ مِنْ قَوْلِ: (سُبحَان اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ)، قَالَت: فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَاكَ تُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: (سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيهِ"؟ فَقَالَ: (خَبَّرَنِي رَبِّي أَنِّي سَأَرَى عَلَامَةً فِي أُمَّتِي، فَإِذَا رَأَيْتُهَا، أَكْثَرْتُ مِنْ قَوْل:
(1) ينظر: "تفسير ابن عطية"(5/ 532)، و"زاد المسير"(4/ 501)، و"تفسير القرطبي"(22/ 538).
سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأُتُوبُ إِلَيْهِ؛ فَقَدْ رَأَيْتُهَا:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1]؛ فَتْحُ مَكَّةَ، {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 2]؛ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} ) (1).
وقد كان جماعةٌ مِن الصحابةِ يُفسُرونَها بظاهرِها، وكان عمرُ وابنُ عبَّاسٍ وغيرِّهما يَعلَمونَ منها نَعْيَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والشعورَ بقُرْبِ أجَلِه، وفي ذلك يقولُ ابنُ عبَّاسٍ:"كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الفَتَى مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ ! فَقَالَ: إنَّهُ مِمَّن قَدْ عَلِمْتُمْ، قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَعَاني مَعَهُمْ، قَالَ: وَمَا رئِيتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إلَّا لِيُرِيَهُمْ مِنِّي، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا. . .} [النصر: 1، 2] حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ؟ فَقَالَ بَعْضهُمْ: أُمِرنَا أن نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَينَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نَدْرِي، أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيئًا، فَقَالَ لِي: يَا بْنَ عَبَّاسٍ، أكَذَاكَ تَقولُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُو أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ اللَّه لَهُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}؛ فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلَامَةُ أجَلِكَ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}، قَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ"(2).
والمرادُ لذلك: الإكثارُ مِن العبادةِ عمومًا عندَ كمالِ النِّعْمةِ وتمامِها، وعندَ الكبَرِ والشعورِ بدُنُوِّ الأَجَلِ ولو مِن مرضٍ عاجلٍ
(1) أخرجه مسلم (484).
(2)
أخرجه البخاري (4294).
ونحوِه، وقد ذهَبَ بعضُ العلماءِ إلى مشروعيَّةِ الإكثارِ مِن الاستغفارِ في خواتيمِ كلِّ شيءٍ، وخاصَّةً خواتيمَ الأعمالِ؛ وذلك لظاهرِ سورةِ النصرِ، ولقولِهِ تعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة: 200].
* * *