الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَفعلُ ذلك، كما روى الشيخانِ، مِن حديثِ عبدِ اللَّهِ؛ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (اقْرَأْ عَلَيَّ)، قَالَ: قُلْتُ: أَقْرَأْ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ ! قَالَ: (إنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِن غَيرِي)، قَالَ: فقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41]، قَالَ لِي:(كُفَّ -أَو أَمْسِكْ-)، فَرَأَيْتُ عَينَيهِ تَذْرِفَانِ (1).
أَدْنَى الزمنِ الذي يُشرَعُ فيه خَتْمُ القرآنِ وأَعْلاه:
أَدْنَى الزمنِ الذي يُشرَعُ فيه خَتْمُ القرآنِ ثلاثةُ أيامٍ، ونقَلَ ابنُ حزمٍ اتِّفاقَهم على جوازِ الخَتْمِ في ثلاثةِ أيامٍ (2)؛ وإنَّما خلافُهم في دونِ الثلاثِ على قولَيْنِ:
والواردُ: النهيُ عن قراءتِه في دونِ ثلاثِ؛ كما في السُّنن؛ مِن حديث عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو مرفوعًا: (لَا يَفْقَه مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ)(3).
وصحَّ عن ابنِ مسعودٍ قولُه: "اقرَؤُوا القرآنَ في سَبْعٍ، ولا تَقْرَؤوهُ في أقلَّ مِن ثلاثٍ"؛ رواهُ سعيدٌ (4).
وكَرِهَ ذلك معاذُ بنُ جبلٍ؛ كما رواهُ أبو عُبَيْدٍ عنه (5).
وذلك أنَّ مَن قرَأَهُ في أقلَّ مِن ثلاثٍ، لم يَعقِلْ غالبًا ما قرَأَ؛ ففوَّت
(1) أخرجه البخاري (5055)، ومسلم (800).
(2)
"مراتب الإجماع"(ص 251).
(3)
أخرجه أحمد (2/ 164)، وابن ماجه (1347)، وأبو داود (1394)، والترمذي (2949).
(4)
التفسير من "سنن سعيد بن منصور"(146).
(5)
أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن"(ص 180)، وعبد الرزاق في "مصنفه"(5950)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(8577).
التدبُّرَ والتأمُّلَ، وحتى لا يَغلبَ عليه حبُّ التكثُّرِ بإقامةِ الحروفِ على إقامةِ المعاني، وحتى تأخُذَ النَّفسُ نصيبَها مِن القرآنِ خشوعًا وخضوعًا؛ فإنَّ النَّفْسَ لا تخشعُ على الحقيقةِ إلَّا إذا فَهِمَتِ المعانيَ -وأمَّا خشوعُها بلا فهمٍ للمعنى، فغالبًا يكونُ لأجلِ صوتِ القارئِ؛ فإنْ قرأه بالتحزينِ، حَزِنَ مَن لم يَفهمِ المعنى، وإنْ قرَأ بالتغنِّي، وجَدَ في نفسِه نشوةً- ويجدُ السامعُ خشوعًا ولو لم يَفهمِ المعنى؛ لأثرِه في طردِ الشياطينِ ووساوسِ النفسِ وكونِه شفاءً لِما في الصدورِ، ولكنَّ هذا الأثرَ يزولُ غالبًا إن ترَك القراءةَ، أمَّا فهمُ مَعاينه، فتُورِثُ في القلبِ خضوعًا وخشوعًا وإيمانًا يدومُ في القلبِ ما دام فيه ذلك المعنى حاضرًا.
وذهَبَ بعضُ السلفِ: إلى جوازِ قراءتِهِ دونِ ثلاثٍ، وبه عمِل بعضُهم؛ كعثمانَ وتميمٍ الداريِّ وسعيدِ بنِ جُبَيرٍ وأبي بكرِ بنِ عيَّاشٍ ومنصورِ بنِ زاذانَ ويحيى بنِ سعيدٍ القَطَّانِ، كانوا: يَختِمونَ كلَّ يومٍ (1)، وصحَّ عن مجاهدٍ والشافعيِّ: تخصيصُ رمضانَ بالخَتْمِ فيه كلَّ يومٍ؛ فيَختِمُ مجاهدٌ مرَّةً، والشافعيُّ مرَّتَيْنِ؛ رواهُ عن مجاهدٍ ابنُ أبي داودَ (2)، وعن الشافعيِّ رواهُ الرَّبيعُ، وأسنَدَه عنه البيهقيُّ (3)، ورُوِيَ عن أبي حنيفةَ نحوُه (4).
وكان ابنُ المسيَّبِ يختمُ في ليلتَيْنِ (5)، وكان الأسودُ بنُ يزيدَ يختمُهُ في رمضانَ كلَّ ليلتَيْنِ (6).
(1) ينظر: "مختصر قيام الليل" للمروزي (ص 157)، و"التبيان فى آداب حملة القرآن"(ص 59 - 61)، و"تحفة الأحوذي"(8/ 272 - 173).
(2)
"التبيان في آداب حملة القرآن"(ص 60).
(3)
"مناقب الشافعي"(2/ 159).
(4)
"تاريخ بغداد"(15/ 484)، و"سير أعلام النبلاء"(6/ 400).
(5)
"مختصر قيام الليل" للمروزي (ص 157).
(6)
"الطبقات الكبرى"(6/ 73) و"سير أعلام النبلاء"(4/ 51).