المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة الحشر سورةُ الحَشرِ مدَنيَّةٌ، وقد قال ذلك ابنُ عباسٍ وابنُ - التفسير والبيان لأحكام القرآن - جـ ٤

[عبد العزيز الطريفي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الحجر

- ‌صلاةُ الكَرْبِ، وإذا حَزَبَ الأمرُ:

- ‌سورة النحل

- ‌الانتفاعُ مِن جُلُودِ المَيْتَةِ:

- ‌أنواعُ الانتفاعِ مِن الأنعامِ والدوابِّ:

- ‌لُحُومُ الخَيْلِ والحَمِرِ والبِغَالِ:

- ‌حُكْمُ الاستعاذةِ عندَ القِرَاءةِ:

- ‌صِيَغُ الاستعاذةِ:

- ‌سورة الإسراء

- ‌سورة الكهف

- ‌حُكْمُ اقتِناءِ الكَلْبِ للحِرَاسةِ وغيرِها:

- ‌مشروعيَّةُ الوَكَالةِ والنِّيَابةِ:

- ‌الصلاةُ على الجنازةِ في المَقْبَرةِ:

- ‌الاستثناءُ في اليمينِ:

- ‌سورة مريم

- ‌تسميةُ المولودِ ووقتُها:

- ‌أمرُ الأهلِ بالصلاةِ

- ‌سورة طه

- ‌العِلَّةُ مِن أمرِ موسى بخلعِ نعلَيْهِ:

- ‌الصلاةُ في النِّعَالِ، ودُخُولُ المساجدِ بها:

- ‌قضاءُ الفرائضِ الفائتةِ وترتيبُها:

- ‌هل للصَّلَاةِ الفائِتةِ أذانٌ وإقامةٌ

- ‌حُكْمُ قضاءِ النوافلِ:

- ‌استحبابُ اتِّخاذِ البِطَانةِ الصالحةِ والوزيرِ المُعِينِ:

- ‌سورة الأنبياء

- ‌الأحوالُ التي جاء الترخيصُ فيها بالكَذِبِ للمَصْلَحةِ:

- ‌سورة الحج

- ‌حُكْمُ بيعِ رِبَاعِ مَكَّةَ ودُورِها:

- ‌تفاضُلُ المَشْيِ والرُّكُوبِ في الحَجِّ:

- ‌الهَدْيُ والأُضْحِيَّةُ والأَكْلُ منها:

- ‌نقسيمُ الهَدْيِ والأُضْحِيَّةِ:

- ‌مَرَاتِبُ التمكينِ وشروطُهُ:

- ‌سورة المؤمنون

- ‌معنى الخشوعِ:

- ‌حُكْمُ الخشوعِ في الصلاةِ:

- ‌حُكْمُ الاستمناءِ:

- ‌دعاءُ نزولِ المَنْزلِ:

- ‌سورة النور

- ‌حَدُّ الزاني والزَّانِيَةِ:

- ‌فأمَّا البِكْرُ:

- ‌وأمَّا المُحْصَنُ:

- ‌حُكْمُ الجَلْدِ مع الرجمِ للمُحْصَنِ:

- ‌حُكْمُ التغريبِ:

- ‌شهودُ الجَلْدِ والرَّجْمِ:

- ‌حُكْمُ نكاحِ الزانيةِ وإنكاحِ الزاني:

- ‌القذفُ الصَّرِيحُ والكنايةُ:

- ‌قذفُ الحُرَّةِ والأَمَةِ والكافِرةِ:

- ‌شهادةُ القاذفِ بعد توبتِهِ:

- ‌سببُ نزولِ لِعانِ الزَّوْجَيْنِ:

- ‌مَرَاحِلُ قَذْف الزَّوْجِ لزوجتِهِ:

- ‌نَفْيُ الوَلَدِ باللِّعَانِ:

- ‌قَذْفُ الزوجةِ لزوجِها:

- ‌إشاعةُ الفاحشةِ وسَبَبُ عَدَمِ جعلِ الشريعةِ لها حَدًّا:

- ‌حُكْمُ الاستئذانِ عندَ دخولِ البيوتِ وصِفَتُهُ وعددُهُ:

- ‌السلامُ عندَ دخولِ البيوتِ وصفَتُهُ وعددُهُ:

- ‌الحِكمةُ مِن تقديمِ أمرِ الرِّجالِ على أمرِ النِّساءِ بغضِّ البصرِ:

- ‌لا تلازُمَ بينَ غضِّ البصرِ وسُفُورِ النساءِ:

- ‌حُكْمُ نَظَرِ الرَّجُلِ الى المرأةِ:

- ‌أنواعُ زِينَةِ المَرْأةِ:

- ‌التدرُّجُ في فَرْضِ الحِجابِ:

- ‌حُكْمُ تزويجِ الأَيَامَى:

- ‌تركُ الأسواقِ والبَيْعِ وقتَ الصلاةِ:

- ‌أمْرُ الناسِ وأهلِ الأسواقِ بالصلاةِ:

- ‌حِجابُ القواعدِ مِن النِّساءِ:

- ‌فضلُ الاجتماعِ على الطعامِ:

- ‌سورة الفرقان

- ‌هَجَرُ القرآنِ وأنواعُه:

- ‌وهجرُ القرآنِ على مَراتِبَ وأنواعٍ ثلاثةٍ:

- ‌أَدْنَى الزمنِ الذي يُشرَعُ فيه خَتْمُ القرآنِ وأَعْلاه:

- ‌نِسْيانُ القرآنِ:

- ‌النوعُ الثاني من الهجرِ: هجرُ تدبُّرِ مَعانيهِ وأحكامِه:

- ‌النوعُ الثالثُ: هجرُ العملِ بما فيه مِن أوامرَ وأحكامِ:

- ‌سورة الشعراء

- ‌انتصارُ المظلومِ مِن ظالمِه وأحوالُه:

- ‌سورة النمل

- ‌حُكْمُ الضحكِ في الصلاةِ والتبسُّمِ:

- ‌حُكْمُ تأديبِ الحيوانِ وتعذيبِه:

- ‌وِلَايةُ المرأةِ:

- ‌البَداءةُ بالبَسْمَلَةِ والفَرْق بينَها وبينَ الحَمْدَلَةِ:

- ‌حُكْمُ قَبُولِ الهديَّةِ التي يُرادُ منها صَرْفٌ عن الحقِّ:

- ‌سورة القصص

- ‌حِفْظُ الأسرارِ وإفشاؤُها:

- ‌عَرْضُ البناتِ لتزويجِهِنَّ:

- ‌سورة العنكبوت

- ‌سورة الروم

- ‌فَرَحُ المؤمنينَ بهزيمةِ أحَدِ العَدُوَّيْنِ على الآخَرِ:

- ‌رِهانُ أبي بَكْرٍ بِمَكَّةَ، والرِّهَانُ في إظهارِ الحقِّ:

- ‌أحكامُ العِوَضِ (السَّبَقِ) واشتراطُ المحلِّلِ في الرِّهانِ:

- ‌القَيْلُولَةُ في نصفِ النهارِ:

- ‌وقد ذكَر اللَّهُ القيلولةَ في مواضعَ:

- ‌إهداءُ الهديَّةِ رجاءَ الثوابِ عليها:

- ‌سورة لقمان

- ‌الغِناءُ والمَعَازِفُ والفَرْقُ بينَهما:

- ‌سورة السجدة

- ‌حُكْمُ التسبيحِ في السُّجُودِ والرُّكُوعِ:

- ‌سورة الأحزاب

- ‌أُمَّهَاتُ المؤمنينَ ومَقامُهُنَّ:

- ‌أنواعُ أفعالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌عمومُ أصلِ الخِطَابِ بالحِجَابِ وخَصُوصيَّةُ نساءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الصلاةُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم: معناها، وحُكْمُها:

- ‌سورة سبأ

- ‌الاستعانةُ بالجنِّ:

- ‌حُكْمُ التماثيلِ وصُوَرِ ذواتِ الأرواحِ:

- ‌سورة فاطر

- ‌سورة يس

- ‌سورة الصافات

- ‌سورة ص

- ‌سورة غافر

- ‌سورة فصلت

- ‌سورة الشورى

- ‌الشُّورَى وفضلُها وشيءٌ مِن أحكامِها:

- ‌سورة الزخرف

- ‌لُبْسُ الصبيِّ والرجُلِ للحُلِيِّ:

- ‌سورة الأحقاف

- ‌أكثَرُ الحملِ والرَّضَاعِ وأقَلُّهُ:

- ‌سورة محمد

- ‌حُكْمُ أَسْرَى المشرِكِينَ:

- ‌سورة الفتح

- ‌حُكْمُ تترُّسِ المشرِكِينَ بالمُسلِمِينَ:

- ‌سورة الحجرات

- ‌تعظيمُ أقوالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه:

- ‌الفَرْقُ بينَ البُغَاةِ والخَوَارجِ:

- ‌الكِبْرُ واحتقارُ سببٌ للفِتَنِ بينَهم:

- ‌التعويضُ عن الضررِ المعنويِّ:

- ‌الأحوالُ التي تجوزُ فيها الغِيبَةُ:

- ‌غِيبةُ الكافرِ:

- ‌سورة ق

- ‌سورة الذاريات

- ‌سورة الطور

- ‌سورة النجم

- ‌سورة القمر

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة الواقعة

- ‌الطهارةُ عندَ القراءةِ ومَسِّ المُصْحَفِ:

- ‌سورة الحديد

- ‌سورة المجادلة

- ‌ألفاظُ الظِّهارِ المُتَّفَقُ والمُختلَفُ فيها:

- ‌كفارةُ الظِّهارِ:

- ‌أنواعُ النَّجوَى المنهيِّ عنها:

- ‌ما يُستحَبُّ للداخِلِ إلى المَجالِسِ:

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌الإحسانُ إلى الكافرِ بالهديَّةِ وقَبولُ شفاعتِه:

- ‌إسلامُ الزوجَيْنِ أو أحدِهما:

- ‌سورة الجمعة

- ‌مَن تجبُ عليه الجُمُعةُ:

- ‌حُكْمُ الجُمُعةِ للمسافرِ:

- ‌العَدَدُ الذي تَنعقِدُ به الجُمُعةُ:

- ‌قيامُ الخطيبِ في الخُطْبةِ:

- ‌سورة الطلاق

- ‌طلاقُ السُّنَّة وطلاقُ البِدْعةِ:

- ‌السُّكْنَى للمطلَّقةِ:

- ‌السُّكْنى للمُطلَّقةِ المَبْتُوتةِ:

- ‌الإشهادُ على إرجاعِ المطلَّقةِ:

- ‌عِدَّةُ الحاملِ مِن الطلاقِ والوفاةِ:

- ‌سورة التحريم

- ‌تحريمُ الحلالِ لا يجعلُهُ حرامًا:

- ‌تحريمُ الحلالِ يمينٌ وكَفَّارتُه:

- ‌سورة القلم

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة المزمل

- ‌سورة المدثر

- ‌سورة القيامة

- ‌حُكْمُ الرُّقْيَةِ:

- ‌حُكْمُ التداوي مِن المرضِ:

- ‌سورة الإنسان

- ‌سورة عبس

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطففين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة الماعون

- ‌التلازُمُ بينَ الرِّياءِ وتأخيرِ وقتِ الصلاةِ:

- ‌تاركُ الصلاةِ وحُكْمُهُ:

- ‌حُكْمُ العاريَّةِ وحَبْسٍ ما يُعِينُ المحتاجَ:

- ‌سورة الكوثر

- ‌حُكْمُ الأُضْحِيةِ ووقتُها:

- ‌سورة النصر

- ‌سورتا المعوِّذَتَيْنِ

الفصل: ‌ ‌سورة الحشر سورةُ الحَشرِ مدَنيَّةٌ، وقد قال ذلك ابنُ عباسٍ وابنُ

‌سورة الحشر

سورةُ الحَشرِ مدَنيَّةٌ، وقد قال ذلك ابنُ عباسٍ وابنُ الزُّبَيْرِ (1)، وقد حكى الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ (2)، وقد أنزَلَها اللَّهُ على نبيِّه لبيانِ بعضِ أحكامِ تعامُلِه مع بعضِ أعدائِهِ! كبني النَّضِيرِ مِن اليهودِ، وما يُفِيءُ اللَّهُ به عليه مِن أموالِهم، وبيَّن اللَّه فيها فضلَ الصحابةِ وخطرَ المُنافِقينَ، وأحوالَ الفريقينِ في الآخرةِ، وقد كان ابنُ عبَّاسٍ يُسمِّيها سورةَ بني النضيرِ (3)؛ لأنَّها نزَلت فيهم.

* قال اللَّه تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)} [الحشر: 5].

لمَّا دخَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أرضَ بني النضيرِ، قطَعَ ثمارَهُمْ مِن نخيلٍ وثمرٍ؛ كما في "الصحيحَيْنِ"، عن ابنِ عمرَ؛ أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم حَرَّقَ نَخْلَ بِني النَّضيرِ وَقَطَعَ، وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)} (4).

وقيل: إنَّ الصحابةَ اختلَفُوا في إحراقِ نخلِ اليهودِ وإفسادِه، فأنزَلَ اللَّهُ على نبيِّه هذه الآيةَ، وفي "السُّننِ"؛ مِن حديثِ سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ،

(1) ينظر: "الدر المنثور"(14/ 331).

(2)

ينظر: "تفسير ابن عطية"(5/ 283)، و"زاد المسير"(4/ 253)، و"تفسير القرطبي"(20/ 333).

(3)

أخرجه البخاري (4029).

(4)

أخرجه البخاري (4884)، ومسلم (1746).

ص: 2125

عن ابنِ عبَّاسٍ؛ في قولِه: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} ؛ قال: اسْتَنْزَلُوهُمْ مِنْ حُصُونِهِمْ، وَأُمِرُوا بِقَطْعِ النَّخْلِ، فَحَاكَ فِي صُدُورِهمْ، فَقَالَ المُسْلِمُونَ: قَدْ قَطَعْنَا بَعْضًا، وَتَرَكْنَا بَعْضًا، فَلَنَسْأَلَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ لَنَا فِيمَا قَطَعْنَا مِنْ أَجْرٍ، وَهَلْ عَلَيْنَا فِيمَا تَرَكْنَا مِنْ وِزرٍ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عز وجل:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً} (1).

وفي هذا: أنَّ اللَّهَ لم ينكِر على نبيِّه ولا على صحابتِه فِعْلَهم؛ وهذا ظاهرٌ في قوله تعالى: {فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} ، ولم يكنِ اللَّهُ لِيأذَنَ لنبيٍّ بمحرَّمٍ، بل سمَّاه هنا خِزْيًا على المُنافِقينَ، وذُلًّا وصَغَارًا لهم.

وقد اختلَفَ العلماء في جوازِ إتلافِ حَرْثِ العدوِّ المُحَارِبِ ودُورِهم، على قولَيْنِ:

ذهَبَ جماعةٌ: إلى جوازِ ذلك إنْ كان فيه مصلحة للمُسلِمينَ؛ كأنْ يَعلَموا أن هذا المالَ لن يَؤُولَ إلى المُسلِمِينَ ولن يَنتفِعوا منه؛ وبهذا قال أبو حنيفةَ ومالكٌ والشافعيُّ؛ أخذًا مِن ظاهرِ فِعْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في بَني النضيرِ، ولم يَنهَهُ اللَّهُ ولم يُعاتِبْهُ على ذلك.

وقد أجاز أحمدُ الحَرقَ إذا كان بلا عبثٍ؛ وإنَّما لمصلحةٍ؛ كالمواضعِ التي لا بدَّ منها، وبنحوِهِ قال إسحاقُ؛ فقد جَوَّزَهُ نِكايةً، بل جعَلَهُ سُنَّةً بذلك القَيْدِ.

وذهب الأوزاعيُّ في قولٍ وغيرُهُ: إلى المنعِ مِن ذلك (2)، وجعَلَ فِعْلَ الناسِ في بَني النَّضيرِ منسوخًا، وأنَّه قضيَّةُ عَيْنٍ نُهِيَ عنها بعدَ ذلك، واستَدَلَّ بما رَوَى مالكٌ، عن يحيى بنِ سعيدٍ؛ أَنَّ أبا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعَثَ

(1) أخرجه الترمذي (3303)، والنسائي في "السنن الكبرى"(11510).

(2)

ينظر: "سنن الترمذي"(1552).

ص: 2126

جُيُوشًا إلَى الشَّامِ، فَخَرَجَ يَمْشِي مَعَ يَزِيدَ بنِ أبي سُفيَانَ، وَكانَ أَمِيرَ رُبُعٍ مِنْ تِلكَ الأَرْبَاعِ، فقال:"إِنِّي مُوصِيكَ بِعَشْرٍ: لا تَقْتَلنَّ امْرَأَةً، ولا صَبِيًّا، ولا كَبيرًا هَرِمًا، ولا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، ولا تُخَربَنَّ عَامِرًا، ولا تَعْقِرَنَّ شَاةً ولا بَعِيرًا إِلا لِمَأْكَلَةٍ، ولا تَحْرِقَنَّ نَخلًا، ولا تُغَرِّقَنَّهُ، ولا تَغْلُلْ، ولا تَجْبُنْ"(1)، وهو مُرسَلٌ، وقد جاء مِن وجهٍ آخَرَ؛ فرواهُ عثمانُ بنُ عطاءٍ، عن أبيهِ، عن أبي بكرٍ؛ وهو مرسَلٌ أيضًا.

وهذا لا يَتعارضُ مع قولِ مَنْ أجازَ؛ لأنَّ مَنْ قال بجوازِ ذلك، لم ينفِ مَنْعَه عندَ تحقُّقِ كونهِ إفسادًا، أو لم يكنِ العدوُّ منتفِعًا مِن الزرعِ، ولا أثَرَ عليه بحَرْقِه، فإنْ كانتِ الحالُ كذلك، فيُقالُ فيه كما قاله أبو بكرٍ.

* * *

* قال اللَّه تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 6 - 7].

صالَحَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يهودَ بني النَّضيرِ في قُرَاهم فَدَكَ وما حَوْلَها، فأَعطَوْهُ مالَهُمْ ليَدْفَعوا عن أنفُسِهم القتالَ، فسمَّى اللَّهُ ذلك المالَ فَيْئًا؛ لأنَّ المالَ الذي يغنَمُ مِن العدوِّ بلا قتالٍ فَيْءٌ؛ كما قال تعالى:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} ؛ يعني: أنَّكم لم

(1) أخرجه مالك في "الموطأ"(2/ 448).

ص: 2127

تُسْرِعوا بخَيْلِكم وإِبِلِكم في غزوٍ ولا كَرٍّ ولا فَرٍّ في قتالِ العدوِّ؛ وإنَّما هو نعمة مِن اللَّهِ أنْ مَكَّنَكم منهم بلا قتالٍ.

والفَيْءُ الذي يُغنَمُ بغيرِ قتالٍ قد اختُلِفَ في تقسيمِه:

فمِن العلماءِ: مَن جعلَهُ خالصًا لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقسِّمُهُ كما يشاءُ؛ لأنَّ اللَّهَ ذكَرَ ذلك ولم يُخَمِّسْهُ؛ كما في قولِه: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} .

ومِن العلماءِ: مَن جعَلَ الفَيْءَ يُقسَّمُ كالغنيمةِ، وأنَّ الآيةَ ذكَرَتِ الخُمُسَ الخاصَّ برسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وأمَّا الأخماسُ الأربعةُ الباقيةُ، فمسكوتٌ عنها، وتَلحَقُ في حُكْمِها حُكْمَ الغنيمةِ؛ لأنَّ اللَّهَ ذكَرَ ذلك في الغنيمةِ؛ ذكَر خُمُسَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وسكَتَ عن الباقي للعِلْمِ به؛ كما قال تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41]؛ ولهذا قال الشافعيُّ؛ فجعَل معنى آيةِ الحَشْرِ كمعنى آيةِ الأنفالِ، وذلك أنَّ الفيءَ يُخمَّسُ كالغنيمةِ، وأربعةُ أخماسِها للنبيِّ صلى الله عليه وسلم يَتصرَّفُ بها، وبعدَهُ تكونُ للمُقاتِلِين، والخُمُسُ الباقي فيمَن سمَّى اللَّهُ.

وله قولٌ آخَرُ: أنَّ ما كان لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يكونُ بعدَ وفاتِهِ في بيتِ مالِ المُسلِمِينَ ومَصَالحِهم.

وقد عَدَّ بعضُ السلفِ آيةَ الفيءِ هنا منسوخةً بما في سورةِ الأنفالِ؛ وذلك أن الفيءَ يُخمَّسُ كالغنيمةِ؛ وبهذا قال قتادةُ وغيرُه (1).

والأرجحُ: أنَّ كِلتا الآيتَيْنِ مُحْكَمةٌ، وأنَّ المالَ الذي يُكسَبُ بلا قتالٍ يَختلِفُ عن المالِ الذي يُغنَمُ بقتالٍ، وفرقٌ بين آيةِ الغنيمةِ وآيةِ الفَيْءِ؛ فآيةُ الغنيمةِ بَيَّنَتْ أنَّ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم الخُمُسَ بقولِهِ تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ

(1)"تفسير الطبري"(22/ 518).

ص: 2128

خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]، فبيَّنتْ أنَّ الباقيَ أربعةُ أخماسٍ، وأمَّا آيةُ الفَيءِ هنا، فلم تذكُرْ أنَّ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم قدْرًا محدودًا:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} الآيةَ، ثمَّ أكَّدتْ أنَّ الفَيْءَ على الرسولِ لا على غيرِه، بخلافِ آيةِ الغنيمة، فنَسَبَتِ الغُنْمَ للمُسلِمينَ؛ كما في قولِهِ:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41]، فالغنيمةُ كسَبُوها فاستحَقُّوها، وأمَّا الفيءُ، فلم يَكْسِبوه؛ وإنَّما هو فضلٌ مِن اللَّهِ خالصٌ؛ ويدُلُّ على ذلك: ما رواهُ أحمدُ والشيخانِ، عن عمرَ رضي الله عنه؛ قال:"كَانَت أَمْوَالُ بنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا لَمْ يُوجِفِ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ ولا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَالِصَةً، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهَا نَفَقَةَ سَنَتِهِ -وَقَالَ مَرَّةً: قُوتَ سَنَتِهِ- وَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الكُرَاعِ وَالسِّلاحِ عُدَّةَ فِي سَبِيل اللَّهِ عز وجل"(1).

وبهذا قال مالكٌ وأحمدُ وجماعةٌ.

وقد حمَلَ جماعةٌ مِن المفسِّرينَ قولَهُ تعالى في الفَيْءِ هنا: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} على كلِّ ما غُنِمَ بلا قتالٍ؛ كالجِزْيةِ وخَرَاجِ أرضِ المشرِكِين؛ كما نصَّ على هذا مَعْمَرٌ وغيرُه (2).

* * *

(1) أخرجه أحمد (1/ 25)، والبخاري (2904)، ومسلم (1757).

(2)

"تفسير الطبري"(22/ 516).

ص: 2129