الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: المرادُ به الطبيبُ؛ كما قالهُ ابن عبَّاسٍ وأبو قِلابةَ والضحَّاكُ وقتادةُ (1).
ومنهم: مَن حمَلَهُ على الرَّاقِي والطبيبِ، والعربُ تُسمِّي الطبيبَ راقيًا، والراقيَ بالذِّكرِ طبِيبًا.
وذِكرُ الرَّاقي والطبيبِ المعالِجِ عندَ الاحتضارِ مِن بابِ اليأسِ وأنَّه لا يَنفَعُ؛ ومِن ذلك قولُ الشاعرِ:
هَلْ لِلْفَتَى منْ بَنَاتِ الدَّهْرِ مِنْ وَاقِي
…
أَمْ هَلْ لَهُ مِنْ حِمَامِ المَوْتِ مِنْ رَاقِي؟ ! (2)
حُكْمُ الرُّقْيَةِ:
والآية تَحتمِلُ المعنَييْنِ جميعًا، وفيها على المعنى الثاني دليلٌ على جوازِ التطبُّبِ ومشْروعيَّةِ الرُّقْيةِ عندَ المرضِ، وقد رَقَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم ورُقِيَ، ولم يَسْتَرقِ لنفسِه، وقد سمَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرُّقيةَ نفعًا، وحَثَّ على بَذْلِها لمَن كان عارفًا بها ووجَدَ أثرًا على غيرِهِ منه، وقد رَوَى مسلمٌ؛ مِن حديثِ جابرٍ؛ قال: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرُّقَى، فَجَاءَ آلُ عَمْرو بنِ حَزْمِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ كَانَتْ عِندَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنَ الْعَقْرَبِ، وَإِنَّكَ نَهَيْتَ عَن الرُّقَى، قَالَ: فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ:(مَا أَرَى بَأْسًا، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ، فَلْيَنْفَعْهُ)(3).
ولا تجوزُ الرُّقيةُ بالشِّرْكِ وما لا يُعرَفُ لفظُهُ ولا معناه، وقد رَوَى عوفُ بنُ مالكٍ مرفوعًا:(اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ)(4).
(1)"تفسير الطبري"(23/ 513 - 514)، و"تفسير القرطبي"(21/ 434).
(2)
البيت ليزيد بن خَذَّاق في "الشعر والشعراء" لابن قتيبة (ص 386)، و"جمهرة الأمثال" لأبي هلال العسكري (2/ 359)، ونسب خطأً في "المفضَّليات"(ص 300) للممزَّق العبدي؛ كما أشار إلى ذلك العلامة أحمد شاكر.
(3)
أخرجه مسلم (2199).
(4)
أخرجه مسلم (2200).
ولا يُشرَعُ أن يُنصِّبَ الإنسانُ نفسَهُ متفرِّغَا للرُّقيةِ كما يتفرَّغ المؤذِّنُ للأذانِ، والإمامُ للإمامةِ، ولم يكنِ السلفُ يَفْعَلونَ ذلك، بل ولا يَستحبُّونَهُ، وهذا يُورِثُ تعلُّقًا بالرَّاقي، وضَعْفًا في التعلُّقِ بكلامِ اللَّهِ، وقد طلبَ رجلٌ إلى سعدِ أبي وقَّاصٍ أن يَرقِيَه، فقال له سعدٌ: أجعلْتَني نبيًّا؟ ! ارْقِ نفسَك.
ولم يكنِ السلفُ يَضْرِبونَ لِمَنْ يأتيهِم مِن المَرْضى آجالًا يتعاهَدونَهم بالزيارةِ لرُقْيَتِهم، وإنْ قَبِلوا ذلك على سبيلِ الاعتراضِ، لا على سبيلِ الانتصابِ لذلك.
ولم يَستَرْقِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لنفسِه، وقد أذِنَ لغيرِهِ أنْ يَسترقِيَ لغيرِه، وحَثَّ المحتاجَ على ذلك؛ كما في البخاريِّ ومسلمٍ؛ مِن حديثِ أمِّ سلَمةَ رضي الله عنها؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ، فقال:(اسْتَرْقُوا لَهَا؛ فَإِنَّ بِهَا النَّظرَةَ")(1).
وفَرْقٌ بينَ طلبِ الإنسانِ الرُّقْيةَ لنفسِهِ وبينَ طلبِهِ لغيرِه مِن ولدٍ وزوجةٍ، وإنَّما فضَّل النبيُّ صلى الله عليه وسلم عدمَ طلبِ الرُّقيةِ؛ لأنَّ اعتاد ذلك ينافي التوكُّل.
ويُشرَعُ مع الرُّقيةِ النَّفْثُ على المريضِ؛ لِمَا روتْ عائشةُ؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان ينفُثُ في رُقْيَتِه، وأصلُه في "الصحيحَيْنِ"(2)؛ وعندَهما أيضًا مِن حديثِ جابرٍ.
وقد ثبَت التَّفْلُ في السُّنَّة؛ كما في "الصحيحَيْنِ"، مِن حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ، وفيه قال: فَجَعَلَ يَقْرَأُ بِأُمِّ القُرْآنِ، وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ، فَبَرَأَ، فَأَتَوْا بِالشَّاءِ، فَقَالُوا: لا نَأْخُذُهُ حَتَّى نَسْأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلُوهُ،
(1) أخرجه البخاري (5739)، ومسلم (2197).
(2)
أخرجه البخاري (4439)، ومسلم (2192).