الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وِلَايةُ المرأةِ:
ووِلَايةُ المرأةِ على نوعَيْنِ:
النوعُ الأولُ: وِلَايةٌ عامَّةٌ، وما تجزَّأَ عنها؛ فهذه ولايةٌ لا تجوزُ للمرأةِ، ويتَّفقُ الصحابةُ على هذا، وذلك أنَّ كلَّ ما جعَلَهُ اللَّهُ إلى السُّلْطانِ والإمامِ، فهو ممَّا قال فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم:(لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً)(1).
وما يتجزَّأُ مِن وِلَايةِ الإمامِ: القضاءُ؛ وذلك لتضمُّنِهِ العقوبةَ والحَبْسَ والجَلْدَ والقِصَاصَ والتغرب، وولايةُ الشُّرَطِ والجندِ والجيوشِ، وإمارةُ الجهادِ، وتنفيذِ الحدودِ، وولايةُ البُلْدانِ والقُرَى، وتلك الولاياتُ التي تجزَّأت عن ولايةِ الإمامِ لا يُقالُ:"إنَّها جائزةٌ، لكونِها ليستْ ولايةً عامَّةً"؛ بل هي ولايةُ عامَّةٌ تجزَّأتْ، ولو صَحَّتْ أنْ تَلِيَها المرأةً، لجازَ للإمامِ الأعظَمِ أنْ يقسِّمَ ولاياتِهِ إلى أجزاءٍ، ويضَعَ على كلِّ جزءٍ امرأةً، ويُنِيبَهُنَّ عنه؛ فتكونُ حينَها الولايةُ الكبرَى بيدِ المرأةِ في صورةِ رجلٍ؛ وهذا لا يجوزُ.
واللَّهُ قد جعَل الرِّجَالَ قوَّامينَ على النِّساءِ؛ كما قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، وقال تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 228]؛ فلا يصحُّ أن تكونَ المرأةُ في بيتِها تَأْتَمِرُ بأمرِ زوجِها وتخرُجُ منه بإذنِه، ثمَّ تَنتهي ولايتُهُ وقِوامتُهُ عليها عندَ خروجِها لِتَلِيَ أمرَ زَوْجِها وأمْرَ الأمَّةِ، فإنْ كانتْ في بيتِها، كانتْ تحتَ قِوامتِه:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]، وإن خرَجَتْ، كانتِ الأمَّةُ تحتَ قِوَامَتِها؛ وهذا لا تقرِّرُ مِثلَه الشريعةُ.
(1) أخرجه البخاري (4425).
وعملُ الأُمَّةِ في كلِّ القرونِ الفاضلةِ وما بعدَها على ذلك في سائرِ البُلْدانِ وفي عملِ سائرِ المذاهب؛ لم تكنِ المرأةُ تَلِي شيئًا مِن هذا النوع مِن الوِلَايةِ، كما قال القَرَافِيُّ:"لم يُسمَعْ في عصرٍ مِنَ العصورِ أنَّ امرأةً وَلِيَتِ القضاءَ؛ فكان ذلك إجماعًا، لأنَّه غيرُ سبيلِ المؤمنينَ. . . وقياسًا على الإمامةِ العُظْمى"(1).
وقد كانتْ أمَّهاتُ المؤمنينَ أفضَلَ نساءِ زمانِهِنَّ، ومات النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن أكثرِهِنَّ، وكذلك نساءُ الصحابةِ مِن المُهاجِراتِ والأنصاريَّاتِ، لم يثبُت أنَّ الصحابةَ وَلَّوُا امرأةً منهنَّ، مع عَقْلِهنَّ ودِينِهنَّ وعِلْمِهنَّ.
وينسُبُ بعضهم إلى ابنِ جريرٍ الطبريِّ القولَ بِولَايةِ المرأةِ للقضاءِ؛ وهذا لا يثبُتُ عنه، وهو مِن الكذب عليه، فلا يُوجَدُ في كتبِه صريحًا، ولا أُصولُهُ تَجري على مِثْلِ هذا القوَلِ.
وأمَّا قولُ أبي حنيفةَ: إن المرأةَ تَقضي فيما تَشهَدُ فيه، فليس ذلك توليةً لها للقضاءِ فتتولاهُ وتنتصِبُ له؛ وإنَّما يصحُّ منها الفصلُ العارضُ؛ لأنَّ إمضاءَ الحُكْمِ شيءٌ، والانتصابَ للوِلَايةِ عليه شيءٌ؛ فأبو حنيفةَ يَكرَهُ للمرأة الشابَّةِ خُرُوجَها إلى المساجدِ نهارًا؛ حتى لا يراها الرجالُ؛ فكيف يُنصِّبُها قاضيةً لهم؟ !
ويُنسَبُ توليةُ المرأةِ مَنْصِبَ القضاءِ إلى الحنفيَّةِ، وهذا باطلٌ أيضًا؛ وفقهاءُ الحنفيَّةِ عبرَ القرونِ الماضيةِ مع انتشارِ مذهبِهم في الدولةِ العثمانيَّةِ لم يكنْ واحدٌ منهم يعملُ بذلك، ولا جوَّزَهُ للسُّلْطانِ، ولا وضَعُوا مدارسَ لتعليمِ المرأةِ القضاءَ والفصلَ ببنَ الخصومِ، ولم يثُبُتْ في عصورِ دولةِ الإسلامِ تَوَلِّي امرأةٍ للقضاءِ إلَّا أمَّ موسى القَهْرَمَانةَ حينَما وَلَّتْها في بغدادَ أمُّ المُقتدِرِ حينَما تولَّى ابنُها وهو دونَ البلوعِ، فوَلَّتْها باستبدادٍ وقهرٍ، لا بعِلْمٍ وفُتْيا، ولم يُوَلِّها خليفةٌ مسلِمٌ، وكانتْ معروفةٌ بالشرِّ
(1)"الذخيرة"(10/ 22).
والظُّلْمِ، ويأتيها الناسُ ضرورةً لا اختيارًا، ولم تكنْ مهمتُها إلَّا التوقيعَ على الصكوكِ والمراسمِ، لا الفصلَ والفضاءَ، ثمَّ لمَّا رأى المقتدِرُ بعدُ فسادَهَا في الأموالِ والتصرُّفاتِ، حبَسَها.
النوعُ الثاني: وِلَايةٌ خاصَّةٌ، وهي ولايةُ المنافعِ، وهي ما لا يَتجزَّأُ عن ولايةِ الإمامِ، ويصحُّ أن يقومَ به الرجالُ والنساءُ مِن غيرِ إمامٍ؛ كوِلَايةِ المنافعِ مِن ولايةِ المرأةِ على البيعِ والشراءِ، وولايتِها على الأيتامِ والأراملِ أفرادًا أو جماعاتٍ أو مؤسَّساتٍ، وولايتِها على نساءِ جنسِها بتعليمِهِنَّ، وولايتِها على المدارسِ والمَصَحَّاتِ التي لا يتَّصلُ بها مَفاسِدُ تتعدَّى بها إلى محرَّمٍ؛ فتحرُمُ حينئذٍ لأجلِ غايتِها، لا لأجلِ مجرَّدِ الولايةِ؛ كولايةِ المرأةِ على تعليمِ الرجالِ والنساءِ؛ فذلك لا يصحُّ، لا لأجلِ كونِها ولايةً؛ ولكنْ لكونِ ذلك يَلزَمُ منه مَفاسِدُ، كاختلاطِها بالرجالِ الأجانبِ؛ فهي إمَّا أن تختَلِط بهم أو تُقصِّرَ في ولايتِها؛ وكلا الأمرينِ لا يجوزُ؛ فامتنَعَ تَوَلِّيها.
وإنَّما حازتْ هذه الأنواعُ؛ لأنَّها ولاياتٌ لا يَلْزَمُ في قيامِها إذنُ الإمامِ، وليستْ مِن ولايتِهِ ولا جزءًا منها، فيجوزُ للناسِ أن يُعلِّموا صبيانَهم، ويَحفَظوا أموالَهم، ويُعالِجوا أنفسَهم، ويَبْنُوا دُورًا لذلك، ولا يُشترَطُ عندَ الفقهاءِ إذنُ الإمامِ بهذا؛ لأنَّها ليستْ مِن ولايتِهِ ولا مِن أجزائِها، ما لم يكنْ قد وضَعَ الأمامُ نظامًا يُصلِحُ أحوالَ الناسِ ويَضبِطُ حياتَهم؛ حتى لا يَبغِيَ بعضُهم على بعضٍ، فيُلتزَمُ ذلك، لا لكونِهِ لا يصحُّ عمل الناسِ وتلك الولايةُ إلَّا به، ولكنْ لأنَّه أصلَحُ للناسِ فتجبُ طاعتُه.
وهذا بخلافِ ولايةِ الجُنْدِ والجيشِ والقضاءِ وإمارةِ البُلْدانِ والقُرَى، فهذا لا بدَّ له مِن إذنِ الإمامِ؛ لأنَّه مِن ولايتِه وأجزائِها؛ إذْ لا يجوزُ للناسِ أن يضَعُوا لقريتِهم أوَ حيَّهم قاضيًا أو أميرًا -دون إذن
الإمام- يَفصِلُ في أمرِهم ويُقِيمُ الحدودَ ويأمُرُ ويَنهى، ما لم يكونوا في بلدٍ لا إمامَ أكبرَ فيه.
وولايةُ المرأةِ قد تحرُمُ لذاتِها، وقد تحرُمُ لِمَا تُفضي إليه:
أمَّا تحريمُها لذاتِها: فهي ما تقدَّمَ مِن الوِلَايةِ الكُبرى وما تجزَّأَ عنها مِن ولايةِ الإمامِ.
وأمَّا تحريمُها لِمَا تُفضي إليه: فكولايتِها الجائزةِ في ذاتِها، ولكنَّها تُفضي الى محَّرمٍ؛ كأنْ تُؤَدِّيَ إلى سفرٍ بلا مَحَّرَمٍ، أو اختلاطٍ بالرِّجالِ، أو بُروزٍ دائمٍ إليهم.
وأمَّا ما ينقُلُه بعضُهم أنَّ عمرَ وَلَّى الشِّفَاءَ الحِسْبةَ على السوقِ، فليس لهذا أصلٌ، وقد أنكَرَهُ ابنُ العَرَبيِّ، وقال:"هو مِن دسائسِ المُبتدِعةِ"(1).
* * *
* قال تعالى: {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} [النمل: 28].
يُشرَعُ كتابةُ الحاكمِ المسلِمِ إلى ملوكِ البُلْدانِ ورؤوسِ الناسِ غيرِ المُسلِمينَ، ودعوتُهم إلى الإسلامِ؛ وهذا أعظَمُ مهمَّاتِ صاحبِ الولايةِ: حِفْظُ الدِّينِ على الناسِ، ونشرُهُ وتبليغُه؛ لأنَّه ينوبُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك.
ولا يجوزُ للحاكمِ أن تَختَصَّ صِلاتُهُ ومكاتَبَاتُه مع الأُمَمِ والدولِ غيرِ المسلمةِ بالمَصَالِحِ الدُّنيَوِيَّةِ كالاقتصادِ والأنظمةِ، ويَتْرُكَ الأعظَمَ، وهو دَعْوَتُهم إلى الإسلامِ، ولو كانتِ الدعوةُ تقومُ بغيرِه؛ لأنَّ قيامَهُ بهذه المهمةِ تعظيمٌ لها، وهيَ مهمةُ الخُلَفاءِ الأُولى؛ فالمُكاتَبةُ منه لها أثرٌ على
(1)"أحكام القرآن" لابن العربي (3/ 482).
الناسِ والرؤساءِ والملوكِ، بخلافِ غيرِه، ودعوةُ مَن دُونَهُ لا تصلُ غالبًا إلى رؤوسِ الناسِ؛ وإنَّما تقتصِرُ على الشعوبِ، وفي نفوسِ الكُبَرَاءِ والرؤساءِ أنَفةٌ وكِبْرٌ وعلوٌّ لا يَقبَلونَ غالبًا إلَّا مِن مِثْلهم.
وقد كتَبَ سليمانُ إلى مَلِكَةِ سبأٍ يدْعُوها إلى الإسلام؛ كما قال تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 30 - 31].
وقد كاتَبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رؤوسَ الأممِ وملوكَ الأقطارِ يَدْعُوهم إلى الإسلامِ:
- فقد أرسَلَ دِحْيَةَ الكَلْبيَّ إلى هِرَقْلَ إمبراطورِ بِيزَنْطةَ؛ فسلَّمَهُ ببُصْرَى كتابَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
- وأرسلَ عبدَ اللَّهِ بنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ إلى كِسْرَى مَلِكِ الفُرْسِ؛ فتسلَّمَهُ في المدائنِ، ومزَّق كتابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
- وأرسَلَ عمرَو بنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إلى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الحبشةِ؛ وبه أسلَمَ واتَّبَعَ الحقَّ بنفسِه.
- وأرسَلَ حاطِبَ بنَ أبي بَلْتَعَةَ إلى المُقَوْقِسِ حاكمِ مصرَ؛ فسلَّمَهُ في الإسكندريَّةِ.
- وأرسَلَ العلاءَ بنَ الحَضْرَمِيِّ إلى المُنذِرِ بنِ سَاوَى التميميِّ مَلِكِ البحرَيْنِ، وهي ما فوقَ الأحساءِ إلى ما وراءَ القطيفِ؛ فأسلَمَ وتبع النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
- وأرسَلَ سَلِيطَ بنَ عمرٍو إلى هَوْذَةَ بنِ عليٍّ ملِكِ اليمامةِ.
- وأرسَلَ إلى الحارثِ الغَسَّانيِّ رأسِ الغَسَاسِنَةِ، والحارثِ الحِميَرِيِّ ملِكِ حِمْيَرَ، وغيرُهم كثيرٌ.
* * *