المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم نظر الرجل الى المرأة: - التفسير والبيان لأحكام القرآن - جـ ٤

[عبد العزيز الطريفي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الحجر

- ‌صلاةُ الكَرْبِ، وإذا حَزَبَ الأمرُ:

- ‌سورة النحل

- ‌الانتفاعُ مِن جُلُودِ المَيْتَةِ:

- ‌أنواعُ الانتفاعِ مِن الأنعامِ والدوابِّ:

- ‌لُحُومُ الخَيْلِ والحَمِرِ والبِغَالِ:

- ‌حُكْمُ الاستعاذةِ عندَ القِرَاءةِ:

- ‌صِيَغُ الاستعاذةِ:

- ‌سورة الإسراء

- ‌سورة الكهف

- ‌حُكْمُ اقتِناءِ الكَلْبِ للحِرَاسةِ وغيرِها:

- ‌مشروعيَّةُ الوَكَالةِ والنِّيَابةِ:

- ‌الصلاةُ على الجنازةِ في المَقْبَرةِ:

- ‌الاستثناءُ في اليمينِ:

- ‌سورة مريم

- ‌تسميةُ المولودِ ووقتُها:

- ‌أمرُ الأهلِ بالصلاةِ

- ‌سورة طه

- ‌العِلَّةُ مِن أمرِ موسى بخلعِ نعلَيْهِ:

- ‌الصلاةُ في النِّعَالِ، ودُخُولُ المساجدِ بها:

- ‌قضاءُ الفرائضِ الفائتةِ وترتيبُها:

- ‌هل للصَّلَاةِ الفائِتةِ أذانٌ وإقامةٌ

- ‌حُكْمُ قضاءِ النوافلِ:

- ‌استحبابُ اتِّخاذِ البِطَانةِ الصالحةِ والوزيرِ المُعِينِ:

- ‌سورة الأنبياء

- ‌الأحوالُ التي جاء الترخيصُ فيها بالكَذِبِ للمَصْلَحةِ:

- ‌سورة الحج

- ‌حُكْمُ بيعِ رِبَاعِ مَكَّةَ ودُورِها:

- ‌تفاضُلُ المَشْيِ والرُّكُوبِ في الحَجِّ:

- ‌الهَدْيُ والأُضْحِيَّةُ والأَكْلُ منها:

- ‌نقسيمُ الهَدْيِ والأُضْحِيَّةِ:

- ‌مَرَاتِبُ التمكينِ وشروطُهُ:

- ‌سورة المؤمنون

- ‌معنى الخشوعِ:

- ‌حُكْمُ الخشوعِ في الصلاةِ:

- ‌حُكْمُ الاستمناءِ:

- ‌دعاءُ نزولِ المَنْزلِ:

- ‌سورة النور

- ‌حَدُّ الزاني والزَّانِيَةِ:

- ‌فأمَّا البِكْرُ:

- ‌وأمَّا المُحْصَنُ:

- ‌حُكْمُ الجَلْدِ مع الرجمِ للمُحْصَنِ:

- ‌حُكْمُ التغريبِ:

- ‌شهودُ الجَلْدِ والرَّجْمِ:

- ‌حُكْمُ نكاحِ الزانيةِ وإنكاحِ الزاني:

- ‌القذفُ الصَّرِيحُ والكنايةُ:

- ‌قذفُ الحُرَّةِ والأَمَةِ والكافِرةِ:

- ‌شهادةُ القاذفِ بعد توبتِهِ:

- ‌سببُ نزولِ لِعانِ الزَّوْجَيْنِ:

- ‌مَرَاحِلُ قَذْف الزَّوْجِ لزوجتِهِ:

- ‌نَفْيُ الوَلَدِ باللِّعَانِ:

- ‌قَذْفُ الزوجةِ لزوجِها:

- ‌إشاعةُ الفاحشةِ وسَبَبُ عَدَمِ جعلِ الشريعةِ لها حَدًّا:

- ‌حُكْمُ الاستئذانِ عندَ دخولِ البيوتِ وصِفَتُهُ وعددُهُ:

- ‌السلامُ عندَ دخولِ البيوتِ وصفَتُهُ وعددُهُ:

- ‌الحِكمةُ مِن تقديمِ أمرِ الرِّجالِ على أمرِ النِّساءِ بغضِّ البصرِ:

- ‌لا تلازُمَ بينَ غضِّ البصرِ وسُفُورِ النساءِ:

- ‌حُكْمُ نَظَرِ الرَّجُلِ الى المرأةِ:

- ‌أنواعُ زِينَةِ المَرْأةِ:

- ‌التدرُّجُ في فَرْضِ الحِجابِ:

- ‌حُكْمُ تزويجِ الأَيَامَى:

- ‌تركُ الأسواقِ والبَيْعِ وقتَ الصلاةِ:

- ‌أمْرُ الناسِ وأهلِ الأسواقِ بالصلاةِ:

- ‌حِجابُ القواعدِ مِن النِّساءِ:

- ‌فضلُ الاجتماعِ على الطعامِ:

- ‌سورة الفرقان

- ‌هَجَرُ القرآنِ وأنواعُه:

- ‌وهجرُ القرآنِ على مَراتِبَ وأنواعٍ ثلاثةٍ:

- ‌أَدْنَى الزمنِ الذي يُشرَعُ فيه خَتْمُ القرآنِ وأَعْلاه:

- ‌نِسْيانُ القرآنِ:

- ‌النوعُ الثاني من الهجرِ: هجرُ تدبُّرِ مَعانيهِ وأحكامِه:

- ‌النوعُ الثالثُ: هجرُ العملِ بما فيه مِن أوامرَ وأحكامِ:

- ‌سورة الشعراء

- ‌انتصارُ المظلومِ مِن ظالمِه وأحوالُه:

- ‌سورة النمل

- ‌حُكْمُ الضحكِ في الصلاةِ والتبسُّمِ:

- ‌حُكْمُ تأديبِ الحيوانِ وتعذيبِه:

- ‌وِلَايةُ المرأةِ:

- ‌البَداءةُ بالبَسْمَلَةِ والفَرْق بينَها وبينَ الحَمْدَلَةِ:

- ‌حُكْمُ قَبُولِ الهديَّةِ التي يُرادُ منها صَرْفٌ عن الحقِّ:

- ‌سورة القصص

- ‌حِفْظُ الأسرارِ وإفشاؤُها:

- ‌عَرْضُ البناتِ لتزويجِهِنَّ:

- ‌سورة العنكبوت

- ‌سورة الروم

- ‌فَرَحُ المؤمنينَ بهزيمةِ أحَدِ العَدُوَّيْنِ على الآخَرِ:

- ‌رِهانُ أبي بَكْرٍ بِمَكَّةَ، والرِّهَانُ في إظهارِ الحقِّ:

- ‌أحكامُ العِوَضِ (السَّبَقِ) واشتراطُ المحلِّلِ في الرِّهانِ:

- ‌القَيْلُولَةُ في نصفِ النهارِ:

- ‌وقد ذكَر اللَّهُ القيلولةَ في مواضعَ:

- ‌إهداءُ الهديَّةِ رجاءَ الثوابِ عليها:

- ‌سورة لقمان

- ‌الغِناءُ والمَعَازِفُ والفَرْقُ بينَهما:

- ‌سورة السجدة

- ‌حُكْمُ التسبيحِ في السُّجُودِ والرُّكُوعِ:

- ‌سورة الأحزاب

- ‌أُمَّهَاتُ المؤمنينَ ومَقامُهُنَّ:

- ‌أنواعُ أفعالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌عمومُ أصلِ الخِطَابِ بالحِجَابِ وخَصُوصيَّةُ نساءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الصلاةُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم: معناها، وحُكْمُها:

- ‌سورة سبأ

- ‌الاستعانةُ بالجنِّ:

- ‌حُكْمُ التماثيلِ وصُوَرِ ذواتِ الأرواحِ:

- ‌سورة فاطر

- ‌سورة يس

- ‌سورة الصافات

- ‌سورة ص

- ‌سورة غافر

- ‌سورة فصلت

- ‌سورة الشورى

- ‌الشُّورَى وفضلُها وشيءٌ مِن أحكامِها:

- ‌سورة الزخرف

- ‌لُبْسُ الصبيِّ والرجُلِ للحُلِيِّ:

- ‌سورة الأحقاف

- ‌أكثَرُ الحملِ والرَّضَاعِ وأقَلُّهُ:

- ‌سورة محمد

- ‌حُكْمُ أَسْرَى المشرِكِينَ:

- ‌سورة الفتح

- ‌حُكْمُ تترُّسِ المشرِكِينَ بالمُسلِمِينَ:

- ‌سورة الحجرات

- ‌تعظيمُ أقوالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه:

- ‌الفَرْقُ بينَ البُغَاةِ والخَوَارجِ:

- ‌الكِبْرُ واحتقارُ سببٌ للفِتَنِ بينَهم:

- ‌التعويضُ عن الضررِ المعنويِّ:

- ‌الأحوالُ التي تجوزُ فيها الغِيبَةُ:

- ‌غِيبةُ الكافرِ:

- ‌سورة ق

- ‌سورة الذاريات

- ‌سورة الطور

- ‌سورة النجم

- ‌سورة القمر

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة الواقعة

- ‌الطهارةُ عندَ القراءةِ ومَسِّ المُصْحَفِ:

- ‌سورة الحديد

- ‌سورة المجادلة

- ‌ألفاظُ الظِّهارِ المُتَّفَقُ والمُختلَفُ فيها:

- ‌كفارةُ الظِّهارِ:

- ‌أنواعُ النَّجوَى المنهيِّ عنها:

- ‌ما يُستحَبُّ للداخِلِ إلى المَجالِسِ:

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌الإحسانُ إلى الكافرِ بالهديَّةِ وقَبولُ شفاعتِه:

- ‌إسلامُ الزوجَيْنِ أو أحدِهما:

- ‌سورة الجمعة

- ‌مَن تجبُ عليه الجُمُعةُ:

- ‌حُكْمُ الجُمُعةِ للمسافرِ:

- ‌العَدَدُ الذي تَنعقِدُ به الجُمُعةُ:

- ‌قيامُ الخطيبِ في الخُطْبةِ:

- ‌سورة الطلاق

- ‌طلاقُ السُّنَّة وطلاقُ البِدْعةِ:

- ‌السُّكْنَى للمطلَّقةِ:

- ‌السُّكْنى للمُطلَّقةِ المَبْتُوتةِ:

- ‌الإشهادُ على إرجاعِ المطلَّقةِ:

- ‌عِدَّةُ الحاملِ مِن الطلاقِ والوفاةِ:

- ‌سورة التحريم

- ‌تحريمُ الحلالِ لا يجعلُهُ حرامًا:

- ‌تحريمُ الحلالِ يمينٌ وكَفَّارتُه:

- ‌سورة القلم

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة المزمل

- ‌سورة المدثر

- ‌سورة القيامة

- ‌حُكْمُ الرُّقْيَةِ:

- ‌حُكْمُ التداوي مِن المرضِ:

- ‌سورة الإنسان

- ‌سورة عبس

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطففين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة الماعون

- ‌التلازُمُ بينَ الرِّياءِ وتأخيرِ وقتِ الصلاةِ:

- ‌تاركُ الصلاةِ وحُكْمُهُ:

- ‌حُكْمُ العاريَّةِ وحَبْسٍ ما يُعِينُ المحتاجَ:

- ‌سورة الكوثر

- ‌حُكْمُ الأُضْحِيةِ ووقتُها:

- ‌سورة النصر

- ‌سورتا المعوِّذَتَيْنِ

الفصل: ‌حكم نظر الرجل الى المرأة:

‌حُكْمُ نَظَرِ الرَّجُلِ الى المرأةِ:

لا يختلِفُ العلماءُ أنَّ نظرَ الرجلِ إلى ما يجوزُ للمرأةِ إظهارُهُ بشهوةٍ، أو عَلِمَ أنَّ نظرَهُ إليها يُثِيرُ فتنةً فيه: أنَّه حرامٌ، سواءٌ كانت شابَّةً أو قاعدًا، وسواءٌ كانتِ المرأةُ على الحقيقةِ أو صُورةً لها، ولو لم يكنْ يَعرِفُها؛ لأنَّ اللَّهَ حَرَّمَ النظرَ إلى المرأةِ لعِلَلٍ كثيرةٍ، مِن أَجَلِّها ما يَتْبَعُ النظرَ مِن إثارةِ الفتنةِ في الناظرِ وتشوُّفِهِ إلى الفاحشةِ؛ فالنظرُ يُحبِّبُ الحرامَ ولو في غيرِ المنظورِ إليها، وجُلُّ مَن وقَعُوا في النظرِ الحرامِ لم يقَعُوا في الزِّنى بِجُلِّ مَن نظَروا إليهِنَّ؛ وإنَّما في أُخْرَيَاتٍ غيرِهن؛ فالنظرُ الحرامُ وَقُودُ الزِّنى.

والأصلُ: أنَّ نظرَ الرجلِ إلى المرأةِ يُثِيرُ فتنةً؛ ولهذا جاء الأصلُ بالنهيِ عنه مِن غيرِ تقييدٍ؛ فإنَّ الفتنةَ قد لا تُوجَدُ مِن أولِ نظرةٍ ولا ثانيها ولا ثالثِها؛ وإنَّما تَحْيَا بالقلبِ مع إدامةِ النظرِ، فجاء النهيُ عن أولِه؛ حتى لا ينتهي بصاحِبِهِ إلى فتنةٍ في آخِرِه، ولمَّا كانتِ الفتنةُ غالبةً في النظرِ -خاصَّةَ المتكرِّرَ- جاء النهيُ عامًّا، ويشتدُّ الإثمُ بمقدارِ ورودِ الفتنةِ في صاحِبِه، وقد يكونُ النظرُ المحرَّمُ سهلًا في أولِه؛ لعدمِ قيامِ الفتنةِ فيه، ولكنَّه مع إدامتِهِ يكونُ كالقَيدِ الذي يُفتَلُ ويُوثِقُ صاحِبَهُ، والعينُ تَفتِلُ قيدَ القلب بإدامةِ النظرِ حتى يتقيَّدَ ولا يستطيعَ صَرْفَ البصرِ؛ ولذا لمَّا سأَل جريرٌ رضي الله عنه رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن نظرِ الفَجْأَةِ، قال له:(اصْرِفْ بَصَرَكَ)(1).

ويجوزُ نظرُ الرجُلِ إلى المرأةِ للضرورةِ؛ كنظرِ القاضي في الخُصُوماتِ والحقوقِ الى وجهِ المرأةِ عندَ استشكالِهِ لحقيقتِها، إنْ لم يُوجَدْ مَن ينوبُ عنه في ذلك مِن النساءِ.

* * *

(1) أخرجه مسلم (2159)، وأحمد (4/ 361)، وأبو داود (2148)، واللفظ لهما.

ص: 1840

* قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31].

أمَرَ اللَّهُ المؤمناتِ بغضِّ البصرِ، وقدَّمَ غضَّ البصرِ على حِفْظِ الفَرْجِ، لأنَّ إطلاقَ البصرِ طريقٌ يَنتهي بإضاعةِ الفَرْجِ؛ فقدَّمَ اللَّهُ حِفْظَ الوسيلةِ لتُحفَط الغايةُ، ثمَّ نَهَى اللَّهُ نساءَ المؤمنِينَ عن إبداءِ الزِّينةِ، وثَمَّةَ تلازُمٌ بينَ إطلاقِ البصرِ وبينَ الزَّينةِ؛ وذلك أنَّه لا تُكثِرُ التزيُّنَ للرِّجالِ الأجانبِ إلَّا مَن أطلَقَت بصَرَها فيهم، فتشوَّفَتْ إليهم ببَصَرِها، فَزيَّنَتْ بدَنَها ولِبْسَها، ولو لم تُطلِقْ بصَرَها لم يكنْ في القلبِ داعٍ للتزيُّنِ لهم، ومَن حَفِظَت بصَرَها، حَفِظَت فَرْجَها، ولم يقعْ في قلبِها جذبُ الرجالِ إليها في الزينةِ؛ لأنَّ القبَ خالٍ منهم؛ ولهذا قدَّمَ اللَّهُ حِفظَ البصرِ على حِفظِ الفَرْجِ والنهي عن الزينةِ؛ لأنَّ البصرَ حبلٌ يَجذِبُ القلوبَ ويحرِّكُها إلى التزيُّنِ لإغراءِ الرِّجالِ وإغرائِهم والوقوعِ فى الحرامِ.

وشدَّدَ اللَّهُ على الرَّجُلِ في غضِّ البصرِ، وشَدَّدَ على المرأةِ في الحِجَابِ؛ حتى يُقلِّلَ ما بينَهما مِن تجاذُبٍ ومَيْلٍ، ولا يعني هذا أنَّه يجوزُ للرجلِ إبداءُ مَفَاتِنِه، ولا أنَّه يجوزُ للمرأةِ إطلاقُ بَصَرِها فتُفتَنَ، ولكنَّ الوحيَ يشُدُّ الحبالَ المُرتَخِيَة في النفوسِ أشَدَّ مِن الحبالِ الثابتةِ فيها، وأقرَبُ الناسِ إلى السقوطِ يُجذَبُ أشَدَّ مِن البعيدِ عنها؛ حتى تكتمِلَ فِطْرةً العَفَافِ وتَصِحَّ، فإذا لم يَغُضَّ الرجلُ بَصَرَهُ، فإنَّ المرأةَ تَدْفَعُ فِتنتَهُ

ص: 1841

بحجابِها، وإنْ لم تتحجَّبِ المرأةً، فالرجلُ يدفعُ فِتنتَها بغضِّ بصرِه؛ ولهذا ربَطَ اللَّهُ بينَ غضِّ البصرِ وبينَ الزِّنى؛ لأنَّه سببٌ له، فقال للرِّجالِ:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30]، وقال للنِّساءِ:{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} ؛ ولكنَّه زادَ في النساءِ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} .

ولا يختلِفُ العلماءُ على أنَّ نظرَ المرأةِ إلى ما يَفتِنُها مِن الرجالِ محرَّمٌ، سواءٌ كان نظرًا الى أَبْشَارِهم أو شخوصِهم، وأمَّا نظَرُ المرأةِ الى ما يجوزُ للرجلِ إبداؤُهُ مِن غيرِ فتنةٍ فيه، فقد وقَعَ في ذلك نزاعٌ بينَ الفقهاءِ:

فمِن العلماءِ: مَن أخَذَ بعمومِ النهي في الآيةِ، ولأنَّ الغالِبَ أنَّ نظرَ المرأةِ الى الرجلِ أنَّه فِتْنةٌ آجِلةٌ أو عاجِلةٌ؛ فمَن أطلَقَتْ بصرَها، انتهى بها إلى الافتتانِ؛ وهذا الصحيحُ مِن مذهب الشافعيِّ وأحمدَ، وعلى هذا جمهورُ الصحابةِ والتابعِين.

واللَّهُ قد أمَرَ النساءَ بمِثلِ ما أمَرَ به الرجالَ، ولم يفرِّق بينَهم، بل زاد النساءَ عدمَ إبداءِ الزينةِ.

وذهَب قومٌ: إلى جوازِ نظرِ المرأةِ إلى الرجلِ بغيرِ شَهْوةٍ؛ وذلك لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لعائشةَ نَظَرَها إلى الحبشةِ وهم يَلْعَبونَ في المسجدِ، وظاهرُهُ: أنَّ عائشةَ تنظُرُ إلى لَعِبِهِمْ، لا إلى وجوهِهم، ولم تكنْ قريبةً منهم، فلم تكنْ تخُصُّ واحدًا منهم بل ترى حَرَكةَ الجماعةِ، ولم تكنْ أمامَ وجوهِهم بحيثُ تأخُذُ حُكمَ المُتقابلَيْنِ، ولم يكنِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَأذَنُ لنسائِهِ بمحادَثَةِ الرجالِ وجهًا لوجهٍ، فتنظُرُ إليهم كما ينظُرُ الرجلُ إلى جليسِه.

وغالبًا ما تُطلِقُ المرأةُ أو الرجُلُ البصرَ ولا يَجِدَانِ الفتنةَ مِن النظرةِ

ص: 1842

الأُولى، ثمَّ ما يزالُ الشيطانُ يُسوِّلُ لهم الجوازَ؛ لإنعدامِ العِلَّةِ الداعيةِ للنهي؛ حتى تتولَّدَ الفِتْنةُ مع تَكْرارِهِ، فيُوقِعَهُمُ الشيطانُ في شِرَاكِه؛ فله خطواتٌ تَبدأُ بالمُباحِ وتَنتهي بالحرامِ الذي لا ينفكُّ منه صاحبُهُ.

وقولُه تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} :

نَهى اللَّه المرأةَ عن ابداءِ زينتها عندَ الرجالِ الأجانبِ، وهذه الآية دالَّةٌ بصريحِ الخِطَابِ على سَتْرِ الزينةِ حتى لا تَفتِن الرجالَ، ولم يأمُرِ اللَّه الرجالَ بعدمِ إبداءِ الزينةِ؛ لأنَّ المرأةَ فُطِرَتْ على التزيُّنِ أكثَرَ مِن الرجلِ، وتميلُ إليه فِطْرةَ، وتتنوَّعُ فيه، وتستكثِرُ فه، وتنشأُ عليه؛ كما قال تعالى عنها:{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: 18]، ولأنَّ زينةَ المرأةِ تَجذِبُ الرجلَ أشدَّ مِن جذبِ زينةِ الرجلِ للمرأةِ، ولأنَّ الرجلَ أجسَرُ على إطلاقِ البصرِ المرأةِ.

وقولُه تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} : الخِمَارُ: اسمُ مصدرٍ؛ خَمَّرَ يُخمِّرُ تخميرًا، يعني: غطَّى، ومنه سُمِّيَ الخَمْرُ خمْرًا؛ لأنَّه يُغطِّي العقلَ، والخِمَارُ: لِبَاسٌ تَلَبَسُهُ وتشُدُّهُ المرأةُ في أعلاها على الرأسِ وما دونَه، ويُسمَّى النَّصيفَ، ويُستعملُ الخِمَارُ لتغطيةِ ثلاثةِ مواضعَ وشَدِّها، وكل واحدٍ منها يُضرَبُ عليه بالخمارِ:

الأولُ: الرأسُ؛ لظاهرِ الآيةِ، فالرأسُ مُرتكَزُ الخِمارِ وقاعدتُهُ، وفي بعضِ الأحاديثِ تُسمَّى عمامةُ الرَّجُلِ خِمَارًا؛ جاء ذلك مِن حديثِ المُغِيرةِ (1) وثَوْبانَ (2) وبلالٍ (3) وسَلْمانَ (4)، وكانت أمُّ سلمةَ تمسحُ على

(1) أخرجه أحمد (4/ 254).

(2)

أخرجه أحمد (5/ 281).

(3)

أخرجه مسلم (275).

(4)

أخرجه أحمد (5/ 439)، وابن ماجه (563).

ص: 1843

خمارِها (1)؛ يعني: بدلَ شَعَرِ رأسِها، وصحَّ عن نافعٍ مَوْلى ابنِ عمرَ؛ قال:"رأيتُ صفيَّةَ بنتَ أبي عُبَيْدٍ توضَّأَتْ وأنا غلامٌ، فإذا أرادت أنْ تَمْسَحَ رأسَها، سلَخَتِ الخِمارَ"(2).

وصحَّ نحوُهُ عن ابنِ المسيَّبِ (3) والنخَعيِّ (4).

وصحَّ عن عطاءِ بنِ أبي رياح في المرأةِ إذا أرادت أن تَمَسَحَ رأسَها، قال:"تُدخِلُ يدَيها تحتَ الخِمَارِ، فتَمْسَحُ مُقدَّمَ رأسِها يُجزِئُ عنها"(5).

وصحَّ عن ابنِ سيرينَ: "أنَّه كَرِهَ أن تُصلِّيَ المرأةُ وأُذُنُها خارجةٌ مِن الخِمارِ"(6).

الثاني: الصَّدْرُ، لظاهرِ قولِهِ:{عَلَى جُيُوبِهِنَّ} ، لأنَّ الجيوبَ هي ما على الصدورِ مِن الثيابِ، والضَّرْبُ يأتي مِن أعلى ويَنْزِل على جَيْبِ المرأةِ، وهو صَدْرُها؛ فالجبوبُ هي الصدورُ؛ ولذا جاء في الحديثِ نَهْيُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن شَقِّ الجيوبِ (7)، نهيًا للمرأةِ أن تشُقَّ جَيْبَها عندَ المصيبةِ.

الثالثُ: الوجهُ؛ فإنَّ الخِمَارَ قماشٌ طويلٌ ممتدٌّ مشدودٌ تُنزِلُهُ المرأةُ مِن قاعدتِه، وهي الرأسُ، على ما شاءتْ، ومنه الوجهُ، وصحَّ عن هشامٍ، عن حفصةَ بنتِ سِيرِينَ أمِّ الهُذَيْلِ؛ قالتْ: "تُخمَّرُ المرأةُ الميِّتةُ

(1) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(223)

(2)

أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(51)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(242).

(3)

أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(50).

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(251).

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(246).

(6)

أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(5051).

(7)

أخرجه البخاري (1294)، ومسلم (103).

ص: 1844

كما تُخمَّرُ الحيَّة، وتُدَرَّعُ مِن الخِمَارِ قَدْرَ ذِرَاعٍ تُسْدِلُهُ على وَجْهِها" (1).

وقال الفَرَزْدَقُ:

نِسَاءٌ بِالمَضَايِقِ مَا يُوَارِي

مَخَازِيَهُنَّ مُنْتَقِبُ الخِمَارِ

وكذلك: فإن الخِمارَ يُسمَّى نَصِيفًا عندَ العربِ، وفي لغةِ الشرعِ؛ ولذا جاء في "الصحيحِ"؛ مِن حديثِ أنسٍ مرفوعًا:(لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِن نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ اطَّلعَتْ إِلَى الأَرْضِ، لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلَأَتْ مَا بَينَهُمَا رِيحًا، وَلَنَصِيفهَا -يَعْنِي: الخِمَارَ- خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)(2)، وقد جاء في "المسنَدِ"، مِن حديثِ أبي هريرةَ تفسيرُ الخِمارِ بالنَّصيفِ صريحًا مِن قولِ أبي هريرةَ (3).

والنَّصِيفُ -وهو الخِمارُ- تُطلِقُه العربُ على ما يُغطَّى به الوجهُ، وقد قال:

سَقَطَ النَّصِيفُ وَلَمْ تُرِدْ إِسْقَاطَهُ

فَتَنَاوَلَتْهُ وَاتَّقَتنَا بِالْيَدِ

ويُستعمَلُ الخِمارُ لهذه الثلاثةِ أو بعضها، ولكنَّ أصلَ استعمالِ النساءِ للخِمارِ: أنَّ له محيطًا ووسطًا؛ يَبْدَأُ مِن الرأسِ ويُحيطُ به، ويَنزِلُ تَبَعًا على الكَتِفَيْنِ والوجهِ والصدرِ؛ كما قال ابنُ خُزَيمَةَ في "الصحيحِ":"الخِمارُ الذي تستُرُ به وجهَها، بل تُسدِلُ الثوبَ مِن فوقِ رأسِها على وجهِها"(4).

وإنْ كشَفَتِ المرأةُ خِمارَها عن وَجْهِها لمَحْرَمِها، بَقِيَ مُحيطًا بوجهِها، وقد جاء في حديثِ مُسلمِ بنِ أبي حُرَّةَ؛ قال: "لمَّا حُصِرَ ابنً الزُّبَيْرِ، دخَلَ على أُمِّهِ أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ، فقَبَّلَها وقبَّلَ ما بينَ

(1) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(6220).

(2)

أخرجه البخاري (6568).

(3)

أخرجه أحمد (2/ 483).

(4)

"صحيح ابن خزيمة"(2/ 1276).

ص: 1845