الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصحابة رضوان الله عليهم قد وهنتهم حمى يثرب، ولا يزال الناس يرملون إلى اليوم، مع أن الله سبحانه وتعالى قد طهر مكة من رجس المشركين.
الدليل الثاني:
(1179 - 52) ما رواه أبو داود، قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا عبد العزيز، يعني ابن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو،
عن عكرمة، أن أناسا من أهل العراق جاءوا، فقالوا: يا ابن عباس، أترى الغسل يوم الجمعة واجباً؟ قال: لا، ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبركم كيف بدء الغسل، كان الناس مجهودين يلبسون الصوف، ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيقاً مقارب السقف، إنما هو عريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار، وعرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضاً، فلما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الريح قال: أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا، وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه. قال ابن عباس: ثم جاء الله بالخير، ولبسوا غير الصوف، وكفوا العمل، ووسع مسجدهم، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضا من العرق
(1)
.
(1)
سنن أبي داود (353)، ومن طريق عبد الله بن مسلمة أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 116 - 117).
وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 116 - 117) من طريق ابن أبي مريم، عن الدراوردي به.
ورواه أحمد (1/ 268) وعبد بن حميد كما في المنتخب (590)، وابن خزيمة (3/ 127) والحاكم في المستدرك (1/ 280 - 281) من طريق سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو به. =
[قال الحافظ إسناده حسن]
(1)
.
وأجاب عنه الحافظ بعدة أجوبة، منها:
أولاً: الثابت عن ابن عباس خلافه.
قلت: لعل الحافظ يشير إلى ما رواه ابن عباس مرفوعاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمر بالغسل أمراً مطلقاً
(2)
، فإن كان مقصود الحافظ بقوله:«خلافه» أنه يخالفه مخالفة معارضة، بحيث يلزم من قبول هذا طرح ذاك، فليس بصواب، فابن عباس ساق سبب وجوب الغسل، ثم روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بالغسل أمراً مطلقاً، وهما لا يتعارضان، خاصة فيما يتعلق بالمرفوع، أما فهم ابن عباس، بأن السبب إذا ارتفع ارتفع الحكم، فهذا فهم من عنده، موقوفاً عليه، والحجة في المرفوع خاصة، كما سيشير إليه الحافظ في الكلام التالي.
(3)
.
هذا فيما يتعلق بأهم الأدلة لكل فريق، وبعد استعراض الأدلة نجد أن
= إنظر إتحاف المهرة (8295)، أطراف المسند (3/ 221)، التحفة (6179).
(1)
الفتح تحت رقم (879)، وهو كما قال، ويشهد له حديث عائشة الذي قبله.
(2)
روى البخاري في صحيحه (884) من طريق طاوس، قال: قلت لابن عباس: ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اغتسلوا يوم الجمعة، واغسلوا رءوسكم، وإن لم تكونوا جنباً، وأصيبوا من الطيب. قال ابن عباس: أما الغسل فنعم، وأما الطيب فلا أدري. ورواه مسلم أيضاً (848).
(3)
المرجع السابق.
الخلاف في المسألة قوي جداً، وأجد نفسي تميل إلى القول بالوجوب، لأنه ظاهر الأحاديث، والقائلون بالسنية يحتاجون إلى تأويل النصوص، وصرفها عن ظاهرها، لمعارض ليس من القوة بحيث نضطر إلى تأويل النصوص عن ظاهرها، والله أعلم، ومع القول بوجوب الغسل فإن من صلى بدون أن يغتسل فصلاته صحيحة، حتى ولو تركه بدون عذر؛ لأن الغسل واجب، وليس شرطاً في صحة الصلاة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن وجوب الغسل إنما كان من أجل النظافة وإزالة العرق، وليس عن حدث، والله أعلم.