الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
في نية الوضوء في غسل الجنابة
عرفنا فيما سبق، أن السنة: هو أن يغسل أعضاء الوضوء في ابتداء الغسل، وأنه لا يشرع له الوضوء بعد الغسل، والكلام الآن في هذا المبحث في النية، هل يتوضأ قبل الغسل بنية رفع الحدث الأصغر؟ أو يتوضأ بنية رفع الحدث الأكبر؟ وكنت قد أشرت في المسألة السابقة إلى هذه المسألة، ووعدت أن أفصل فيها كلام أهل الفقه في مبحث مستقل، وهذا أوان الوفاء بالوعد،
فقيل: يتوضأ بنية رفع الحدث الأكبر، وهو مذهب المالكية
(1)
، واختاره محمد بن عقيل الشهرزوي من الشافعية
(2)
، وهو رأي ابن تيمية من الحنابلة
(3)
.
(1)
قال الدسوقي في حاشيته (1/ 140): " إطلاق الوضوء على غسل أعضائه في الطهارة الكبرى مجاز؛ لأنه صورة وضوء، وهو في الحقيقة جزء من الغسل الأكبر ".
وقال الخرشي في شرح مختصر خليل (1/ 170): " ثم يتوضأ بنية الجنابة وضوءاً كاملاً " اهـ فجعل الوضوء بنية الجنابة، وليس بنية رفع الحدث.
قال العدوي في حاشيته على الخرشي (1/ 171): " " لا يخفى أن هذا الوضوء قطعة من الغسل، فهو صورة وضوء ". اهـ
وقال في كفاية الطالب (1/ 267): " وظاهر كلامه (يعني المصنف) أنه يغسل ما حقه الغسل في هذا الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، وهو مصرح به في بعض النسخ، والمشهور أنه إنما يغسله مرة مرة بنية رفع حدث الجنابة". ونظر الفواكه الدواني (1/ 148)، مواهب الجليل (1/ 314).
(2)
المجموع (2/ 211).
(3)
مجموع الفتاوى (21/ 397).
وقيل: يتوضأ بنية رفع الحدث الأكبر، إلا إن أحدث، ثم أجنب فإنه، ينوي بالوضوء رفع الحدث الأصغر، اختاره عمرو بن الصلاح من الشافعية
(1)
.
قلت: يلزم على هذا القول وجوب الوضوء مع الغسل إذا كان جنباً محدثاً، والراجح عدم وجوب الوضوء مطلقاً، وهو الصحيح حتى في مذهب الشافعية، وقد تقدم تحرير الخلاف في الفصل الذي قبل هذا.
(1)
قال النووي في المجموع (2/ 211): " لم يذكر الجمهور ماذا ينوي بهذا الوضوء؟ قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: لم أجد في مختصر، ولا مبسوط تعرضاً لكيفية نية هذا الوضوء، إلا لمحمد بن عقيل الشهرزوي، فقال: يتوضأ بنية الغسل، قال: إن كان جنباً من غير حدث فهو كما قال، وإن كان جنباً محدثاً كما هو الغالب، فينبغي أن ينوي بوضوئه هذا رفع الحدث الأصغر ".
وقال ابن دقيق العيد في شرح عمدة الأحكام (1/ 131): " قولها - يعني: عائشة - (وتوضأ وضوءه للصلاة) يقتضي استحباب تقديم الغسل لأعضاء الوضوء في ابتداء الغسل، ولا شك في ذلك، نعم، يقع البحث في أن هذا الغسل لأعضاء الوضوء: هل هو وضوء حقيقة؟ فيكتفي به عن غسل هذه الأعضاء للجنابة، فإن موجب الطهارتين بالنسبة إلى هذه الأعضاء واحد، أو يقال: إن غسل هذه الأعضاء، إنما هو عن الجنابة، وإنما قدمت على بقية الجسد تكريماً لها وتشريفاً، ويسقط غسلها عن الوضوء باندراج الطهارة الصغرى تحت الكبرى.
فقد يقول قائل: قولها: " وضوءه للصلاة " مصدر مشبه به، تقديره: وضوءاً مثل وضوئه للصلاة، فيلزم من ذلك أن تكون هذه الأعضاء المغسولة مغسولة عن الجنابة؛ لأنها لو كانت مغسولة عن الوضوء حقيقة، لكان قد توضأ عن الوضوء للصلاة، فلا يصح التشبيه؛ لأنه يقتضي تغاير المشبه والمشبه به، فإذا جعلناها مغسولة للجنابة صح التغاير، وكان التشبيه في الصورة الظاهرة. وجوابه بعد تسليم كونه مصدراً مشبهاً به من وجهين:
…
ثم ذكرهما، ويحسن بك أن ترجع إلى الكتاب لتقرأهما، فقد تركت نقلهما اختصاراً، والله الموفق.