الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي رواية للبخاري: «كان يدركه الفجر، وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم»
(1)
.
وجه الاستدلال:
يؤخذ من الحديث فائدتان:
الأولى: أنه كان يجامع في رمضان، ويؤخر الغسل إلى بعد طلوع الفجر بياناً للجواز.
الثانية: أن ذلك كان من جماع، لا من احتلام
(2)
.
الدليل الثالث:
(1257 - 130) ما رواه مسلم، من طريق أبي بكر (يعني ابن الحارث) حدثه،
أن مروان أرسله إلى أم سلمة رضي الله عنها يسأل، عن الرجل يصبح جنبا أيصوم؟ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من جماع لا من حلم، ثم لا يفطر، ولا يقضي. وهو في البخاري
(3)
.
وجه الاستدلال من الحديث كالذي قبله.
دليل من قال: لا يصح صوم الجنب
.
الدليل الأول:
(1258 - 131) ما رواه أحمد، قال: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه، قال:
(1)
البخاري (1926).
(2)
فتح الباري تحت رقم (1926).
(3)
صحيح مسلم (1109)، وانظر البخاري (1931، 1925).
هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا نودي للصلاة، صلاة الصبح وأحدكم جنب، فلا يصم يومئذ
(1)
.
[إسناده صحيح]
(2)
.
(1)
المسند (2/ 314).
(2)
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن حبان (3485)، وعلقه البخاري بإثر حديث (1926) من طريق همام وابن عبد الله بن عمر، عن أبي هريرة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالفطر.
وأخرجه النسائي في الكبرى (2925) من طريق شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، أنه احتلم ليلاً في رمضان، فاستيقظ قبل أن يطلع الفجر، ثم نام قبل أن يغتسل، فلم يستيقظ حتى أصبح، قال: فلقيت أبا هريرة حين أصبحت، فاستفتيته في ذلك، فقال: أفطر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان يأمر بالفطر إذا أصبح الرجل جنباً. قال عبد الله بن عبد الله: فجئت عبد الله بن عمر، فذكرت له الذي أفتاني به أبو هريرة، فقال: أقسم بالله لئت أفطرت لأوجعن شبيبتك، صم فإن بدا لك أن تصوم يوماً آخر، فافعل.
وخالف عقيل بن خالد، شعيب بن أبي حمزة، فأخرجه النسائي في الكبرى (2926) من طريق الليث بن سعد، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبي هريرة بلفظه.
وعبد الله وعبيد الله كلاهما ثقة، وسواء كان هذا الراجح أو ذاك، فالإسناد صحيح، قال ابن عبد البر في التمهيد (17/ 422): وعبد الله وعبيد الله ابنا عبد الله بن عمر ثقتان. اهـ
ورواه أحمد (2/ 248) قال: سفيان، عن عمرو، عن يحيى بن جعدة، عن عبد الله بن عمرو القاري قال: سمعت أبا هريرة يقول لا ورب هذا البيت ما أنا قلت: من أصبح جنبا فلا يصوم، محمد ورب البيت قاله، ما أنا نهيت عن صيام يوم الجمعة، محمد نهى عنه ورب البيت.
وعبد الله بن عمرو القارئ، لم يرو عنه فيما يظهر إلا يحيى بن جعدة، وذكره ابن سعد، وقال: كان قليل الحديث كما في الطبقات (5/ 482).
وأخرجه الحميدي (1018)، وابن ماجه (1702) والنسائي في الكبرى (2744) وابن خزيمة (3/ 314 - 315)، وابن حبان (3609)، وابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه (393) من طريق سفيان بن عيينة به. =
وقد وقف العلماء من حديث عائشة وأم سلمة، ومن حديث أبي هريرة إما موقف الترجيح أو موقف الجمع، أو القول بالنسخ،
فأما موقف الترجيح فمن وجوه:
الأول: أن حديث عائشة موافق لحديث أم سلمة، ورواية الاثنين تقدم على رواية الواحد، لا سيما وهما زوجتان، وهما أعلم بذلك من غيرهما من الرجال.
الوجه الثاني: أن حديث عائشة وحديث أم سلمة موافقان للقرآن، وذلك أن الله سبحانه وتعالى في آية البقرة أباح الأكل والمباشرة إلى طلوع الفجر، ومعلوم أنه إذا جاز الجماع إلى طلوع الفجر لزم منه أن يصبح جنباً، وصيامه صحيح.
الوجه الثالث: أن حديث عائشة وأم سلمة موافقان للنظر، وهو أن المحرم هو الجماع في وقت الصيام، وأما كون حكم الجنابة باقياً عليه في وقت الصيام فهذا لا يحرم عليه، فقد يحتلم بالنهار ويجب عليه الغسل، ولا يغتسل مباشرة بل يبقى ساعات كثيرة بالنهار، وهو جنب، ولا يفسد صومه بالإجماع، ولا يجب عليه الغسل إلا عند القيام إلى الصلاة، فكذلك إذا احتلم
= وأخرجه أحمد (2/ 286) حدثنا محمد بن بكر البرساني، أخبرني ابن جريج، أخبرني عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، أخبره عن عبد الرحمن بن عمرو القارئ، عن أبي هريرة به. وقرنه برواية عبد الرزاق، عن ابن جريج إلا أن عبد الرزاق قال: عن عبد الله بن عمرو القارئ كما هي رواية سفيان المتقدمة، وهي أرجح. وقد أخطأ أبو محمد بن بكر البرساني في قوله: عبد الرحمن، وإنما هو عبد الله.
انظر أطراف المسند (7/ 331)، إتحاف المهرة (19027)، التحفة (13583، 13585).
ليلاً، ثم بقي ساعات جنباً وهو صائم، بل هو من باب أولى، وإنما يمنع الصائم من تعمد الجماع نهاراً، وهو شبيه بمن يمنع من التطيب، وهو محرم، لكن لو تطيب، وهو حلال، ثم أحرم فبقي عليه لونه أو ريحه لم يحرم ذلك عليه.
الوجه الرابع: إن أبا هريرة قد رجع عن قوله حين بلغه حديث عائشة وأم سلمة، فهذا يدل على أن أبا هريرة رضي الله عنه قد رجح حديث عائشة وأم سلمة على ما سمعه من الفضل بن عباس،
(1259 - 132) فقد روى مسلم من طريق ابن جريج، أخبرني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي بكر، قال:
سمعت أبا هريرة يقص، يقول في قصصه: من أدركه الفجر جنباً فلا يصم، فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن الحارث (لأبيه) فأنكر ذلك، فانطلق عبد الرحمن وانطلقت معه حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة، فسألهما عبد الرحمن عن ذلك، قال: فكلتاهما قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من غير حلم، ثم يصوم، قال: فانطلقنا حتى دخلنا على مروان، فذكر ذلك له عبد الرحمن، فقال مروان: عزمت عليك إلا ما ذهبت إلى أبي هريرة، فرددت عليه ما يقول، قال: فجئنا أبا هريرة، وأبو بكر حاضر ذلك كله، قال: فذكر له عبد الرحمن، فقال أبو هريرة: أهما قالتاه لك؟ قال: نعم، قال: هما أعلم، ثم رد أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن عباس، فقال أبو هريرة: سمعت ذلك من الفضل، ولم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك
(1)
.
(1)
مسلم (1109).
ورواه أحمد من طريق شعبة، عن الحكم عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبيه به، وفيه:
قال أبو هريرة: عائشة إذن أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
[إسناده صحيح]
(1)
.
(1260 - 133) وروى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة، عن ابن المسيب،
أن أبا هريرة رجع عن فتياه من أصبح جنباً فلا صوم له
(2)
.
ورجاله ثقات إلا أن رواية قتادة عن سعيد بن المسيب فيها كلام
(3)
.
(1)
المسند (6/ 99) وسنده صحيح، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى (300) من طريق محمد بن جعفر به.
وأخرجه إسحاق بن راهوية (1085) عن وهب بن جرير
والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 103) من طريق أبي داود وروح، كلاهما عن شعبة به.
ورواه أبو داود الطيالسي (1503) عن شعبة به، دون ذكر قصة أبي هريرة.
(2)
المصنف (2/ 330) رقم 9581. ورواه البيهقي (4/ 215) من طريق عبد الوهاب ابن عطاء، عن سعيد بن أبي عروبة به.
(3)
جاء في تهذيب التهذيب في ترجمة قتادة (8/ 318): " قال إسماعيل القاضي في أحكام القرآن: سمعت علي بن المديني يضعف أحاديث قتادة، عن سعيد بن المسيب تضعيفاً شديداً، وقال: أحسب أن أكثرها بين قتادة وسعيد فيها رجال".
وفي جامع التحصيل للعلائي (ص: 255): " قال أحمد بن حنبل: أحاديث قتادة، عن سعيد بن المسيب، ما أدري كيف هي؟ قد أدخل بينه وبين سعيد نحواً من عشرة رجال لا يعرفون ". =
(1261 - 143) وأخرج النسائي في الكبرى
(1)
، من طريق عبد الله بن المبارك، عن ابن أبي ذئب، عن سليمان بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أخيه محمد،
= قلت: ولعل هذا الكلام إما أن يراد به الحكم على غالب حديث قتادة عن سعيد، أو على أحاديث بعينها؛ لأن الشيخين قد أخرجا أحاديث لقتادة، عن سعيد بن المسيب، منها على سبيل المثال:
ما أخرجه البخاري (1292) ومسلم (927) من طريق شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن عمر مرفوعاً الميت يعذب في قبره بما نيح عليه.
كما روى له مسلم أيضاً (1198) من طريق شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة مرفوعاً: خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم. وهو في البخاري من غير هذا الطريق.
وأخرج له البخاري (2621) ومسلم (1622) من طريق شعبة، عن قتادة، عن سعيد ابن المسيب، عن ابن عباس مرفوعاً في العائد في هبته كالعائد في قيئه.
وأخرجه له البخاري (4162) ومسلم (1859) من طريق شعبة، عن قتادة، عن سعيد ابن المسيب، عن أبيه، قال: لقد رأيت الشجرة، ثم أتيتها بعد فلم أعرفها.
وأنت تلحظ أن هذه الأحاديث جاءت من طريق شعبة، عن قتادة، وشعبة لا يروي عن قتادة إلا ما صرح فيه بالتحديث كما هو معلوم لطلبة أهل العلم بالحديث.
وأخرج له مسلم أيضاً (2127) من طريق هشام الدستوائي، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن معاوية في قصة الشعر
…
وقد أخرجه البخاري من غير هذا الطريق (3468).
وأخرج له البخاري (4153) من طريق ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن جابر في عدد الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية.
ورواه مسلم أيضاً لكن من غير هذا الطريق. فهذه الأحاديث تدل على أن كلام ابن المديني والإمام أحمد رحمهما الله تعالى ليس على إطلاقه، فتأمل، والله أعلم.
(1)
السنن الكبرى (2928).
أنه كان يسمع أبا هريرة يقول: من احتلم من الليل أو واقع أهله، ثم أدركه الفجر، ولم يغتسل، فلا يصوم، قال: ثم سمعته نزع عن ذلك.
[إسناده فيه لين]
(1)
.
فيكفي في التصريح بالرجوع من أبي هريرة بما ورد في صحيح مسلم، وسقته في أول الاستدلال على رجوع أبي هريرة، وبما رواه أحمد من طريق شعبة، عن الحكم، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عائشة وأم سلمة في صحة صيام الجنب، وإخبار عبد الرحمن لأبي هريرة بما قالتاه، وشهادة أبي هريرة بأن أمهات المؤمنين أعلم.
(1262 - 135) وأما ما رواه أحمد
(2)
، عن علي بن عاصم، عن خالد، عن أبي قلابة، عن عبد الرحمن بن عتاب، قال:
كان أبو هريرة يقول: من أصبح جنباً فلا صوم له، قال: فأرسلني مروان بن الحكم أنا ورجل آخر إلى عائشة وأم سلمة، وفيه: فقال مروان لعبد الرحمن: أخبر أبا هريرة بما قالتا، فقال: أبو هريرة: كذا كنت أحسب، وكذا كنت أظن. قال: فقال له مروان: بأظن وبأحسب تفتي الناس!
[فإسناده ضعيف، ومتنه منكر]
(3)
.
(1)
في إسناده سليمان بن عبد الرحمن بن ثوبان، لم يرو عنه إلا ابن أبي ذئب، ولم يوثقه إلا ابن حبان، ولذلك قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، يعني حيث يتابع، وإلا فلين الحديث. ولم يرو له أحد من أصحاب الكتب الستة إلا النسائي روى له هذا الحديث فقط، والله أعلم.
(2)
المسند (6/ 184).
(3)
انفرد علي بن عاصم الواسطي بذكر عبد الرحمن بن عتاب، والحديث في الصحيحين، من طريق عبد الرحمن بن الحارث، عن أبي هريرة، وعن عبد الرحمن بن الحارث =
(1263 - 136) وأما ما رواه ابن عبد البر من طريق عمر بن قيس، عن عطاء بن ميناء، عن أبي هريرة أنه قال: كنت حدثتكم: من أصبح جنباً فقد أفطر، فإنما ذلك من كيس أبي هريرة، فمن أصبح جنباً فلا بفطر
(1)
.
[فإسناده ضعيف جداً]
(2)
.
= عن عائشة وأم سلمة. وعبد الرحمن بن عتاب لم أقف له على ترجمة، ولا تحتمل تعدد القصة، فإنما هي قصة واحدة.
ثانياً قد رواه الثقات عن أبي قلابة، عن عائشة، وعن أبي قلابة عن أم سلمة، وكلاهما منقطع، لم يسمع أبو قلابة منهما. وهو أرجح من طريق علي بن عاصم، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عبد الرحمن بن عتاب، عن عائشة وأم سلمة.
فقد رواه عبد الوهاب بن عطاء، واختلف عليه فيه:
فرواه النسائي في السنن الكبرى (2939،2940) من طريق محمد بن المثنى ومحمد بن بشار، كلاهما عن عبد الوهاب، قال: وحدثنا وذكر خالد، عن أبي قلابة، عن عبد الرحمن بن الحارث، أنا أبا هريرة كان يقول: وفي آخره: قال أبو هريرة: هكذا كنت أحسب. قال النسائي: واللفظ لابن المثنى. قال النسائي: وأرسله خالد بن عبد الله وعبد العزيز بن المختار.
فرواه النسائي في الكبرى (2944) من طريق محمد بن المثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أم سلمة ..
ورواه النسائي (2941) من طريق خالد بن عبد الله الواسطي.
وأخرجه أيضاً (2942) من طريق عبد العزيز بن المختار، كلاهما عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عائشة ..
وأخرجه النسائي في الكبرى (2943) من طريق أيوب، عن أبي قلابة، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
…
وكل هذه الأسانيد منقطعة كما أسلفت، وليس في هذه الأسانيد ذكر لأبي هريرة، وإنما فيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً من غير احتلام ثم يتم صومه.
(1)
التمهيد (22/ 44).
(2)
في إسناده عمر بن قيس، متروك الحديث، انظر الجرح والتعديل (6/ 129)، وقال =
الوجه الخامس: من وجوه الترجيح ما ذكره البخاري في صحيحه، بعد أن أخرج حديث عائشة وأم سلمة، ثم ساق بعده ما يعارضه معلقاً، قال البخاري: قال همام وابن عبد الله بن عمر، عن أبي هريرة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالفطر.
قال البخاري: والأول أسند، يعني: حديث عائشة وأم سلمة.
ومقصود البخاري بقوله: والأول أسند، أي أكثر طرقاً إلى عائشة وأم سلمة، قال الحافظ: والذي يظهر لي أن مراد البخاري أن الرواية الأولى: أقوى إسناداً، وهي من حيث الرجحان كذلك؛ لأن حديث عائشة وأم سلمة في ذلك جاءا عنهما من طرق كثيرة جداً بمعنى واحد، حتى قال ابن عبد البر: إنه صح وتواتر، وأما أبو هريرة فأكثر الروايات عنه أن كان يفتي به، وجاء عنه من طريق هذين (يعني همام وابن عبد الله بن عمر) أنه كان يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك وقع في رواية معمر، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره .. أخرجه عبد الرزاق. وللنسائي من طريق عكرمة بن خالد، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، قال: بلغ مروان أنا أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ..... فذكره، وله من طريق المقبري، قال: بعثت عائشة إلى أبي هريرة لا تحدث بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأحمد من طريق عبد الله بن عمرو القارئ، سمعت أبا هريرة يقول: ورب هذا البيت، ما أنا قلت: من أدرك الصبح، وهو جنب فلا يصم، محمد
= الحافظ في الفتح تحت حديث (1926): وأما ما أخرجه ابن عبد البر من رواية عطاء بن ميناء، عن أبي هريرة
…
وذكر الأثر. قال الحافظ: فلا يصح ذلك عن أبي هريرة؛ لأنه من رواية عمر ابن قيس، وهو متروك. اهـ
ورب الكعبة قاله. اهـ نقلاً من الفتح
(1)
. وقد سبق تخريج كل هذه الطرق عند ذكر أثر أبي هريرة رضي الله عنه.
وأما طريقة من سلك مسلك الجمع، فله في الجمع أقوال:
الأول: قال بعضهم: إن حديث أبي هريرة إرشاد إلى الأفضل، فالأفضل أن يغتسل قبل الفجر، فلو خالف جاز.
قال النووي: وهذا مذهب أصحابنا، وجوابهم عن الحديث، فإن قيل: كيف يكون الاغتسال قبل الفجر أفضل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه؟ فالجواب أنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان الجواز، ويكون في حقه حينئذ أفضل؛ لأنه يتضمن البيان للناس، وهو مأمور بالبيان، وهذا كما توضأ مرة مرة في بعض الأوقات بياناً للجواز، ومعلوم أن الثلاث أفضل، وطاف على البعير، ومعلوم أن الطواف ساعياً أفضل
(2)
.
وهذا الجواب غير ظاهر، فلا يمكن حمل حديث أبي هريرة على فعل الأفضل وقد وقع التصريح في كثير من طرق حديث أبي هريرة بالأمر بالفطر لمن أصبح جنباً، وبالنهي عن الصيام لمن أصبح وهو جنب.
القول الثاني في الجمع:
قال بعضهم: إن حديث عائشة وأم سلمة في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي هريرة في حق أمته، فلا تعارض، فيكون من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم كونه يصبح جنباً، وهو صائم، ولا يجوز هذا الفعل لأمته عليه الصلاة والسلام.
(1)
تحت حديث رقم (1926).
(2)
شرح النووي لصحيح مسلم، تحت حديث (1109).
وهذا القول ضعيف؛ لأن خصائص النبي لا تثبت إلا بدليل صريح على أن هذا الحكم خاص به، وإلا فالأصل التأسي به صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}
(1)
.
وقد ورد دليل صريح بأن هذا الحكم ليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم،
(1264 - 137) فقد روى مسلم من طريق أبي يونس مولى عائشة،
عن عائشة أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه، وهي تسمع من وراء الباب، فقال: يا رسول الله تدركني الصلاة، وأنا جنب، أفأصوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا تدركني الصلاة، وأنا جنب، فأصوم. فقال: لست مثلنا يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي
(2)
.
القول الثالث في الجمع:
قال بعضهم: لعل حديث أبي هريرة محمول على من أدركه الفجر مجامعاً، فاستدام بعد طلوع الفجر عالماً فإنه يفطر، ولا صوم له
(3)
.
(1265 - 138) قال الحافظ ابن حجر: ويعكر عليه ما رواه النسائي من طريق أبي حازم، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبيه،
أنا أبا هريرة كان يقول: من احتلم وعلم باحتلامه، ولم يغتسل حتى
(1)
الأحزاب: 21.
(2)
مسلم (1110).
(3)
ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم تحت حديث رقم (1109).