الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثاني:
دل الدليل على اشتراط الطهارة الصغرى، وما اشترطت فيه الطهارة الصغرى كانت الطهارة الكبرى شرطاً فيه من باب أولى؛ لأنها أغلظ،
والدليل على اشتراط الطهارة الصغرى،
(1228 - 101) ما رواه البخاري، قال: حدثنا أصبغ، عن ابن وهب، أخبرني عمرو، عن محمد بن عبد الرحمن، ذكرت لعروة، قال:
فأخبرتني عائشة رضي الله تعالى عنها، أن أول شيء بدأ به حين قدم
= الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسة وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ، فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة. وهو في مسلم (276) بغير هذا اللفظ.
والذي ينتظر الصلاة لا يلزمه ما يلزم المصلي، فله أن يأكل ويلتفت عن القبلة، وغيرها، فقد يكون الطواف صلاة من أجل أن الصلاة شرعت لإقامة ذكر الله، قال تعالى:{وأقم الصلاة لذكري} والطواف إنما شرع لإقامة ذكر الله، وإن كانت الصلاة في اللغة: الدعاء، والطواف يدعو به الطائف ما شاء من أمور الدنيا والآخرة.
وهذا الكلام ليس دقيقاً؛ لأن هناك فرقاً بين أن أقول: الطواف كالصلاة في الأجر والمثوبة، وبين أن أقول: الطواف صلاة إلا في الكلام، فهذا واضح أن الحديث لم يتعرض للثواب، وإنما تعرض فيما يجب ويلزم ويمنع.
قال الكاساني في بدائع الصنائع (2/ 129): تعليقاً على حديث "الطواف بالبيت صلاة ": يحمل على التشبيه كما في قوله تعالى: {وأزواجه أمهاتهم} أي كأمهاتهم، ومعناه أن الطواف كالصلاة إما في الثواب، أو في أصل الفرضية في طواف الزيارة؛ لأن كلام التشبيه لا عموم له فيحمل على المشابهة في بعض الوجوه، عملاً بالكتاب والسنة " وانظر المبسوط (4/ 38).
النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ، ثم طاف، ثم لم تكن عمرة. الحديث
(1)
.
ولا يقال: إن الوضوء مجرد فعل من النبي صلى الله عليه وسلم، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، لأننا نقول:
(1229 - 102) قد روى مسلم في صحيحه من طريق ابن جريج، أخبرني أبو الزبير،
أنه سمع جابراً يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمى على راحلته يوم النحر ويقول: لتأخذوا مناسككم؛ فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه
(2)
.
قال الشنقيطي: وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لطوافه، قد دل دليلان على أن الوضوء لازم لابد منه:
أحدهما: أنه صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: «خذوا عني مناسككم» ، وهذا الأمر للوجوب والتحتم، فلما توضأ للطواف لزمنا أن نأخذ عنه الوضوء للطواف امتثالاً لأمره، في قوله صلى الله عليه وسلم «خذوا عني مناسككم» .
الثاني: أن فعله في الطواف من الوضوء له، ومن هيئته التي أتي به عليها كلها بيان وتفصيل لما أجمل في قوله تعالى:{وليطوفوا بالبيت العتيق} وقد تقرر في الأصول أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان لبيان نص من كتاب الله، فهو على اللزوم والتحتم، ولذا أجمع العلماء على قطع يد السارق من الكوع؛ لأن قطع النبي صلى الله عليه وسلم للسارق من الكوع، بيان وتفصيل لما أجمل في قوله تعالى {فاقطعوا
(1)
رواه البخاري (1614)، ومسلم (1235) وفي مسلم قصة.
(2)
صحيح مسلم (1297).
أيديهما} لأن اليد تطلق على العضو إلى المرفق، وإلى المنكب))
(1)
.
وأجيب عن هذا الدليل:
أما كونه لما طاف توضأ، فهذا وحده لا يدل على الوجوب؛ فإنه كان صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة حتى ولو كان طاهراً، وتيمم لرد السلام، وقال: إني كرهت أن أذكر الله على غير طهر.
وأما الجواب عن قوله: «لتأخذوا عني مناسككم» .
(2)
.
وعلى كل حال، لا أرى الاستدلال بمثل هذا الأمر العام المشتمل على أحوال وهيئات، وصفات وأقوال، أحكامها مختلفة، لا أرى أن يستدل على وجوبها بهذا العموم، فقوله صلى الله عليه وسلم:«خذوا عني مناسككم» يدل على كونه مشروعاً، وأنه من أفعال المناسك، أما دلالته على الوجوب فيحتاج إلى دليل خاص، كما أن دلالته على الشرطية أو الركنية يحتاج إلى دليل خاص كذلك، فإذا كان ورود الأمر الخاص فيه نزاع في دلالته على الوجوب كما هو معلوم في أصول الفقه، فما بالك في حديث:«خذوا عني مناسككم» والذي يشمل جميع أفعال المناسك.
(1)
أضواء البيان (5/ 203).
(2)
تهذيب السنن (1/ 53).