الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
في اغتسال الرجل وزوجه من إناء واحد وهما جنبان
(1317 - 190) روى البخاري في صحيحه من طريق إبراهيم، عن الأسود،
عن عائشة، قالت: كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، كلانا جنب، ورواه مسلم
(1)
.
وفي الصحيحين: «كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة»
(2)
.
وفيهما: تختلف فيه أيدينا
(3)
.
(1318 - 191) وفي رواية لمسلم: «كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد، فيبادرني حتى أقول: دع لي، قالت: وهما جنبان»
(4)
.
وللبخاري: نغرف منه جميعاً
(5)
.
ففي هذا الحديث دليل واضح على جواز وضوء الرجل من فضل المرأة الجنب والعكس؛ لأن اغتسالهما من إناء واحد يعني أن كلاً منهما يغتسل
(1)
البخاري (299)، ومسلم (316).
(2)
البخاري (263)، ومسلم (316).
(3)
البخاري (261)، ومسلم (221) وكلمة (من الجنابة) جاءت في البخاري بلفظ آخر.
(4)
مسلم (46 - 321).
(5)
البخاري (273).
بفضل صاحبه، وقد اختلف في الوضوء من فضل الجنب في الصدر الأول، بين ابن عمر رضي الله عنه، وبين ابن عباس رضي الله عنه.
(1319 - 191) فقد روى مالك، عن نافع،
أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا بأس أن يغتسل بفضل المرأة ما لم تكن حائضاً أو جنباً
(1)
.
[وسنده صحيح].
وبه أخذ إبراهيم النخعي، فقد قال ابن المنذر: انفرد إبراهيم النخعي بكراهة فضل المرأة إن كانت جنباً
(2)
.
وخالفهما حبر الأمة وترجمان القرآن، ابن عباس رضي الله عنهما.
فقد روى ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن أبي يزيد المديني، قال:
سئل ابن عباس عن سؤر المرأة، فقال: هي ألطف بناناً، وأطيب ريحا
(3)
.
[ورجاله ثقات].
وقد ذهب إلى الأخذ برأي ابن عباس جماهير أهل العلم، فأجازوا الوضوء بفضل المرأة، جنباً كانت، أو غير جنب
(4)
، وهو رواية عن أحمد،
(1)
الموطأ (1/ 52).
(2)
الأوسط (1/ 297).
(3)
المصنف (348).
(4)
انظر في مذهب الحنفية: تبيين الحقائق (1/ 31)، شرح معاني الآثار (1/ 26)، المبسوط (1/ 61،62)، حاشية ابن عابدين (1/ 133).
وفي مذهب المالكية: الخرشي (1/ 66)، مختصر خليل (ص: 5)، بداية المجتهد =
اختارها ابن عقيل من الحنابلة
(1)
، ورجحه ابن المنذر
(2)
،
(3)
. اهـ
قال ابن حجر: ونقل الطحاوي، ثم القرطبي، والنووي الاتفاق على جواز اغتسال الرجل والمرأة من الإناء الواحد، وفيه نظر؛ لما حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة أنه كان ينهى عنه، وكذا حكاه ابن عبد البر عن قوم، وهذا الحديث حجة عليهم
(4)
.
= (1/ 294)، التاج والإكليل (1/ 72)، المنتقى شرح الموطأ (1/ 63)، أحكام القرآن لابن العربي (3/ 442)، الاستذكار (1/ 372)، حاشية الدسوقي (1/ 35).
وفي مذهب الشافعية: الأم (1/ 21)، المجموع (2/ 221)، طرح التثريب (2/ 39،40)، تحفة المحتاج (1/ 77).
(1)
المغني (1/ 136).
(2)
قال في الأوسط (1/ 295): " والذي نقول به الرخصة في أن يغتسل كل واحد منهما ويتوضأ بفضل طهور صاحبه، وإن كانا جنبين أو أحدهما، أو كانت المرأة حائضاً، وسواء ذلك خلت به، أو لم تخل به، لثبوت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدالة على صحة ذلك. اهـ
(3)
التمهيد (14/ 165).
(4)
فتح الباري تحت رقم (193).
وخالف الحنابلة الجمهور في مسألتين:
في فهم فضل المرأة، وفي حكمه:
فقالوا في فضل المرأة: هو الماء الذي خلت به المرأة من مشاهدة مميز، سواء كان ذكراً أم أنثى، وليس ما انفردت به، وهو المشهور عند المتأخرين من الحنابلة
(1)
.
وأما حكم هذا الماء، فقالوا: طهور في حق المرأة، وليس طهوراً في حق الرجل، فلا يستعمل في رفع حدث الرجل خاصة، ويستعمل في إزالة النجاسة، كما يستعمل في رفع حدث المرأة والصبي
(2)
، ومذهب ابن
(1)
قال أحمد كما في مسائل عبد الله (1/ 22،23): " سمعت أبي يقول: لا بأس أن يتوضأ - يعني بفضل وضوء المرأة - وهو يراها، ما لم تخل به ". اهـ
فشرط هنا أن يراها، فيكون معنى الخلوة: هي عدم المشاهدة، ولذلك قال المراداوي في الإنصاف (1/ 49): إن في معنى الخلوة روايتين:
أحدهما: وهي المذهب، أنها عدم المشاهدة عند استعمالها من حيث الجملة.
والثانية: انفرادها بالاستعمال، سواء شوهدت أم لا، وتزول الخلوة بمشاركته لها في الاستعمال بلا نزاع.
(2)
مذهب الإمام أحمد كما في المشهور من مذهبه عند المتأخرين أن الماء لا يرفع حدث الرجل بشروط، وهي:
الأول: أن تخلو به المرأة عن مشاهدة رجل، أو امرأة، أو مميز، وقد قدمنا أن في المذهب روايتين، هذه أحدهما.
الثاني: أن تكون خلوتها بماء، فلا تضر خلوتها بتراب.
الثالث: أن يكون الماء يسيراً دون القلتين.
الرابع: أن تكون خلوتها بالماء لطهارة كاملة.
الخامس: أن تكون طهارتها عن حدث، وليس عن إزالة نجاسة. =
حزم قريب منه
(1)
.
وهذا الرأي من غريب الفقه، إذ كيف يكون ماء طهور في حق المرأة، ولا يكون طهوراً في حق الرجل، والحكم بالطهورية هو حكم وضعي، وليس حكماً تكليفياً، فإما أن يكون الماء قد طرأ عليه ما يفسده، فَنَقَلَه عن الطهورية إلى غيرها، وإما أن تكون الطهورية باقية، فلا فرق حينئذ بين الرجل والمرأة.
= قال ابن قدامة في المغني (1/ 137): " فإن خلت به في بعض أعضائها، أو في تجديد طهارة، أو استنجاء، أو غسل نجاسة، ففيه وجهان:
أحدهما: المنع؛ لأنه طهارة شرعية.
والثاني: لا يمنع؛ لأن الطهارة المطلقة تنصرف إلى طهارة الحدث الكاملة، وهذا ما عليه المتأخرون من أصحاب أحمد. وانظر في مذهب أحمد الكافي (1/ 62)، الإنصاف (1/ 48)، الفروع (1/ 83)، تنقيح التحقيق (1/ 214)، كشاف القناع (1/ 37).
(1)
قال ابن حزم في المحلى (1/ 204): " وكل ماء توضأت منه امرأة - حائض أو غير حائض - أو اغتسلت منه، فأفضلت منه فضلاً، لم يحل لرجلٍ الوضوء من ذلك الفضل، ولا الغسل منه، سواء وجدوا ماء آخر، أو لم يجدوا غيره، وفرضهم التيمم حينئذ، وحلال شربه للرجال والنساء، وجائز الوضوء به والغسل للنساء على كل حال، ولا يكون فضلاً إلا أن يكون أقل مما استعملته منه، فإن كان مثله، أو أكثر فليس فضلاً، والوضوء والغسل به جائز للرجال والنساء ".
والفرق بين اختيار ابن حزم، ومذهب الحنابلة، أن ابن حزم لا يشترط أن تخلو به المرأة عن المشاهدة، بل يكفي أن تنفرد به عن الرجل، ولا يحد ابن حزم الماء اليسير في القلتين، بل يحده بأن يكون الماء المتبقي أقل مما استعملته منه، فإن كان مثله أو أكثر فليس فضلاً، والله أعلم.
والصحيح أن الوضوء بفضل المرأة، جنباً كانت، أو حائضاً، جائر بلا كراهة، وهل يكون سؤر الهرة أطيب من سؤر المرأة؟! فيتوضأ الإنسان من سؤر الهرة بدون حرج، ويتحاشى سؤر المرأة.
وقد ذكرت أدلة الأقوال في مسألة مستقلة من كتاب أحكام الطهارة، في مباحث المياه والآنية، فأغنى عن إعادته هنا، والحمد لله.