الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسبب الخلاف في ذلك: ما جاء من النصوص الصحيحة الصريحة في عدم إيجاب الغسل من مجرد الإيلاج حتى يحصل إنزال، وقد قيل: إن هذا الحكم كان في أول الإسلام، ثم نسخ هذا الحكم بالأمر بالغسل بالتقاء الختانين، ولو لم يكن إنزال، فمن بلغه النسخ أخذ به، ومن لم يبلغه النسخ، لم يوجب الغسل حتى يحصل الإنزال، وإليك أدلة كل قول.
دليل من قال: لا يجب الغسل بالتقاء الختانين حتى ينْزل
.
الدليل الأول:
(1133 - 6) ما رواه البخاري من طريق يحيى بن أبي كثير، قال: أخبرني أبو سلمة، أن عطاء بن يسار أخبره، أن زيد بن خالد الجهني أخبره،
أنه سأل عثمان بن عفان فقال: أرأيت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمن؟ قال: عثمان يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ويغسل ذكره، قال عثمان: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألت عن ذلك علي بن أبي طالب،
= قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/ 398): استشكل بن العربي كلام البخاري، فقال: إيجاب الغسل أطبق عليه الصحابة ومن بعدهم، وما خالف فيه إلا داود، ولا عبرة بخلافه، وإنما الأمر الصعب مخالفة البخاري، وحكمه بأن الغسل مستحب، وهو أحد أئمة الدين وأجلة علماء المسلمين، ثم أخذ يتكلم في تضعيف حديث الباب بما لا يقبل منه، وقد أشرنا إلى بعضه ثم قال: ويحتمل أن يكون مراد البخاري بقوله: الغسل أحوط أي في الدين، وهو باب مشهور في الأصول، قال: وهو أشبه بإمامة الرجل وعلمه. قال الحافظ: وهذا هو الظاهر من تصرفه، فإنه لم يترجم بجواز ترك الغسل، وإنما ترجم ببعض ما يستفاد من الحديث من غير هذه المسألة. الخ كلامه رحمه الله تعالى.
وقول ابن العربي: إيحاب الغسل أطبق عليه الصحابة فمن بعدهم كلام فيه نظر كبير، وقد رده الحافظ ابن حجر، وسوف ننقل كلامه بحروفه في ثنايا هذا البحث إن شاء الله تعالى.
والزبير ابن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وأبي بن كعب رضي الله عنهم، فأمروه بذلك. قال يحيى: وأخبرني أبو سلمة، أن عروة بن الزبير أخبره، أن أبا أيوب أخبره، أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرجه مسلم أيضاً
(1)
.
فهذان حديثان مسندان، عن عثمان وأبي أيوب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صريحان في عدم إيجاب الغسل على من جامع، ولم ينزل.
وأجيب عن هذا بجوابين:
الأول: انفراد يحيى بن أبي كثير بهذا الحديث.
قال ابن عبد البر: هو حديث انفرد به يحيى بن أبي كثير، وقد جاء عن عثمان وعلي وأبي بن كعب ما يدفعه من نقل الثقات الأثبات ويعارضه، وقد دفعه جماعة منهم: أحمد بن حنبل وغيره، وقال علي وأبي بخلافه
قال يعقوب بن شيبة: سمعت علي بن المديني وذكر حديث يحيى بن أبي كثير هذا، فقال: إسناده جيد، ولكنه حديث شاذ، قال: وقد روي عن عثمان، وعلي، وأبي بن كعب، أنهم أفتوا بخلافه
ثم قال: وقال الأثرم: قلت لأحمد بن حنبل حديث حسين المعلم، عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عطاء بن يسار، عن زيد بن خالد، قال: سألت خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، وطلحة، والزبير، وأبي بن كعب، فقالوا: الماء من الماء، فيه علة تدفعه بها؟ قال: نعم؛ بما يروى عنهم من خلافه، قلت: عن عثمان، وعلي، وأبي بن كعب؟ قال: نعم.
(1)
البخاري (292)، ومسلم (347).
والحق أن الأحاديث في هذا الباب كثيرة، قال الحافظ ابن حجر: وفي الباب عدة أحاديث في عدم الإيجاب
(1)
.
قلت: منها ما رواه البخاري ومسلم من طريق عروة، عن أبي أيوب، عن أبي بن كعب مرفوعاً.
ومنها ما رواه البخاري ومسلم من طريق أبي صالح السمان، عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً.
وكل هذه الأحاديث في الصحيحين، وسوف نأتي إن شاء الله تعالى على ذكر هذه المتون، ولو لم يرد في هذا الباب إلا حديث يحيى ابن أبي كثير لقيل ربما يكون معلولاً بالتفرد، وربما يحمل كلام الإمام أحمد على الترجيح بينها، وليس مراده الحكم بوهم الراوي فيما روى.
قال الحافظ ابن حجر: وقد حكى الأثرم، عن أحمد أن حديث زيد بن خالد المذكور في هذا الباب معلول؛ لأنه ثبت عن هؤلاء الخمسة الفتوى بخلاف ما في هذا الحديث، وقد حكى يعقوب بن شيبة، عن علي بن المديني أنه شاذ، والجواب عن ذلك أن الحديث ثابت من جهة اتصال إسناده، وحفظ رواته، وقد روى ابن عيينة أيضا، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار نحو رواية أبي سلمة، عن عطاء، أخرجه ابن أبي شيبة وغيره، فليس هو فرداً، وأما كونهم أفتوا بخلافه فلا يقدح ذلك في صحته؛ لاحتمال أنه ثبت عندهم ناسخه فذهبوا إليه، وكم من حديث منسوخ، وهو صحيح من حيث الصناعة الحديثية. اهـ
(2)
.
(1)
تلخيص الحبير (1/ 235).
(2)
فتح الباري (1/ 397).