الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مبحث
في الحائض والنفساء تطهر قبل الفجر ولا تغتسل إلا بعد طلوع الصبح
إذا طهرت المرأة من الحيض ليلاً، ونوت الصيام، وأخرت الغسل إلى طلوع الفجر، فهل يصح صومها ذلك اليوم؟
اختلف العلماء في ذلك:
فقيل: إن طهرت قبل الفجر بوقت يتسع فيه للغسل، فلم تغتسل حتى طلع الفجر أجزأها، وإن كان الوقت ضيقاً، لا يتسع للغسل، لم يصح صومها
(1)
.
وهذا مذهب الحنفية، واختاره من المالكية عبد الملك، ومحمد بن مسلمة
(2)
.
(1)
إلا أن الحنفية يستثنون ما لو كان حيضها أكثر الحيض عندهم (عشرة أيام)، أو كان نفاسها أكثر النفاس عندهم (أربعون يوماً) ففي هذه الحالة إذا طهرت قبل الفجر صح صومها إذا أمكنها أن تنوي، ولو لم تدرك من الوقت ما يتسع للغسل.
ووجهه: أن المرأة إذا طهرت لأكثر الحيض أو النفاس فإنها تخرج من الحيض والنفاس بمجرد انقطاع الدم، أما إذا انقطع الحيض لدون عشرة أيام، أو انقطع النفاس لدون أربعين يوماً، فإن مدة الاغتسال محسوبة من الحيض والنفاس، فلا بد أن تدرك من الليل ما يتسع فيه للاغتسال ". انظر بدائع الصنائع (2/ 89) وقال في شرح فتح القدير (1/ 171):" واعلم أن مدة الاغتسال معتبرة من الحيض في الانقطاع لأقل من العشرة، وإن كان تمام عادتها، بخلاف الانقطاع للعشرة " اهـ.
(2)
انظر المعونة على مذهب مالك (1/ 481)، التفريع (1/ 308، 309)، الجامع =
وقيل: صيامها صحيح، وهو مذهب الجمهور
(1)
.
وقيل: لا يباح الصيام مطلقاً حتى تغتسل، وهو قول في مذهب الحنابلة
(2)
، وحكي قولاً للأوزاعي
(3)
.
وسبب الخلاف في هذه المسألة، اختلافهم فيها: هل هي مقيسة على من أجنب من الليل، ثم طلع عليه الفجر ولم يغتسل، أو لا؟
فمن رأى أن الحيض حدث يمنع من الصيام لم يجر القياس.
ومن رأى أن الحائض إذا طهرت من الدم أصبحت كالجنب بجامع أن
= لأحكام القرآن ـ القرطبي (2/ 326)، والموجود في تفسير القرطبي منسوباً لعبد الملك بأنه إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل فإن يومها يوم فطر مطلقاً، بينما الموجود في التفريع التفصيل: إن طهرت قبل الفجر في وقت يمكنها فيه الاغتسال ففرطت، فلم تغتسل حتى أصبحت، لم يضرها كالجنب، وإن كان الوقت ضيقاً لا تدرك فيه الغسل لم يجز صومها، وقد أشار إلى مثل ذلك القرطبي رحمه الله.
(1)
المدونة (1/ 207) وفيه: " وسألت مالكاً عن المرأة ترى الطهر في آخر ليلتها من رمضان، قال: إن رأته قبل الفجر اغتسلت بعد الفجر، وصيامها مجزئ عنها ".
وقال الخرشي (2/ 247): يجب الصوم على من رأت علامة الطهر قبل الفجر، وإن كان ذلك بلحظة، ولو لم تغتسل إلا بعد الفجر، بل ولو لم تغتسل أصلاً، فقوله في المدونة:"فاغتسلت " لامفهوم له؛ لأن الطهارة ليست شرطاً فيه، بخلاف الصلاة
…
. " الخ كلامه رحمه الله. وانظر مختصر خليل (ص: 71)، والمعونة على مذهب مالك (1/ 481)، التفريع (1/ 308،309)، الجامع لأحكام القرآن ـ القرطبي (2/ 326) ونسبه قولاً للجمهور.
وقال ابن المنذر في الإقناع (1/ 194): " وإذا أصبح المرء جنباً، أو كانت امرأة حائضاً فطهرت آخر الليل، ثم أصبحا صائمين يغتسلان " أي وصيامهما صحيح.
(2)
الإنصاف (1/ 349) المبدع (1/ 262).
(3)
الجامع لأحكام القرآن (2/ 326). ونسبه ابن قدامة في المغني (4/ 393) قولاً للأوزاعي، والحسن بن حيّ، وعبد الملك بن الماجشون، والعنبري ".
كلاً منهما يملك أن يرفع حدثه متى شاء، فالحائض عندما انقطع دمها قد طهرت من الخبث، وبقيت طهارتها من الحدث، فأصبح حدثها بعد انقطاع دمها لا يوجب إلا الغسل، كالجنب تماماً، وصفة الغسل في الجنابة والحيض واحدة، أجرى القياس، فصحح صيام الحائض إذا طهرت من الليل ولم تغتسل إلا بعد طلوع الصبح.
وهناك من رأى أنه يشترط أن تدرك من الوقت زمناً يتسع للغسل، حتى يكون الصيام واجباً في ذمتها، فإن كان الوقت ضيقاً، لا تدرك فيه الغسل، لم يصح صومها، ويومها يوم فطر، ويخرج الخلاف في هذه المسألة كالخلاف في من طهرت قبل خروج وقت الصلاة، هل يشترط أن تدرك من الوقت زمناً يتسع للغسل حتى تكون الصلاة واجبة في ذمتها، أو يكفي أن تدرك من الوقت مقدار تكبيرة الإحرام، أو مقدار ركعة، على الخلاف المعروف ولا مدخل فيه لوقت الغسل.
وقد ذكرنا أدلة هذه الأقوال بشيء من التفصيل في كتابي الحيض والنفاس رواية ودارية فأغنى عن إعادته هنا
(1)
.
(1)
انظر كتاب الحيض والنفاس (2/ 685).