الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن
في نوم الجنب
اتفق العلماء على جواز النوم للجنب قبل الاغتسال، واختلفوا في جواز النوم قبل الوضوء،
فقيل: الوضوء قبل أن ينام أفضل، وهو مذهب الحنفية
(1)
،
وإليه مال
(1)
قال في المبسوط (1/ 73)، ولا بأس للجنب أن ينام، أو يعاود أهله قبل أن يتوضأ؛ لحديث الأسود عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصيب من أهله، ثم ينام من غير أن يمس ماء، فإذا انتبه ربما عاود، وربما قام فاغتسل"، ثم قال: "وإن توضأ قبل أن ينام فهو أفضل؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم أصاب من أهله، فتوضأ، ثم نام، وهذا لأن الاغتسال والوضوء محتاج إليه للصلاة لا للنوم والمعاودة، إلا أنه إذا توضأ ازداد نظافة فكان أفضل". اهـ
وعبارة الفتاوى الهندية أن الوضوء حسن، قالوا (1/ 16):" ولا بأس للجنب أن ينام ويعاود أهله قبل أن يتوضأ، وإن توضأ فحسن " فهذه العبارة لا يؤخذ منها سنية الوضوء للجنب، كما لا يؤخذ منها استحباب الوضوء له، وإنما يدل على أن الوضوء من الفضائل فحسب. وانظر بدائع الصنائع (1/ 38).
بينما الزيلعي في تبيين الحقائق (1/ 3) اعتبر الوضوء للجنب عند إرادة النوم سنة.
وفي شرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 125) بعد أن ساق حديث أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينام وهو جنب، ولا يمس ماء.
قال الطحاوي: فذهب قوم إلى هذا، وممن ذهب إليه أبو يوسف، فقالوا: لا نرى بأساً أن ينام الجنب من غير أن يتوضأ؛ لأن التوضئ لا يخرجه من حال الجنابة إلى حال الطهارة، وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ينبغي له أن يتوضأ للصلاة قبل أن ينام ".
فهذا ظاهره أن أبا يوسف لا يرى الوضوء للنوم من الجنب، لأنه جعل قول أبي يوسف في مقابلة قول من قال: ينبغي له أن يتوضأ " حيث قال الطحاوي: وخالف أبا يوسف =
ابن عبد البر رحمه الله
(1)
.
وقيل: يندب للجنب أن يتوضأ قبل أن ينام، هو مذهب المالكية
(2)
،
= آخرون، فقالوا: ينبغي له أن يتوضأ، فمعنى ذلك أن قول أبي يوسف: أنه لا ينبغي للجنب أن يتوضأ، وهذا قول آخر في مذهب الحنفية.
وقد فهم هذا الفهم أيضاً صاحب التاج والإكليل (1/ 145) من المالكية، فقال:" ونقل الطحاوي أن أبا يوسف ذهب إلى عدم الاستحباب، وتمسك بما رواه أبو إسحاق، عن الأسود، عن عائشة، أنه صلى الله عليه وسلم كان يجنب، ثم ينام، ولا يمس ماء. "
(1)
قال ابن عبد البر في التمهيد (17/ 44): " وأولى الأمور عندي في هذا الباب، أن يكون الوضوء للجنب عند النوم كوضوء الصلاة حسناً مستحباً، فإن تركه فلا حرج؛ لأنه لا يرفع به حدثه، وإنما جعلته مستحباً، ولم أجعله سنة لتعارض الآثار فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، واختلاف ألفاظ نقلته، ولا يثبت ما كانت هذه حاله سنة ".
(2)
في مذهب المالكية وقفت على ثلاثة أقوال: القول بأنه مندوب، وآخر بأنه مرغب فيه، أي من الفضائل، وثالث: بأنه واجب، ففي الشرح الصغير (1/ 176) اقتصر على القول بالندب فقط، وهو ما اختاره خليل في مختصره رحمه الله تعالى (ص: 17)، وتابعه عليه شراح المختصر، كما في حاشية الدسوقي (1/ 138)، وتأتي عبارته بعد قليل إن شاء الله تعالى.
وجاء في شرح الزرقاني (1/ 143): " ذهب الجمهور إلى أنها للاستحباب - يعني وضوء الجنب للنوم - وهو قول مالك والشافعي وأحمد، وذهب أهل الظاهر إلى وجوبه، وهو شذوذ ".
وقال القاضي عياض في إكمال المعلم (2/ 142): ظاهر مذهب مالك أنه ليس بواجب، وإنما هو مرغب فيه ".
وهذا يجعل الوضوء أقل من المندوب؛ لأن المستحب والمرغب فيه عند فقهاء المالكية يلحق بالفضائل، وليس بالسنن.
وهناك قول بالوجوب عند المالكية، ونسب إلى مالك، ولكن أكثر أصحابه على عدم ثبوت هذا القول عن مالك، قال ابن العربي في العارضة كما في شرح الزرقاني (1/ 142):" قال مالك والشافعي: لا يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ، وأُنْكِر عليه؛ لأنهما لم يقولا بوجوبه، ولا يعرف عنهما ". =
وقيل: يكره أن ينام بدون وضوء، وهو مذهب الشافعية
(1)
، والمشهور عند المتأخرين من الحنابلة
(2)
، واختيار ابن تيمية رحمه الله
(3)
.
وقيل: يجب عليه الوضوء إذا أراد أن ينام، اختاره ابن حبيب من
= وقد قال الدسوقي في حاشيته (1/ 138): " لا خلاف في أن الجنب مأمور بالوضوء قبل النوم، وهل الأمر بذلك واجب أو ندب؟ في المذهب قولان ".
وعبارة المدونة (1/ 30): " قال مالك: لا ينام الجنب حتى يتوضأ، ولا بأس أن يعاود أهله قبل أن يتوضأ، قال: ولا بأس أن يأكل قبل أن يتوضأ، قال: وأما الحائض فلا بأس أن تنام قبل أن تتوضأ، وليس الحائض في هذا بمنزلة الجنب. اهـ
فنهى مالك الجنب أن ينام حتى يتوضأ، وجَوَّز أكل الجنب ومعاودته الوطء بدون وضوء، كما جوز النوم للحائض بدون وضوء، وقوله: ليس الحائض بمنزلة الجنب، فظاهر هذا الكلام أن مالك يرى وجوب الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام، فقول ابن العربي ليس بمستنكر، خاصة أن الدسوقي في حاشيته ذكر أن في المذهب المالكي قولين: الوجوب والندب، وممن قال بالوجوب من المالكية ابن حبيب، فيستغرب كيف يقول ابن عبد البر: إن القول بالوجوب شاذ، فيكفي أنه قد قال به اثنان من المالكية: ابن حبيب وابن العربي، وهو ظاهر عبارة الإمام في المدونة، أضف إلى ذلك، أن القول بالوجوب هو ظاهر السنة، حيث علق جواز النوم بشرط الوضوء، فجاء في الحديث: " أينام الجنب؟ قال: نعم إذا توضأ وسيأتي تخريجه في ذكر الأدلة إن شاء الله تعالى.
(1)
المهذب (1/ 30)، وقال النووي في المجموع (2/ 178):" ويكره للجنب أن ينام حتى يتوضأ ". وانظر: مغني المحتاج (1/ 63)، روضة الطالبين (1/ 87)، حاشيتا قليبوبي وعميرة (1/ 78)، الفتاوى الفقهية الكبرى للهيتمي (1/ 63).
وفي إعانة الطالبين (1/ 79): ويحصل أصل السنة بغسل الفرج إن أراد نحو جماع أو نوم أو أكل أو شرب، وإلا كره. اهـ
(2)
قال في مطالب أولي النهى (1/ 185 - 186): " وكره تركه أي الوضوء لجنب لنوم فقط، أي دون الأكل والشرب ". اهـ وانظر كشاف القناع (1/ 158).
(3)
مجموع الفتاوى (21/ 343).