الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الطلاق
(1)
(1)
الطلاق لغة: التخلية، وشرعاً: حل قيد نكاح - بإيقاع نهاية عدده -، أو بعضه - بتطليق المرأة طلقة رجعية -. وتعتري الطلاق الأحكامُ الخمسة:(الحكم الأول) الكراهة: فيكره بلا حاجة، أي: مع استقامة الحياة بين الزوجين؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» ، رواه أبو داود وابن ماجه. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وقال الذهبي: على شرط مسلم، وقال ابن الملقن: إسناد أبي داود صحيح، وصححه السيوطي.
(تتمة) الأنكحة التي يقع فيها الطلاق: 1 - النكاح الصحيح، 2 - والنكاح الفاسد، وهو المختلف في صحته كالنكاح بلا ولي، أو بلا شهود، أو نكاح الشغار، والتحليل، والمتعة فيلزم الزوج طلاق امرأته خروجاً من خلاف من صحح العقد، ويصح الطلاق في جميعها.
وفائدة تصحيح الطلاق في النكاح الفاسد: أنه لو طلقها ثم عقد عليها عادت إليه على ما مضى من الطلاق، ولو طلق في الفاسد ثلاثاً لم ترجع إليه إلا بعد زوج ووطء وعقد جديد، نص عليه ابن نصر الله. أما النكاح الباطل - وهو الذي أجمع العلماء على بطلانه - فلا يقع فيه الطلاق، ويجب على الرجل فراق من نكحها نكاحاً باطلاً، ومثال النكاح الباطل: الزواج بالخامسة، أو بأخت الزوجة.
يُكرَه بِلَا حَاجَةٍ، وَيُبَاح لَهَا
(1)
، وَيُسنُّ لتضرُّرها بِالوَطءِ وَتركِهَا صَلَاةً وعفةً وَنَحْوِهمَا
(2)
.
وَلَا يَصحُّ إلا من زوجٍ وَلَو مُمَيّزاً يعقِلُهُ
(3)
.
(1)
(الحكم الثاني) الإباحة: فيباح للحاجة كسوء خلق المرأة والتضرر به.
(2)
(الحكم الثالث) السنية: فيسن في الحالات التالية: 1 - لتضررها بالوطء، والمراد: تضررها باستدامة عقد النكاح لا حقيقة الوطء - كما في الإقناع والمنتهى -. 2 - ولتركها صلاة، والمراد: تفريطها في حقوق الله، وكذلك تركها عفة، أي: ارتكابها الفواحش، وله عضلها والتضييق عليها في هذه الحال لتفتدي منه؛ لقوله تعالى:{ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما أتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} [النساء، 19]. والرواية الثانية في المذهب: وجوب طلاق من تركت العفة والمفرطة في حقوق الله، ذكرها في الإقناع واختارها شيخ الإسلام.
(تتمة)(الحكم الرابع) الحرمة: فيحرم الطلاق في حالتين: 1 - في الحيض، 2 - وفي طهر أصابها فيه. و (الحكم الخامس) الوجوب: فيجب الطلاق على المولي بعد التربص، أي: بعد مضي الأربعة أشهر، ولا يجب على الابن طاعة أحد والديه إن أمره بتطليق زوجته.
(3)
لا يصح الطلاق إلا من الزوج؛ للحديث: «إنما الطلاق لمن أخذ بالساق» ، رواه ابن ماجه، ولا يشترط كونه بالغاً، فيصح من مميز يعقله ويفهم أن زوجته تبين وتنفصل عنه إن طلقها.
(تتمة) شروط صحة الطلاق: (الشرط الأول) كونه من زوج، وكذا من حاكم على المولي بعد التربص إن لم يفئ، (الشرط الثاني) كون المطلِّق عاقلاً ولو مميزاً يعقل الطلاق، لكن السكران الآثم يقع طلاقه، (الشرط الثالث) كونه مختاراً، فلا يقع طلاق المكرَه ظلماً، (الشرط الرابع) كون المتلفظ بالطلاق يريد معناه، قال البهوتي في الكشاف:(أي: ألا يقصد بلفظ الطلاق غير المعنى الذي وضع له)، فلا يقع طلاق فقيه يكرره لتعليم، ولا من يحكي طلاقاً ولو عن نفسه كأن يقول: فقلت لزوجتي أنتِ طالق، أو: هي طالق، فلا يقع طلاقه؛ لأنه لا يريد معنى الطلاق حين نطق به. (الشرط الخامس) النطق به: فلا يقع الطلاق بالنية، ويقع الطلاق إذا حرك لسانه بالطلاق ولو لم يسمعه، وإذا لم يلفظ به فلا يقع إلا في موضعين: 1 - إذا كتب صريح طلاق امرأته كتابة واضحة، قلتُ: ولو بالهاتف النقال ما لم يرد غمَّ أهله فلا تطلق. 2 - إذا طلق الأخرس بالإشارة المفهومة. انظر الكشاف 12/ 242.
وَمَن عُذِرَ بِزَوَالِ عقلِهِ أو أُكرِهَ أو هُدِّدَ من قَادرٍ فَطلقَ لذَلِك لم يَقعْ
(1)
.
(1)
فلا يقع طلاق: 1 - من زال عقله بجنون أو إغماء، لكن يقع من السكران الآثم، كما تقدم. 2 - ولا من أُكره على طلاق امرأته بعقوبة كأن تابع المكرِهُ الضربَ عليه حتى طلق، أما الشتم فليس من الإكراه الذي يمنع وقوع الطلاق. والإكراه المعتبر في المذهب: ما كان متعلقاً بالنفس أو الولد لا بغيرهما كالأب والأم والأخ. 3 - ولا من هدَّده قادرٌ على تنفيذ ما هدد به كسلطان وحاكم، وغلب على ظنه أنه سيوقع عليه العقوبة إن لم يمتثل أمرَه.
(تتمة) ومن سُحر ليطلق لم يقع طلاقه كالمكره، ذكره شيخ الإسلام واعتمده ابن النجار في المنتهى مذهباً مستمراً، واعتمده كذلك الحجاوي في الإقناع، ومرعي الكرمي في الغاية، وقال المرداوي في الإنصاف:(لو سُحِر ليطلق كان إكراهاً، قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله، قلتُ: بل هو من أعظم الإكراهات .. وهو المذهب الصحيح).
وَمن صَحَّ طَلَاقُه صَحَّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ وتوكُّلُهُ
(1)
، وَيصِحُّ تَوْكِيلُ امرأةٍ فِي طَلَاق نَفسِهَا وَغَيرِهَا
(2)
.
وَالسُّنَّةُ أن يُطلقَهَا وَاحِدَةً
(3)
فِي طهرٍ لم يُجَامعْ فِيهِ، وإن طلق مَدْخُولاً
(1)
أي: من صح أن يطلق لنفسه - مِن بالغ ومميز يعقل الطلاق - صح أن يوكل غيرَه فيه، وصح أن يتوكل عن غيره في الطلاق.
(2)
أي: يصح توكيل الزوج امرأتَه في طلاق نفسها، ويصح توكيل المرأة في طلاق غيرها.
(تتمة) يتعلق بالوكيل في الطلاق أحكام: 1 - له أن يطلق متى شاء ما لم يُحد له وقتا، لكن ليس له أن يطلق وقت البدعة، 2 - وليس له أن يطلق إلا واحدة ما لم يجعل له أكثر، 3 - وليس له أن يعلق الطلاق، بخلاف الزوج، 4 - وتبطل وكالته بفسخ الزوج الموكِّل لتلك الوكالة، وبوطء زوجته التي وكَّل في طلاقها.
(3)
الطلاق السُّنِّي: هو ما أذن فيه الشارع، والطلاق البدعي: هو ما نهى عنه الشارع. والأصل فيه قوله تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق، 1]، قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم: أي طاهرات من غير جماع، ولما طلق ابن عمر رضي الله عنهما امرأته وهي حائض غضب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لعمر رضي الله عنه:«مُره فليراجعها، ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساءُ.» متفق عليه.
بهَا فِي حيضٍ أو طهرٍ جَامَعَ فِيهِ
(1)
فبدعةٌ محرمٌ
(2)
وَيَقَعُ
(3)
،
لَكِن تُسنُّ
(1)
بأن حاضت ثم طهرت فجامعها ثم طلقها.
(2)
فيأثم الزوج بفعله، لكن لو سألَتْه طلاقاً على عوض وهي حائض أو في طهر جامعها فيه فهو بدعة لكنه غير محرم، كما قال عثمان النجدي (استثناء). وكذلك لا يحرم أن يطلق الرجل امرأته في النكاح الفاسد حال كونها حائضاً أو في طهر جامعها فيه.
(3)
أي: يقع هذا الطلاق، وهو رأي الجماهير منهم المذاهب الأربعة، ولهم على ذلك أدلة كثيرة جداً، فالمذهب - وهو الصحيح - أن الطلاق البدعي في الحيض يقع، خلافاً لما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى. ومن أقوى أدلة وقوعه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر رضي الله عنهما أن يراجع زوجته، وهل يأمره بمراجعة امرأة لم تطلق؟ وفي صحيح مسلم: قال نافع: وكان عبد الله بن عمر طلقها تطليقة، فحُسِبَتْ، فراجعها كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم .. وقد قال بعض العلماء: لا نعرف من الذي حسبها هل هو ابن عمر أم النبي صلى الله عليه وسلم؟ ويقال: هذا الكلام فيه من الضعف ما فيه، وهل هناك من يحسبها تطليقة غير النبي صلى الله عليه وسلم؟ ! ، وقد بحث المسألةَ الشيخ عبد الله البسام رحمه الله في «توضيح الأحكام شرح بلوغ المرام» بحثاً مستفيضاً ورجح وقوعَ هذا الطلاق، وذكر كلامَ الشيخ الألباني، وأن ابن القيم لم ينتبه لبعض الطرق الصحيحة التي ذُكر فيها أن الطلقة حُسبت عليه، وذلك صريح في الوقوع، وكذلك ساق ابن حجر في بلوغ المرام طرقاً كثيرة تصرح بذلك. والله أعلم. (بحث)
(تتمة) صيغ الطلاق الثلاث: من طلق امرأته ثلاثاً سواء قال: أنت طالق ثلاثاً، أو قال: طالق طالق طالق، ونوى تعدد الألفاظ، فهذا طلاق بدعي محرم، ويقع ثلاثاً، أما شيخ الإسلام ابن تيمية فيرى أنه يقع واحدة فقط.
فالطلاق - بالنسبة لعدد الطلقات - له ثلاثة أحكام: 1 - إن طلق واحدة، فهو جائز وموافق للسنة إن توفرت بقية الشروط، 2 - وإن طلق اثنتين فمكروه، وتطلق اثنتين، 3 - وإن طلق ثلاثاً فبدعي محرم، وتقع الثلاث.
(تتمة) الفرق بين المدخول بها وغير المدخول به: يقع الطلاق المتعدد بالمدخول بها، أما غير المدخول بها فتطلق واحدة وتبين بها، ولا يقع بها أكثر من طلقة واحدة إلا في مواضع يقع بغير المدخول بها أكثر من واحدة: 1 - لو قال: أنت طالق ثلاثاً، فتطلق ثلاثاً. 2 - لو قال: أنت طالق وطالق وطالق، فتطلق ثلاثاً أيضاً. 3 - لو قال: أنت طالق طلقة معها - أو: مع، أو: فوقها، أو: فوق، أو: تحتها، أو: تحت - طلقة، فتطلق ثنتين، وكذلك لو قال: أنت طالق وطالق. 4 - الكنايات الظاهرة، وهي ست عشرة، كقوله: أنت خلية، فإن نوى الطلاق وقع ثلاثاً بالمدخول بها وغير المدخول بها. 5 - الكنايات الخفية، وهي عشرون، كقوله: اذهبي، فإن نوى الطلاق ونوى أكثر من طلقة وقع ما نواه حتى لو كانت غير مدخول بها.
وذكر الشيخ عثمان ضابطاً فقال: (مدار الفرق بين المدخول بها وغير المدخول بها: أن الطلاق متى أوقعه الزوج في آن واحد استوتا، ومتى أوقعه في آنين فأكثر اختلفتا، فتبِين غير المدخول بها بما أوقعه أولاً، ولا يلحقها ما بعده، ويقع كله على المدخول بها).
رَجعتُهَا
(1)
.
(1)
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر رضي الله عنهما أن يراجع زوجته، متفق عليه.
وَلَا سُنَّةَ وَلَا بِدعَةَ لمستبينٍ حملُهَا
(1)
، أو صَغِيرَةٍ، وآيسةٍ، وَغيرِ مَدْخُولٍ بهَا
(2)
.
وَيَقَعُ بصريحِهِ مُطلقًا
(3)
، وبكنايتِه مَعَ النِّيَّةِ
(4)
، وصريحُهُ لفظُ طَلَاقٍ وَمَا تصرَّف مِنْهُ
(5)
غيرَ أمْرٍ ومضارعٍ و «مُطَلِّقَةٍ» بِكَسْر اللَّام
(6)
.
(1)
فيجوز أن يطلق من استبان حملها حتى لو كان يطؤها.
(2)
فلا يوصف طلاقهن - أي: طلاق المستبين حملها، والصغيرة، والآيسة، وغير المدخول بها - بسنة ولا بدعة.
(3)
أي: سواء نوى أم لم ينو، جاداً كان أو هازلاً، والصريح: ما لا يحتمل غير ما وضع له.
(4)
الكناية في الطلاق: هي ألفاظ تحتمل الطلاق وغيرَه، فيقع بها الطلاق مع النية المقارنة للفظ.
والكناية قسمان: (القسم الأول) الكناية الظاهرة: وهي ما وُضع للبينونة والطلاق فيها أظهر، وهي ستة عشر لفظاً، ويقع الطلاق بها ثلاثاً ولو نوى أقل منها، (القسم الثاني) الكناية الخفية: وهي عشرون لفظاً، ويقع الطلاق بها واحدة ما لم ينو أكثر.
(5)
أي: صريح الطلاق الذي إذا تلفظ به الزوج يكون طلاقاً: هو لفظ الطلاق، وهو أن يقول: أنتِ الطلاق، وكذا ما تصرف من كلمة:(الطلاق). والتصريف - كما قال البعلي -: أن يُشتق من المصدر خمسة أشياء: الفعل الماضي، والمضارع، والأمر، واسم المفعول، واسم الفاعل. فيقع الطلاق بقوله: أنتِ طالق، أو: أنتِ الطلاق، أو: طلقتكِ.
(6)
فلا يقع الطلاق بالأمر: كاطلقي، ولا بالمضارع: كتطلقين؛ لأنه وعد، ولا باسم الفاعل: كأنت مطلِّقة، بكسر اللام؛ لأنها لا تدل على إيقاع الطلاق.
وإن قَالَ: أنت عَليّ حرَامٌ، أو كَظهرِ أُمِّي، وَمَا أحلَّ الله عَليَّ حرَامٌ، فَهُوَ ظِهَارٌ وَلَو نوى طَلَاقاً
(1)
، وإن قَالَ كالميتة أو الدَّمِ، وَقع مَا نَوَاه، وَمَعَ عدم نِيَّةٍ ظِهَارٌ
(2)
.
وإن قَالَ: حَلَفتُ بِالطَّلَاقِ وَكَذَب دُيِّن وَلَزِمَه حُكْماً
(3)
.
(1)
لأن هذه الألفاظ صريحة في الظهار، فيكون قوله ظهاراً لا كناية في الطلاق؛ لأنه صريح في الظهار، ولا يقع به الطلاق ولو نواه، كما في الإقناع، ولكن هذا مقيد بما إذا لم يقل تلك الألفاظ لمحرَّمة بحيض ونحوه، أما لو قالها لمحرَّمة عليه بحيض أو إحرام فلا يقع الظهار ولا يترتب عليه شيء بشرط أن ينوي كونَ التحريم بسبب الحيض أو الإحرام، كما في المنتهى.
(2)
أي: إذا قال: أنت عليَّ كالميتة، أو: كالدم، فإنه يقع ما نواه من طلاق أو ظهار أو يمين، فإن لم ينو شيئاً من ذلك وقع ظهاراً.
(3)
أي: لو قيل له مثلاً تعشَّى فقال: قد حلفتُ بالطلاق أني لا أتعشى، وهو في الحقيقة لم يحلف بالطلاق على عدم العشاء، ثم تعشى، فهل تطلق زوجته؟ الجواب: يُلزم بالطلاق حكماً، أي: إن رافعته امرأته وحاكمته لم يقبل كلامه أنه لم يحلف؛ فيحكم الحاكم عليه بالطلاق؛ لأنه يدعي خلاف ظاهر لفظه، والقاضي إنما يحكم بالظاهر، أما لو لم تحاكمه وصدقته فهي زوجته باطناً والعقد بحاله. (تحرير مهم)
(تتمة) الحلف بالطلاق: هو تعليق الطلاق على فعل يقصد المنع منه أو الحث عليه أو التصديق أو التكذيب. ومثاله: أن يقول لمن يريد حثه على العشاء عنده: علي الطلاق أن تتعشى عندي، أو يقول لامرأته التي يريد منعها من الذهاب إلى أهلها: إن ذهبتِ إلى بيت أهلك فأنت طالق. فالحلف بالطلاق كاليمين التي استُبدل فيها لفظ الجلالة بلفظ الطلاق، ويجري في حكمه مجرى اليمين، ويرى الجمهور - وهو المذهب - أنه حَلِفٌ، وأنه إذا تحقق المعلق عليه وقع الطلاق، أما شيخ الإسلام فيرى أنه يمين يكفّر عنها كفارة يمين، ولا يقع طلاقه. وقد تساهل الكثير من طلاب العلم في الفتوى المتعلقة بالحلف بالطلاق بناء على رأي ابن تيمية رحمه الله، وقد رد السبكي الشافعي على شيخ الإسلام في رسالة له وذكر أدلة تؤيد وقوع الطلاق منها إجماعات وأثرا قويا جداً في صحيح البخاري أن ابن عمر رضي الله عنهما سُئل عن رجل طلق امرأته البتة فقال: إن ذهبت إلى بيت أخيها
…
فقال ابن عمر: إن ذهبت فقد بُتت منه، وهذا رأي صحيح صريح ويكون أَولى بالتقديم والحكم به من رأي غيره، والله أعلم. (بحث)
وَيملك حُرٌّ ومُبَعَّضٌ ثَلَاث تَطلِيقَاتٍ، وَعبدٌ اثْنَتَيْنِ
(1)
.
وَيصِح اسْتِثنَاءُ النّصْفِ فَأَقلَّ من طَلَقَاتٍ
(2)
ومُطَلَّقاتٍ
(3)
.
(1)
فالعبرة في عدد الطلقات بالرجل لا المرأة، فإن كان الزوج حراً ملك ثلاث طلقات، وإن كان عبداً ملك طلقتين.
(2)
الاستثناء لغة: الرجوع، واصطلاحاً: إخراج بعض الجملة بـ «إلا» أو ما يقوم مقامها من متكلم واحد، فيصح استثناء النصف فأقل من عدد الطلقات، كأن يقول: أنتِ طالق ثلاثاً إلا واحدة، أو: ثنتين إلا واحدة، فتطلق في الأولى: طلقتين، وفي الثانية: طلقة واحدة. أما لو استثنى أكثر من النصف كأن قال: أنت طالق ثلاثاً إلا ثنتين، لم يصح الاستثناء، وتقع الثلاث.
(3)
كأن يطلق زوجاته الأربع ويستثني فلانة وفلانة.
وَشُرِطَ تلفظٌ، واتصالٌ مُعْتَادٌ، وَنِيَّتُهُ قبل تَمامِ مُسْتَثْنًى مِنْهُ
(1)
، وَيصِحُّ بقلبٍ من مُطَلَّقاتٍ لَا طَلَقَاتٍ
(2)
.
وأنتِ طَالِقٌ قبل موتِي تطلق فِي الحَال
(3)
، وَبعدَهُ أو مَعَه لَا تطلقُ
(4)
، وَفِي هَذَا الشَّهْر أو اليَوْم أو السّنة تطلق فِي الحَال
(5)
، فإن قَالَ أردتُ آخرَ
(1)
يشترط لصحة الاستثناء أربعة شروط: (الشرط الأول) أن يتلفظ بالاستثناء، كأن يقول: إلا واحدة، فلا بد في الاستثناء في العدد من النطق بالمستثنى، أما الاستثناء في المطلقات فيصح أن يستثني فيه بقلبه، كما سيأتي إن شاء الله. (الشرط الثاني) اتصال معتاد إما لفظاً بأن يأتي به متوالياً، وإما حكماً بأن يقطع بين المستثنى والمستثنى منه بشيء يسير كسعال أو عطاس. (الشرط الثالث) أن ينوي الاستثناء قبل أن يُتِمَّ المستثنى منه، كأن يقول: أنت طالق ثلاثاً إلا طلقة، وينوي استثناء الطلقة قبل أن يتم قوله: ثلاثاً، وإلا لم ينفعه. (الشرط الرابع) أن يكون الاستثناء للنصف فأقل، وتقدم.
فإن تخلف شرط لم يصح الاستثناء، ويقع الطلاق بكل ما تلفظ به من عدد وغيره.
(2)
فمن طلق نساءه واستثنى بقلبه إحداهن صح، ولا يصح ذلك في عدد الطلقات، فلا بد من التلفظ به، فلو طلق امرأته ثلاثاً واستثنى بقلبه واحدة لم يصح.
(3)
لأن كل ما قبل موته يصدق عليه قوله: قبل موتي.
(4)
أي: إذا قال: أنت طالق بعد موتي، أو: مع موتي، فلا تطلق، وذلك لحصول البينونة بالموت قبل وقوع الطلاق، فلا يبقى بعد الموت نكاح يزيله الطلاق.
(5)
فلو قال: أنت طالق في هذا الشهر، أو: في هذا اليوم، أو: في هذه السنة، فإنها تطلق في الحال؛ لأن الوقت الذي تكلم فيه يصدق عليه كونه: في ذلك الشهر، أو اليوم، أو السنة.
الكلِ، قُبِلَ حكماً
(1)
، وَغداً أو يَوْمَ السبت وَنَحْوُهُ تطلقُ بأولِهِ
(2)
، فَلَو قَالَ أردتُ الآخِرَ لم يُقْبَلْ
(3)
، وإذا مَضَتْ سنةٌ فأنتِ طَالِق، تطلق بِمُضِيِّ اثْنَي عشر شهراً
(4)
،
وإن قَالَ السّنةَ، فبانسلاخ ذِي الحجَّة
(5)
.
(1)
أي: لو قال مثلاً: أنت طالق في هذا الشهر، ثم قال: أردتُ - أي: نويتُ - آخر الشهر، فإنه يقبل منه حكماً، أي: عند القاضي، قال البهوتي في شرح المنتهى معللاً:(لأن آخر هذه الأوقات وأوسطها منها كأولها، فإرادته لذلك لا تخالف ظاهرَ لفظه).
(2)
فلو قال: أنت طالق غداً، فإنها تطلق بأول اليوم، أي: بطلوع الفجر، وكذا لو قال: أنت طالق يوم السبت، ونحوه: كيوم الخميس.
(3)
لأنه مخالف لمقتضى اللفظ؛ فإن مقتضاه الوقوع في كل جزء من اليوم.
(4)
فلو قال: أنت طالق إذا مضت سنة - بالتنكير -، فإنها تطلق بمضي اثني عشر شهراً بالأهلة من حين ذلك القول، ولو قال ذلك في أثناء الشهر كفي اليوم الخامس عشر مثلاً وكان ذلك الشهر 29 يوماً، فإنه يحسب 14 يوماً إلى نهاية الشهر، ثم يحسب 11 شهراً بالرؤية، ثم يحسب من الشهر الأخير 16 يوماً ليستكمل 30 يوماً، وهذه قاعدة مطّردة في المذهب، في العِدد والإجارة وغيرها، فيُتم الشهر الأول بالعدد، وما بعده بالأهلة، وهكذا ..
(5)
أي: لو قال: أنت طالق إذا مضت السنة، فإنها تطلق بانتهاء ذي الحجة، حتى لو لم يبق منه إلا أيام، لكن قال في الإقناع وشرحه:((فإن قال أردت بالسنة اثني عشر شهرا دُيِّنَ وقُبل) منه حكماً؛ لأن لفظه يحتمله).