الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الجنايات
(1)
القَتْلُ
(2)
: عمدٌ، وَشِبهُ عمدٍ، وَخطأٌ.
فالعمدُ يخْتَصُّ القَوَدُ بِهِ
(3)
،
وَهُوَ أن يَقْصِدَ من يعلمُهُ آدمياً مَعْصُوماً،
(1)
الجنايات: جمع جناية، وهي: التعدي على نفسٍ أو مالٍ. وهي شرعاً: التعدي على البدن بما يوجب قصاصاً أو مالاً.
(2)
القتل هو: فعل ما تزهق به النفس، أي: ما تفارق به الروحُ الجسدَ. وقتل الآدمي بغير حق من كبائر الذنوب يفسق فاعله، وقد قال تعالى:{ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم} [النساء، 93]، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا:«لا يحلُّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة» ، متفق عليه.
(3)
القتل ثلاثة أقسام: (القسم الأول) العمد: وقد عرفه الماتن بقوله: أن يقصد من يعلمه آدمياً معصوماً، فيقتله بما يغلب على الظن موته به.
(تتمة) يترتب على القتل العمد: 1 - الإثم؛ لأنه محرم، 2 - والقود - أي: القصاص - بشرطه، ويختص القصاص بالعمد، فلا يجب في غيره من أنواع القتل، 3 - والدية فيه مغلظة وواجبة في مال الجاني، 4 - والحرمان من الميراث، والقتل الذي يُحرم فاعله من الميراث هو: كل قتل ترتب عليه قصاص أو دية أو كفارة. أما الكفارة فلا تجب في القتل العمد.
فيقتُلَهُ بِمَا يغلبُ على الظَّنِّ مَوتُهُ بِهِ
(1)
كجرحهِ بِمَا لَهُ نُفُوذٌ فِي البَدَنِ، وضربِهِ بِحجرٍ كَبِيرٍ
(2)
.
وَشبهُ العمدِ أن يَقصِدَ جِنَايَةً لَا تَقْتُلُ غَالِباً وَلم يجرحْهُ بهَا كضربٍ بِسَوْطٍ أو عَصاً
(3)
.
(1)
فشروط القتل العمد ثلاثة: 1 - أن يقصد القتل، 2 - وأن يعلم أن المقصود آدميٌّ، وأنه معصومٌ، 3 - وأن تكون الآلة صالحة للقتل عادة، حادة كانت أو لا. أما المحدد ولو إبرة فلا يعتبر أن يغلب على الظن موته به على المذهب، بل متى جرحه به ولو في غير مقتل فمات من ذلك، فهو عمد. (استثناء من الشرط الثالث)
(2)
صور القتل العمد تسع: ذكر منها الماتن اثنتين: 1 - أن يجرحه بما له نفوذ في البدن، أي: بما يدخل في البدن ويقطع الجلد واللحم، كما في الإقناع، 2 - أو يضربه بحجر كبير ولو في غير مقتل؛ لأن الضرب بالحجر الكبير في أي موضع من الجسد يغلب على الظن الموت به، 3 - أو يلقيه في حفرة مع أسد أو مكتوفاً في الفضاء بحضرة أسد، 4 - أو يلقيه في نار تحرقه أو ماء يغرقه ولا يمكنه التخلص منهما فيموت من ذلك، 5 - أو يخنقه بحبل أو غيره، 6 - أو يحبسه ويمنعه الطعام والشراب فيموت جوعاً أو عطشاً، 7 - أو يسقيه سماً يقتل غالباً، 8 - أو يقتله بسحر يقتل غالباً، ويقتل الساحر القاتل قصاصاً، كما مشى عليه في المنتهى، 9 - أو يشهد عليه رجلان بقتل عمد أو ردة، فيقتل بسبب ذلك، ثم يعودان ويقولان: عَمَدنا قتله، أو يحكم عليه الحاكم بالقصاص ظلماً، ثم يقول: تعمدت قتله.
(3)
(القسم الثاني) من أقسام القتل: شبه العمد: وهو: أن يقصد جناية لا تقتل غالباً، ولم يجرحه بها كضربٍ بسوط أو عصا فيموت من ذلك، والجناية في شبه العمد قد تكون بقصد العدوان أو بقصد التأديب لكن مع الإسراف فيه والزيادة عن المطلوب، كما في الإقناع. وقولهم: ولم يجرحه بها: فلو جرحه بمحدد لكان عمداً وتقدم. وقد ثبت شبه العمد بالسنة دون الكتاب، ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:«عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد، ولا يُقتل صاحبه» ، رواه أحمد وأبو داود، بخلاف العمد والخطأ فإنهما ثبتا بالقرآن الكريم.
(تتمة) يترتب على شبه العمد: 1 - الإثم، بخلاف قتل الخطأ، 2 - والكفارة في مال الجاني، 3 - والدية المغلظة على عاقلته، 4 - وحرمانه من الميراث؛ لأنه يلزم القاتل فيه الدية والكفارة. ولا قود في القتل شبه العمد.
والخطأُ
(1)
أن يَفْعلَ مَا لَهُ فعلُه كرمي صيدٍ وَنَحْوِه فَيُصِيبُ آدمياً
(2)
.
وَعمدُ صبيٍّ وَمَجْنُونٍ خطأٌ
(3)
.
وَيُقتلُ عَددٌ بِوَاحِدٍ
(4)
،
(1)
(القسم الثالث) من أقسام القتل: الخطأ: وهو قسمان: خطأ في القصد، وخطأ في الفعل، ولم أجد له تعريفاً عند الحنابلة وإنما يذكرون له صوراً.
(2)
أي: أن يفعل الشخص ما يباح له فعله كرمي صيد أو هدف، فيصيب آدمياً معصوماً لم يقصده بالقتل فيقتله، فالقتل هنا خطأ.
(تتمة) يترتب على القتل الخطأ: 1 - الكفارة في مال القاتل، 2 - والدية على عاقلته، 3 - وحرمانه من الميراث؛ لتعلق الدية والكفارة به.
(3)
لعدم القصد الصحيح منهما، فهو من باب الخطأ في القصد.
(4)
أي: إذا قتل مجموعةٌ شخصاً، فإنهم يقتلون جميعاً بشرط: 1 - أن يصلح فعل كل واحد منهم للقتل ما لم يتواطؤوا، فإن تواطؤوا على قتله قُتلوا كلهم ولو لم يصلح فعل واحد منهم للقتل، 2 - وأن لا يكون أحدهم فعل ما لا تبقى معه الحياة كأن يخرج أحدهم أمعاءه ثم يذبحه الآخر، فالقصاص إذَن على الأول وحده. ويدل على قتل الجماعة بالواحد قوله تعالى:{ولكم في القصاص حياة} [البقرة، 179]، وإجماع الصحابة رضي الله عنهم، وقد قال عمر رضي الله عنه في الغلام الذي قُتل غيلة:«لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم به» ، رواه البخاري.
وَمَعَ عَفْوٍ
(1)
يجبُ دِيَةٌ وَاحِدَة.
وَمنْ أكرَه مُكَلَّفاً على قتلِ مُعَيْنٍ
(2)
أو على أن يُكرِهَ عَلَيْهِ فَفعل: فعلى كُلٍّ القودُ أو الدِّيَةُ
(3)
.
وإن أَمَرَ بِهِ غيرَ مُكَلّف
(4)
أو مَنْ يَجْهَلُ تَحْرِيمَهُ
(5)
أو سُلْطَانٌ ظلماً مَنْ
(1)
أي: مع عفو ولي الدم.
(2)
فإن أكره على قتل غير معين فليس إكراهاً، فلو قيل له: اقتل زيداً أو عمراً، فقَتَل أحدَهما، قُتل القاتل وحده.
(3)
أي: من أكره شخصاً مكلفاً على قتل إنسان معين، أو أكرهه على أن يُكْرِهَ شخصاً على قتل إنسان معين فقَتَله، فعلى الثلاثة القود أو الدية؛ وذلك لأن الآمر تسبب فيما يفضي إلى القتل غالباً، وأما المباشر للقتل، فلكونه غيرَ مسلوب الاختيار.
(4)
أي: من أمر شخصاً غير مكلف - كصغير أو مجنون - بالقتل فقَتَل، فالقصاص على الآمر وحده.
(5)
أي: من أمر بالقتل شخصاً مكلفاً يجهل تحريم القتل كحديث عهد بإسلام أو ناشئ بدار بعيدة عن دار الإسلام، فالقصاص على الآمر أيضاً، أما إن علم المأمور تحريم القتل فالقصاص عليه، ويؤدَّب الآمر والظاهر: وجوبا؛ لأنه فعل محرما والله أعلم.
جَهِلَ ظلمَهُ فِيهِ: لزم الآمِرَ
(1)
.
(1)
أي: لو أمر السلطان أحد عساكره أو جنوده بقتل شخصٍ ظُلماً، وكان المأمور يجهل عدم استحقاق ذلك الشخص للقتل، فقتله، فالقصاص على الآمر.
(تتمة) ذكر شيخ الإسلام كلاماً نفيساً يتعلق بهذه المسألة نقله عنه الشيخ منصور في الكشاف، فقال:(هذا بناءً على وجوب طاعة السلطان في القتل المجهول، وفيه نظر، بل لا يطاع حتى يعلم جواز قتله، وحينئذ فتكون الطاعة له معصية لا سيما إذا كان معروفاً بالظلم، وهنا الجهل بعدم الحل كالعلم بالحرمة)، فلا بد أن يسأل الجندي عن حال من أُمر بقتله خاصة إذا علِم ظلم الحاكم، وإلا لم يعذر بجهله وأثم بقتله.