المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل (في مفسدات الصوم وما يكره ويسن فيه) - الحواشي السابغات على أخصر المختصرات

[أحمد بن ناصر القعيمي]

فهرس الكتاب

- ‌تقريظ سماحة المفتي العام للمملكة

- ‌تقديم

- ‌تقريظ الشيخ محمد بن عبد الرحمن السماعيل

- ‌مقدمة أسفار

- ‌مصطلحات الحاشية:

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌كتاب الطهارة

- ‌فصل (في الآنية)

- ‌فصل (في الاستنجاء)

- ‌فصل (في السواك وسنن الفطرة)

- ‌فصل (في الوضوء)

- ‌فصل (في المسح على الخفين)

- ‌فصل (في نواقض الوضوء)

- ‌فصل (في الغسل)

- ‌فصل (في التيمم)

- ‌فصل (في إزالة النجاسة)

- ‌فصل في الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌فصل (في الأذان والإقامة)

- ‌فصل (في شروط الصلاة)

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌فصل (في أركانها(1)وواجباتها)

- ‌فصل (في سجود السهو)

- ‌فصل (في صلاةِ التطوع)

- ‌فصل (في صلاة الجماعة)

- ‌فصل (في أحكام الإمامة)

- ‌فصل (في صلاة أهل الأعذار)

- ‌فصل (في القصر والجمع وصلاة الخوف)

- ‌فصل (في صلاة الجمعة)

- ‌فصل (في صلاة العيدين)

- ‌فصل (في صلاتي الكسوف(1)والاستسقاء)

- ‌كتاب الجنائز

- ‌فصل (في غسل الميت وتكفينه)

- ‌فصل (في الصلاة على الميت وحمله ودفنه)

- ‌كتاب الزكاة

- ‌فصل (في زكاة الخارج من الأرض)

- ‌فصل (في زكاة الأثمان والعروض)

- ‌فصل (في زكاة الفطر)

- ‌فصل (في إخراج الزكاة وأهلها)

- ‌كتاب الصيام

- ‌فصل (في مفسدات الصوم وما يكره ويسن فيه)

- ‌فصل (في صوم التطوع)

- ‌فصل (في الاعتكاف

- ‌كتاب الحج والعمرة

- ‌فصل (في المواقيت(1)ومحظورات الإحرام)

- ‌فصل في الْفِدْيَةِ

- ‌باب دخول مكة

- ‌فصل في صفة الحج والعمرة

- ‌فصل (في أركان وواجبات الحج والعمرة)

- ‌فصل في (الهدي والأضحية)

- ‌كتاب الجهاد

- ‌فصل (في عقد الذمة)

- ‌كتاب البيع(1)وسائر المعاملات

- ‌فصل (في الشروط في البيع)

- ‌فصل (في الخيار)

- ‌فصل (في أحكام قبض المبيع)

- ‌فصل (في الربا والصرف)

- ‌فصل (في بيع الأصول والثمار)

- ‌فصل (في السلم)

- ‌فصل في (القرض)

- ‌فصل (في الرهن)

- ‌فصل (في الضمان(1)والكفالة والحوالة)

- ‌فصل (في الصلح)

- ‌فصل (في أحكام الجوار)

- ‌فصل (في الحجر)

- ‌فصل (في المحجور عليه لحظه)

- ‌فصل (في الوكالة)

- ‌فصل (في الشَّرِكَة)

- ‌فصل (في المساقاة(1)والمزارعة)

- ‌فصل (في الإجارة)

- ‌فصل (في لزوم الإجارة وما يوجب الفسخ)

- ‌فصل (في المسابقة)

- ‌فصل (في العارية)

- ‌فصل (في الغصب)

- ‌فصل (في تصرفات الغاصب وغيره)

- ‌فصل (في الشفعة)

- ‌فصل (في الوديعة)

- ‌فصل (في إحياء الموات)

- ‌فصل (في الجِعالة)

- ‌فصل (في اللقطة)

- ‌فصل (في الوقف)

- ‌فصل (في الهبة)

- ‌كتاب الوصايا

- ‌فصل (في الموصى إليه)

- ‌كتاب الفرائض

- ‌فصل (في الجد مع الإخوة)

- ‌فصل (في الحجب)

- ‌فصل (في التعصيب)

- ‌فصل (في التأصيل والعول والرد)

- ‌فصل في ذوي الأرحام

- ‌فصل (في ميراث الحمل)

- ‌كتاب العتق

- ‌كتاب النكاح

- ‌فصل (في أركان النكاح وشروطه)

- ‌فصل (في المحرمات في النكاح)

- ‌فصل (في الشروط في النكاح)

- ‌فصل (في العيوب في النكاح)

- ‌باب الصداق

- ‌فصل في الوليمة

- ‌فصل (في عشرة النساء)

- ‌باب الخلع

- ‌كتاب الطلاق

- ‌فصل (في تعليق الطلاق)

- ‌فصل (في الرجعة)

- ‌فصل (في الإيلاء)

- ‌فصل (في الظهار)

- ‌فصل (في اللعان وما يلحق من النسب)

- ‌باب العِدَد

- ‌فصل (في الرضاع)

- ‌باب النفقات

- ‌فصل (في نفقة الأقارب والمماليك والبهائم)

- ‌فصل (في الحضانة)

- ‌كتاب الجنايات

- ‌فصل (في شروط القصاص)

- ‌فصل (في العفو عن القصاص والقود فيما دون النفس)

- ‌فصل (في الديات)

- ‌فصل (في مقادير ديات النفس)

- ‌فصل (في ديات الأعضاء ومنافعها والشجاج)

- ‌فصل (في العاقلة(1)والقسامة)

- ‌كتاب الحدود

- ‌فصل (في حد المسكر)

- ‌فصل (في القطع في السرقة)

- ‌فصل (في حد قطاع الطريق(1)وفي البغاة)

- ‌فصل (في المرتد)

- ‌فصل (في الأطعمة)

- ‌فصل (في الذكاة)

- ‌فصل (في الصيد)

- ‌باب الأيمان

- ‌فصل (في كفارة اليمين وجامع الأيمان)

- ‌فصل (في النذر)

- ‌كتاب القضاء

- ‌فصل (في الدعاوى والبينات)

- ‌فصل (في القسمة)

- ‌كتاب الشهادات

- ‌فصل (في عدد الشهود)

- ‌فصل (في الشهادة على الشهادة)

- ‌كتاب الإقرار

الفصل: ‌فصل (في مفسدات الصوم وما يكره ويسن فيه)

‌فصل (في مفسدات الصوم وما يكره ويسن فيه)

وَمن أدخل إلى جَوْفه

(1)

أو مُجَوَّفٍ فِي جسده كدماغٍ وَحلقٍ شَيْئاً

(2)

من أَي مَوضِعٍ كَانَ

(3)

غيرَ

(1)

الجوف - كما في المصباح المنير -: يستعمل فيـ (ما يقبل الشَّغل والفراغ)، والمراد به هنا: المعدة.

(2)

مطلقاً سواء كان سائلاً أو مائعاً، مغذيًا أو غير مغذٍ.

(3)

أي: من جسده، يقولون: الدماغ هو أحد الجوفين، والحلق مجوف أيضاً، فإذا أدخل فيه شيئاً أفطر وإن لم يصل إلى معدته؛ لأنه مظنة الوصول إلى المعدة. كذلك المرأة تفطر إن أدخلت شيئاً في باطن فرجها؛ لأنه جوف.

فالمراد بالجوف: المعدة على وجه الخصوص عند فقهاء الحنابلة، وأما المجوَّفُ: فهو كل ما يكون فيه فراغ وغير ممتلئ كالمعدة والدماغ والحلق والبطن والصدر والظهر والدبر وباطن فرج المرأة، بخلاف الفخذ مثلاً فهو ممتلئ لا فراغ فيه، وكذا العضد والساعد والقدم والساق، قال في المصباح:(وقيل للجراحة جائفة اسم فاعل من جافته تجوفه إذا وصلت الجوف فلو وصلت إلى جوف عظم الفخذ لم تكن جائفة لأن العظم لا يعد مجوفا) والله أعلم. (تحرير معنى الجوف)

(تنبيه) يشترط للفطر بإدخال شيء إلى الجوف أو مجوف في الجسد: العلم بالواصل كما في الكشاف، ودليل الطالب: فيشترط أن يتيقن وصول قطرة العين والأنف للحلق، وإلا لم يفطر. وكذا يشترط العلم بوصول قطرة الأذن ودواء المأمومة التي في رأسه للدماغ. وكذا لو داوى الجائفة - وهي الجرح الذي يكون في الظهر، والبطن، والصدر - فيشترط للفطر بهذه أن يعلم وصولها للمعدة (وهذه تحتاج لتحرير، وكلامهم هنا محتمل؛ لاشتراط وصوله للمعدة أو بمجرد وضع شيء فيها يصير مفطراً، فالله أعلم). أما الحقنة من الدبر، فلم يشترطوا وصولها للمعدة؛ لأنها منفذ لها، فبمجرد وضعها يفطر، وكذا باطن فرج المرأة، والله أعلم.

ص: 232

إحلِيلِه

(1)

، أو ابتلع نُخامةً بعد وصولها إلى فَمِه

(2)

، أو استقاءَ فقاء

(3)

، أو استمنى، أو بَاشرَ دون الفرجِ فَأمنى،

(1)

الإحليل - كما في المطلع -: مخرج البول، فإذا أدخل أو قَطَرَ في ذكره شيئاً لم يفطر ولو وصل إلى مثانته؛ لأنه لا ينفذ إلى المعدة ولا إلى البدن.

(2)

فإنه يفطر، وحد الفم: مخرج الخاء كما قاله ابن بلبان في مختصر الإفادات، فإذا وصلت النخامة إلى فمه فابتلعها أفطر، سواء كانت من حلقه أو دماغه أو صدره.

(3)

استقاء: أي: طلب إخراج القيء من المعدة، فإن فعل أفطر، أما إن غلبه القيء فلا.

ص: 233

أو أمذى

(1)

، أَو كرر النّظر فأمنى

(2)

، أو نوى الْإِفْطَارَ

(3)

، أو حَجَمَ، أو احْتَجَم

(4)

عَامِدًا مُخْتَارًا ذَاكِرًا لصومه

(5)

(1)

فإنه يفطر؛ لمعارضة الحديث القدسي: «يترك شهوته وطعامه من أجلي» متفق عليه، وهذا من الشهوة.

(2)

ولا يفطر إن أمذى؛ لعدم إمكان التحرز منه، فلا يفطر بالمذي هنا خلافاً لما تقدم.

(3)

أي: نوى قطع نية الصوم، فيفطر ولو لم يتناول شيئاً؛ لكن ليس حكمه كمن أكل، أوشرب، فيجوز أن يستأنف نية جديدة لصيام نفل، إلا إذا نوى الإفطار في رمضان، فإنه يفطر ولا يجوز له أن ينويه نفلاً.

(4)

حَجَمَ: حجم غيره، أو احتجم: حجمه غيرُه، فيفطر لحديث:«أفطر الحاجم والمحجوم» ، رواه الإمام أحمد وغيره. وهذه من المفردات، والعلة فيها تعبدية، فلا يقاس عليها التبرع بالدم ولا الفصد ولا الشرط.

(5)

يشترط للفطر بما تقدم أن يكون: 1 - عامداً، أي قاصداً الفعل، ليخرج من لم يقصده كمن طار إلى حلقه ذباب أو غبار، 2 - مختاراً، أي غير مكره، 3 - ذاكراً لصومه، فلو كان ناسياً لم يفطر. أما الجهل بالتحريم، فلا يعذر به على المذهب، أي: الجهل أن كذا يحرم تناوله أو أن الحجامة مثلاً تفطر، فإنه يفطر بها.

(تتمة) في مفطرات معاصرة:

1 -

التبرع بالدم: التبرع بالدم لا يفطر على المذهب؛ لأن الفطر بالحجامة تعبديّ، فلا يقاس عليه الفصد والشرط والتبرع. والمفتى به من قِبَل علمائنا المعاصرين كالشيخين ابن باز وابن عثيمين - رحمهما الله تعالى - أن التبرع يفطر.

2 -

الإبر المغذية وغير المغذية: الإبر التي? تغذي، والتي تكون في اليد أو الفخذ أو الرجل? تفطر؛ لأنها ليس بينها وبين المعدة منفذ مفتوح. أما التي تكون في البطن أو الصدر أو الظهر، فإن تحقق وصول شيء منها إلى المعدة فإنها تفطر، وإلا فلا. أما الإبر المغذية، فرأي الشيخين أنها تفطر. قلت: وينبغي أن يكون هو قياس المذهب؛ لكونها تغذي الجسم كما يغذيه الأكل والشراب والله أعلم.

3 -

الغسيل الكلوي: رأي الشيخين أنه يفطر، أما حكمه على المذهب فيحتاج إلى تحرير ونظر.

4 -

المنظار: الظاهر أنه يفطر على المذهب إن كان عن طريق الحلق ووصل إلى الحلق وإن لم يكن عليه شيء من دهن ونحوه، وبعض المشايخ يرى أنه إن كان عليه شيء كزيت ونحوه فإنه يفطر، وإلا فلا.

5 -

القسطرة: القسطرة كالمنظار، لكنها إن كانت من غير الحلق ولم تصل إلى المعدة - وهذا الغالب فيها -، فالأظهر: أنها لا تفطر، والله أعلم.

6 -

التطيب بالبخور: إن تعمد استنشاقه ووصل إلى حلقه، فإنه يفطر، وإلا فلا.

7 -

معجون الأسنان: الذي يظهر لي من مذهب الحنابلة تحريمه، قياساً على تحريمهم للعلك المتحلل، لكن? يفطر بالمعجون إلا إذا وصل طعمه إلى الحلق. أما استعمال فرشاة الأسنان بدون معجون، فالذي يظهر أنها مباحة ما لم تكن بعد الزوال، فالظاهر الكراهة؛ لأنها تزيل أثر الصيام من الفم، والله أعلم.

8 -

التحاميل والحقن التي تؤخذ عن طريق الدبر: كلاهما مفطر على المذهب؛ لأن الدبر منفذ للمعدة على المذهب، وقد صرحوا به.

9 -

قطرة العين والأنف والأذن: للأطباء طريقة للتقطير في الأنف والعين بحيث? يصل إلى الحلق منها شيء، لكن إن وصل شيء من القطرة - سواء كانت قطرة العين أو الأنف أو الأذن - إلى الحلق أو الدماغ، فإن الصوم باطل، وإلا فلا، وهذا الحكم الوضعي. ودليل الفطر حديث:«وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» أخرجه الأربعة. أما الحكم التكليفي في جواز التقطير أو عدم جوازه - سواء وصل إلى الحلق أو الدماغ أو لم يصل -، فلم أقف على كلام صريح للحنابلة فيه، ثم وقفت على كلام شيخ الإسلام في شرح العمدة حيث قال:(الصحيح أنه إذا غلب على ظنه أنه لا يصل إلى حلقه لم يكره).

10 -

دواء الغرغرة للفم: يقال فيه ما قيل في قطرة العين والأنف والأذن، فإن وصل شيء منها إلى الحلق أفطر بها الصائم وإلا فلا، وقد يقال فيه: هي كالمضمضة، فلا تفطر، والله أعلم.

11 -

بخاخ الربو: يفطر على المذهب قياساً على البخور؛ لأنه يصل إلى الحلق، والله أعلم.

12 -

البنج: إن كان عن طريق الأنف أو الفم ويكون بالاستنشاق، فإنه يفطر إن وصل للحلق، وهذا الأصل أنه يمر بالحلق، وأهل الطب يقولون إن له طعماً يكون في الحلق. وأما إن كان عن طريق الإبرة في اليد أو الوَرِك، فالأظهر: أنه? يفطر، والله أعلم.

ص: 234

أفطر، لَا إنْ فكّر فَأنْزل

(1)

، أو دخل مَاءُ مضمضةٍ أو استنشاقٍ حلْقَه، وَلَو بَالغ أو زَاد على ثَلَاث

(2)

.

وَمن جَامع برمضان نَهَاراً

(3)

بِلَا عذرِ شَبَقٍ

(1)

أي: فأنزل منياً أو مذياً فلا يفطر؛ لأنه بغير مباشرة ولا نظر.

(2)

فلا يفطر، لكن تكره المبالغة في المضمضة والاستنشاق للصائم.

(3)

سواء كان صائماً، أو كان ممن يلزمه الإمساك كمسافر قدم مفطراً، أو مريض شُفي في اليوم الذي أفطر فيه.

ص: 236

وَنَحْوِهِ

(1)

فَعَلَيهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ مُطلقًا

(2)

، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا مَعَ الْعذرِ كنومٍ وإكراهٍ ونسيانٍ وَجَهلٍ، وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ

(3)

.

(1)

الشَّبَقُ: اشتداد الشهوة للجماع. ويشترط لكي يباح الجماع لمن فيه شبق: 1 - ألا تندفع شهوته بغير الجماع، 2 - أن يخاف - إذا لم يجامع - تشقق ذكره أو أنثييه أو مثانته، فإن جامع لم تجب عليه كفارة، لكن بالشرط المذكور. ويجوز الوطء أيضاً لمن به مرض ينتفع به، وهو داخل في قول الماتن:(ونحوه).

(2)

أي: ناسياً كان أو جاهلاً أو مخطئاً، فلا يعذر الرجل في المذهب بالجماع مطلقاً؛ ويقولون: لا يتصور إكراهه في الجماع.

(3)

فتعذر المرأة بنوم وإكراه ونسيان وجهل، فلا كفارة عليها، لكن لا بد أن تقضي، قال في الكشاف:(قال في الشرح: بغير خلاف نعلمه). ويجب عليها إذا أكرهها على الجماع أن تدفعه بالأسهل فالأسهل، وإن أدى ذلك إلى قتله.

(تنبيه) اقتصر الماتنُ على إيجاب الكفارة بالجماع فقط، فلا تجب في غيره، وهو الذي مشى عليه في الإقناع والغاية. أما المنتهى فتابع التنقيح في إيجاب الكفارة أيضاً بالإنزال بالمساحقة بين امرأتين، وإنزال المجبوب - وهو المقطوع ذكره - مع مثله أو مع امرأة. والأصل أن المذهب ما في المنتهى؛ لكن البهوتي في كشاف القناع ذكر كلام الإقناع والمنتهى، وقال في المساحقة والمجبوب:(ولا كفارة، صححه في المغني والشرح فيما إذا تساحقتا، ونقله في الإنصاف عن الأصحاب في مسألة المجبوب؛ لأنه لا نص فيه، ولا يصح قياسه على الجماع). ومع ذلك فنقول إن المذهب ما في المنتهى؛ لأنه تابع التنقيح، والله أعلم. (مخالفة الماتن)

ص: 237

وَهِي عتقُ رَقَبَةٍ فإن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين، فإن لم يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكيناً، فإن لم يجد سَقَطت

(1)

.

وَكُرِه أن يجمعَ رِيقَه فيبتلِعَه

(2)

، وذوقُ طَعَامٍ

(3)

، ومضغُ عِلكٍ لا

(1)

فالكفارة على الترتيب. وقوله: عتق رقبة فإن لم يجد

: أي: الرقبة ولا ثمنها، ويطعم كل مسكين مد بر أو نصف صاع من غيره، فإن لم يجد سقطت. ولا يلزمه إن وجد بعد ذلك أن يخرج الكفارة؛ لأن العبرة في الكفارات بوقت الوجوب، فينظر في حال الإنسان وقتَ وجوب الكفارة عليه، فإن كان قادراً على شيء عومل به ولو تغير حاله بعد ذلك.

(تتمة) هل يحرم على من جامع زوجته نهار رمضان أن يجامعها قبل الكفارة؟ قال في كشاف القناع: (ولا يحرم الوطء هنا قبل التكفير، ولا في ليالي صوم الكفارة، ذكره في الرعاية والتلخيص، ككفارة القتل، بخلاف الظهار، والفرق واضح). (فرق فقهي)

ويسقط بالعجز في المذهب ثلاثة أمور: 1 - كفارة الوطء في نهار رمضان، 2 - وكفارة الوطء في الحيض، 3 - وصدقة الفطر، وليست كفارة، لكنهم يذكرونها هنا تتمة لما يسقط بالعجز.

(2)

أما إن وصل إلى شفتيه فابتلعه، فإنه يفطر، وكذلك إن أخرجه ثم أعاده.

(3)

تابع فيه المنتهى كالتنقيح، وهو المذهب. ومفهوم كلامهم: أنه يكره مطلقاً، سواء احتاج إلى ذلك أو لا، قال ابن النجار في المعونة:(فعلى الكراهة، متى وجد طعمه في حلقه أفطر؛ لإطلاق الكراهة)، وأما الإقناع فقال:(ويكره له ذوق الطعام بلا حاجة)؛ ويفهم منه: أنه إذا احتاج لذوق الطعام كالطباخ مثلاً فلا كراهة، وتابعه صاحب الغاية في ذلك، قال في كشاف القناع:(ومقتضاه: أنه لا فطر إذا قلنا بعدم الكراهة للحاجة)، ومع ذلك فقد قالوا كلهم:(إذا وجد طعم المذوق في حلقه أفطر، فيجب عليه أن يخرج ما ذاقه من فمه ويستقصي في ذلك)، ونص صاحب المنتهى على هذا في شرحه لا في المنتهى؛ فَهُم اختلفوا في المقدمات (الحكم التكليفي)، واتفقوا في النتائج والمآلات (الحكم الوضعي)، وهذه من المسائل النادرة التي يحصل فيها ذلك. (مخالفة)

ص: 238

يتحلل، وإن وجد طعمَهما فِي حلقِه أفطر

(1)

، والقُبلةُ وَنَحْوُهَا

(2)

مِمَّن تحرّك شَهْوَتَه.

وَيحرُم إن ظنَّ إنزالاً

(3)

، ومضغُ علكٍ يتَحَلَّل

(4)

، وَكذبٌ وغيبةٌ، ونميمةٌ وَشتمٌ وَنَحْوهُ بتأكدٍ

(5)

.

(1)

قوله: لا يتحلل: أي: لا يتفتت، وقوله: طعمهما: أي: طعم الطعام الذي ذاقه أو طعم العلك، فإن وجد الطعم في حلقه أفطر. فالواجب على من ذاق طعاماً أو أكل علكاً لا يتحلل أن يسعى في إخراج كل بقايا الطعام أو العلك الذي في فمه، ولا يبلعه.

(2)

أي: تكره القبلة ونحوها كالمعانقة، ولمس الزوجة، وتكرار النظر إليها.

(3)

فيحرم التقبيل ونحوه إن ظن إنزال مني أو مذي؛ لأن نزول أحدهما مع القبلة ونحوها يفسد الصوم على المذهب، أما مع تحرك الشهوة فقط فيكره، كما تقدم.

(4)

فيحرم ولو لم يبتلع ريقه، وهو المذهب - خلافاً لزاد المستقنع -؛ لأنه عَرَّضَ صومه للفساد، وإن وجد طعمه في حلقه أفطر.

(5)

قال الإمام أحمد رحمه الله: (لو كانت الغيبة تفطر ما كان لنا صوم)، وهذا من تواضعه رحمه الله.

(تتمة) يسن له الكف عمَّا يكره، وعن الكلام المباح الذي لا فائدة منه، قاله الشيخ منصور؛ لحديث:«من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» ، رواه الترمذي وغيره.

(تتمة) لو شُتم الصائم سن له أن يقول: إني صائم، مرتين أو ثلاثاً كما قاله النجدي، ويقوله جهراً في رمضان وغيره؛ لعموم حديث:«فليقل إني امرؤ صائم» ، متفق عليه، ولم يفرق، قال المرداوي في تصحيح الفروع:(وهو ظاهر الحديث، وظاهر كلام الأصحاب). وهذا ما مشى عليه في المنتهى تبعاً للتنقيح وتصحيح الفروع، وهو اختيار شيخ الإسلام، وهو المذهب. وذهب الحجاوي في الإقناع - وتبعه الغاية - تبعاً لما صححه المرداوي في الإنصاف - وجعله المذهب - إلى أنه يقول:(إني صائم) جهراً في رمضان، سراً في غيره؛ لزجر نفسه وخوف الرياء. (مخالفة)

ص: 239

وَسُنَّ تَعْجِيلُ فطر

(1)

،

(1)

تفصيل ذلك كما يلي:

1 -

إذا تحقق غروب الشمس باختفاء جميع القرص، سن له تعجيل الفطر، والفطر قبل الصلاة أفضل.

2 -

إذا غلب على ظنه غروب الشمس، فالإفطار مباح وليس مسنوناً، وأما إن أفطر: أ- فإن تبين أنه أكل قبل الغروب وجب القضاء، ب- وإن تبين أنه أكل بعد الغروب فلا يجب القضاء، جـ- وإن لم يتبين له شيء، فلا يجب القضاء كذلك.

3 -

إذا كان شاكاً ومتردداً في الغروب، فيحرم عليه الفطر، وأما إن أفطر: أ- فإن تبين أنه أكل قبل الغروب وجب القضاء، ب- وإن تبين أنه أكل بعد الغروب فلا يجب القضاء، جـ- وإن لم يتبين له شيء، فإنه يقضي؛ ففي هذه الحالة خالف الشكُّ غلبةَ الظن.

ص: 240

وَتَأْخِيرُ سحورٍ

(1)

، وَقَولُ مَا ورد عِنْد فطرٍ

(2)

، وتتابعُ الْقَضَاء فَوْرًا

(3)

، وَحَرُمَ تأخيرُه إلى آخر

(1)

ما لم يخش طلوع الفجر الثاني، كما في الغاية وغيرها. ويبدأ السحور في المذهب من منتصف الليل.

(تتمة) تحصل فضيلة السحور بشرب، وكمالها بأكل، هكذا في المنتهى والغاية. وفي الإقناع:(وتحصل فضيلة السحور بأكل أو شرب وإن قل، وتمام الفضيلة بالأكل).

(2)

فيقول: (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم تقبل مني، إنك أنت السميع العليم)، ومال النجدي إلى أنه يأتي به بعد الإفطار فقال:(يحتمل أن يكون قبل الفطر ويحتمل أن يكون بعده، ومقتضى حديث ابن عباس أنه يقوله بعده).

وحديث ابن عباس رضي الله عنهما هو: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: «اللهم لك صمت

» الحديث رواه الدارقطني، والطبراني، وضعف إسناده النووي في المجموع، وابن القيم في زاد المعاد.

(3)

فيسن تتابع القضاء، وكذلك تسن الفورية فيه. والأصل في الأوامر عند الحنابلة أنها على الفور؛ لكن جاز تأخير قضاء رمضان لما جاء في حديث عائشة أنها كانت تؤخر القضاء.

(تتمة) يجب العزم على القضاء في القضاء الموسع، وفي كل عبادة متراخية، كما في الإقناع؛ فلو دخل وقت الصلاة الموسع وجب العزم على فعلها.

ص: 241

بِلَا عذرٍ

(1)

،

فَإن فعل وَجب مَعَ الْقَضَاء إطعامُ مِسْكين

(1)

أي: يحرم تأخير القضاء إلى رمضان آخر بلا عذر، وقد وقفت على اختلاف في تفسير التأخير لعذر على ما يلي:

الأول: ما قاله الصالحي في (مسلك الراغب لشرح دليل الطالب): (ويجوز تأخير القضاء مع اتساع الوقت إلى أن يبقى قدر ما يسعه، فإن حصل عذر فيما بقي جاز تأخيره بعد رمضان الثاني، فيقضيه بلا كفارة)، فكلامه رحمه الله يدل: على أن اعتبار العذر من عدمه هو: بأن يبقى قبل دخول رمضان الثاني مقدارُ ما عليه من القضاء، وهنا ينظر: إن ترك القضاء لعذر فلا شيء عليه، وإن تركه لغير عذر حرم وعليه الكفارة.

الثاني: ما قاله شيخ الإسلام في شرح العمدة: (ليس له أن يؤخره - أي: القضاء - إلى رمضان آخر إلا لعذر، مثل أن يمتد به المرض أو السفر إلى أن يدخل الرمضان الثاني. فإن أخره إليه لعذر، صام الرمضان الذي أدركه، وقضى الرمضان الذي فاته بعده، ولا شيء عليه

وإن أخره إلى الثاني لغير عذر أثم، وعليه أن يصوم الذي أدركه، ثم يقضي الأول، ويطعم لكل يوم مسكيناً)، فيفهم من كلامه رحمه الله: أن العذر الذي إذا وجد لا تلزمه الكفارة هو الذي يستغرق ما بين الرمضانين.

والثمرة على القولين: أنه لو أخر القضاء لغير عذر حتى لم يبق على رمضان الثاني إلا مقدار ما عليه، فحصل له عذر يمنعه من الصيام - كمرض - حتى دخل رمضان الثاني، فعليه القضاء، ولا كفارة على كلام (الصالحي)، وأما على كلام (شيخ الإسلام) فعليه القضاء والكفارة؛ لأنه لم يمتد به العذر حتى الرمضان الثاني؛ بل تخلله كونه فيه صحيحاً ولم يصم.

وكلام شيخ الإسلام أقرب لقول الأصحاب المتأخرين، ويؤيده ما قاله البهوتي في شرح المنتهى:((و) إن أخر القضاء إلى آخَر (لعذر) من سفر أو مرض (قضى فقط) أي: بلا إطعام؛ لأنه غير مفرط. وإن أخر البعض لعذر، والبعض لغيره، فلكل حكمه).

وهنا فائدة ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله في شرح العمدة حيث قال: (فإن قيل: قضاء رمضان موسع، والعبادة الموسعة إذا مات في أثناء وقتها لم يكن آثما بدليل الصلاة، ومن لا إثم عليه فلا فدية عليه؟

قلنا: نعم، إذا لم يغلب على ظنه الموت قبل القضاء لم يأثم، وإن غلب على ظنه الموتُ قبله أثِمَ، كما قلنا في الصلاة، لكن الفدية تجب بدون الإثم، كما تجب على الشيخ الكبير والمريض الميؤوس منه؛ لأنه بدل عن الصوم الواجب).

(تتمة) لا يصح في المذهب التطوع قبل قضاء ما عليه من رمضان كصيام يوم عرفة وستة من شوال، خلافاً لما ذهب إليه الشيخ ابن عثيمين، فأجاز التطوع - غير الست من شوال- قبل أن يقضي ما عليه من رمضان.

أما فعل الحج أو العمرة نفلاً لمن لم يأت بالفرض، فإن نفله ينقلب فرضاً مباشرة.

وأما الصلاة، فلا يصح التطوع قبل قضاء الفوائت؛ لوجوب الفورية في قضائها مع بعض الاستثناءات.

وأما الزكاة، فلم أجد نصاً في حكم التصدق قبل أداء الزكاة، لكني انتهيت إلى: أنه يحرم، إلا أن الصدقة لا توصف بالصحة أو عدمها.

ص: 242

عَن كل يَوْم

(1)

، وإن مَاتَ المفرطُ وَلَو قبل آخر أُطعم عَنهُ كَذَلِك من رأس

(1)

ومقدار الإطعام: مد بر أو نصف صاع من غيره مما يجزئ في زكاة الفطر، ويجوز الإطعام قبل القضاء أو بعده أو معه، وقبله أفضل، كما في الإقناع. ولو أخر القضاء أكثر من رمضان، فعند الشافعية يتعدد الإطعام بعدد الرمضانات، لكن المذهب عند الحنابلة أنه يطعم إطعاماً واحداً.

ص: 243

مَاله، وَلَا يُصام

(1)

.

وإن كَانَ على الْمَيِّت نذرٌ

(2)

من حجٍ أو من صَوْمٍ أو صَلَاةٍ وَنَحْوِهَا

(3)

(1)

فإن كان عليه أيام من رمضان وفرط فلم يصمها حتى مات، وجب أن يطعم عنه من رأس ماله - أي: من جميع ماله، لا من ثلث التركة - عن كل يوم مسكيناً، ولا يصام عنه. وصورة التفريط هنا: أن يعيش بعد رمضان مثل عدد الأيام التي عليه أو أكثر وهو صحيح معافى لم يحصل له ما يمنعه من القضاء. وأما صورة عدم التفريط: أن يمتد عذره - كالمرض مثلاً - بعد رمضان حتى مات، وهذا على ما نقلته من كلام شيخ الإسلام السابق.

وقوله: المفرط ولو قبل آخر: أي: وإن مات المفرط ولو قبل مجيء رمضان آخر أُطعم عنه لكل يوم مسكيناً، بل حتى لو مات المفرط بعد أن مرَّ عليه رمضان آخر ولم يَقْضِ فلا يجب على ورثته إلا أن يطعموا عنه من تركته مسكينا واحدا فقط عن كل يوم، وإن مات قبل قضاء ما عليه بلا تفريط فلا يجب عليه شيء ولا يُطعم عنه.

(2)

الحنابلة يفرقون بين ما وجب بأصل الشرع وما أوجب الإنسان على نفسه بالنذر. فالواجب بأصل الشرع كصوم رمضان والكفارات لا يصام عن الإنسان لو مات؛ بخلاف النذر، فلو نذر أن يصوم ومَرَّت عليه أيام ولم يصم ثم مات، فإنه يصام عنه، وعليه يحملون حديث:(من مات وعليه صيام صام عنه وليه). (فرق فقهي)

(3)

كطواف واعتكاف.

ص: 244

سنّ لوَلِيِّه قَضَاؤُهُ

(1)

، وَمَعَ تَرِكَةٍ يجب

(2)

،

(1)

وهذا مقيد بالإمكان، إلا الحج والعمرة، كما سيأتي. ومعنى الإمكان ما قاله البهوتي في حواشي المنتهى:(إمكان فعل ما نذر؛ بأن كان دخل وقته، ومضى ما يسعه ولو لم يتمكن منه لمرض أو سفر) انتهى. فلو نذر مثلاً أن يصوم عشرة أيام لم يخلُ الحال: 1 - أن يعيش عشرة أيام أو أكثر ولم يفعلها، فتُقضى عنه ولو كان عدم فعله لها بسبب مرض أو سفر، 2 - وإما أن يعيش بعد نذره أقل من عشرة أيام، فلا تُفعل عنه سوى ما عاشه. وهكذا يقال في الصلاة المنذورة والاعتكاف المنذور: إن أمكنه فعلها فُعلت عنه، وإلا لم تفعل. وهذا بخلاف الحج والعمرة، فإنه لو نذر أن يحج أو يعتمر ثم مات قبل أن يأتي زمن يتمكن فيه من فعلهما، فإنهما يُفعلان عنه؛ لجواز النيابة فيه حال الحياة، فبعد الموت أولى، والله أعلم. (تحرير وفرق فقهي)

(2)

أي: مع وجود تركة يجب القضاء، أي: فعل هذه الأمور: الحج المنذور، والصوم المنذور.

(تتمة) وهذه المسألة من المسائل المشكلة في المذهب أي: إيجاب قضاء الصلاة المنذورة عن الميت عند وجود التركة، مع أن الاستئجار على فعل الطاعات لا يجوز؛ لكن قد تُخرَّج على كونها جعالة، فيقال مثلاً: من صلى عن فلان خمس صلوات فله كذا. ويشكل على تجويز الجعالة في الصلاة المنذورة عن الميت: ما ذكره الإقناع في باب الإجارة: (ولا يصح أن يصلي عنه غيره فرضاً ونافلة في حياته، ولا في مماته)، قال البهوتي - كالمستدرك والمستشكل -:(وتقدم في آخر الصوم: من مات وعليه نذر صلاة ونحوه) الكشاف 9/ 93، إلا أن يحمل كلام الإقناع على الفرض فقط دون النذر، فتصح الجعالة عليه، وعليه فلا إشكال. وإن سُلِّم عدم صحة الجعالة عن الصلاة المنذورة، فيبقى ما عداها من الحج المنذور والصوم المنذور والاعتكاف المنذور، فتصح الجعالة فيه. والله أعلم. (بحث)

ص: 245

لَا مُبَاشرَةُ وليٍ

(1)

.

(1)

أي: لا يجب على الولي مباشرة القضاء، بل يجوز أن يباشره غيره. ولو نذر أن يصوم ثلاثين يومًا، فيجزئ على المذهب أن يصوم عنه ثلاثون شخصاً في يوم واحد.

ص: 246