الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الوليمة
(1)
وَتُسَنُّ الوَلِيمَةُ للعرسِ وَلَو بِشَاةٍ
(2)
فَأَقلَّ
(3)
.
(1)
الوليمة - كما في الإقناع والمنتهى -: هي اجتماع لطعام العرس خاصة، والعُرْسُ بالضم: الزِّفاف، ويقال العرس على طعام الزِّفاف أيضا كما في المصباح، ووليمة العرس مسنونة. وقد اختلف الحنابلة في وقت استحبابها، ففي المنتهى: أنها تستحب مع العقد، وفي الإقناع: أنها تستحب بالدخول، أي: بعد الدخول وإليه ذهب شيخ الإسلام. واختار المرداوي قولاً وسطاً، فقال في الإنصاف:(الأَولى أن يقال: وقت الاستحباب موسع من عقد النكاح إلى انتهاء أيام العرس؛ لصحة الأخبار في هذا وهذا، وكمال السرور بعد الدخول). (مخالفة)
(2)
لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: «أَولِم ولو بشاة» ، رواه البخاري. وتابع الماتنُ زادَ المستقنع في هذه العبارة، ونحوه في الإقناع فقال:(ووليمة العرس سنة مؤكدة ولو بشيء قليل كَمُدَّيْنِ من شعير، ويسن ألا تنقص عن شاة، والأَولى الزيادة عليها)، ولم يذكر المنتهى أقل ما يسن في الوليمة، وأما الغاية فقال:(وهي سنة مؤكدة ولو قلت كمدين من شعير).
(3)
أي: يجوز أن تكون الوليمة بأقل من شاة، وفي حديث أنس رضي الله عنه: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يُبنى عليه بصفية رضي الله عنها، فدعوت المسلمين إلى وليمته، فما كان فيها من خبز ولا لحم، وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع، فبسطت، فألقي عليها التمر، والأقط، والسمن. متفق عليه.
وَتجبُ الإجابةُ إليها
(1)
بِشَرْطِهِ
(2)
.
وَتُسنُّ لكلِّ دَعْوَةٍ مُبَاحَةٍ
(3)
، وَتُكرَهُ لِمَن فِي مَالِهِ حرَامٌ كَأَكْلٍ مِنْهُ
(1)
فتجب إجابة دعوة وليمة العرس خاصة، وذلك للحديث:«شر الطعام طعام الوليمة، يُمنعها من يأتيها، ويُدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم» ، رواه مسلم.
(2)
إنما تجب الإجابة إليها بشروط: 1 - كون الداعي مسلماً، فإن كان ذمياً كُرهت إجابته، وكذلك الرافضي وأَولى، لكن لا تحرم إجابته. 2 - تعيين الداعي المدعوَّ، أما إذا وزعت الظروف بلا اسم فليس ذلك بتعيين، كما ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، أما لو كتب على بطاقة الدعوة الاسم فهو تعيين، وكذلك لو أرسل له رسالة بالهاتف النقال فهو تعيين ما لم تدل قرينةعلى أنها من الرسائل الجماعية التي يقصد بها الدعوة العامة، ومن باب أَولى إذا أرسل له مَنْ يدعوه، أو يدعوه الداعي بنفسه (تحرير). 3 - كون الوليمة في اليوم الأول، أما الوليمة بعدها في اليوم الثاني من الزواج فتستحب الإجابة إليها ولا تجب، وأما الدعوة في اليوم الثالث فيكره حضورها. 4 - كون الداعي يحرم هجره، وهو: المسلم غير المجاهر بالمعصية. 5 - ألا يكون في الدعوة منكرٌ لا يقدر على تغييره. 6 - ألا يكون للمدعو عذر من نحو مرض. 7 - ألا يكون في مال الداعي حلال وحرام، وإلا كرهت إجابته كما سيأتي إن شاء الله.
(3)
هناك عشر دعوات معروفة عند الفقهاء تسن الإجابة إليها لا يتسع المقام لذكرها. ويكره عملُ طعامٍ للمأتم - أي: العزاء -، ويكره إجابة الدعوة لحضوره.
ومعاملتِهِ وَقبُولِ هديتِهِ وهبتِهِ
(1)
.
وَيُسنُّ الأكلُ
(2)
، وإباحتُهُ تتَوَقَّفُ على صَرِيحِ إِذنٍ أو قرينَةٍ مُطلقًا
(3)
.
والصائمُ فرضاً يَدْعُو، ونفلًا يُسَنُّ أَكلُهُ مَعَ جبرِ خاطرٍ
(4)
.
(1)
فيكره الأكل ممن في ماله حرام، وتكره معاملته من بيع ونحوه، وقبول هديته وهبته. (مسألة مهمة)
(2)
فلا يجب على من أتى وليمة العرس أن يأكل، وإنما يجب عليه الحضور.
(3)
أي: سواء في بيت قريبه أو صديقه أو غيره، فإباحة الأكل موقوفة: على صريح إذن كأن يقول له: كُل، أو قرينة: بأن يقدم إليه الطعام أو يدعوه إليه.
(4)
أي: إذا كان المدعو صائماً فرضاً حرم عليه الفطر، لكن يجب عليه أن يحضر، ثم إن شاء دعا وإلا سلّم وانصرف. أما الصائم نفلاً فيسن أكله مع قيد:(جبر خاطر) أي: إن كان في أكله تطييب لخاطر الداعي، وقد تابع الماتنُ في هذا القيد زادَ المستقنع والإقناعَ وقال:(وقال الشيخ: وهذا أعدل الأقوال)، وظاهر المنتهى - ومثله الغاية - الإطلاق - كالمقنع - وعدم التقييد وهو المذهب؛ فيستحب الفطر لمن دُعي وهو صائم تطوعاً ولو لم يكن في أكله جبرٌ لخاطر الداعي، ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا دعي أحدكم فليجب» ، رواه أبو داود، وفي بعض الروايات أنه أمر أحد الصحابة رضي الله عنهم أن يفطر وقال:«صم يوماً مكانه» . (مخالفة الماتن)
(تتمة) يذكر الحنابلة في باب الوليمة آدابَ الأكل والشرب، ومنها: 1 - سنية التسمية جهراً على الأكل والشرب، والحمد إذا فرغ، وفي الإقناع - وهو فعل الإمام أحمد رحمه الله تبعاً للحديث المخرج عند أبي داود -: يسمي عند كل ابتداء ويحمد عند كل قطع، فيسمي ثم يشرب، فإذا قطع حمد الله، ثم إذا شرب سمى ثانياً، وهكذا. 2 - وسنية غسل اليدين قبل الطعام وبعده
…
وَسُنَّ إعلانُ نِكَاحٍ، وَضربٌ بدُفٍّ مُبَاح فِيهِ
(1)
وَفِي ختانٍ وَنَحْوِه
(2)
.
(1)
فالضرب بالدُّف فيه سنة، وفي الحديث:«أظهروا النكاح واضربوا عليه بالغربال» ، رواه ابن ماجه، والدف هو الغربال، وهو - كما في نهاية المحتاج عند الشافعية -: إطار خشبي يغشى بالجلد من جهة واحدة، فخرج بذلك الطبل، وقد صرح الحنابلة في مواضع كثيرة بتحريم الطبل إلا لاستنفار الجيش، وإنما يباح الدف إذا لم يكن فيه حِلَق ولا صنوج وإلا حرم، والحِلَق: دوائر مجوفة ومحلقة من حديد أو نحاس في داخلها شيء يخرج صوتاً إذا اهتز الدف، والصنوج - كما في المصباح -: ما يجعل في إطار الدف من النحاس المدور، وفي القاموس:(شيء يتخذ من صفر يضرب أحدهما في الآخر).
وظاهر كلام المؤلف أن ضرب الدف مسنون للرجال والنساء، وهو ظاهر المنتهى، أما في الإقناع فذهب إلى أنه مكروه للرجال، لكن الأول هو الصحيح من المذهب، وقد تابع صاحبُ الغاية ما في المنتهى وصرح بذلك فقال:(يسن إعلان نكاح، وضرب فيه بدف مباح لنساء ورجال خلافاً له - أي: للإقناع -). ثم وقفت على نسخة مضبوطة بخط الماتن وقيد سنية الدف بالنساء وبذلك يكون تابعا للإقناع والله أعلم (مخالفة الماتن)
(2)
فيسن عند الحنابلة ضرب الدف في خمسة مواضع: العرس، والختان، وقدوم الغائب، والولادة، والإملاك - أي: إذا عقد الإنسان على زوجته -، وبعض العلماء يرى استحبابَه في النكاح فقط، وبعضُهم يرى أنه يباح في النكاح والعيد فقط، ويقولون: إن الدف من آلات اللهو المحرمة.
وأقوى ما يرد به على من حرم الدف في غير ما ورد: حديثُ المرأة التي أتت النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إني نذرت أنك إن قدمت من سفرك سالماً أن أضرب الدف على رأسك، فقال لها:«أوف بنذرك» ، رواه أبو داود والترمذي، ولو كان معصية لم يأذن لها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا وفاء لنذر في معصية الله» ، رواه مسلم، وكذلك لما دخل أبو بكر رضي الله عنه على عائشة رضي الله عنهما يوم العيد ووجد عندها جاريتين تضربان الدف، قال: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر! إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا» ، رواه مسلم.
(تتمة) حكم الدف في غير المناسبات المذكورة: مباح للنساء، نص عليه الحجاوي في شرح منظومة الآداب، ولم أقف عليه عند غيره، أما للرجال فنقول بسنيته في تلك المناسبات وكراهته في غيرها، ولا ينبغي لهم التوسع في الأناشيد التي فيها دفوف.
(تتمة) حكم الرقص: ظاهر الإقناع كراهة الرقص للرجال والنساء حيث قال في باب السبق: (ويكره الرقص). والله أعلم.