الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (في النذر)
(1)
النَّذْرُ مَكرُوهٌ، وَلَا يَصح إلا من مُكَلّف
(2)
.
والمنعقدُ سِتَّةُ أنواعٍ: المطلقُ: كلِلَّهِ عَليَّ نذرٌ إن فعلتُ كَذَا، وَلَا نِيَّة، فكفارةُ يَمِينٍ إن فعلَه
(3)
.
(1)
النذر لغة: الإيجاب، وشرعاً: إلزام مكلف مختار نفسَه - بكل قول يدل على الإلزام - شيئاً غير لازم بأصل الشرع. وقد أجمع العلماء على صحة النذر، ووجوب الوفاء به في الجملة، وفي الحديث:«من نذر أن يطيع الله فليطعه» ، رواه الجماعة إلا مسلماً. ومع كون النذر عبادة، إلا أن الأصل فيه أنه مكروه - كما في الإقناع -؛ للحديث:«النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل» متفق عليه، ولفظ مسلم (لا تنذِروا؛ فإن النذر لا يغني من القدر شيئًا، وإنما يُستخرَج به من البخيل)
(2)
يشترط لانعقاد النذر: 1 - كون الناذر مكلفاً، أي: بالغاً عاقلاً ولو كافراً، 2 - وكونه مختاراً، 3 - وأن ينذر على نفسه، 4 - وكون النذر لله تعالى، 5 - وكونه بالقول، فلا يصح بالنية المجردة، إلا أنه يصح من الأخرس بإشارة مفهومة. وليس له صيغة خاصة، بل ينعقد بكل ما أدى معناه، كما في الإقناع وشرحه.
(3)
النذر المنعقد ستة أنواع: (النوع الأول) المطلق: وهو النذر الذي لم يُسم فيه الفعل المنذور، كقوله: لله علي نذر، ويسكت، أو: لله عليّ نذر إن ركبت سيارة فلان، ولا يذكر الفعل المنذور ولم ينوه في قلبه، فعليه إذَن كفارةُ يمين إن لم يعلق نذره على شيء، أو إن فعل ما علقه عليه. والدليل قوله صلى الله عليه وسلم:«كفارة النذر إذا لم يُسمَّ كفارة يمين» ، رواه الترمذي وابن ماجه.
الثَّانِي: نذرُ لَجَاجٍ وَغَضَبٍ، وَهُوَ تَعلِيقُه بِشَرطٍ يقصِدُ المنعَ مِنهُ أو الحملَ عَلَيهِ، كَإِن كلمتُكَ فعليَّ كَذَا، فَيُخَيَّرُ بَين فعلِه وَكَفَّارَة يَمِينٍ
(1)
.
الثَّالِثُ: نذرُ مُبَاحٍ كلِلَّه عَليَّ أن ألبِسَ ثوبي، فَيُخَيَّرُ أيضاً
(2)
.
الرَّابِعُ: نذرُ مَكرُوهٍ كَطَلَاقٍ وَنَحوِه، فالتكفيرُ أولى
(3)
.
(1)
(النوع الثاني) نذر لَجَاج وغضب: وهو تعليقه بشرط يقصد المنع من فعل الشيء كقوله: إن كلمتُك فعليَّ صدقة مائة ريال، أو يعلقه بشرط يقصد الحمل والحث على فعل الشيء، كقوله: إن لم أكلمك فعليَّ صدقة مائة ريال، فيخير بين أمرين: الأول: الإيفاء بنذره فلا يكلِّمه في المثال الأول، أو يكلمه في المثال الثاني. الثاني: أو عدم الوفاء به ويكفر كفارة يمين، ولا يلزمه فعل المنذور الذي ذكره في نذره ولو كان طاعة. انظر: شرح ابن النجار على المنتهى (11/ 159)، وأفضل من هذا ما ذكره الموفق في المغني وهو: أن الناذر يخير - إذا وجد الشرط - بين أن يفعل ما نذره، أو لا يفعله ويكفر كفارة يمين. (تقرير مهم)
(2)
(النوع الثالث) نذرُ فعل مباح، كـ: للَّه علي أن ألبس ثوبي، فيخير فيه أيضاً بين: الإتيان بالفعل المنذور، أو عدم فعله ويكفر كفارةَ يمين.
(3)
(النوع الرابع) نذرُ فعل مكروه، كقوله: لله علي نذر أن أطلق زوجتي إن ذهبتْ إلى بيت فلان، فذكر الماتن أن التكفير في حقه أَولى - أي: مستحب - كما هي عبارة الإقناع والمنتهى، فالمستحب له ألا يفي بنذره ويكفر كفارة يمين، فإن وفَّى بنذره فلا كفارة.
الخَامِس: نذرُ مَعصِيةٍ، كشربِ خمرٍ، فَيحرُمُ الوَفَاءُ وَيجبُ التَّكفِيرُ
(1)
.
السَّادِس: نذرُ تبرُّرٍ، كَصَلَاةٍ وَصِيَامٍ واعتكافٍ بِقصدِ التَّقَرُّبِ مُطلقاً، أو مُعَلّقاً بِشَرطٍ، كَإِنْ شفا اللهُ مريضي فَلِلَّه عَليَّ كَذَا، فَيلزمُ الوَفَاءُ بِهِ
(2)
.
وَمن نذر الصَّدَقَةَ بِكُلِّ مَالِهِ أجزأه ثُلُثُه
(3)
،
أو صَومَ شهرٍ وَنَحوِه لزمَه
(1)
(النوع الخامس) نذرُ فعل معصية كـ: علي أن أشرب الخمر، أو يعلقه بشيء كـ: إن جاء فلان فعلي أن أشرب الخمر، فينعقد على المذهب خلافاً للجمهور، فهو من مفردات الحنابلة. ويحرم على الناذر فعل ما نذره، وعليه كفارة يمين؛ للحديث:«لا نذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين» ، رواه الخمسة، فإن وفى بنذره أثم ولا كفارة.
(2)
(النوع السادس) نذرُ تبرر: أي: نذر طاعة، وهو المشهور عند غالب الناس. وقوله: بقصد التقرب مطلقاً: أي: من غير تعليق، كقوله: لله علي نذر أن أصلي ركعتين، فيلزمه الوفاء به، وكذا يلزمه الوفاء بالنذر المعلق بشرط وجود نعمة، أو دفع نقمة كـ: لله علي نذر إن نجحت أن أصلي ركعتين. ويشترط في النذر حتى يكون نذر تبرر: 1 - ذكر المنذور، 2 - وكون المنذور طاعة، فخرج بذلك نذر المباح والمكروه والمحرم، 3 - وأن لا يكون سببه اللجاج والغضب.
(تتمة) الأصل وجوب الوفاء بالنذر إلى أن يموت الناذر، ولا يجوز له أن يتخلى عنه إلا أن يعجز عن الوفاء به، فيكفر كفارة يمين.
(3)
ويصرف للمساكين، وذلك لحديث توبة أبي لبابة رضي الله عنه حيث قال للنبي صلى الله عليه وسلم:«أنخلع من مالي صدقة لله ولرسوله، فقال: يجزي عنك الثلث» ، رواه أحمد وأبو داود، وفي الإقناع:(وثلث المال معتبر بيوم نذره، ولا يدخل ما تجدد له من المال بعد النذر).
(تتمة) لو نذر الصدقة بمبلغ معين كألف - وليست هي كل ماله كما في الإقناع وشرح المنتهى -، أو بجزء من ماله كنصف أو ثلثين لزمه جميع ما نذره ولو تجاوت الثلث.
التَّتَابُعُ، لَا إن نذر أياماً مَعدُودَة
(1)
.
وَسُن الوَفَاءُ بالوعدِ
(2)
، وَحرُم بِلَا اسْتثِنَاءٍ
(3)
.
(1)
فمن نذر صوم شهر ونحوه كأسبوع لزمه التتابع، لا إن نذر أياماً معدودة كقوله: لله علي نذر أن أصوم عشرة أيام، فلا يلزمه التتابع إذَن إلا بشرط أو نية التتابع.
(2)
فلا يجب الوفاء بالوعد على المذهب نصاً، وإنما يسن.
(3)
أي: قول: إن شاء الله، فيحرم ويأثم إن وعد شخصاً بقوله مثلاً: سآتيك غداً، دون قوله: إن شاء الله؛ لقوله تعالى: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله} [الكهف، 23 - 24]، وفي الاستدلال بالآية على الحكم إشكالٌ ذكره ابن النجار عن القرافي، وذكر جوابَه أيضاً في شرح المنتهى (11/ 176)، وذكر ملخصه الشيخ البهوتي في شرحه للمنتهى (6/ 456). والله أعلم.