الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (في نفقة الأقارب والمماليك والبهائم)
وَتجب عَلَيهِ بِمَعْرُوفٍ
(1)
لكلٍّ من أبويه وإن عَلَوَا، وَولدهِ
(1)
نفقة الأقارب والمماليك: سيتناول الماتن نفقة الأقارب والمماليك من الآدميين والبهائم. والمراد بأقارب الإنسان الذين تجب نفقتهم: من يرثه بفرض أو تعصيب. ومقدار النفقة هنا: أيضاً الكفاية - أي: ما يكفي المنفَق عليه - في المأكل والمشرب والمسكن، أما جنسها: - من راقٍ ودنيء - فيرجع فيه إلى العادة والعرف، قال في المنتهى - كالتنقيح -:(وتجب أو إكمالها .. ولكل من يرثه بفرض أو تعصيب .. بمعروف)، وعبارة الغاية:(وتجب أو كمالها .. بمعروف قدر كفايته)، وأما عبارة الإقناع:(والواجب في نفقة القريب قدر الكفاية من الخبز والأدم والكسوة والمسكن بقدر العادة، كما ذكرنا في الزوجة).
ودليل وجوب النفقة على الأصول: قوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً} [الإسراء، 23]، ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما. والدليل على وجوب النفقة على الفروع: قوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة، 233]، والدليل على وجوب النفقة على الأقارب غير الأصول والفروع: قوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة، 233]، قال الشيخ منصور في شرح المنتهى:(فأوجب على الأب نفقة الرضاع، ثم أوجب على الوارث مثل ما أوجبه على الأب، ولحديث: من أبر؟ قال: «أمك وأباك وأختك وأخاك»، رواه أبو داود).
وإن سَفَلَ
(1)
، وَلَو حجبَهُ مُعْسرٌ
(2)
، وَلكُلِّ من يَرِثُهُ بِفَرْضٍ أو تعصيبٍ لَا بِرَحِمٍ، سوى عمودَي نسبِهِ
(3)
، مَعَ فقرِ من تجبُ لَهُ وعجْزِهِ عَن كسبٍ
(4)
، إذا كَانَت فاضلةً عَن قوتِ نَفسِهِ وَزَوجتِهِ ورقيقِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ كفِطْرةٍ
(5)
، لَا من
(1)
أي: تجب النفقة كلها، أو كمالها على الإنسان بالمعروف لكلٍّ من أبويه وإن علوا كأم أبيه وأبي أمه، ولولده وإن سفل، فيدخل فيه الأبناء والبنات وأولادهم، وإنما تجب النفقة على الأصول والفروع إذا كانوا فقراء.
(2)
فلا ينظر إلى الإرث، ومثال ذلك: أن يكون له جد موسر وأب معسر، فيجب على الجد أن ينفق على حفيده مع كونه لا يرثه؛ لوجود الأب.
(3)
يشترط لوجوب النفقة على الأقارب: (الشرط الأول) كون المنفِق وارثاً للمنفَق عليه بفرض أو تعصيب لا برحم كالخال؛ لأن قرابتهم ضعيفة، وذوو الأرحام: هم من ليس بذي فرض ولا عصبة. أما عمودا النسب - وهم الأصول والفروع -، فتجب النفقة عليهم ولو كانوا من ذوي الأرحام كأبي الأم، فلا يعتبر هذا الشرط في الأصول والفروع، ويؤخذ من هذا الشرط: اشتراط الاتفاق في الدين؛ لعدم التوارث بين مختلفين في الدين، فلا تجب النفقة بين مسلم وكافر.
(4)
(الشرط الثاني) فقر المنفَق عليه وعجزه عن التكسب، وإلا لم تجب له النفقة.
(5)
(الشرط الثالث) غِنى المنفِق، والمراد: كونه واجداً لقوت نفسه وزوجته ورقيقه يوماً وليلة، فما زاد على ذلك وجب عليه إنفاقه على قريبه الفقير، فلا يعتبر هنا الغنى على الدوام بل يوماً وليلة كزكاة الفطر، بخلاف الحج. (فرق فقهي)
رَأسِ مَالٍ وَثمنِ مِلكٍ وآلةِ صنعَةٍ
(1)
.
وَتسقُطُ بِمُضِيِّ زمنٍ مَا لم يفرِضْها حَاكمٌ
(2)
أو تُستَدَنْ بِإِذْنِهِ
(3)
.
وإن امتنع مَنْ وَجَبت عَلَيْهِ رَجَعَ عَلَيْهِ مُنْفِقٌ بنيةِ الرُّجُوع
(4)
.
وَهِي على كُلٍّ بِقدرِ إرثِهِ، وإن كَانَ أبٌ انْفَردَ بهَا
(5)
.
(1)
فلا يلزمه أن ينفق من رأس مال يتاجر به، ولا من ثمن ملك كبيت يملكه فلا يلزمه بيعه لينفق من ثمنه، ولا من آلة يصنع بها فلا يجب عليه بيعها كذلك.
(2)
فتسقط نفقة الأقارب بمضي الزمن إلا في ثلاث حالات: (الحالة الأولى) أن يفرضها الحاكم على المنفِق، كأن فرض عليه أن ينفق كل شهر ألف ريال، ثم لم ينفِّذ أمر القاضي مدة من الزمن، فإن النفقة لا تسقط عن المنفق القريب.
(3)
(الحالة الثانية) أن يستدين الأقاربُ النفقةَ على من تجب عليه النفقة بإذن الحاكم، فيلزم من وجبت عليه نفقتهم سداد ذلك الدين.
(4)
(الحالة الثالثة) أن يمتنع من وجبت عليه النفقة من النفقة على أقاربه، فينفق عليهم شخص ناوياً الرجوع بما أنفقه، فيجب على الممتنع رد ما أنفقه ذلك الشخص.
(5)
فإن وُجد الأب انفرد بنفقة ولده؛ لقوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة، 233]. أما مع عدم الأب، فإنه يجب على جميع ورثة القريب الفقير أن ينفقوا عليه بقدر إرثهم منه، فلو كان لفقير أخوان، فعلى كل واحد منهما نصف النفقة؛ لأن ذلك نصيب كلٍّ منهما من تركة أخيه الفقير لو مات، وكذا لو كانت قرابته أخاً وأختاً شقيقين، فعلى الأخت ثُلث النفقة وثُلثاها على الأخ، ولو كانت قرابته ابناً فقيراً وأخاً غنياً، فلا يجب على الأخ أن ينفق على أخيه؛ لأنه لو مات الأخ الفقير لم يرثه أخوه الغني لكونه محجوباً بالابن، وقد سبق أن اشترطنا كون المنفِق وارثاً لمن ينفق عليه. وينبغي إشاعة هذه الأحكام؛ لأن كثيراً من الناس يجهل وجوب مثل هذه النفقة، فيعيش في رفاهية ويَذَر أقاربه لا يقدرون على تحصيل قوت يومهم.
(تتمة) هل الزواج من النفقة الواجبة؟
إذا احتاج المنفَق عليه إلى الزواج وجب على المنفِق تزويجه والنفقة على زوجته وأولاده ولو كان المنفَق عليه أحد أبويه؛ فإن النكاح من أعظم الحاجات.
وَتجبُ عَلَيْهِ لرقيقِهِ وَلَو آبقاً وناشزاً
(1)
، وَلَا يكلِّفُهُ مُشِقًّا كثيراً
(2)
، ويُريحُهُ وَقتَ قائلةٍ
(3)
ونومٍ ولصلاةِ فرضٍ.
(1)
من هنا انتقل الماتن إلى نفقة العبيد: فيجب على السيد أن ينفق على عبده ولو كان آبقاً - أي: هارباً عنه -، وعلى أمَته ولو كانت ناشزاً، أي: ممتنعة من أن يطأها سيدها.
(2)
أبهم الماتن الحكم، لكن الشارح بيّن أنه: لا يجوز للسيد أن يكلف عبده عملاً شاقاً كثيراً لا يطيقه، فإن كلفه أعانه.
(3)
وقت القيلولة: قبل الزوال، ويُذكر ذلك في باب جامع الأيمان. انظر الكشاف:(14/ 438). فمن حلف أن لا يقيل فنام بعد الظهر لم يحنث.
(تتمة) وقت العَشاء: من بعد الظهر؛ لأن العَشِّي يبدأ بعد الزوال، فمن حلف لا يتغدى فأكل بعد الظهر لم يحنث؛ لدخول وقت العَشاء، ووقت السحور: بعد منتصف الليل.
وَعَلِيهِ عَلْفُ بهائِمِهِ وسقيُها
(1)
. وإن عَجَزَ أُجبِرَ على بيعٍ أو إجارةٍ أو ذبح مَأْكُولٍ
(2)
، وَحَرُمَ تحميلُها
(3)
مُشِقًّا ولعنُها وحلبُها مَا يَضُرُّ بِوَلَدِهَا، وَضربُ وَجهٍ ووسمٍ فِيهِ
(4)
، وَيجوز فِي غَيرِهِ لغَرَضٍ صَحِيحٍ
(5)
.
(1)
تناول الماتن نفقة البهائم: فيجب على مالك البهيمة أن يعلفها ويسقيها؛ لحديث المرأة التي عُذبت في الهرة متفق عليه.
(2)
أي: إن عجز عن النفقة على البهيمة أُجبر على بيعها، أو إجارتها، أو ذبحها إن كانت مما يؤكل، فإن لم تكن مما يؤكل أجبر على البيع أو الإجارة فقط.
(3)
أي: تحميل البهيمة.
(4)
أي: في الوجه، فجميع ذلك محرم، والدليل على عدم الوسم في الوجه نهيه صلى الله عليه وسلم عن ضرب الحيوان في الوجه، وعن الوسم في الوجه، رواه مسلم.
(5)
أي: يجوز الوسم في غير الوجه إذا كان لغرض صحيح كتمييز بهائمه عن غيرها.
(تتمة) النفقة على المال غير الحيوان: ذكر صاحب المنتهى استحبابَ نفقةِ الشخص على مالِه غيرِ الحيوان، وقال الشيخ منصور:(وفي الفروع يتوجه وجوبه؛ لئلا يضيع)، فعلى هذا القول يتوجه وجوب الإنفاق على السيارة مثلاً لئلا تضيع، لكن المنتهى ذكر أنه غير واجب بل مستحب، والله أعلم.