المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الإقرار (1) يَصحُّ من مُكَلَّفٍ مُختَارٍ (2) بِلَفظٍ أو كِتَابَةٍ، أو - الحواشي السابغات على أخصر المختصرات

[أحمد بن ناصر القعيمي]

فهرس الكتاب

- ‌تقريظ سماحة المفتي العام للمملكة

- ‌تقديم

- ‌تقريظ الشيخ محمد بن عبد الرحمن السماعيل

- ‌مقدمة أسفار

- ‌مصطلحات الحاشية:

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌كتاب الطهارة

- ‌فصل (في الآنية)

- ‌فصل (في الاستنجاء)

- ‌فصل (في السواك وسنن الفطرة)

- ‌فصل (في الوضوء)

- ‌فصل (في المسح على الخفين)

- ‌فصل (في نواقض الوضوء)

- ‌فصل (في الغسل)

- ‌فصل (في التيمم)

- ‌فصل (في إزالة النجاسة)

- ‌فصل في الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌فصل (في الأذان والإقامة)

- ‌فصل (في شروط الصلاة)

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌فصل (في أركانها(1)وواجباتها)

- ‌فصل (في سجود السهو)

- ‌فصل (في صلاةِ التطوع)

- ‌فصل (في صلاة الجماعة)

- ‌فصل (في أحكام الإمامة)

- ‌فصل (في صلاة أهل الأعذار)

- ‌فصل (في القصر والجمع وصلاة الخوف)

- ‌فصل (في صلاة الجمعة)

- ‌فصل (في صلاة العيدين)

- ‌فصل (في صلاتي الكسوف(1)والاستسقاء)

- ‌كتاب الجنائز

- ‌فصل (في غسل الميت وتكفينه)

- ‌فصل (في الصلاة على الميت وحمله ودفنه)

- ‌كتاب الزكاة

- ‌فصل (في زكاة الخارج من الأرض)

- ‌فصل (في زكاة الأثمان والعروض)

- ‌فصل (في زكاة الفطر)

- ‌فصل (في إخراج الزكاة وأهلها)

- ‌كتاب الصيام

- ‌فصل (في مفسدات الصوم وما يكره ويسن فيه)

- ‌فصل (في صوم التطوع)

- ‌فصل (في الاعتكاف

- ‌كتاب الحج والعمرة

- ‌فصل (في المواقيت(1)ومحظورات الإحرام)

- ‌فصل في الْفِدْيَةِ

- ‌باب دخول مكة

- ‌فصل في صفة الحج والعمرة

- ‌فصل (في أركان وواجبات الحج والعمرة)

- ‌فصل في (الهدي والأضحية)

- ‌كتاب الجهاد

- ‌فصل (في عقد الذمة)

- ‌كتاب البيع(1)وسائر المعاملات

- ‌فصل (في الشروط في البيع)

- ‌فصل (في الخيار)

- ‌فصل (في أحكام قبض المبيع)

- ‌فصل (في الربا والصرف)

- ‌فصل (في بيع الأصول والثمار)

- ‌فصل (في السلم)

- ‌فصل في (القرض)

- ‌فصل (في الرهن)

- ‌فصل (في الضمان(1)والكفالة والحوالة)

- ‌فصل (في الصلح)

- ‌فصل (في أحكام الجوار)

- ‌فصل (في الحجر)

- ‌فصل (في المحجور عليه لحظه)

- ‌فصل (في الوكالة)

- ‌فصل (في الشَّرِكَة)

- ‌فصل (في المساقاة(1)والمزارعة)

- ‌فصل (في الإجارة)

- ‌فصل (في لزوم الإجارة وما يوجب الفسخ)

- ‌فصل (في المسابقة)

- ‌فصل (في العارية)

- ‌فصل (في الغصب)

- ‌فصل (في تصرفات الغاصب وغيره)

- ‌فصل (في الشفعة)

- ‌فصل (في الوديعة)

- ‌فصل (في إحياء الموات)

- ‌فصل (في الجِعالة)

- ‌فصل (في اللقطة)

- ‌فصل (في الوقف)

- ‌فصل (في الهبة)

- ‌كتاب الوصايا

- ‌فصل (في الموصى إليه)

- ‌كتاب الفرائض

- ‌فصل (في الجد مع الإخوة)

- ‌فصل (في الحجب)

- ‌فصل (في التعصيب)

- ‌فصل (في التأصيل والعول والرد)

- ‌فصل في ذوي الأرحام

- ‌فصل (في ميراث الحمل)

- ‌كتاب العتق

- ‌كتاب النكاح

- ‌فصل (في أركان النكاح وشروطه)

- ‌فصل (في المحرمات في النكاح)

- ‌فصل (في الشروط في النكاح)

- ‌فصل (في العيوب في النكاح)

- ‌باب الصداق

- ‌فصل في الوليمة

- ‌فصل (في عشرة النساء)

- ‌باب الخلع

- ‌كتاب الطلاق

- ‌فصل (في تعليق الطلاق)

- ‌فصل (في الرجعة)

- ‌فصل (في الإيلاء)

- ‌فصل (في الظهار)

- ‌فصل (في اللعان وما يلحق من النسب)

- ‌باب العِدَد

- ‌فصل (في الرضاع)

- ‌باب النفقات

- ‌فصل (في نفقة الأقارب والمماليك والبهائم)

- ‌فصل (في الحضانة)

- ‌كتاب الجنايات

- ‌فصل (في شروط القصاص)

- ‌فصل (في العفو عن القصاص والقود فيما دون النفس)

- ‌فصل (في الديات)

- ‌فصل (في مقادير ديات النفس)

- ‌فصل (في ديات الأعضاء ومنافعها والشجاج)

- ‌فصل (في العاقلة(1)والقسامة)

- ‌كتاب الحدود

- ‌فصل (في حد المسكر)

- ‌فصل (في القطع في السرقة)

- ‌فصل (في حد قطاع الطريق(1)وفي البغاة)

- ‌فصل (في المرتد)

- ‌فصل (في الأطعمة)

- ‌فصل (في الذكاة)

- ‌فصل (في الصيد)

- ‌باب الأيمان

- ‌فصل (في كفارة اليمين وجامع الأيمان)

- ‌فصل (في النذر)

- ‌كتاب القضاء

- ‌فصل (في الدعاوى والبينات)

- ‌فصل (في القسمة)

- ‌كتاب الشهادات

- ‌فصل (في عدد الشهود)

- ‌فصل (في الشهادة على الشهادة)

- ‌كتاب الإقرار

الفصل: ‌ ‌كتاب الإقرار (1) يَصحُّ من مُكَلَّفٍ مُختَارٍ (2) بِلَفظٍ أو كِتَابَةٍ، أو

‌كتاب الإقرار

(1)

يَصحُّ من مُكَلَّفٍ مُختَارٍ

(2)

بِلَفظٍ أو كِتَابَةٍ، أو إشارةٍ

(1)

الإقرار لغة: الاعتراف، وشرعاً: إظهار مكلف مختار ما عليه بلفظ أو كتابة أو إشارة أخرس، أو على موكله، أو موْلِيِّه، أو مورثه بما يمكن صدقه، وأجمع العلماء على صحته؛ لقوله تعالى:{وإذ أخذ الله ميثاق النبيين} الآية [آل عمران، 81]، وقوله:{وآخرون اعترفوا بذنوبهم} [التوبة، 102]، وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزاً والغامدية بإقرارهما، متفق عليه.

(2)

يشترط لصحة الإقرار: (الشرط الأول) كونه من مكلف، أي: بالغ عاقل إلا إقرار الصغير المميز المأذون له في التجارة في قدر ما أُذن له فيه من المال؛ لفك الحجر عنه فيه، (الشرط الثاني) وكونه مختاراً، فلا يصح من المكرَه إلا أن يقر بغير ما أُكره عليه، (الشرط الثالث) كون ما أَقر به ممكناً فلا يقبل إقراره بجناية من عشرين سنة وسِنُّه عشرون سنة، (الشرط الرابع) أن يكون المُقَرُّ به بيد المقِر، أو تحت ولايته كأن يقر ولي اليتيم بأنه أجَّر عقاره، أو تحت اختصاصه كأن يقر ناظر الوقف أنه أجَّر الوقف، فلا يصح أن يقر بشيء في يد غيره أو في ولاية غيره، (الشرط الخامس) أن يقر من قدر على الكلام نطقاً وكتابة، ويصح الإقرار من الأخرس بإشارة مفهومة، (الشرط السادس) أن يقر على نفسه، فلا يصح الإقرار على غيره إلا في ثلاثة أحوال ستأتي إن شاء الله تعالى.

ص: 791

من أخرسَ

(1)

لَا على الغَيرِ إلا من وَكيلٍ وَولي ووارثٍ

(2)

.

وَيصِحُّ من مَرِيضٍ مرضَ الموتِ

(3)

لا لوارثٍ إلا بِبَيِّنَةٍ أو إجازةٍ، وَلَو صَار عِند الموت أجنبياً. وَيصِحُّ لأَجنَبِيّ وَلَو صَار عِند الموتِ وَارِثاً

(4)

.

وإعطاءٌ كإقرارٍ

(5)

.

(1)

بشرط كونها مفهومة.

(2)

الإقرار حجة قاصرة، فيصح من الإنسان على نفسه فقط، ولا يُقبَل على غيره إلا في ثلاثة أحوال: 1 - إقرار الوكيل على موكِّله فيما وكله فيه، 2 - وإقرار الولي على موليه، 3 - وإقرار الوارث على مورِّثه.

(3)

أي: يصح الإقرار من المريض مرض الموت المخوف في ثلاثة أمور: 1 - أن يقر بوارث، 2 - أو يقر بأنه أَخَذ ديناً من غير وارث، 3 - أو يقر بمال لغير وارث.

(4)

فلا يصح إقرار المريض مرض موت مخوف بمال لوارث إلا ببينة أو إجازة من الورثة، لكن يلزمه الإقرار إن كان حقاً ولو لم يُقبل منه. والاعتبارُ بكون المقَر له وارثاً أو غير وارث وقتُ الإقرار، فلا يصح إقرار المريض لوارث ولو صار عند الموت أجنبياً، لكن يصح ويلزم إقراره لأجنبي ولو صار عند الموت وارثاً.

(تتمة) إن أقر لوارثه بثمن مبيع اشتراه منه فيقبل ذلك منه، ولزمه بعقد البيع لا بالإقرار، كما في الإقناع.

(5)

أي: أن العبرة في الإعطاء وقتُ الإعطاء لا وقت الموت كالإقرار، وقد تابع الماتنُ هنا صاحبَ الإقناع، وخالف بذلك المذهب وما قرره الماتنُ نفسُه في عطايا المريض في باب الهبة، وكذلك خالف صاحبُ الإقناع نفسه في هذا الموطن. والصحيح من المذهب: أن الاعتبار في العطية والوصية بكون المعطَى أو الموصى له وارثاً أو غير وارث بوقت الموت لا بوقت الإعطاء أو الإيصاء، عكس الإقرار. (مخالفة الماتن، وفرق فقهي)

ص: 792

وإن أقرَّت أو وَليُّهَا بِنِكَاحٍ لم يَدَّعِهِ اثنَان قُبِل

(1)

.

وَيُقبَلُ إقرارُ صبيٍّ لَهُ عشرٌ أنه بلغَ باحتلامٍ

(2)

.

وَمن ادُّعِيَ عَلَيهِ بِشَيءٍ فَقَالَ: «نعم» أو «بلَى» وَنَحْوهُمَا أو «اتَّزِنْهُ» أو «خُذْه» ، فقد أَقَر، لَا «خُذْ» أو «اتزن» وَنَحوه

(3)

.

(1)

أي: إذا ادعى شخصٌ أنه زوج امرأة، وأقرت به، فإنه يُقبل إقرارها أو إقرار وليها المجبِر - أي: من له إجبارها - بأنها زوجته. وقوله: (ولم يدعه اثنان): أي: لابد أن يدعيه واحد، فلو ادعى النكاحَ اثنان، لم يصح إقرارها أو إقرار وليها المجبِر لهما، هذا ما قرره الماتنُ تبعاً للإقناعِ وزادِ المستقنع، لكن المذهب: صحةُ الإقرارِ حتى لو ادعاه اثنان، فقوله:(ولم يدعه اثنان): ليس قيداً على الصحيح من المذهب، فعلى المذهب:((لو أقاما) أي: الاثنان المقر لهما بالنكاح (بيِّنتَين قُدِّم أسبقُهما) تاريخاً، (فإن جهل) التاريخ (فقول وليّ) أي: من صدقه الولي على سبق تاريخ نكاحه، (فإن جهله) الولي، أي: الأسبق (فسخا) أي: النكاحان، كما لو زوجها وليان وجهل الأسبق، (ولا ترجح) لأحدهما بكونهما (بيده) لأن الحر لا تثبت عليه اليد) انتهى من شرح المنتهى. (مخالفة الماتن)

(2)

لأنه لا يُعلم إلا من جهته، بخلاف ما لو ادعى بلوغه بالسِّنِّ - أي: باستكماله خمس عشرة سنة -، فلا يقبل إلا ببينة؛ لأنه يمكن علمه من غير جهته.

(3)

أي: من ادُّعي عليه بشيء كأن ادُّعي عليه بعشرة دراهم مثلاً، فقال: نعم، أو: بلى، أو نحوهما كـ: صدقتَ، أو: أنا مقِر، أو قال للمدعي: خُذ الدراهم العشرة، أو: اتَّزنها - أي: زِن مما عندي عشرة دراهم -، فإنه يعتبر إقراراً وتلزمه الدراهم. أما لو قال له: خُذ، أو: اتَّزن - بلا ضمير - ونحوه، فلا يعتبر إقراراً؛ لاحتمال تعلقه بغير المدعى به.

ص: 793

وَلَا يضُرُّ الإِنشَاءُ فِيهِ

(1)

.

وَله عَليَّ ألفٌ لَا يلزَمُنِي، أو ثمنُ خمرٍ وَنَحوُهُ يلزمُهُ الأَلفُ

(2)

.

وَله أو كَانَ عَليَّ أَلف قَضيتُه أو بَرِئتُ مِنهُ فَقَولُه

(3)

، وإن ثَبت بِبَيِّنَةٍ أو

(1)

والمراد - كما ذكر الشارح -: أن قول: «إن شاء الله» في الإقرار لا يضر ولا يمنع صحته. كما لو قال: له علي ألف ريال إن شاء الله، فهو إقرار صحيح، وتلزمه الألف. واستعمال الماتن كلمة «الإنشاء» للتعبير عن مشيئة الله تعالى لم أره في غيره من الكتب بهذه الصيغة، فهل ذلك سائغ في اللغة؟ الله أعلم.

(2)

فإذا وَصَلَ المقِرُّ إقرارَه بما يسقطه لم يُقبَل، ولزمه ما أقر به، فلو قال: له عليَّ ألف لا تلزمني، أو: له عليَّ ألف من ثمن خمر، ونحوه: كثمن كلب، فتلزمه الألف، ولا ينفعه ما وصل إقراره به؛ لأن الكلام الذي وصله بإقراره فيه رفعٌ لجميع ما أقر به، فلا يقبل كما لو استثنى جميع المستثنى منه. ويحسن التنبيه إلى أن الحنابلة يفرقون بين قول: له عندي، و: له عليَّ، فإن الأخير إقرارٌ بدَين في الذمة.

(3)

أي: وهذه مقيدة بما إذا لم يَنْسِب المُقِرُّ هذه الألف لسبب من قرض أو ثمن مبيع، فيقبل منه بيمينه؛ لأنه منكر، ولأنه رَفَعَ ما أثبته بدعوى القضاء متصلاً. وإن كان نسب ما أقر به لسبب أو ثبت عليه الحق ببينة، فلا يقبل قوله:(قضيته أو برئت منه) إلا ببينة، كما سيذكره الماتن؛ والأصل: أن من أقر بشيء لآخر فلا يقبل قوله في الرد إلا ببينة، فخالف الحنابلةُ هذا الأصل - الذي يبنون عليه فروعا غير هذه المسألة - في هذه المسألة، فقبلوا قولَه! ، والقول الآخر في المذهب - وهو قول أبي الخطاب -: أنه يكون مقراً بالألف مدعياً القضاءَ، فلا يقبل قوله في القضاء إلا ببينة وإن لم ينسب ما لزمه لسبب من قرض أو ثمن، قال ابن هبيرة رحمه الله:(لا ينبغي للقاضي الحنبلي أن يحكم بهذه المسألة - أي: بالقول الأول -، ويجب العمل بقول أبي الخطاب).

ص: 794

عزاهُ لسَبَبٍ فَلَا

(1)

.

وإن أنكر سَبَبَ الحقِّ ثُمَّ ادّعى الدَّفعَ بِبَيِّنَةٍ لم يُقبَل

(2)

.

(1)

أي: يقبل قوله في القضاء أو الإبراء إلا في حالتين: 1 - أن يثبُت ما أقر به ببينة، 2 - أو يعزوه لسبب، كقوله: له علي ألف ريال ثمن مبيع وقضيته؛ فهذا استثناءٌ من أصل المسألة، ففي الحالتين لا يقبل قوله بالقضاء أو الإبراء إلا ببينة.

(2)

هذه المسألة لم أجدها هنا لا في الإقناع ولا في المنتهى، ولم يشرحها الشارح على وجهها، وأفضَلُ من شَرَحها الشيخُ ابن جامع في «الفوائد المنتخبات» ، وهو من تلاميذ ابن فيروز. وصورة المسألة: أن يدعي زيد على عمرَ ألف ريال ثمنَ مبيع، فينكر عمرُ سبب الحق - وهو البيع -، فيقول: أنا لم اشترِ منك، ثم يثبت ذلك الشراء ببينة، فيدَّعِي عمرُ دفعَ الثمن - أي: الألف - في زمن سابق لإنكاره سبب الحق، فيقول مثلاً: أنا قضيته أو أبرأتني منه قبل أن أقول لك: لم أشتر منك، فإنه لا يقبل منه ولو أتى ببينة تشهد له على ذلك، فهو قد أنكر سبب الحق ثم ثبت عليه ببينة ثم ادعى أنه قضاه أو أبرئ منه قبل إنكاره، فلا يقبل قوله ولو ببينة. وإن ادعى قضاءً أو إبراءً في زمن متأخر عن إنكاره، قُبل قوله بيمينه. ثم وجدت المسألة في الإقناع والمنتهى والغاية في كتاب القضاء في باب:(طريق الحكم وصفته)، في فصل:(وإن قال المدعِي: ما لي بينة)، قال في الإقناع وشرحه:((فأما إن أنكره، ثم ثبت، فادعى قضاءً أو إبراءً سابقاً لإنكاره لم يسمع) منه (وإن أتى ببينة، نصاً) فلو ادعى عليه ألفاً من قرض فقال: ما اقترضت منه شيئاً، أو من ثمن مبيع فقال: ما ابتعت منه شيئاً، ثم ثبت أنه اقترض أو اشترى ببينة أو إقرار فقال: قضيته من قبل هذا الوقت، أو: أبرأني من قبل هذا الوقت، لم يُقبل منه ولو أقام به بينة؛ لأن القضاء أو الإبراء لا يكون إلا عن حق سابق، وإنكار الحق يقتضي نفي القضاء أو الإبراء منه، فيكون مكذباً لدعواه وبينته، فلا تسمع لذلك .. واحترز بقوله: سابقاً على إنكاره: عما لو ادعى قضاءً أو إبراءً بعد إنكاره، فإنه تسمع دعواه بعد ذلك، وتقبل بينته؛ لأن قضاءه بعد إنكاره كالإقرار به، فيكون قاضياً لما هو مقر به، فتسمع دعواه به كغير المنكر، وإبراء المدعي بعد الإنكار إقرار بعدم استحقاقه، فلا تنافي بين إنكاره وإبراء المدعي، فتسمع البينة بذلك).

ص: 795

وَمن أقرَّ بِقَبضٍ أو إقباضٍ أو هبةٍ ونحوِهن، ثُمَّ أنكَرَ وَلم يجحَدْ إقرارَهُ وَلَا بَيِّنَة، وَسَأَلَ إحلافَ خَصمه لزمَهُ

(1)

.

(1)

أي: إذا أقر شخص أنه قبض ثمن السلعة التي باعها من المشتري، ثم أنكر، وقال: ما قبضته، ولم يجحد الإقرار الصادر منه بالقبض، وليس عنده بينة تشهد بذلك، وسأل البائعُ الحاكمَ أن يستحلف المشتري أنه دفع الثمن للبائع، لزم المشتري أن يحلف: أنه دفع الثمن للمشتري، فإن نكل قُضي عليه بالنكول، ويُلزم بدفع الثمن للبائع.

هذه المسألة مما يحصل كثيراً في المحاكم عند كُتاب العدل، وصورتها: أن يشتري شخص من آخر أرضاً مثلاً، فيقول المشتري للبائع: أخبر كاتبَ العدل أنك استلمت الثمنَ مني، ثم أُعطيك إياه ليلاً أو غداً. فإذا أتيا كاتب العدل، وسأل كاتبُ العدل المشتري: هل اشتريت الأرض؟ فإنه يقول: نعم، وإذا سأل البائعَ: هل قبضت ثمن الأرض؟ فإنه يقول: نعم، فيكون إقراراً منه بقبض ثمن. فإذا امتنع المشتري بعد ذلك من دفع الثمن إلى البائع، ورفع البائع عليه دعوى منكراً قبض الثمن غيرَ جاحدٍ لإقراره السابق بالقبض ولم توجد بينة، فللبائع طلب يمين المشتري أنه أقبضه الثمن، ويُلزمه القاضي بالحلف.

وقوله: (أو إقباض): تظهر ثمرته في الرهن والهبة؛ لأنهما يلزمان بالقبض، فيقول الراهن: أقبضتُ المرتهنَ الرهنَ، ثم ينكر الإقباض، ولا يجحد إقراره السابق، ولا توجد بينة تشهد بشيء، فلو سأل منكِرُ الإقباض - وهو الراهن - إحلافَ خصمه أنه قبض منه الرهن، فله ذلك، ويلزم القاضي أن يستحلفه، ويلزم الخصم أن يحلف، ومثله الهبة.

ص: 796

وَمن بَاعَ أو وَهَبَ أو أعتَقَ ثُمَّ أَقَرَّ بذلك لغيرِه لم يُقبل، ويغرمُهُ لمقرٍّ لَهُ

(1)

. وإن قَالَ لم يكنْ مِلْكِي، ثُمَّ مَلَكْتُه بعدُ، قُبِل بِبَيِّنَةٍ مَا لم يكذِّبْها بِنَحوِ

(1)

فمن باع عبداً مثلاً، ثم قال بعد البيع: هذا العبد ليس لي بل هو لزيد، فإنه لا يقبل إقراره على المشتري، ولا ينفسخ البيع، ويغرم بدله لزيد، ومثله لو وهب شيئاً أو أعتق عبداً، ثم أقر أن الموهوب أو العبد الذي أعتقه لغيره، فلا يقبل قوله ويغرم بدله لمن أقر له به.

ص: 797

قبضتُ ثمنَ مِلْكِي

(1)

.

وَلَا يُقبَلُ رُجوعُ مُقِرٍّ إلا فِي حدٍّ لله

(2)

.

وإن قَالَ: لَهُ عَليّ شَيءٌ، أو كَذَا، أو مَالٌ عَظِيم وَنَحوُه، وأَبى تَفسِيرَه، حُبسَ حَتَّى يفسِّرَه، وَيُقبَلُ بِأَقَلَّ مَالٍ، وبكلبٍ مُبَاحٍ، لَا بِميتةٍ أو خَمرٍ أو قشرِ جوزَة وَنَحوِهِ

(3)

.

وَله تمرٌ فِي جرابٍ، أو سكينٌ فِي قِرَابٍ، أو فصٌّ فِي خَاتمٍ وَنَحوُ ذَلِك

(1)

أي: لو قال بعد أن باع أو وهب أو أعتق العبد مثلاً: لم يكن ملكي حال البيع، ثم ملكته بعد البيع ونحوه، فإنه يقبل منه ببينة، ما لم يكذِّب بينته بنحو قوله بعد بيعه: قبضتُ ثمنَ ملكي، ولا ينفسخ البيع ولا غيره، ويغرم بدله للمقَر له.

(2)

فإذا رجع شخص عن إقراره في حد من حدود الله تعالى كالزنا، فإنه يقبل رجوعه، ولا يقبل رجوعه في حقوق الآدميين كالديون؛ لتعلق إقراره بحق الآدمي.

(3)

أي: لو قال شخصٌ: لفلان عليّ شيء، أو: له عليّ كذا، أو: له عليّ مال عظيم، ونحوه كـ: مال كثير، فإنه يُرجع في تفسير ذلك إلى المقِر؛ فإن أبى تفسيرَه حُبس حتى يفسره. ويقبل تفسيره بأقل متمول كأن يقول: أردت أن له علي ريالاً، ويقبل كذلك إن فسره بكلب مباح ككلب صيد أو ماشية. ولا يقبل قوله: أردت أن له علي ميتة، أو خمراً، أو ما لا يتمول في العادة كقشر جوزة، أو نحوه كحبة بر أو رد سلام؛ لأن هذه الأشياء لا تثبت في الذمة؛ لأنها ليست حقوقاً، وإقراره يدل على ثبوت الحق في ذمته.

ص: 798

يلزمُه الأولُ

(1)

.

وإقرارٌ بشجرٍ لَيسَ إقراراً بأرضِهِ، وبأَمَةٍ لَيسَ إقراراً بحملها

(2)

، وببستانٍ يَشمَل أشجارَه

(3)

.

وإن ادَّعى أحدُهما صِحَةَ العقدِ والآخرُ فَسَادَه فَقَولُ مُدَّعي الصِّحَّةِ

(4)

.

(1)

أي: يلزمه التمر والسكين والفص، دون الجراب والقراب - وهو وعاء السكين - والخاتم؛ لأن الأول لم يتناول الثاني، وذِكره في سياق الإقرار لا يلزم منه أن يكون للمقَر له؛ لأنه كما يحتمله يحتمل أن يكون للمقِر، فلا نوجبه عليه بالشك.

(2)

أي: إن أقر أن شجراً معيناً لزيد، فليس إقراراً له بالأرض التي تحت ذلك الشجر. وكذا لو أقر له بأمة، فليس إقراراً له بحملها؛ لأنه قد لا يتبعها.

(3)

فإذا أقر لشخص ببستان، فإن ذلك يشمل أرض البستان وأشجاره.

(4)

وهذه قاعدة: فمن ادَّعى فسادَ عقد بعد إيقاعه واتفاقهم عليه، فإن قوله لا يقبل، والقول قول مدعي الصحة بيمينه؛ لأن الأصل في عقود المسلمين الصحة.

هذا آخر ما تيسر من التعليق على هذا المتن المبارك رحم الله مؤلفه رحمة واسعة، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وأسأله حسن الخاتمة والمتاب، وأن يتقبل ذلك بمنه وكرمه، وأن يوفقني للتوبة وشكر نعمه. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. والصلاة والسلام على نبيّنا وقرة أعيننا محمد، وعلى آله وصحبه على مدى الأزمنة والأوقات.

انتهيت - بحمد الله تعالى - من تحرير هذا التعليق على هذا المختصر ظهر يوم الجمعة السابع من شهر ذي الحجة المبارك من سنة سبع وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أحسن الله تقضيها على خير. كتبه وحرره: أحمد بن ناصر القعيمي الحنبلي الأحسائي، غفر الله له وتجاوز وصفح، وعن والديه، وأهله، وأولاده، وإخوانه، ومشايخه، وجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين. والحمد لله على التمام.

انتهيت - ولله الحمد - من المراجعة الثانية لهذه الحاشية ليلةَ الأربعاء الحادي عشر من شهر محرم من عام ثمان وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرة المصطفى صلى لله عليه وسلم، أحسن الله تقضيها على خير، والحمد لله رب العالمين.

انتهيت ولله الحمد من قراءة هذه الحاشية مع مجموعة مباركة من طلاب العلم في ستة أيام، وقد كان آخرها ليلة السبت الرابع عشر من شهر جمادى الأولى من سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة وألف أحسن الله تقضيها على خير وبركة، والحمد لله أولا وآخرا.

انتهيت ولله الحمد من المراجعة الثالثة للمواضع التي تحتاج لتعديل، في عصر هذا اليوم المبارك، يوم الجمعة الحادي عشر من شهر جمادى الآخرة من سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة وألف أحسن الله تقضيها على خير وبركة، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

انتهيت - ولله الحمد - من المراجعة الخامسة لهذا الكتاب مغرب ليلة الإثنين الرابع عشر من شهر محرم من سنة أربعين وأربعمئة وألف من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أحسن الله تقضيها على خير وبركة، أسأل الله تعالى أن ينفع بها، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.

ص: 799

وَالله سبحانه وتعالى أعلَم بِالصَّوَابِ.

ص: 800

تمت هَذِه النُّسخَة النافعة - إن شَاءَ الله تَعَالَى - بعون الله تَعَالَى وَحسن توفيقه، نَهَار الأربعَاء سادس عشر رَمَضَان سنة أربَع وَخمسين وألف بقلم مؤلِّفها:

مُحَمَّد البَلْبَاني الخزرجي الحَنبَلِيّ، عَفا الله عَنهُ بمنّه.

ص: 801