الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (في الوقف)
(1)
وَالوَقفُ سُنَّةٌ.
(1)
الوقف: مصدر وَقَفَ الشيء، إذا حبّسه. وهو شرعاً: تحبيس مالكِ التصرف- وهو: المكلف الرشيد - مالَه المنتفعِ به مع بقاء عينه، يصرف ريعه في جهة برٍّ تقرباً إلى الله تعالى. وذكر الإمام الشافعي رحمه الله: أن الوقف من خصائص أهل الإسلام، ولم يوقف أهل الجاهلية شيئاً.
والأصل في الوقف حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث
…
» وذكر منها «صدقة جارية» ، رواه مسلم، وكذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:(أصاب عمر رضي الله عنه أرضاً بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله! إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه، قال: «إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها»، قال: فتصدق بها عمر رضي الله عنه، أنه لا يباع أصلها، ولا يورث، ولا يوهب، فتصدق بها في الفقراء، وفي القربى، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقاً، غير متمول مالاً)، متفق عليه.
وفي شرح المنتهى: (وأركانه: واقف، وموقوف، وموقوف عليه، والصيغة، وهي: فعلية وقولية).
وَيصِحُّ بقولٍ وَفعلٍ دَالٍّ عَلَيْهِ عُرْفاً
(1)
كمن بَنَى أرضَهُ مَسْجِداً، أو مَقْبرَةً وأَذِنَ للنَّاس أن يصلوا فِيه ويدْفِنُوا فِيهَا
(2)
.
وصَرِيحُه: وقَفتُ وحَبَّستُ وسَبَّلت
(3)
، وكنايتُهُ: تَصَدَّقت وَحَرَّمت وأبَّدت
(4)
.
وشروطُه خَمْسَةٌ
(5)
: كَونُه فِي عينٍ
(6)
(1)
فليس هناك صيغة معينة للوقف، ويشترط لصحة الوقف بالفعل: أن يقترن به ما يدل على الوقف عرفاً، وأمثلته: قوله: (كمن بنى .. الخ).
(2)
أي: كمن بنى أرضه مسجداً وأذِن للناس إذناً عاماً أن يصلوا فيه ولو بفتح الأبواب، أو التأذين، أو بنى سوراً حول أرضه وأَذِنَ إذْناً عاماً أن يدفنوا فيها. أما الإذن الخاص فلا يؤخذ منه الوقف؛ لأنه قد يقع على غير الموقوف، فلا يفيد دلالة الوقف.
(3)
تناول الماتن هنا: الصيغة القولية، ومنها: الصريح والكناية. فالصريح في الوقف: هو القول الذي لا يحتمل غير الوقف.
(4)
الكناية: هي ما يحتمل الوقف وغيره، ويشترط لصحة الوقف بالكناية: 1 - أن ينوي الوقفَ، كأن يقول: تصدقت بهذه الأرض، ناوياً أنها وقف، 2 - أو يأتي مع الكناية بأحد الألفاظ الخمسة الأخرى، كأن يقول: تصدقت صدقة مؤبدة أو محبسة، 3 - أو يقرن الكناية بحكم الوقف، كأن يقول: تصدقت بهذه الأرض صدقة لا تباع ولا تورث.
(5)
أي: شروط الوقف خمسة.
(6)
(الشرط الأول) كونه في عين معلومة يصح بيعها غير مصحف، وينتفع بها مع بقائها. وقوله: في عين: يخرج: الوقف في الذمة كقوله: أوقفت داراً؛ لأنها مبهمة غير معينة، ويخرج أيضاً: وقف المنافع كقوله: أوقفت منفعة هذه العمارة، لكن عين العمارة تبقى ملكاً لي، فلا يصح.
مَعْلُومَةٍ
(1)
يَصحُّ بيعُهَا
(2)
غيرَ مُصحَفٍ
(3)
، وَيُنْتَفعُ بهَا مَعَ بَقَائِهَا
(4)
،
وَكَونُهُ على برٍّ
(5)
، وَيصِحُّ من مُسلمٍ على ذمِّيٍّ وَعَكسُهُ
(6)
، وَكَونُهُ - فِي غير مَسْجِدٍ
(1)
فلا يصح وقف عين مجهولة كقوله: أوقفت أحد بيوتي.
(2)
ولو منقولاً كسيارة وفرس، وما لا يصح بيعه لا يصح وقفه.
(3)
استثناه تبعاً للإقناع، أما على القول بصحة بيع المصحف للمسلم مع التحريم - وهو قول المنتهى - لا يحتاج إلى هذا الاستثناء. (مخالفة)
(4)
أي: ينتفع بالعين بما يعد انتفاعاً عرفاً، ويكون نفعاً مباحاً، ولا تستهلك أجزاؤه بالاستعمال بل تبقى كالعقار، والشجر، والمنقول كالحيوان والأثاث، فلا يصح على المذهب وقف نقود ليُقترض منها كما تفعل بعض الجمعيات الخيرية؛ لأن من اقترض نقوداً مَلَكَها ويرد بدلها لا عينها، وبذلك تستهلك عينها، ويستثنى: وقف الماء للشرب فيصح إجماعا.
(تتمة) ما يؤخذ من الوقف إما أن يكون منفعة أو عيناً، قال البهوتي في الكشاف:(المنتفعُ به تارة يراد منه: ما ليس عيناً كسكنى الدار وركوب الدابة وزراعة الأرض، وتارة يراد منه: حصول عينٍ كالثمرة من الشجر، والصوف، والوبر، والألبان، والبيض من الحيوان).
(5)
(الشرط الثاني) كونه على جهة بِر، وهو: اسم جامع للخير، والقربة قد تكون على الآدميين كالفقراء والمساكين والعلماء، وقد تكون على غير الآدميين كالمساجد والغزو والحج.
(6)
أي: يصح من مسلم على ذمي معين لا على أهل الذمة أو الكنائس، ويصح من ذمي على مسلم معين كذلك.
وَنَحْوه - على معَيَّنٍ يَمْلِكُ
(1)
، وَكَونُ وَاقِفٍ نَافِذَ التَّصَرُّف
(2)
، وَوَقفُه ناجزاً
(3)
.
(1)
وهذا (الشرط الثالث)، فالمساجد ونحوها كالمستشفيات والطرق لا تَملك ولا ذمة لها، لكن يجوز الوقف عليها، أما المُنْتَفِعُ بالوقف - غير المساجد ونحوها - فيشترط أن يكون معيّناً من جهة - كمسجد فلان - أو شخص - غير نفسه -، فلا يصح قوله: على بعض المساجد، أو: وقفت على أحد هذين، ويشترط في الشخص المعين أن يملك ملكاً مستقراً - كما في الإقناع - أي: ملكاً تاماً كزيد من الناس، أما ما لا يملك ملكاً مستقراً كالمكاتب والقن والبهيمة فلا يصح الوقف عليه.
(2)
(الشرط الرابع) كون الواقف نافذ التصرف، وهو الحر المكلف الرشيد المالك لما يريد أن يوقفه؛ لأن الوقف تبرع.
(3)
(الشرط الخامس) كون الوقف ناجزاً؛ فلا يصح تعليقه كقوله: إذا جاء رمضان فعمارتي وقف، ولا توقيته، ولا أن يشترط فيه الخيار، ويستثنى: التعليق بالموت فيصح كقوله: أوقفت هذه العمارة بعد موتي، فيصح ويصير وقفاً من حين صدوره منه؛ لكنه يكون وصية فيُقيد بثلث ماله عند الموت، فإن كان قدر الثلث فأقل صح ولزم، وإن زاد لزم في الثلث، ووقف الباقي على الإجازة.
(تتمة) ذكر صاحبُ الغايةِ شرطاً زائداً: (الشرط السادس) ألا يشترط الواقف شرطاً ينافي الوقف، كأن يشترط خياراً، أو يُوَقته كقوله: هذا وقفٌ لمدة عشر سنين، فلا يصح فيهما، وذكر الإقناعُ والمنتهى هذا الشرط في شرط: أن يكون ناجزاً، وعليه العمل في هذه الحاشية.
وَيَجِبُ العَمَلُ بِشَرْطِ وَاقِفٍ إن وَافق الشَّرْعَ
(1)
، وَمَعَ إطلاقٍ يَسْتَوِي غَنِيٌّ وفقيرٌ، وَذكرٌ وأُنثى
(2)
.
(1)
فيجب العمل بجميع ما اشترطه الواقف. أما قوله: (إن وافق الشرعَ): فلم أجد هذه العبارة في كافي المبتدي - وهو أصل هذا الكتاب - ولا في المنتهى والإقناع، وتَدخُل في عبارته الشروطُ الواجبة والمستحبة، لكن هل تدخل فيها الشروط المباحة أيضاً؟ كثير من العلماء يدخل المباح في الأحكام التكليفية، وصرح صاحب الغاية بوجوب العمل بشرط الواقف ولو كان مباحاً، وذكر الشيخ منصور في الكشاف عن الحارثي أنه صحح الشرط المباح. ومن أمثلة الشرط المباح: أن يقف عمارة على الفقراء ويستثني أحدَهم، أو يجعل لأحدهم أكثر من غيره، أما الشرط المستحب فكوقفه العمارة على الفقراء مع تقديم الفقيه منهم، أو طالب العلم، ونحو ذلك. (بحث)
(2)
أي: إن أطلق الواقف قدرَ ما يُعطى للموقوف عليهم استوى غنيهم وفقيرهم وذكرهم وأنثاهم، وتعبيره بـ (مع إطلاق يستوي
…
الخ): وافق فيه زاد المستقنع، ولم أجده في المنتهى ولا في الإقناع إلا مرتبة ثالثة بعد تقديم العادة ثم العرف ثم التساوي، ففيهما - أي: الإقناع والمنتهى -: إن جُهِلَ شرطُ الواقف في مقدار الإعطاء رجع إلى العادة المستمرة في مثل ذلك الوقف في مقادير الصرف كفقهاء المدارس إن وُجدت عادة فيه، ثم إن لم توجد عادة في هذا الوقف فيرجع إلى العرف المستقر الذي في البلد، فإن لم تكن عادة ولا عرف فيسوى بينهم. ولعله يوفق بين عبارة الماتن وعبارتي الإقناع والمنتهى بأن يقال: إن عبارتهما تنصرف إلى من عُلم أنه اشترط وجُهل شرطه، كأن تقوم بينة على الوقف دون الشرط - كذا في شرح المنتهى -، أما نص الأخصر فيحمل على من عُلم أنه لم يشترط .. والأَولى أن يقال: عبارة المؤلف فيها قصور ونقص، ولم يأت إلا بالمرتبة الثالثة وهي التساوي، ويحمل كلامه على ما في الإقناع والمنتهى من أنه يعمل بالعادة ثم العرف ثم التساوي، وهو الذي شرح عليه ابن جامع رحمه الله في الفوائد المنتخبات، والله أعلم. (بحث مهم)
والنظرُ
(1)
عِنْد عدمِ الشَّرْطِ لموقوفٍ عَلَيْهِ إن كَانَ محصوراً
(2)
وإلا فلحاكمٍ
(3)
، كَمَا لَو كَانَ على مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ
(4)
.
وإن وَقَفَ على وَلَدِه أو وَلَدِ غَيرِهِ فَهُوَ لذكرٍ وأنثى بِالسَّوِيَّةِ
(5)
، ثُمَّ لولدِ
(1)
الناظر: هو من يقوم بشؤون الوقف وما يتعلق بمصالحه، ويشترط فيه: الإسلام والتكليف والقوة، ومن وظائفه: حفظ الوقف وعمارته وإجارته والمخاصمة فيه وتقسيم الريع.
(2)
أي: إن كان الموقوفُ عليه آدمياً معيناً كزيد، أو عدداً محصوراً كخمسة، فلكل واحد منهم حق النظر في الوقف بقدر حصته منه.
(3)
فإن لم يكن عدد الموقوف عليهم محصوراً، فالنظر للحاكم أو من ينيبه الحاكم.
(4)
كالفقراء، فيكون النظر للحاكم، وتقوم مقامه حالياً هيئة الأوقاف.
(5)
فلا يكون للذكر مثل حظ الأنثيين. وقوله: لذكر وأنثى: أي الموجودين حال الوقف ولو حملاً، أما من وُجد بعد ذلك فلا يدخل في الوقف على ما هو مقرر في المنتهى - تبعاً للتنقيح - والغاية وهو المذهب، بخلاف الإقناع فإنه قال بدخول أولاده الحادثين بعد الوقف، وذكر الشيخ عثمان أن قول الإقناع: رواية في المذهب والعمل بها أَولى، وأن أهل نجد يقدمون الإقناعَ على المنتهى في هذه المسألة فيرجحون: دخولَ الأولاد الحادثين، والإنسان أكثر شفقة على الصغير الحادث من الكبير. قلتُ: والعمل بها أولى كما قاله الشيخ النجدي رحمه الله. (مخالفة)
(تتمة) مما يفارق الوقفُ فيه الهبةَ: 1 - أنه يستحب للواقف أن يجعل للذكر من أولاده مثل ما للأنثى، أما الهبة فيجب أن يكون للذكر فيها مثل حظ الأنثيين، 2 - ويجوز عند الحنابلة أن يُفَضِّلَ الواقفُ بعضَ أولادِهِ على بعض كأن يقف على أحدهم دون غيره، ولا يخلو: إن كان تفضيله لسببٍ ككثرة عيالٍ جاز بلا كراهة، وإن كان بغير سبب كُره، وأما في الهبة فلا يجوز التفضيل مطلقاً؛ لأن الملك في الوقف غير تام بخلاف الهبة، فللموهوب له التصرف فيها ببيع وغيره.
بَنِيه
(1)
،
وعَلى بنيه أو بني فلَانٍ
(1)
دون أولاد بناته، فالترتيب هنا يكون بالبطون - أي: بالطبقة - لا بالأفراد، فلو وقف على أولاده ثم مات أَحَدُهم فنصيبُه لإخوته حتى يموتوا جميعاً، ثم ينتقل الوقف إلى أولادهم - أي: الطبقة الثانية -، واختار شيخ الإسلام: الترتيب بالأفراد، فيُرد نصيب الولد الميت إلى أولاده دون إخوته.
(تتمة) صفات الاستحقاق ثلاثة: 1 - الترتيب بالبطون كأن يقول: وقفت على أولادي ثم أولادهم، فلا يستحق البطن الثاني من الوقف شيئاً حتى ينقرض البطن الأول، 2 - والاشتراك، وهو أن يقول:«وقفت على أولادي الموجودين والحادثين» ، فيشترك في الوقف هؤلاء وأولادهم وأولاد أولادهم
…
، 3 - والترتيب بالأفراد كأن يقول:«أوقفت هذه المزرعة على أن ينتقل نصيب من مات من أولادي إلى أولاده» .
ولو عيّن الواقفُ جهةَ انتقال الوقف كأن يقول بهذه الصيغة: «أوقفت هذه العمارة على اثنين من أولادي: محمد وصالح، ثم على المساكين» ، فإذا مات ولداه لم يرث أولادُهما الوقفَ وإنما ينتقل إلى المساكين، أما لو لم يذكر جهةَ انتقال الوقف بعد ولديه فقال:«أوقفتها على محمد وصالح» - ويسمى وقفاً منقطع الآخر -، فإذا مات الولدان الموقوف عليهما رجع الوقف على ورثة الواقف نسباً، فيدخل في ذلك جميع أولاده وأولاد بنيه
…
ولا يصح الوقف على النفس، لكن لو وقف على جهة لا تدوم كعلى صديقه ثم مات رجع الوقف على الواقف، فإن مات انتقل إلى ورثته.
فلذكورٍ فَقَط
(1)
، وإن كَانُوا قَبيلَةً دَخَلَ النِّسَاءُ دون أولادِهنَّ من غَيرِهِم
(2)
، وعَلى قرَابَتِه أو أهلِ بَيته أو قومِهِ دخل ذكرٌ وأنثى من أولادِه وأولادِ أبيِه وجدِّه وجدِّ أبيه
(3)
لا مخالفُ دينِهِ
(4)
.
(1)
دون الإناث.
(2)
فلو وقف على قبيلة كبني تميم دخل النساء دون أولادهن من غير تلك القبيلة.
(3)
أي: لو قال: «وقفت كذا على قرابتي» أو «على أهل بيتي» أو «على قومي» دخل في ذلك أربعة آباء وشمل الذكر والأنثى من: 1 - أولاد الواقف، 2 - وأولاد أبيه، أي: إخوانه وأخواته، 3 - وأولاد جده، أي: أبيه وأعمامه وعماته، 4 - وأولاد جد أبيه، أي: جده وأعمام وعمات أبيه. والدليل على دخول أربعة آباء: عدم مجاوزة النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم إلى من هو أبعد منهم كبني عبد شمس في سهم ذوي القربى. رواه الإمام أحمد.
(4)
فيدخل الآباء الأربعة بشرط عدم مخالفتهم لدين الواقف ما لم توجد قرينة تدل على دخول المخالفين لدين الواقف، كما في الإقناع والمنتهى.
وإن وقفَ على جمَاعَةٍ يُمكنُ حصرُهُم وَجب تعميمُهُم والتسويةُ بَينهم
(1)
، وإلا جَازَ التَّفْضِيلُ والاقتصارُ على وَاحِدٍ
(2)
.
(1)
أي: إذا وقف شيئاً على جماعة يمكن حصرهم ابتداءً كما لو أوقف على إخوته وأولادهم قبل أن يولد لهم، وجب تعميمهم والتسوية بينهم ولو كثُر عدد الموقوف عليهم بعد ذلك بأن وُلد لهم.
(2)
فإن لم يمكن حصر الموقوف عليهم ابتداءً كالوقف على المساكين جاز أمران: 1 - التفضيل بإعطاء بعضهم أكثر من بعض، 2 - والاقتصار على واحد منهم مع حرمان البقية.