الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (في المسابقة)
(1)
(1)
المسابقة: من السبْق، بسكون الباء. وهي اصطلاحاً: المجاراة بين حيوان ونحوه كالسفن. والسبَق - بفتح الباء -: الجُعل الذي يسابق عليه. والأصل في المسابقة: الجواز، وقد سابق النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها فسبقته ثم سبقها، رواه الإمام أحمد وغيره، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: سابق النبي صلى الله عليه وسلم بالخيل المضمرة من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، وكان ابن عمر فيمن سابق، متفق عليه. والخيل المضمرة هي: المعلوفة القوت بعد السمن قاله في القاموس.
والمسابقة: جعالة؛ فلكل فسخها ما لم يظهر الفضل لصاحبه فيمتنع الفسخ على المفضول فقط، ومن كشاف القناع للبهوتي يؤخذ عدم جواز الفسخ للمفضول حيث قال:(فإن ظهر) له عليه فضل (فله) أي الفاضل (الفسخ) لأن الحق له (دون صاحبه) المفضول لأنه لو جاز له ذلك لفات غرض المسابقة فلا يحصل المقصود). فقوله: لأنه لو جاز .. إلخ يفهم منه عدم الجواز والله أعلم. (بحث)
وَتجوز المسَابقَةُ على أقدامٍ، وسهامٍ
(1)
، وسُفُنٍ، ومزاريقَ
(2)
، وَسَائِرِ حَيَوَانٍ
(3)
أو بعوضٍ، إلا على إِبل وخيل وسهام
(4)
.
(1)
زاد الإقناع هنا: (للرجال) قال البهوتي: (أخرج النساء؛ لأنهن لسن مأمورات بالجهاد).
(2)
هي: الرماح القصيرة.
(3)
كالإبل والخيل.
(4)
الصواب: لا بعوض إلا
…
، كما في المنتهى والإقناع وفي نسخة من نسخ الأخصر، وكافي المبتدي - الذي هو أصل هذا المتن -، ومعناه: لا تجوز المسابقة بعوض فيما تقدم إلا في ثلاثة: الإبل والخيل والسهام. (تنبيه على عبارة الماتن)
(تتمة) المسابقات ثلاثة أنواع:
(النوع الأول) المسابقات المباحة: وضابطها: كل مسابقة فيها منفعة وليس فيها مضرة راجحة، كالمسابقة بين الطيور والحيوان. ويرى الشيخ ابن عثيمين جواز المسابقة على كرة القدم وجواز مشاهدتها ما لم يفض ذلك إلى رؤية محرم كالأفخاذ.
واختلف العلماء في حكم أخذ العوض على هذا النوع من المسابقات، والمذهب تحريمه، وهو قول المذاهب الأربعة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، فيحرم كل عوض من ميداليات وكؤوس وغير ذلك. واستدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر» ، رواه الخمسة وصححه الألباني في الإرواء، والمراد بالنصل: السهام، وبالخف: الإبل، وبالحافر: الفرس. وحكى ابن عبد البر في التمهيد الإجماع على تحريم الرهان - أي: السبَق - في غير هذه الثلاثة، وذكر ابن القيم في كتابه «الفروسية»:(أنّ تجويز بذل العوض في هذا النوع من المسابقات فيه ذريعة لاشتغال النفوس به واتخاذه مكسباً)، وهو الحاصل الآن، والله المستعان.
والقول الثاني: للمالكية جواز أخذ العوض إن كان من أجنبي، أي: من غير المتسابقين. وهو رأي شيخنا خالد المشيقح، وقالت به اللجنة الدائمة في إحدى فتاويها. لكن الشيخ خالد المصلح ذكر في كتابه «الحوافز التسويقية» أنه لم يجد دليلاً يعضد القول بالجواز؛ فالصحيح عدم جواز أخذ العوض على هذه المسابقات؛ لصراحة الحديث الوارد.
(النوع الثاني) المسابقات المحرمة: وضابطها: كل مسابقة نهى الشارع عنها أو تضمنت محذوراً شرعياً كالملاكمة والنرد ومناطحة الديوك؛ فهذه المسابقات محرمة بلا عوض، ومع العوض تكون أشد تحريماً.
(النوع الثالث) المسابقات الشرعية: وضابطها: كل مسابقة يستعان بها على الجهاد والتّقوّي على إظهار الدين وتحصيل النكاية بالأعداء، وهي مسابقات الإبل والخيل والسهام. وقد أذن الشارع بالعوض في هذه المسابقات دون غيرها.
وهل تلحق بها المسابقات الدينية في القرآن الكريم والفقه والحديث ونحو ذلك؟ المذهب عند الحنابلة لا يلحقونها بها، فلا يجوز العوض إلا في الثلاثة الواردة في الحديث.
ويرى شيخ الإسلام أن يُلحق بها كل ما فيه إعزاز للدين وتعليم الناس دينَهم، ومن ذلك المسابقات في الفقه والحديث ونحوها. أما غير ذلك من المسابقات، فتجوز لكن بدون عوض. وهو القول الثاني في المذهب. قال في الفروع:(فالمغالبة الجائزة تحل بالعوض إذا كانت مما ينفع في الدين، كما في مراهنة أبي بكر رضي الله عنه، اختار ذلك شيخنا، وقال: إنه أحد الوجهين، معتمداً على ما ذكره ابن البناء، وظاهره جواز الرهان في العلم، وفاقاً للحنفية؛ لقيام الدين بالجهاد والعلم)، قال في الإنصاف - بعد أن نقل كلام الفروع السابق -:(وهذا ظاهر اختيار صاحب الفروع، وهو حسن).
قلت: وهو أحسن ما يقال به، خاصة أن المسابقة على الثلاثة التي حددها العلماء تكاد تكون معدومة، وإن وجدت المسابقة في بعضها فليس المقصود منها الإعانة على الجهاد، وفي تجويز المسابقات بعوض في العلم الشرعي مصلحة دينية عظيمة، والله أعلم. (بحث)
(تتمة) لو عملت مسابقة على أشياء علمية شرعية بهدايا فكيف تجوز على المذهب؟ يقام أحدهم ويُسْئل السؤال، فإن أجاب أُعطي هدية، ولا يجوز أن يقال:(سنسأل الجميع ومن أجاب أعطيناه هدية)؛ لأن هذا مسابقة. والله اعلم.
وَشُرط تعيينُ مركوبينِ
(1)
(1)
يشترط في مسابقة الإبل والخيل والسهام خمسة شروط: (الشرط الأول) تعيين المركوبين - لا الراكبين - برؤية، كما في المنتهى، وهذا في الإبل والخيل، وتعيين الراميين برؤية في مسابقة السهام، وذكره الماتن بقوله:(وتعيين الرماة).
واتحادُهما
(1)
، وَتَعْيِينُ رُمَاةٍ
(2)
وتحديدُ مَسَافَةٍ
(3)
، وَعلمُ عوضٍ، وإباحتُهُ
(4)
، وَخُرُوجٌ عَنِ شِبْهِ قِمَار
(5)
،
وَالله أعْلَم.
(1)
(الشرط الثاني) اتحاد المركوبين بالنوع كالإبل والخيل فلا يصح أن يسابق الفرس العربي إلا مع العربي، ويشترط أيضاً اتحاد القوسين بالنوع، فلا تصح المناضلة بين قوس عربية وقوس فارسية، وإن لم يذكرا أنواع الأقواس في الابتداء لم يصح.
(2)
أي: رماة السهام في المناضلة، وقد تقدم في الشرط الأول.
(3)
(الشرط الثالث) تعيين المسافة ابتداءً وانتهاءً بحيث لا يختلفان فيهما، وهذا في المسابقة على الإبل والخيل، ولا يصح أن يتسابقا بلا غاية ليُنظر أيهما يقف أولاً، كما في شرح المنتهى. وأما في الرمي، فيكون تحديد مدى الرمي بما جرت به العادة، ويعرف ذلك: إما بالمشاهدة نحو: من هنا إلى هناك، وإما بالذراع نحو مائة ذراع ونحوها، ويشترط: ألا تزيد على ثلاث مئة ذراع؛ لأنه تتعذر الإصابة فيه غالباً، ولا يصح الرمي على أن السبق لأبعدهما رمياً؛ لعدم تحديد الغاية، كما في الإقناع.
(4)
(الشرط الرابع) علم العوض: بالمشاهدة أو الوصف، وكونه مباحاً.
(5)
(الشرط الخامس) الخروج عن شِبه القمار، يقال قامره: إذا راهنه فغلبه، وإنما يدخل المتسابقان في شبه القمار إن أخرجا معاً؛ لأن الواحد منهما دخل في المسابقة لا يعلم هل هو غانم فيها أو خاسر .. فالجائز هو: أن يُخرج أحدهما، أو يخرج أجنبي، أو الحاكم، فإن أخرجا معاً لم يخرجا من شبه القمار إلا بإدخال شخص لا يدفع شيئاً - ويسمى محلِّلا -؛ فلا يجيزون هذا إلا بمحلل، ويشترطون فيه: 1 - ألا يُخرج شيئاً، 2 - وأن يكون واحداً لا أكثر، 3 - وأن يكافئ مركوبه مركوبيهما.
والقول الثاني في المذهب: لا يشترط المحلِّل، قال في الإنصاف - بعد أن قدَّم المذهب -:(وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: يجوز من غير محلل، قال: وعدم المحلل أولى وأقرب إلى العدل من كون السبق من أحدهما، وأبلغ في تحصيل مقصود كل منهما، وهو بيان عجز الآخر، وأن الميسر والقمار منه لم يحرم لمجرد المخاطرة، بل لأنه أكلٌ للمال بالباطل، أو للمخاطرة المتضمنة له. انتهى. واختاره صاحب الفائق).
وتابع شيخَ الإسلام ابنُ القيم في كتابه «الفروسية» .