المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب الحج والعمرة - الحواشي السابغات على أخصر المختصرات

[أحمد بن ناصر القعيمي]

فهرس الكتاب

- ‌تقريظ سماحة المفتي العام للمملكة

- ‌تقديم

- ‌تقريظ الشيخ محمد بن عبد الرحمن السماعيل

- ‌مقدمة أسفار

- ‌مصطلحات الحاشية:

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌كتاب الطهارة

- ‌فصل (في الآنية)

- ‌فصل (في الاستنجاء)

- ‌فصل (في السواك وسنن الفطرة)

- ‌فصل (في الوضوء)

- ‌فصل (في المسح على الخفين)

- ‌فصل (في نواقض الوضوء)

- ‌فصل (في الغسل)

- ‌فصل (في التيمم)

- ‌فصل (في إزالة النجاسة)

- ‌فصل في الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌فصل (في الأذان والإقامة)

- ‌فصل (في شروط الصلاة)

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌فصل (في أركانها(1)وواجباتها)

- ‌فصل (في سجود السهو)

- ‌فصل (في صلاةِ التطوع)

- ‌فصل (في صلاة الجماعة)

- ‌فصل (في أحكام الإمامة)

- ‌فصل (في صلاة أهل الأعذار)

- ‌فصل (في القصر والجمع وصلاة الخوف)

- ‌فصل (في صلاة الجمعة)

- ‌فصل (في صلاة العيدين)

- ‌فصل (في صلاتي الكسوف(1)والاستسقاء)

- ‌كتاب الجنائز

- ‌فصل (في غسل الميت وتكفينه)

- ‌فصل (في الصلاة على الميت وحمله ودفنه)

- ‌كتاب الزكاة

- ‌فصل (في زكاة الخارج من الأرض)

- ‌فصل (في زكاة الأثمان والعروض)

- ‌فصل (في زكاة الفطر)

- ‌فصل (في إخراج الزكاة وأهلها)

- ‌كتاب الصيام

- ‌فصل (في مفسدات الصوم وما يكره ويسن فيه)

- ‌فصل (في صوم التطوع)

- ‌فصل (في الاعتكاف

- ‌كتاب الحج والعمرة

- ‌فصل (في المواقيت(1)ومحظورات الإحرام)

- ‌فصل في الْفِدْيَةِ

- ‌باب دخول مكة

- ‌فصل في صفة الحج والعمرة

- ‌فصل (في أركان وواجبات الحج والعمرة)

- ‌فصل في (الهدي والأضحية)

- ‌كتاب الجهاد

- ‌فصل (في عقد الذمة)

- ‌كتاب البيع(1)وسائر المعاملات

- ‌فصل (في الشروط في البيع)

- ‌فصل (في الخيار)

- ‌فصل (في أحكام قبض المبيع)

- ‌فصل (في الربا والصرف)

- ‌فصل (في بيع الأصول والثمار)

- ‌فصل (في السلم)

- ‌فصل في (القرض)

- ‌فصل (في الرهن)

- ‌فصل (في الضمان(1)والكفالة والحوالة)

- ‌فصل (في الصلح)

- ‌فصل (في أحكام الجوار)

- ‌فصل (في الحجر)

- ‌فصل (في المحجور عليه لحظه)

- ‌فصل (في الوكالة)

- ‌فصل (في الشَّرِكَة)

- ‌فصل (في المساقاة(1)والمزارعة)

- ‌فصل (في الإجارة)

- ‌فصل (في لزوم الإجارة وما يوجب الفسخ)

- ‌فصل (في المسابقة)

- ‌فصل (في العارية)

- ‌فصل (في الغصب)

- ‌فصل (في تصرفات الغاصب وغيره)

- ‌فصل (في الشفعة)

- ‌فصل (في الوديعة)

- ‌فصل (في إحياء الموات)

- ‌فصل (في الجِعالة)

- ‌فصل (في اللقطة)

- ‌فصل (في الوقف)

- ‌فصل (في الهبة)

- ‌كتاب الوصايا

- ‌فصل (في الموصى إليه)

- ‌كتاب الفرائض

- ‌فصل (في الجد مع الإخوة)

- ‌فصل (في الحجب)

- ‌فصل (في التعصيب)

- ‌فصل (في التأصيل والعول والرد)

- ‌فصل في ذوي الأرحام

- ‌فصل (في ميراث الحمل)

- ‌كتاب العتق

- ‌كتاب النكاح

- ‌فصل (في أركان النكاح وشروطه)

- ‌فصل (في المحرمات في النكاح)

- ‌فصل (في الشروط في النكاح)

- ‌فصل (في العيوب في النكاح)

- ‌باب الصداق

- ‌فصل في الوليمة

- ‌فصل (في عشرة النساء)

- ‌باب الخلع

- ‌كتاب الطلاق

- ‌فصل (في تعليق الطلاق)

- ‌فصل (في الرجعة)

- ‌فصل (في الإيلاء)

- ‌فصل (في الظهار)

- ‌فصل (في اللعان وما يلحق من النسب)

- ‌باب العِدَد

- ‌فصل (في الرضاع)

- ‌باب النفقات

- ‌فصل (في نفقة الأقارب والمماليك والبهائم)

- ‌فصل (في الحضانة)

- ‌كتاب الجنايات

- ‌فصل (في شروط القصاص)

- ‌فصل (في العفو عن القصاص والقود فيما دون النفس)

- ‌فصل (في الديات)

- ‌فصل (في مقادير ديات النفس)

- ‌فصل (في ديات الأعضاء ومنافعها والشجاج)

- ‌فصل (في العاقلة(1)والقسامة)

- ‌كتاب الحدود

- ‌فصل (في حد المسكر)

- ‌فصل (في القطع في السرقة)

- ‌فصل (في حد قطاع الطريق(1)وفي البغاة)

- ‌فصل (في المرتد)

- ‌فصل (في الأطعمة)

- ‌فصل (في الذكاة)

- ‌فصل (في الصيد)

- ‌باب الأيمان

- ‌فصل (في كفارة اليمين وجامع الأيمان)

- ‌فصل (في النذر)

- ‌كتاب القضاء

- ‌فصل (في الدعاوى والبينات)

- ‌فصل (في القسمة)

- ‌كتاب الشهادات

- ‌فصل (في عدد الشهود)

- ‌فصل (في الشهادة على الشهادة)

- ‌كتاب الإقرار

الفصل: ‌كتاب الحج والعمرة

‌كتاب الحج والعمرة

(1)

يجبان

(2)

على المسلمِ الحرِّ المكَلفِ المستطيعِ

(3)

فِي العُمْر مرّةً على

(1)

الحج لغة: القصد إلى من تعظمه، وشرعاً: قصد مكة للنسك في زمن مخصوص، وهو أحد أركان الإسلام. والعمرة لغة: الزيارة، وشرعاً: زيارة البيت على وجه مخصوص.

(2)

أدلة وجوب الحج كثيرة منها قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران، 97]. أما العمرة، فمن أدلة وجوبها حديث عائشة رضي الله عنها قالت:«قلت: يا رسول الله! على النساء جهاد؟ قال: نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة» ، رواه أحمد وابن ماجه، والرجال أولى، وذكر ابن عثيمين أنه أقوى دليل على وجوب العمرة.

(3)

هذه شروط الوجوب: 1 - الإسلام، 2 - والحرية، فلا يجبان على العبد، 3 - والبلوغ، 4 - والعقل، وقد جمع الماتن البلوغ والعقل في قوله: المكلف، 5 - والاستطاعة: وهي أن يجد زادًا مطلقاً بعيداً كان عن مكة أو قريباً، وأن يجد راحلة - صالحة لمثله - إن كان بعيداً عن مكة أكثر من مسافة قصر؛ فلا تشترط للقريب. ويشترط: كون الزاد والراحلة فاضلين عن كفايته، وكفاية من يمونه، وعن كتب علم يحتاجها، ودين. ومن الاستطاعة أيضاً: سعة الوقت، وأمن طريق يمكن سلوكه بلا خفارة، ودليل لجاهل، وقائد لأعمى.

ص: 255

الفَوْر

(1)

، فإن زَالَ مَانعُ حجٍّ بِعَرَفَةَ، وَعمرَةٍ قبل طوافها، وفُعِلا إذنْ وَقعا فرضاً

(2)

.

وإن عجز لكبَر أو مرض لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ لزمَه أن يُقيم من يحجّ عَنهُ ويعتمرُ من حَيْثُ وجبا

(3)

، ويجزئانه مَا لم يبرأ قبل إحرام نَائِبٍ

(4)

.

(1)

لأن الأوامر على الفور، كما هو مستقر في المذهب.

(2)

فإن زال مانع الحج كأن بلغ الصغير أو أفاق المجنون بعرفة صح الحج منهما فرضاً، فإن كان قد دفع من عرفة قبل زوال المانع ثم زال وعاد فوقف في الوقت صح فرضاً. ومثال ذلك: أن يعرف أن بلوغه خمس عشرة سنة يكون في ساعة كذا بعد دفعه من عرفة، فيلزمه أن يعود ليقف؛ لأن حج الفرض واجب على الفور، ويشترط أيضاً حتى يجزئه عن الفرض: ألا يكون قد سعى بعد طواف القدوم إن كان مفرداً أو قارناً؛ وإلا لم يجزئه ولو أعاد السعي.

وكذا إن زال المانع بعد أن أحرم بالعمرة صحت منه فرضاً بشرط ألا يكون قد شرع في طوافها، وإلا صحت نفلاً، ووجب عليه إعادتها للفرض.

(3)

أي: من البلد الذي وجب عليه فيه فعل الحج والعمرة؛ ويجوز من خارج البلد لكن دون مسافة قصر. فإن لم يفعل، بأن أناب شخصاً من الرياض مثلاً وقد وجب عليه الحج بالأحساء لم يجزئه على المذهب.

(4)

أي: يجزئ حج النائب عن هذا الكبير أو المريض مالم يبرأ قبل إحرام نائبه، فإن برئ قبل إحرام النائب لم يجزئه.

(تتمة) مسألة: لو برئ المستنيب قبل إحرام النائب فحَجَّ النائبُ غيرَ عالمٍ برءَ من أنابه:

أولا: تحرير محل النزاع: اتفق علماء المذهب على أن هذا الحج لا يصح فرضاً عن المستنيب.

ثانياً: اختلف الحنابلة في صحة هذا الحج نفلاً عن المستنيب.

القول الأول: صحة الحج نفلاً عن المستنيب، اختاره ابن نصر الله والنجدي والشطي في حاشيته على الغاية وعبد الرحمن السعدي. فعلى هذا القول لا يلزمه أن يرد النفقة.

القول الثاني: عدم صحة الحج نفلاً عن المستنيب؛ وإنما يصح نفلاً عن النائب، اختاره مرعي الكرمي ومنصور البهوتي في شرح المفردات. وعلى هذا القول يلزمه رد النفقة.

ولعل هذا القول هو المذهب لأمرين: 1 - أنه لا يصح نفل الحج ممن لم يحج الفرض، 2 - ولأن الوكيل ينعزل بعزل الموكل له - ولو لم يعلم -، فكل تصرف تصرفه الوكيل بعد عزله لا يصح؛ والعزل هنا هو برء المستنيب. (خلاف المتأخرين)

ص: 256

وَشُرط لامرأة مَحرَمٌ أيضاً

(1)

، فإن أَيِسَت مِنْهُ استنابت

(2)

.

(1)

هذا الشرط يدخل في الاستطاعة، فيشترط أن تجد محرماً، وأن تقدر على أجرته، وعلى الزاد والراحلة لها وله. وهو شرط وجوب، فإن لم تجد لها محرماً لم يجب عليها الحج. والمحرَم هو: زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة.

(2)

إن أيست المرأة من المحرم وجب عليها أن تستنيب، وهذه المسألة مشكلة في المذهب؛ لأن الأصل أن وجود المحرم شرط لوجوب الحج والعمرة، فكيف تلزمها الاستنابة إن أيست من وجود محرم الذي هو شرط الوجوب؟ وهذه العبارة توجد في الإقناع والمنتهى والتنقيح. وقد حل البهوتي هذا الإشكال في شرح المنتهى - وأصله الفروع وغيره - فبيّن أن المراد: أنه إن وجدت المحرم وفرطت بالتأخير حتى فُقد المحرم ثم أيست منه، فيجب عليها أن تستنيب. أما إن لم تجد محرماً يذهب معها إلى مكة، فلا يجب عليها أن تستنيب ولو كانت من أغنى الناس؛ لأن الحج لم يجب عليها. (إشكال وحله)

(تتمة) لا يجب على الزوج أن يذهب مع امرأته مَحْرَمَاً إلا إذا كان حاجا في تلك السنة فيلزمه أن يكون معها كما في حاشية العنقري، ولا يلزم الزوج أيضا أن يدفع نفقة حجة امرأته لكن ذلك من المروءة، فالعرف عندنا أن الزوج يحجج امرأته، فإن اشترطت عليه أن يدفع نفقة حجها كلها، أو هذا وأن يذهب معها في الحج صح الشرط ولزمه الوفاء به؛ لأنه شرط ما تنتفع به المرأة وهو صحيح كما سيأتي في الشروط في النكاح إن شاء الله.

ص: 257

وإن مَاتَ من لزماه أُخرجا من تركتِه

(1)

.

وَسُنَّ لمريد إحرامٍ

(2)

غُسلٌ

(3)

أو تيَمّمٌ لعذرٍ

(4)

، وتنظفٌ

(5)

، وتطيبٌ فِي بدنٍ

(6)

وَكُرِه فِي ثوبٍ

(7)

، وإحرامٌ بإزار ورداء

(1)

فإن مات من لزمه الحج والعمرة - سواءً بأصل الشرع أو بالنذر - أُخرجا وجوباً من جميع تركته لا من الثلث، أوصى بذلك أو لا.

(2)

الإحرام لغة: نية الدخول في التحريم، وشرعاً: نية الدخول في النسك.

(3)

لأن النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل، كما في حديث زيد بن ثابت، رواه الترمذي.

(4)

سواءً فقد الماء أو لم يستطع استعماله.

(5)

بإزالة الشعور: من حلق عانة، ونتف إبط، وقص شارب؛ لئلا يحتاج إلى ذلك وهو محرِم.

(6)

كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: طيَّبتُ رسول صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف، متفق عليه.

(7)

أي: يكره لمن أراد أن يحرم: أن يتطيب في ثوبه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما تطيب لم يأمر أصحابه رضي الله عنهم بذلك. وبعض العلماء يحرمه؛ لكنه في المذهب مكروه. أما لو تطيب في ثوب ثم خلعه، فإنه لا يجوز له أن يعيده إلا بعد إزالة الطيب منه.

ص: 258

أبيضين

(1)

عقب فَرِيضَةٍ أو رَكْعَتَيْنِ فِي غير وَقت نهي

(2)

.

وَنِيَّتُه شَرطٌ

(3)

، والاشتراطُ

(1)

الإزار: ما يلبس أسفل البدن، والرداء: ما يلبس أعلى البدن. ويسن أن يكونا أبيضين نظيفين جديدين أو غسيلين.

(2)

فيسن أن يحرم بعد فريضة أو ركعتين؛ لقول جبريل عليه السلام للرسول صلى الله عليه وسلم: «صلّ في هذا الوادي المبارك، وقل عمرة في حجة» ، رواه البخاري، والذي أُمر به أن يصليه هو الظهر؛ لأنه خرج إلى ذي الحليفة فصلى فيها الظهر. فالمذهب: أنه إن كان وقت فريضة اكتفى بها، فإن لم يكن عليه فريضة صلى نافلة مقيدة كسنة الفجر مثلاً، وإلا فنافلة مطلقة ما لم يكن وقت نهي، أو يعدم الطهورين، فيحرم عليه أن يصلي نافلة. فإذا صلى سن له أن يحرم عقب صلاته.

(تتمة) قول الماتن: ركعتين: تابع في ذلك المنتهى، لكن السنية تحصل أيضاً بركعة واحدة كصلاة الوتر؛ ولذلك يقول الخلوتي:(لو قال - أي: المنتهى -: أو نفل لكان أحسن؛ لأن هذا لا يتقيد بالركعتين).

(3)

يشترط لانعقاد الإحرام في المذهب النية؛ لحديث: (إنما الأعمال بالنيات)، ومحلها: القلب. أما التلفظ بها فهو مستحب - ولعل التلفظ هنا سراً كما في بقية العبادات - وليس شرطاً؛ فلو أتى الميقات ونوى بقلبه عقد الإحرام بدون أن يتلفظ بشيء أجزأه. أما شيخ الإسلام، فيشترط للدخول في الإحرام مع النية وجود قول كالتلبية، أو فعل كأن يسوق الهدي.

(تتمة) لا يشترط أن يعين النسك من عمرة أو حج، بل يكفي أن ينوي الإحرام فقط؛ لكن لا يجوز له أن يشرع في الطواف حتى يعين نسكه عمرة أو حجاً.

ص: 259

فِيهِ سُنةٌ

(1)

.

وأفضلُ الأنساك التَّمَتُّعُ، وَهُوَ أن يحرمَ بِعُمْرَةٍ فِي أشهرِ الحَج ويفرُغَ مِنْهَا ثمَّ بِهِ فِي عَامه

(2)

.

(1)

الاشتراط في ابتداء الإحرام سنة مطلقاً خاف أو لم يخف؛ لحديث ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها المتفق عليه. ولا بد أن يتلفظ بالاشتراط، فلا يكفي أن ينويه، فيقول:«اللهم إني أريد النسك الفلاني فيسره لي، وتقبله مني، وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني» . ويستفيد من الاشتراط: أنه إن حصل ما يمنعه من إكمال النسك فله أن يفسخ إحرامه، ولا يصير حلالاً بمجرد حصول السبب، بل يخير بين أن يحل وأن يبقى على إحرامه.

(2)

أي: ثم يحرم بالحج في عامه الذي أحرم فيه بالعمرة. فالتمتع أفضل الأنساك عندنا، والرسول صلى الله عليه وسلم تأسف على تركه، وقال:«لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأحللت معكم، ولجعلتها عمرة» متفق عليه؛ لأنه حج قارناً. واختلفت أقوال العلماء في ذلك: فمنهم من قال: إنه كان متمتعاً، ومنهم من قال: إنه كان قارناً، ومنهم من قال: إنه كان مفرداً، وقال في الإنصاف: (قال في الفروع: والأظهر قول أحمد: لا شك أنه كان قارناً، والمتعة أحب إلي، قال الشيخ تقي الدين: وعليه متقدمو الصحابة رضي الله عنهم. وقد نقل القاضي عياض عن الطحاوي أنه كتب أكثر من ألف ورقة في سبب خلاف الصحابة رضي الله عنهم في ذلك، ذكره النووي في شرح مسلم.

ص: 260

ثمَّ الإفرادُ، وَهُوَ أن يُحرم بِحَجٍّ ثمَّ بِعُمْرَةٍ بعد فَرَاغه مِنْهُ

(1)

.

وَالقرَانُ أن يُحْرِم بهما مَعًا أو بهَا ثمَّ يدْخلُهُ عَلَيْهَا قبل الشُّرُوعِ فِي طوافِها

(2)

.

(1)

أي: بعد أن ينتهي من الحج يحرم بعمرة، اقتصر على هذا في التنقيح والمنتهى والغاية، وأما الإقناع فقيده بأنه يُحْرِمُ بعمرةٍ:(إن كانت باقية عليه) قال البهوتي: بأن لم يأت بها من قبل.

(تنبيه) الإفراد عندنا أفضل من القران؛ لأن صاحبه أتى بالحج كاملاً ثم أتى بالعمرة كاملة من أدنى الحل، عكس التمتع، لكن من لم يأت بالعمرة بعد الحج في الإفراد لا يكون أفضل من القارن؛ لأن القارن أتى بنسكين وهدي، والله أعلم.

(2)

القران له ثلاث صور:

(الصورة الأولى) ما ذكره المصنف في قوله: أن يحرم بهما معاً، فيقول سراً: لبيك حجاً وعمرة، أو: نويت حجاً وعمرة، أو: إني أريد حجاً وعمرة، هذا هو المذهب.

(الصورة الثانية) ما ذكره المصنف في قوله: أو بها، أي: يحرم بالعمرة أوّلاً، فيقول: لبيك عمرة مثلاً، ثم يدخله - أي: الحج - قبل الشروع في طوافها. أما بعد الشروع في طوافها فلا يصح إدخال الحج ما لم يكن معه هدي، فإن كان معه هدي فيصح أن يدخل الحج عليها ولو بعد السعي، ويصير بهذا قارناً.

(تتمة) قالوا: لا يشترط لصحة إدخال الحج على العمرة أن يكون قد أحرم بالحج في أشهر الحج لصحة الإحرام به قبل أشهر الحج، وهذا بخلاف التمتع فيشترط لكي يكون متمتعاً أن يحرم بالعمرة والحج في أشهر الحج وفي نفس العام. (فرق فقهي)

(الصورة الثالثة) أن يحرم بالحج ثم يدخل عليه العمرة، وهذه الصورة لا تصح على المذهب؛ لأنه لا يستفيد منها شيئاً؛ لأننا لو صححنا القران لم تختلف أفعاله عن أفعال المفرد، أما الشيخ ابن عثيمين فيرى صحتها، ويقول: إنه يستفيد نسكاً آخر، أي: العمرة، فيرجع بحج وعمرة بخلاف من أحرم بالحج فقط.

(تتمة) يسن للمفرد والقارن فسخ نيتهما بالحج، وينويان بإحرامهما ذلك عمرة مفردة - سواء قبل طواف القدوم والسعي أو أثناءهما أو بعدهما -، فإذا حلا أحرما به ليصيرا متمتعين بشرطين: 1 - ألا يسوقا هدياً، 2 - ألا يكونا وقفا بعرفة.

لكن هل يجوز أن يفسخ المفرد أو القارن الحج بعمرة ونيته ألا يحج ويذهب عن مكة؟ نقل شمس الدين ابن مفلح في الفروع، وابن النجار في شرحه للمنتهى، والبهوتي في الكشاف الخلاف في ذلك وهو:(فإن قيل: هل يصح وإن لم يعتقد فعل الحج من عامه؟ قيل: منعه ابن عقيل وغيره، نقل ابنُ منصور: لا بد أن يهل بالحج من عامه ليستفيد فضيلة التمتع، ولأنه على الفور فلا يؤخره لو لم يحرم به، فكيف وقد أحرم به. واختلف كلام القاضي: وقدم الصحة؛ لأنه بالفسخ حصل على صفة يصح منه التمتع، ولأن العمرة لا تصير حجاً، والحج يصير عمرة، كمن حصر عن عرفة، أو فاته الحج).

ونقل ابن جاسر هذا الخلاف ومال إلى كلام ابن عقيل، فلم يسوغ فسخ الحج إلى عمرة بدون حج بعده، وتعقب القاضي حيث قال:(قلت: وفيما قاله القاضي: نظر؛ لأنه إنما يحصل على صفة يصح منه التمتع إذا حج من عامه الذي فسخ فيه، أما إذا لم يحج عام الفسخ فإن الصفة المذكورة منتفية عنه، فالصحيح ما نقله ابن منصور من أنه لا بد أن يهل بالحج من عامه ليستفيد فضيلة التمتع، وإلا ينو إهلالاً بالحج من عامه، فإنه لا يسوغ له فسخ الحج، والله أعلم).

وكلام ابن عقيل وغيره يفهم منه: المنع لمن لم يحج حجة الإسلام؛ لقوله: (ولأنه على الفور، فلا يؤخره لو لم يحرم به، فكيف وقد أحرم به)، أما من حج حجة الإسلام وفسخ حجه إلى عمرة، فكأنه مسكوت عنه في كلام ابن عقيل.

وممن منع أيضاً فسخَ المفرد والقارن إلى عمرة بلا حج شيخُ الإسلام في شرحه للعمدة حيث قال: (وذلك لأنه إذا أهل بالحج أولاً، فإنما يفسخه إلى عمرة يتمتع بها إلى الحج. وإنما يجوز له فسخه إذا قصد التمتع، فيكون قد قصد الحج وحده، فيكون مدخلاً للعمرة في حجه، وفاعلاً للعمرة والحج، وهذا أكثر مما كان دخل فيه، ولو أراد أن يخرج من الحج بعمرة غير متمتع بها لم يجز ذلك).

قلت: إنما يفيد كلامُ شيخ الإسلام، وابن جاسر تحريمَ التحلل لا عدم صحته، فلو تحلل بالعمرة فقد يقال بصحة تحلله مع الإثم؛ لتركه الحج، والله أعلم.

أما على المذهب: فرأيت لهم كلاماً في باب الفوات والإحصار قد يدل على إباحة تحلل المفرد والقارن بعمرة، وإن لم ينو الحجَّ في نفس السنة، قال في المنتهى وشرحه:(ومَنْ صُدَّ عن عرفة) دون الحرم (في حج تحلل بعمرة مجاناً) أي: ولم يلزمه به دم؛ لأنه يباح مع غير الحصر، فمعه أولى)، وعبارته في الإقناع وشرحه:(وإن صد) المحرم (عن عرفة دون البيت) أي: الحرم (تحلل بـ) أفعال (عمرة ولا شيء عليه)؛ لأن قلب الحج إلى العمرة مباح بلا حصر فمعه أولى)، وذكر نحوه في المغني والشرح الكبير وغيرهما، وكلامهم هذا صريح في إباحة التحلل من الحج بالعمرة، ولم يستثنوا منه شيئاً.

ومما يؤيد عدمَ لزوم الحج: أن حج النافلة لا يلزم إلا بالشروع فيه، وهو لَمَّا فسخ حَجَّه إلى عمرة، لم يشرع في الحج، فكيف نؤثمه على ترك حج لم يشرع فيه؟

أما من أحرم بعمرة ناوياً التمتع بها إلى الحج، ثم لَمَّا تحلل منها عدل عن الحج في تلك السنة، فهذا لا شيء عليه، ولا ينبغي أن يختلف فيه؛ لأن إحرامه الأول لم يكن بحج بل بعمرة، فهو لم يفسخ حجاً، بخلاف من فسخ حج الإفراد أو القران إلى عمرة، والله أعلم.

(تنبيه) ما تقدم من المسائل مقيدة بما إذا لم يكن الحج الذي تركه - ولم يحرم به - فرضاً، وإلا أثم إن لم يحرم به؛ لوجوبه على الفور، والله أعلم.

ثم رأيت كلام ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن يمنع حتى المتمتع من الرجوع بعد عمرته قال: (لو أراد أن يفسخ الحج إلى عمرة مفردة، لم يجز عند أحد، إنما يجوز الفسخ لمن نيته أن يحج بعد متعته من عامه، والمتمتع من حين يحرم بالعمرة دخل في الحج، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دخلت العمرة في الحج) فهذه المتعة التي فُسِخَ إليها هي جزء من الحج، ليست عمرةً مفردةً وهي من الحج بمنزلة الوضوء من غُسل الجنابة، فهي عبادة واحدة قد تخللها الرخصة بالإحلال، وهذا لا يمنع أن تكون واحدة، كطواف الإفاضة، فإنه من تمام الحج، ولا يفعل إلا بعد التحلل الأول، وكذلك رمي الجمار أيام منى من تمام الحج، وهو يُفعل بعد التحلل التام).

ونحوه الشيخ السعدي حيث قال: (فالارتباط إنما هو في وجوب الإتيان بالحج للمتمتع الذي لم يحج، أو الذي فسخ عمرته إلى الحج .. ) الفتاوى السعدية ص 263

ص: 261

وعَلى كُلٍّ من متمتعٍ وقارنٍ إذا كَانَ أُفُقِيَّاً دمُ نسكٍ بِشَرْطِهِ

(1)

.

وإن حَاضَت متمتعةٌ فَخَشِيت فَوَاتَ الْحَجِ أحرمت بِهِ وَصَارَت

(1)

أي: يجب على المتمتع أو القارن إذا كان أفقياً - أي: من غير أهل المسجد الحرام - دم نسك. وإنما يجب على المتمتع بشروط سبعة وهي:

أحدها: ألا يكون من حاضري المسجد الحرام، وهم: أهل الحرم ومن دونه مسافة قصر من الحرم، فلو استوطن مكة أفقي فحاضر. الثاني: أن يعتمر في أشهر الحج، والاعتبار بالشهر الذي أحرم بها فيه لا بالشهر الذي حل منها فيه، فلو أحرم بالعمرة في رمضان ثم حل في شوال لم يكن متمتعاً. الثالث: أن يحج من عامه. الرابع: ألا يسافر بين الحج والعمرة مسافة قصر فأكثر، فإن فعل فأحرم بالحج، فلا دم عليه نصاً. الخامس: أن يحل من العمرة قبل إحرامه بالحج، فإن أحرم به قبل حله منها صار قارناً. السادس: أن يحرم بالعمرة من الميقات أو من مسافة قصر فأكثر من مكة. السابع: أن ينوي التمتع في ابتداء العمرة أو أثنائها.

ص: 265

قارنةً

(1)

.

(1)

أي: أحْرَمتْ بالعمرة ولم تطف، ثم حاضت، أو شرعت في الطواف وحاضت فيه، ولا تنتهي حيضتها إلا بعد طلوع فجر يوم النحر، فإنها حينئذ تخشى فوات الحج؛ فإن فوات الحج يكون لمن لم يقف بعرفة قبل طلوع فجر يوم النحر، فتُدخل إذن الحج على العمرة، وتصير قارنة؛ لأنها لم تشرع بعد في طواف العمرة.

(تتمة) قوله: أحرمت به: أبهم الماتنُ الحكمَ، وحكم الإحرام بالحج هنا: واجب كما ذكره الشيخ منصور، وليس هذا الحكم متعلقاً بالمتمتعة فحسب؛ بل حتى لو خشي غيرُها فوات الحج كمن أحرم بعمرة ثم منع من دخول المسجد الحرام وخشي فوات الحج، فإنه يجب عليه أن يدخل الحج على العمرة، وتتداخل أعمال الحج والعمرة. وأقوى دليل على التداخل في الشريعة: قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: «طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يجزيك لحجك وعمرتك» ، متفق عليه.

(مسألة) يجوز للمتمتع على المذهب أن يعتمر عن شخص ويحج عن آخر، وعليه دم بالشروط السبعة المتقدمة؛ فإذا أحرم بالعمرة قال: أحرمت بعمرة عن فلان، ثم إذا أراد أن يحرم بالحج قال: أحرمت حجاً عن فلان. ووجوب الدم هنا متوقف على الإذن، فإن أذِنا له فالدم عليهما، وإن أذن له أحدهما فعليه النصف والباقي على النائب، وإن لم يأذنا له فلا يخلو: إن عاد للميقات فأحرم منه للحج فلا دم عليه، وإن لم يعد فعليه الدم، كذا فصله البهوتي في الكشاف، ونسبه للشرح الكبير (6/ 102).

ويجوز أيضاً للقارن - الذي يطوف مرة واحدة، ويسعى مرة واحدة - أن يجعل العمرة عن شخص والحج عن شخص آخر، فيقول: أحرمت بعمرة عن فلان، وحج عن فلان؛ لكن هنا قالوا: بإذنهما، ومفهومه: إن لم يأذنا له فيقع الحج والعمرة للنائب فقط، قاله البهوتي في شرح المنتهى (2/ 430)، والدم يكون عليه، وإن أذن له أحدهما دون الآخر فيصح عن الآذن والنائب فقط، ويكون الدم عليهما، والله أعلم.

ص: 266

وَتسن التَّلْبِيَةُ

(1)

، وتتأكد إذا عَلا نَشَزَاً

(2)

أو هَبَط وَادياً، أو صلى مَكتُوبَةً، أو أَقْبَل ليلٌ أو نَهَارٌ

(3)

، أو التَقتِ الرفاقُ، أو رَكِبَ، أو نَزَلَ، أو سَمِعَ ملبياً، أو رأى البَيْتَ، أو فعل مَحْظُورًا نَاسِياً

(4)

.

وَكُره إحرامٌ قبل مِيقَاتٍ

(5)

، وبحجٍ قبل أشهره

(6)

.

(1)

التلبية معروفة؛ ويسن ابتداؤها عقب الإحرام.

(2)

بفتح الشين وسكونها: المكان المرتفع كما في المطلع.

(3)

أي: إن تغير حاله.

(4)

إذا ذكره فإنه يسن له أن يلبي، ولا يسن في المذهب تكرار التلبية وهو في حال واحدة؛ فإذا ركب لبى مرة واحدة، ثم إذا نزل لبى مرة واحدة، وهكذا.

(5)

الإحرام بالحج أو العمرة قبل الميقات المكاني يصح مع الكراهة؛ كمن ميقاته قرن المنازل لكن يحرم من الأحساء.

(6)

أشهر الحج هي: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، فمن أحرم بالحج في رمضان صح مع الكراهة.

(تتمة) لو أحرم بالعمرة قبل غروب الشمس يوم الثلاثين من رمضان، ثم غربت وأتم أعمالها ليلة العيد، فهي عمرة في رمضان، بخلاف العمرة التي يحرم بها يوم الثلاثين من شعبان ثم يتمها بعد غروب الشمس، فلا تكون عمرة في رمضان؛ لأن العبرة بالزمن الذي حصل فيه الإحرام.

ص: 267