الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الشهادات
(1)
تحَمُّلهَا فِي غيرِ حقِّ اللهِ فرضُ كِفَايَةٍ، وأداؤها فرضُ عين
(2)
مَعَ
(1)
الشهادات لغة: جمع شهادة، وهي مشتقة من المشاهدة، يقال: شهد الشيء، إذا رآه، وهي اصطلاحاً: الإخبار بما علمه - أي: الشاهد - بلفظ خاص. والأصل فيها قوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [البقرة، 282]، وقوله صلى الله عليه وسلم:«شاهداك أو يمينه» ، رواه مسلم.
(2)
تحمُّلُ الشهادة - كما قال الشيخ ابن عثيمين، والشيخ عبد الله الفوزان في شرح التسهيل -: الْتِزَامُ الإنسانِ بها. أما أداؤها: فهو أن يشهد بها عند القاضي، وقال السامري في المستوعب:(تحمل الشهادة: هو حالة حفظ الشاهد ما يشهده أو يسمعه، ولا تختص مجالسَ الحكام، وأداؤها: هو الإتيان بها - أي: بالشهادة -، وتختص مجالسَ الحكام)، فلا يظهر أثر الأداء إلا في مجالس الحكام. وفي المنتهى والإقناع: تطلق الشهادة على التحمل والأداء، وفي المطلع:(الشهادة خبر قاطع، والمشاهدة: المعاينة، وتحمل الشهادة وأداؤها: بمعنى المشهود به، .. فالشهادة تطلق على التحمل، والأداء، والمشهود به). وفي الإقناع: (وإذا تحملها وجبت كتابتها؛ لأنه قد يكون رديء الحفظ - أي: الشاهد -، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
فتحمل الشهادة فرض كفاية في غير حق الله، أي: في حق الآدمي كالبيع والشراء وحد القذف، فإن قام بها من يكفي سقطت عن غيره، وأداؤها فرضُ عين على من تحملها. وقد تابع الماتنُ الإقناعَ في جعل الأداء فرض عين، وهو ما قدمه في التنقيح، وهو المذهب، كما قال في الإنصاف، وكما ذكر البهوتي في الكشاف، وظاهر المنتهى - ومثله الغاية، وصريح المعونة - أن أداءها: فرض كفاية، لكن الصحيح الأول، وهي من المسائل النادرة جداً التي جعل فيها البهوتي المذهب ما في الإقناع لا ما في المنتهى. (مخالفة الماتن)
(تتمة) تحمل الشهادة في حقوق الله تعالى: تحمل الشهادة وأداؤها في حق الله تعالى كحد الزنا أو السرقة أو الردة مباحٌ وليس بواجب؛ لأنه مبني على المسامحة، واستحب القاضي والموفق تركها، أما إقامة الدعوى بذلك - وتسمى دعوى الحسبة -، فلا تجوز ولا يسمعها القاضي، لكنه يسمع البينة في حقوق الله تعالى، وهي الشهادة، وفي الإقناع:(فشهادة الشهود به دعوى)، أي: يكفي أن يشهد الشهود ويكون ذلك في ذاته دعوى، ويجب على القاضي إذا قامت عنده بينة على شخص أنه ارتد، أو زنى مثلاً أن يعمل بتلك الشهادة.
القُدرَة بِلَا ضَرَرٍ
(1)
.
(1)
فيشترط لوجوب الأداء والتحمل: 1 - كونه قادراً عليهما، أي: التحمل والأداء، 2 - وأن لا يلحقه بهما ضرر في بدنه أو ماله أو أهله، 3 - وأن يُدعى إليهما، فلا يجب عليه قبل ذلك، لكن يستحب لمن شاهَدَ أمراً أن يُعْلِمَ ربَّ الشهادة أن عنده شهادة له، 4 - وكون الشاهد ممن يقبل الحاكمُ شهادتَه، فلا تجب على الفاسق مثلاً، 5 - وكونها لدون مسافة قصر في التحمل والأداء، وإلا لم تجب.
وَحَرُم أخذُ أُجرةٍ وَجُعلٍ عَلَيهَا، لَا أُجرةُ مركوبٍ لمتأذٍّ بمشي
(1)
، وأن يشهدَ إلا بِمَا يَعلمُه بِرُؤيَة، أو سَماعٍ، أو استفاضةٍ
(2)
عَن عددٍ يَقَعُ بِهِ العلمُ فِيمَا يتَعَذَّرُ علمُهُ غَالِباً بغَيرهَا، كنسبٍ، وَمَوتٍ، وَنِكَاحٍ، وَطَلَاقٍ، ووقفٍ، ومصرفِه
(3)
.
(1)
فيحرم أخذ الأجرة، أو الجُعل على تحمل أو أداء الشهادة، لكن لا يحرم أخذ أجرة مركوب من رب الشهادة لتحملها أو أدائها لمتأذٍ بمشي أو عاجز عنه.
(2)
أي: يحرم أن يشهد إلا بما يعلمه. وطرق العلم التي يجوز أن يشهد بها: 1 - الرؤية: وهي مختصة بالأفعال، كالقتل، والسرقة، وشرب الخمر، وكمن يرى شخصاً يغصب مالاً، أو يضرب أحداً ونحو ذلك، 2 - السماع، وهو ضربان: إما أن يسمع الشاهدُ من المشهود عليه أمراً كالطلاق والعتاق والعقود، وإما بالاستفاضة: وهي أن يشتهر المشهودُ به بين الناس بإعلام بعضهم بعضاً.
(3)
فيشترط لقبول الشهادة المبنية على الاستفاضة شرطان: 1 - أن يسمع الشاهدُ ما يشهد به عن عدد يقع العلمُ بخبرهم، ولا تحد بعدد معين، 2 - وأن يتعذر علمُ المشهود به غالباً بغير الاستفاضة، ومثاله: الموت، والنسب بأن يشتهر كونُ فلانٍ ابناً لفلان، فتجوز الشهادة به بطريق علمه ذلك بالاستفاضة. وقوله:(ووقف ومصرفه): أي: يجوز أن يشهد بالاستفاضة أن هذا البستان وقفٌ على فلان، أو أن مصرف هذا الوقف للفقراء مثلاً؛ لأنه يتعذر غالباً على المرء أن يشاهد مثل هذه الأمور أو يشهد أسبابها أشبهت النسب.
وَاعتُبِر ذكرُ شُرُوطِ مشهودٍ بِهِ
(1)
، وَيجبُ إشهادٌ فِي نِكَاحٍ، وَيُسنُّ فِي غَيرِهِ
(2)
.
وَشُرِطَ فِي شَاهدٍ إسلامٌ، وبلوغٌ، وعقلٌ، ونطقٌ، لَكِن تُقبَلُ من أخرسَ بِخَطِّهِ، وَمِمَّن يُفِيقُ حَال إفاقتِه، وعدالةٌ
(3)
.
(1)
أي: يشترط على من شهد بعقد أو غيره كرضاع أن يذكر شروطَه لتصح شهادته، فمن شهد برضاع مثلاً ذكر عدد الرضعات المحرّمة وغيره من الشروط؛ للاختلاف فيها، فربما اعتقد الشاهد صحة ما لا يصح عند القاضي.
(2)
فكل العقود كالبيع والإجارة وغير ذلك يسن فيها الإشهاد ولا يجب، إلا النكاح، فيجب فيه. (فرق فقهي)
(3)
فيشترط في الشاهد: 1 - الإسلام؛ لقوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [البقرة، 282]، 2 - والبلوغ، فلا تقبل شهادة الصغار ولو على بعضهم، 3 - والعقل، فلا تقبل شهادة المجنون إلا ما سيأتي استثناؤه، 4 - والنطق، أي: الكلام، 5 - والحفظ، فلا تقبل من مغفل ومعروف بكثرة غلط وسهو، 6 - والعدالة في الظاهر والباطن، والعدالة لغة: الاستقامة والاستواء، وشرعاً: استواء أحوال الشخص في دينه واعتدال أقواله وأفعاله.
واستثنى الماتن: قبولَ شهادة الأخرس بخطه لا بالإشارة، وإنما قُبلت إشارته المفهومة في بعض الأحكام كالنكاح والطلاق للضرورة. وكذلك تقبل شهادة المجنون جنوناً غير مطبق، أي: غير مستمر، وكذا المخرف الذي يفيق ويعقل في بعض أحيانه، فتقبل شهادته حال إفاقته.
وَيعتَبرُ لَهَا شَيئَانِ:
الأول: الصّلاحُ فِي الدّين، وَهُوَ أداء الفَرَائِضِ برواتِبِها، وَاجتنَابُ المحَارِم بِأَن لَا يَأتِي كَبِيرَةً وَلَا يُدْمِنَ على صَغِيرَةٍ
(1)
.
(1)
أي: يشترط للعدالة شرطان: (الشرط الأول) الصلاح في الدين، وهو أمران كذلك:[الأمر الأول] أداء الفرائض برواتبها: أي: سُنَنها، فلا تقبل شهادة من داوم على ترك الرواتب، لكن تقبل ممن أتى بها في بعض الأيام وتركها في بعض، والمراد بأداء الفرائض: أداء الصلوات الخمس والجمعة، ويدخل هنا كذلك القيام بالفرائض من صيام وحج. [الأمر الثاني] واجتناب المحارم، بأن لا يأتي كبيرة ولا يدمن - أي: لا يداوم - على صغيرة، وإلا لم يكن عدلاً. والكبيرة على المذهب: ما فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة، وزاد شيخ الإسلام: أو غضب أو لعنة أو نفي إيمان.
(تتمة) عدم الصلاح في الدين هو الفسق، سواء كان من جهة الأفعال كالزاني واللائط، أو من جهة الاعتقاد - ولو اعتقد صحة اعتقاده - كالرافضة المقلدين في سب الصحابة رضي الله عنهم وتفسيقهم، وتقديم علي رضي الله عنه على أبي بكر رضي الله عنه في الخلافة، وكذا المقلد في القول بخلق القرآن، والمقلد في نفي رؤية الله في الآخرة، فكل هؤلاء فسقة، أما المجتهد من هؤلاء الداعية إلى اعتقاده، فإنه يعتبر كافراً على المذهب، والقاعدة عند الحنابلة: أن كل بدعة مكفرة فإن المقلد فيها يكون فاسقاً.
أما الفروع الفقهية المختلف فيها: كالنكاح بلا ولي، وتأخير الحج مع القدرة، وغير ذلك مما هو محرم على المذهب، فمن فعلها مستدلاً على حله باجتهادٍ، أو مقلداً لإمام من الأئمة لم ترد شهادته، ومن فعلها معتقداً تحريمها وقت فعلها، فهو فاسق ترد شهادته، قال في شرح المنتهى:(ولعل المراد مع المداومة، كما يعلم مما سبق. انتهى).
الثَّانِي: استِعمَالُ المرُوءَةِ بِفعلِ مَا يُزَيِّنُهُ ويجمِّلُه، وَتركِ مَا يُدَنِّسُه ويَشِينُهُ
(1)
.
وَلَا تُقبَلُ شَهَادَةُ بعضِ عمودَي نسبِهِ لبَعض
(2)
، وَلَا أحدِ الزَّوجَينِ
(1)
(الشرط الثاني) استعمال المروءة: والمروءة - كما قال الشيخ عثمان -: (هي: كيفية نفسانية تحمل المرء على ملازمة التقوى وترك الرذائل). والمراد باستعمال المروءة: أن يباشر المروءة، وذلك بفعل ما يزينه ويجمله في العادة كالكرم والسخاء وحسن الجوار، وترك ما يعيبه في العادة، ويذكرون: أنه لا تقبل شهادة الرقاص - وهو كثير الرقص -، ولا من يمد رجليه بحضرة الناس، ولا من يكشف من بدنه ما جرت العادة بتغطيته، وغير ذلك.
(تتمة) أما شيخ الإسلام فيخالف ما تقدم من تفصيل الحنابلة للعدالة، ويقول - كما في شرح البهوتي للمنتهى -:(يعتبر العدل في كل زمن بحسبه، حتى لا تضيع الحقوق)، فعلى ذلك، متى تعارف الناس أن فلاناً عدل، فإنه تقبل شهادته، وذلك أوسع من الشروط التي وضعها علماؤنا في المذهب، والله أعلم.
(2)
موانع الشهادة: (المانع الأول) قرابة الولادة: فلا تقبل شهادة بعض عمودَيْ النسب لبعض كشهادة الابن لأبيه أو لجده وبالعكس، وعمودا النسب: هما الأصول والفروع.
للآخَرِ
(1)
، ولا من يجُرُّ بهَا إلى نَفسِهِ نفعاً
(2)
أو يدفَعُ بهَا عَنهَا ضَرَراً
(3)
، وَلَا عَدوٍّ على عدوِّه فِي غيرَ نِكَاحٍ.
وَمن سَرَّه مساءةُ أحدٍ أو غَمَّهُ فرحُه فَهُوَ عَدُوُّه
(4)
، وَمن لَا تُقبَلُ لَهُ
(1)
(المانع الثاني) الزوجية، فلا تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر ولو كان زوجاً له في الماضي، وذلك للتهمة.
(2)
(المانع الثالث) أن يجر بشهادته نفعاً إلى نفسه، أي: ينتفع بالحكم بشهادته، فلا تقبل للتهمة - كما قال التنوخي -، فلا تقبل شهادة شريك لشريكه فيما هو شريك فيه.
(3)
(المانع الرابع) أن يدفع بشهادته ضرراً عن نفسه، فلا تقبل للتهمة كشهادة العاقلة بجَرح شهود قتل الخطأ؛ لأنهم يسقطون بها دية القتل.
(4)
(المانع الخامس) العداوة الدنيوية: فلا تقبل شهادة عدو على عدوه إلا في النكاح، فتقبل؛ لعدم الضرر. وضابط العداوة المعتبرة: أن يسره حدوثُ السوء لمن يشهد عليه، أو يغتم لفرحه. أما الشهادة مع العداوة في الدين كشهادة المسلم على الكافر أو المحق من أهل السنة على المبتدع، فإنها تقبل؛ لأن الدِّين يمنعه من ارتكاب المحظور، وقد عبّر صاحب المنتهى عن هذا المانع بقوله:(العداوة لغير الله تعالى).
(تتمة)(المانع السادس) العصبية: فلا تقبل شهادة لمن عُرف بها كالتعصب لقبيلة على أخرى وإن لم يبلغ رتبة العداوة. و (المانع السابع) الملك: بأن يكون المشهود له يملك الشاهد أو بعضه. و (المانع الثامن) الحرص على أدائها قبل استشهاد من يعلم بها، سواء كان ذلك قبل الدعوى أو بعدها إلا في عتق وطلاق ونحوهما. و (المانع التاسع) أن ترد شهادته لمانع كالفسق، ثم يتوب ويعيدها، فلا تقبل؛ للتهمة، فربما أظهر التوبة لتقبل شهادته، لكن من شهد وهو كافر أو غير مكلف أو أخرس فزال ذلك وأعاد الشهادة، فإنها تقبل؛ لعدم التهمة.
تُقبَلُ عَلَيهِ
(1)
.
(1)
أي: كل من لم تقبل شهادته لشخص ممن تقدم كعمودَي النسب، فإنها تقبل عليه، فتقبل شهادة المرأة على زوجها والأب على ابنه، ويستثنى من ذلك: شهادة الزوج على زوجته بالزنا، فلا تقبل؛ لأنه يقر على نفسه بالعداوة لها؛ لإفسادها فراشه.