الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (في الخيار)
(1)
وَالْخيَار سَبْعَة أقسام:
خِيَارُ مجْلِسٍ
(2)
،
فالمتبايعان بِالْخِيَارِ
(1)
الخيار: اسم مصدر اختار يختار اختياراً، والمراد به في بيع وغيره: طلب خير الأمرين الفسخ أو الإمضاء. وقوله: سبعة أقسام: تابع فيه الإقناع، أما المنتهى فجعلها ثمانية، وذكر الماتنُ القسم الثامن آخر الفصل - وهو: خيار الخلف في الصفة - ولم يجعله قسماً مستقلاً، وأما صاحب الغاية فعَدَّ الأقسام تسعة.
(2)
بكسر اللام، والمراد به: المكان الذي حصل فيه العقد. والأصل في هذا الخيار حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً» ، رواه الشيخان. فكلٌّ من المتبايعين له الخيار بين إمضاء العقد وفسخه. ويستثنى: 1 - ما لو تبايعا على ألا خيار، فلا يثبت لهما، 2 - وكذا لو أسقطاه بعد البيع وقبل التفرق.
(تتمة) العقود التي يثبت فيها خيارُ المجلِس: يثبت في الإجارة، والبيع، وما في معنى البيع كالصلح والهبة على عوض، وكذا ما قبضُهُ شرطٌ لصحته كصرف وسَلَم وربوي بجنسه. ويستثنى: ما تولى فيه الإنسانُ طرفي العقد كأن يكون البائع هو المشتري - كما ذكره ابن النجار في المنتهى -، فلا يثبت له خيار المجلِس.
مَا لم يَتَفَرَّقَا
(1)
بأبدانهما عرفاً
(2)
.
وَخيَارُ شَرطٍ
(3)
، وَهُوَ أن يشترطاه أو أحدُهما مُدَّةً مَعْلُومَةً.
وَحَرُم حِيلَةً وَلم يَصح البيع
(4)
،
وينتقلُ الْمِلك فيهمَا
(1)
بشرط أن يتفرقا اختياراً لا كرهاً، فإن تفرقا كرهاً - لهما أو لأحدهما - أو خوفاً من سيل أو سبُع فهما على خيارهما حتى يتفرقا من مجلس زال فيه الإكراه والإلجاء.
(2)
فيختلف التفرق في المذهب باختلاف موضع البيع، ومرجعه: العرف. فإذا كانوا في صحراء، فالتفرق بأن يمشي أحدهما مستدبراً لصاحبه خطوات، وإذا كانا في بيت حصل التفرق بانتقال أحدهما إلى غرفة غير التي وقع فيها العقد. ولا يشترط انصراف كلا العاقدين من مجلس العقد، فيكفي أن ينصرف أحدهما. ولا يجوز على المذهب أن ينصرف أحدهما خوفاً من أن يفسخ صاحبه؛ للحديث:«ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله» ، رواه النسائي والترمذي وحسنه، إلا إنه إن فعل صار البيع لازماً. وأما فعل ابن عمر رضي الله عنهما، فلعله لم يبلغه الحديث.
(3)
خيار الشرط عبارة عن تمديد لمدة خيار المجلس الذي ينقطع بالتفرق من المجلس، فيمتد إلى ما يتفقان عليه. والأصل في هذا الخيار حديث:«المسلمون على شروطهم» رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وليس له دليل خاص فيما أعلم، والله أعلم.
(4)
وفي نسخة زيادة: (ليربح في قرض) فيشترط لصحة خيار الشرط أمران:
1 -
أن تكون له مدة معلومة، وإن طالت.
2 -
ألا يكون حيلة ليربح في قرض، وإلا حرم ولم يصح العقد، وصورته: أن يبيعه بيتاً مثلاً بمئة ألف ويشترطا الخيار شهراً، ثم بعد الشهر يفسخان، فيعيد البائع - الذي هو مقترض في الحقيقة - الثمن للمشتري - وهو مقرض في الحقيقة -، ويعيد المشتري البيت - الذي كان سكنه مدة الخيار -، ويكون حينئذ قرضاً جر منفعة، فيحرم؛ فهذا بيعٌ في الصورة، وقرضٌ جر نفعاً في الحقيقة.
لمشتر
(1)
، لَكِن يحرم
وَلَا يَصح تصرفٌ فِي مَبِيعٍ وعوضِه مدتَهما
(2)
إلا عتقَ
(1)
أي: في زمن خيار الشرط وخيار المجلس، فينتقل ملك المبيع - من حين العقد - للمشتري، وكذا ينتقل ملكُ الثمن - مدة الخيارين من حين العقد - للبائع، لكن المتون المختصرة كـ"زاد المستقنع" و"أخصر المختصرات" تقتصر على ذكر المشتري ولا تذكر البائع.
ويترتب على هذه المسألة أحكام كثيرة منها: 1 - لو حصل نماء منفصل كثمرة، فهي للمشتري. و 2 - كذا لو أُجِّر المبيع، فالأجرة للمشتري، 3 - وعليه نفقة البهيمة المشتراة، 4 - ولو تلف المبيع - مدة الخيار - فمن ضمانه.
(2)
هذا استثناء من قوله: (وينتقل الملك فيهما)، فيحرم على البائع التصرف في المبيع ولا يصح؛ لأن الملك في المبيع انتقل للمشتري زمن الخيارين، ويحرم أيضاً ولا يصح تصرف المشتري في العوض؛ لأن الملك في العوض انتقل للبائع مدة الخيارين، ويحرم أيضاً ولا يصح تصرف البائع في الثمن المدفوع إليه من المشتري؛ لعدم انقطاع علاقة المشتري بالثمن الذي دفعه، وكذا يحرم ولا يصح تصرف المشتري في المبيع؛ لعدم انقطاع علاقة البائع به، وسواء كان الخيار لهما أو لأحدهما.
مُشْتَرٍ مُطلقًا وإلا تصرُّفُه فِي مَبِيعٍ وَالْخيَارُ لَهُ
(1)
.
وَخيَارُ غبنٍ
(2)
يخرج عَن العَادةِ
(3)
لنَجْش
(1)
يستثنى مما قررناه آنفا: 1 - عتق المشتري للعبد الذي اشتراه مطلقاً سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما، فيصح عتقه؛ لقوة العتق وسرايته، 2 - وتصرف المشتري في المبيع - ببيع أو هبة ونحوهما - حال كون الخيار له فقط، فلو اشترى سيارة واشترط الخيار شهراً، ثم باعها أو أجَّرها خلال مدة الخيار جاز وصح، لكن تصرفه يقطع خياره، ويلزم العقد؛ ما لم يستخدم المبيعَ للتجربة أو لغيرها فلا يسقط خياره، 3 - وتصرف البائع في الثمن حال كون الخيار له فقط، فيجوز ويصح؛ لأنه تصرف في ملكه، لكنه يقطع خيارَه، ويلزم العقد.
أما لو كان الخيار لهما جميعاً فيحرم ولا يصح تصرف المشتري في المبيع والبائع في الثمن إلا بإذن الآخر.
(2)
الغبن لغة: النقص، يقال: غبنه إذا خدعه. والغبن اصطلاحاً: أن يُخدع العاقدُ في ثمن السلعة إما زيادة أو نقصاً يخرج عن العادة، فيُخدع البائعُ فيبيع سلعته بثمن منخفض جداً، أو يُخدع المشتري فيشتري سلعة بثمن مرتفع جداً. وخيار الغبن يكون بين الفسخ والإمضاء مجاناً، وليس له أن يمسك ويطالب بالقدر الذي غُبن فيه، بخلاف خيار العيب. (فرق فقهي)
(3)
فالمرجع في معرفة الغبن العادةُ والعرفُ، لكن الفقهاء يذكرون أن الغبن لا يحصل إلا إذا بلغ عشرين بالمئة نقصا أو زيادة، سواء من جهة البائع أو المشتري؛ فيحمل كلامهم هذا على التمثيل لا التحديد؛ لجعلهم العرف هو المرجع، فالقدر الذي يُعَدُّ في العرف غبناً فهو غبن وإلا فلا.
أو غَيره
(1)
،
لَا لاستعجال
(2)
.
(1)
يثبت خيار الغبن في المذهب في ثلاث صور فقط:
(الصورة الأولى) النجش: وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليغُرَّ المشتري ولو بلا مواطأة مع البائع، فيحرم؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن النجش، متفق عليه.
(الصورة الثانية) المسترسل: وهو المعتمِد على صدق غيره؛ لسلامة سريرته، كما ذكره الخلوتي. وهو شرعاً: الجاهل بالقيمة - من بائع ومشتر - ولا يحسن المماكسة، أي: المساومة بتخفيض السعر، أو يبيع بسعر المثل.
(الصورة الثالثة) تلقي الركبان: بأن يتلقى شخصٌ مَنْ يأتي بالسلع من خارج البلد عند سور البلد، فيشتري منهم بأقل من سعر السوق، أو يبيع عليهم بأكثر منه، فإذا دخلوا البلد ووجدوا أنهم قد غُبنوا - سواء في البيع أو الشراء - فلهم الخيار بفسخ العقد، أو الإمساك بلا أرش. وقد جاء في الحديث:«لا تلقوا الْجَلَب، فمن تلقي فاشتري منه، فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار» ، رواه مسلم، فقوله: فهو بالخيار: يدل على صحة العقد؛ لكون الخيار ثابتاً له، فثبوت الخيار دليل صحة العقد. وحكم تلقي الركبان: مكروه، قاله في الرعاية، وقيل: يحرم، قال البهوتي في الكشاف:(وهو أولى). وفي هذا حماية للمجتمع، فيترك التاجر حتى يدخل البلد ويرى أسعار السوق، فيضع سعراً مناسباً لبضاعته، أو يشتري بسعر السوق.
(تتمة) حكم الغبن: محرم، ويثبت في البيع، والإجارة، بخلاف النكاح، فلا فسخ لأحد الزوجين إن غُبن في المسمى؛ لأن الصداق ليس ركناً في النكاح. (فرق فقهي)
(2)
أي: لو غبن بسبب استعجاله - ولو تأنى لم يُغبن -، لم يثبت له خيار الغبن، ذكره في الإقناع دون المنتهى.
وَخيَار تَدْلِيس
(1)
بِمَا يزِيد بِهِ الثّمنُ كتصرية
(2)
وتسويد شعر جَارِيَة
(3)
.
وَخيَارُ غبنٍ وعيبٍ وتدليسٍ على التَّرَاخِي
(4)
مَا لم يُوجد دَلِيلُ الرِّضَا
(5)
إلا فِي تصريةٍ فَثَلَاثَةُ أيام
(6)
.
وَخيَارُ عيبٍ يُنْقِصُ قيمَةَ المبيع، كَمَرَضٍ وفَقْدِ عُضْوٍ وزيادتِه
(7)
.
(1)
التدليس لغة: من الدَّلَسَ بالتحريك، أي: الظُّلْمَة كالدُّلْسَة، كما في القاموس المحيط. وهو في الاصطلاح: أن يفعل البائعُ في السلعة فعلاً يُظهرها بخلاف ما هي عليه في الواقع، ويزيد به الثمن. والتدليس محرم، لكن العقد صحيح، وللمشتري الخيار- لو حصل التدليس بلا قصد من العاقد - بين الفسخ والإمضاء مجاناً، كما في خيار الغبن.
(2)
التَّصْرِيَة: جمع اللبن في ضرع البهيمة كالشاة ليظن الناظر أن هذا عادتها.
(3)
فمن التدليس تسويد شعر جارية عجوز لتظهر كأنها شابة.
(تنبيه) لو أراد شخص بيع سيارةٍ له وكان عليها غبار مثلاً فغسلها ولمعها، فلا يعتبر ذلك تدليساً؛ لأن فِعلَه يُظهرها على ما هي عليه في الواقع. (تحرير)
(4)
أي: ليست على الفور.
(5)
كتصرفه في المبيع بعد علمه بالعيب ببيع، أو إجارة، أو عَرَضَ ما غُبن فيه للسوم، أو استعمله لغير تجربة كحمله على دابة - بخلاف خيار الشرط، فلا يبطل خيار العاقد بالاستعمال لتجربة وغيرها- فيبطل بذلك خياره. (فرق فقهي)
(6)
وهذا مستثنى من التراخي غير المحدد بزمن؛ للنص الوارد فيه، فيخير المشتري ثلاثة أيام فقط منذ علم بالتصرية بين الإمساك بلا أرش والرد، فإن ردها بعد حلبها رَدَّ معها صاعاً من تمر سليم.
(7)
العيب لغة: الرداءة في السلعة - كما في المطلع -. وهو اصطلاحاً على قسمين: 1 - نقص عين المبيع ولو لم تنقص قيمته، فيعتبر ذلك عيباً، ويثبت به الخيار، 2 - ونقص قيمة المبيع عند التجار وإن لم تنقص عينه، كالسيارة التي أُصلحت بعد حادث؛ فإن عينها مكتملة، لكن قيمتها تنقص بسبب الحادث، ويثبت للمشتري خيار العيب.
وقد اتفق العلماء على أن المشتري إذا وجد عيباً يجهله في السلعة، فإنه يخير بين الفسخ والإمضاء. فإذا اختار الإمضاء، فله الأرش مقابل النقص الحاصل بالعيب، وذلك عند الحنابلة. أما الجمهور فلا يجعلون له مع الإمضاء شيئاً. (مفردات المذهب)
فإذا علم العَيْبَ
(1)
خُيِّر بَين إمساكٍ مَعَ أرشٍ
(2)
أو ردٍّ وأخذِ ثمن.
(1)
أي: بعد العقد، أما إذا علم بالعيب قبلَ، أو أثناءَ العقد فليس له رده بالعيب؛ لدخوله في العقد على بصيرة.
(2)
الأرش: قسط ما بين قيمة المبيع صحيحاً ومعيباً من ثمنه، والثمن هو ما تعاقد عليه المتبايعان، وأما القيمة فهي قيمة السلعة عند التجار في السوق، فالثمن غير القيمة.
وطريقة استخراج الأرش كما يلي:
1 -
يقوّم المبيع عند التجار صحيحاً،
2 -
ثم يقوّم عند التجار معيباً،
3 -
ثم تُقسم قيمته معيباً على قيمته صحيحاً،
4 -
ثم يُضرب الناتج في الثمن الذي تبايعا عليه، والحاصل هو ثمن المبيع معيباً،
5 -
والأرش: هو الفرق بين ثمن المبيع صحيحاً وثمنه معيباً.
ومثاله: لو اشترى شخص سلعة بمئة وخمسين ريالاً فوجدها معيبة. فلما ذهب إلى السوق وجد قيمتها صحيحة مئتي ريال، وقيمتها معيبة مئة ريال. فنقول:
اقسم قيمتها معيبة على قيمتها صحيحة 100÷200= 0، 5 أي: النصف.
ثم اضرب الناتج في الثمن 5، 0 × 150 = 75 ريالاً، وهذا ثمن السلعة معيبة.
أما الأرش: فهو الفرق بين ثمنها صحيحة وثمنها معيبة، وهو إذن: 150 - 75 = 75 ريالاً.
وإن تلف مَبِيعٌ أو أُعتِق وَنَحْوُه تعيَّن أرشٌ
(1)
، وإن تعيَّب عنده أيضاً خُيِّر فِيهِ بَين أخذِ أرشٍ، وردٍّ مَعَ دفع أرشٍ ويأخذُ ثمنَه
(2)
.
(1)
أي: وإن تلف المبيع المعيب أو أُعتق العبد المعيب غيرَ عالم بعيبه، فليس للمشتري إلا الأرش، ولا يخير بين الفسخ والإمضاء، وهذا مقيد: بما إذا لم يدلس البائع العيب بأن عَلِمه وكتمه، فإن كان كذلك فيرجع المشتري بكل الثمن على البائع.
(2)
أي: إذا وجد المشتري عيباً في المبيع، ثم حصل عنده عيب آخر، فهو مخير بين أمرين: الأول: أن يأخذ أرش العيب الأول من البائع ويمسك المبيع، الثاني: يرد المبيع - الذي تبقى فيه ماليته بعد تعيبه - ويدفع معه أرش العيب الذي حصل عنده، ويأخذ الثمن من البائع. وإن زالت ماليته - كبيض دجاج كسره فوجده فاسداً، أو فتح حبة من البطيخ فوجدها فاسدة -، فإن المشتري يرجع على البائع بكل الثمن.
(تتمة) لا يفتقر رد المشتري وفسخه إلى رضا البائع ولا حضوره، ولا إلى حكم حاكم.
وإن اخْتلفَا عِنْدَ من حَدَثَ فَقَوْل مُشْتَرٍ بِيَمِينِهِ
(1)
.
وَخيَارُ تخبيرِ ثمنٍ
(2)
،
فَمَتَى بَان أكثرَ
(3)
، أو أنه اشْتَرَاهُ
(1)
أي: إذا اختلفا هل حدث العيب عند البائع أو المشتري، ولا بينة لأحدهما، ولم يحتمل قول أحدهما، فالقول قول المشتري بيمينه. وهو مقيد: بما إذا لم يخرج المبيع عن يده بحيث لا يشاهده، فإن خرج فليس له رده؛ لاحتمال حدوث العيب عند من خرج عنده. وإن لم يحتمل وجود العيب إلا عند أحدهما، فيقبل قول من نفاه عنده بلا يمين، ومثاله: الأصبع الزائدة، فيقبل فيها قول المشتري؛ لأن العيب كان موجوداً عند البائع.
(2)
البيع نوعان: 1 - المساومة: وهو الذي لا يخبِر فيه البائع بالثمن الذي اشترى به السلعة، وهو البيع المنتشر بين الناس في الغالب، 2 - وبيع بتخبير الثمن: وهو الذي يخبر فيه البائع بالثمن الذي حصّل به السلعة، وله أربع صور: التولية والشركة والمرابحة والمواضعة، ويشترط لصحتها: معرفة العاقدين برأس المال.
أما التولية: فهي بيع السلعة برأس مالها، وأما الشركة: فهي بيع بعضها بقسطها من الثمن الذي حصّلها به، فهي كالتولية لكن في جزء من السلعة، وأما المرابحة: فهي بيعها بثمنها وربح معلوم، وعكسها المواضعة. فلو اشترى مثلاً عشرة كتب بمئة ريال، فالتولية أن يبيع جميعها بمئة، والمرابحة أن يبيعها بمئة وعشرة مثلاً، والمواضعة أن يبيعها بتسعين، والشركة أن يبيع خمسة كتب منها بخمسين.
(3)
أي: بان الثمن الذي كان البائع قد اشترى به السلعة أكثر مما أخبر به عند بيعها. ومثاله: أن يقول البائع للمشتري في التولية: اشتريت السلعة بمئة وأبيعك إياها بمئة، ثم بعد يومين يقول البائع: أخطأتُ، إنما اشتريتها بمئة وعشرين! والمذهب هنا التفصيل: إن لم تكن عند البائع بينة بغلطه فلا يقبل قوله، وإن وجدت عنده بينة بغلطه فتقبل، ويخيَّر مشتر إذن بين رد، وإمساك مع دفع زيادة، قاله في الغاية هنا. (بحث)
مُؤَجّلاً
(1)
، أو مِمَّن لَا تقبل شَهَادَتُه لَهُ
(2)
، أو بأكثرَ من ثمنه حِيلَةً
(3)
،
أو بَاعَ
(1)
ومثاله أن يقول البائع للمشتري: اشتريتُ هذا الكأس بمئة وأبيعك إياه بمئة تولية، فيقبل المشتري، ثم يتبين بعد ذلك أن البائع إنما اشتراه بمئة مؤجلاً، ولم يخبر المشتري بذلك. والغالب أن ثمن المؤجل أعلى من ثمن الحالّ. فإذا تبين للمشتري ذلك خُيِّر بين الفسخ والإمضاء مع دفع الثمن حالاً. وقد خالف الماتنُ المذهبَ في هذه المسألة، فالمذهب عدم تخيير المشتري بالفسخ، وإنما يؤجل عليه الثمن بنفس ما أُجل على البائع، ولا فسخ للمشتري. (مخالفة الماتن)
(2)
كالزوجة وعمودي النسب أصولاً وفروعاً، فلو اشترى البائع السلعة ممن لا تقبل شهادته له، ولم يخبر المشتري بذلك، فللمشتري الخيار بين الإمضاء والفسخ. والسبب في ذلك: أن البائع متَّهم في حقهم؛ لكونه يحابي من لا تقبل شهادته له بزيادة الثمن.
(3)
المسألة بهذه الصيغة: (بأكثر من ثمنه حيلة) لم يذكرها إلا الإقناعُ - وكذا الزاد -، ولم أرها بهذه الصيغة في المنتهى ولا الغاية ولا الفروع، وذكرها الرحيباني في المطالب .. ومَثَّلَ لها في الإقناع - في نسخه المطبوعة التي وقفت عليها بتحقيق الشيخ التركي ووزارة العدل- بقوله:(كشرائه من غلام كأنه الحر أو غيره، وكتمه في تخبيره، فللمشتري الخيار إذا علم بين الإمساك والرد)، ثم وقفتُ على صورة لمخطوطة للإقناع بهذا النحو:(كشرائه من غلام دكانه الحر أو غيره .. الخ)، وهو الموافق لأصل المسألة في المغني والشرح بهذا اللفظ:(وإن اشتراه بأكثر من ثمنه حيلة مثل أن يشتريه من غلام دكانه الحر، أو غيره على وجه الحيلة لم يجز بيعه مرابحة حتى يبين أمرَه؛ لأن ذلك تدليس وحرام على ما بيناه، وإن لم يكن حيلة فقال القاضي: إذا باعه سلعة ثم اشتراها منه بأكثر من ذلك لم يجز بيعه مرابحة حتى يبين أمره، ولا نعلم فيه خلافاً، ولأنه مُتهم في حقه، فأشبه من لا تقبل شهادته له)، وكذلك في الفوائد المنتخبات لابن جامع. فتكون صورة المسألة: أن يبيع سيارة مثلاً لشخص يبيع عنده في دكانه بمائة أو لغيره، ثم يشتريها منه بمائة وعشرين، فيلزمه أن يبين كل هذا للمشتري. ومثَّل لها الشيخ ابن عثيمين في تعليقه على الروض المربع بقوله:(ومن الحيلة: أن يشتريها في مقابلة دين له على بائعها ليتخلص منه)؛ فإذا كان لزيد على عمرو دين مائة ريال مثلاً، فاشترى زيد من عمرو كتاباً، وجعل ثمنه المائة ريال التي في ذمة عمرو، ثم أراد زيد أن يبيع الكتاب لخالد، فعلى زيد أن يبين الحال كله.
ولعل هذه المسألة هي المحاباة التي ذكرها في الفروع والمنتهى وغيرهما، قال في المنتهى شرحه:((أو) اشتراه (ممن حاباه) أي: اشتراه منه بأكثر من ثمن مثله، لزمه أن يبين)؛ لكن الرحيباني في المطالب لما ذكرها في الغاية عطف عليها مسألة: وإن اشترى من غلام دكانه الحر .. إلخ. (بحث)
بعضَه بِقسْطِهِ وَلم يبين ذَلِك
(1)
،
(1)
أي: باع بعض المبيع بقسطه من الثمن. ومثاله: أن يشتري شخص عمارة وفرساً معاً بمائة ألف، ثم يقول للمشتري: أبيعك الفرس بثلاثين ألفاً، وهذا ثمنه! فالبائع هو الذي قدّر ثمن الفرس من المائة ألف، ولا يسلّم له ذلك التقدير، فإذا لم يخبر البائعُ المشتري بهذه الحال، ثبت للمشتري الخيار بين الإمضاء والفسخ. أما لو اشترى شخص عشرين قلماً بعشرين ريالاً، ثم باع خمسة منها بخمسة ريالات ولم يبين ذلك للمشتري، فهو شركة - كما تقدم - ولا خيار فيها. فإنما يثبت الخيار إذا لم يكن المبيع من المتماثلات المتساوية كالعمارة مع الفرس.
فلمشترٍ الْخِيَار
(1)
.
وَخيَارٌ لاخْتِلَاف الْمُتَبَايعين، فإذا اخْتلفَا فِي قدرِ ثمنٍ
(2)
أو أجرةٍ وَلَا بَيِّنَةَ أو لَهما
(3)
حلف بَائِعٌ
(4)
: مَا بِعته بِكَذَا وإنما بِعتُه بِكَذَا
(5)
، ثمَّ مُشْتَرٍ: مَا اشْتَرَيْتُه بِكَذَا وإنما اشْتَرَيْتُه بِكَذَا، وَلكُلٍّ الْفَسْخُ إن لم يرض بقول الآخر
(6)
،
(1)
بين الفسخ والإمضاء مجاناً.
(2)
كأن يقول البائع: بعتك بمئة، فيقول المشتري: إنما بعتني بثمانين.
(3)
أي: لكلٍ بينة، فتتعارضا وتتساقطا.
(4)
وهذا مقيد: بما إذا لم يقبض البائعُ الثمنَ؛ فإن قبضه، وفُسِخ البيعُ بإقالة أو غيرها، فالقول قول البائع بيمينه.
(5)
فيقول مثلاً: والله ما بعتُه بثمانين وإنما بعتُه بمئة، ويقدم النفي على الإثبات وجوباً كالمشتري.
(6)
فلا ينفسخ العقد بمجرد التحالف، بل إن رضي أحدهما بقول الآخر مضى على ما رضي به، وإن لم يرض أحدهما بقول الآخر فله الفسخ، ويرد المشتري السلعةَ، والبائعُ الثمنَ.
(تتمة) الكلام في الاختلاف في الأجرة في عقد الإجارة كالكلام في الاختلاف في الثمن هنا.
وَبعد تلفٍ يَتَحَالَفَانِ وَيغرمُ مُشْتَرٍ قِيمَتَه
(1)
.
وإن اخْتلفَا فِي أجل
(2)
أو شَرطٍ
(3)
وَنَحْوه
(4)
فَقَوْل نافٍ، أو عينِ مَبِيع
(5)
أو قدره
(6)
فَقَوْلُ بَائِع.
(1)
أي: إن اختلفا بعد تلف السلعة تحالفا، كما مر آنفاً. فإن لم يرض أحدهما بقول الآخر فسخ العقد وغرم المشتري قيمة المبيع التالف. وهذه المسألة من المسائل مستثناة من الأصل في ضمان المثليات، فيضمن المبيع هنا بالقيمة، ولو كان مثلياً.
(2)
بأن يدَّعِي أحدُهُما أن الثمن مؤجلٌ وينكره الآخرُ، فيُقبل قولُ نافي الأجل؛ لأن الأصل في العقود الحلول في المبيع والثمن. ولو اتفقا على الأجل لكن اختلفا في قدره كأن يقول أحدهما: الأجل سنة، ويقول الآخر: بل نصفها، قُدم قول الثاني؛ لأنه منكر لما زاد على المتفق عليه، وهو نصف السنة.
(3)
بأن اختلفا في وجوده، فيقول أحدهما: اشترطتُ في المعقود عليه كذا، فينفي الآخر الشرط، فيقدم قول النافي، وسواء كان الشرط المختلف في وجوده أو نفيه صحيحاً أو فاسداً، فيقبل قول نافيه.
(4)
كرهن، فيقول البائع: اشترطتُ رهناً، فينكر المشتري، فالقول قوله؛ لأن الأصل خلو العقود من الرهن إلا بشرط، وكل ما قلنا فيه: يقدم قول فلان، فإنما يكون مع يمينه.
(5)
كأن يقول البائع: إنما بعتك هذه السيارة، فيقول المشتري: إنما اشتريت منك السيارة الأخرى، فيُقدم هنا قول البائع على المذهب، خلافاً للزاد، فإنه جعلهما يتحالفان.
(6)
أي: قدر المبيع، فيقول البائع: بعتك خمس سيارات، ويقول المشتري: بل اشتريت منك سبعا، فيقدم قول البائع بيمينه؛ لأنه منكر للزيادة.
وَيثبت للخلف فِي الصّفة
(1)
وَتغَير مَا تقدّمت رُؤْيَته
(2)
.
(1)
وهو الخيار الثامن الذي أثبته صاحب المنتهى، خلافاً للإقناع الذي ذكره في أحد شروط البيع، وهو شرط: أن يكون المبيع معلوماً للعاقدين. وهذا الخيار مختص بالمبيع الموصوف المعين الغائب عن مجلس العقد، أو المبيع الموصوف المعين الحاضر في مجلس العقد، لكنه مغطى لا يراه العاقد، كأن يشتري شخص سيارة موصوفة معينة غائبة، ويشترط فيها شروطاً كاللون والصناعة، ثم يجدها على غير الصفة التي اشترطها، فيثبت له الخيار للخُلف في الصفة: بين الفسخ والإمضاء مجاناً.
أما لو اشترى دابة معينة حاضرة غير موصوفة، واشترط كونها سريعة أو لبوناً، فوجدها على خلاف ذلك، فله الخيار بين الفسخ والإمساك، فإن أمسك فله أرش فَقْد الصفة. أما في الصورة الأولى، فالسلعة معينة لكنها غائبة مبيعة بالصفة، ولا يكون فيها أرش مع الإمساك. (فرق فقهي)
(2)
تقدم أن من شروط البيع: العلم بالمبيع، ومن طرق العلم بالمبيع: رؤيته قبل العقد بزمن يسير لا يتغير فيه هذا المبيع؛ فإذا اشترى شخص سلعة بهذه الطريقة ثم وجدها متغيرة، فله الخيار بين الفسخ والإمضاء مجاناً.